في تلك اللحظة، انطلقت هيئة من داخل الجليد فجأة.
شعرت إيف على الفور أنها ليليث، فمدّت يدها نحوها بلا وعي.
“آه!”
لكن أظافر ليليث الحادة مزّقت ذراعها وطرحتها أرضًا بقوة.
لم يكن ذلك أبدًا من فعل بشر… القوة كانت خارقة بشكل لا يُصدق.
“أوه…”
نزف ذراعها دمًا غزيرًا، لكنها تجاهلت الألم ومدّت يدها مجددًا بسرعة لاطلاق تعاويذها.
لم يكن هناك مجال للتراجع… لو أصبحت عاجزة عن القتال الآن، فلن تكون هناك فرصة للنجاة.
“…! أنتِ!”
ارتسم الذهول والغضب على وجه ليليث التي لم تكن تتوقع هجومًا مباغتًا.
كانت طبقات الجليد المتناثرة على الأرض قد امتدت بالفعل لتلتف حول قدميها وتحبسها أكثر فأكثر.
“مجرد ساحرة استيقظت لتوها؟!”
حين أرسلت ليليث الرسالة إلى قصر الكونت إستيلّا، كانت قد تعقبت طاقة إيف من خلال ختم خاص، وابتسمت باستخفاف. ظنّت أن طاقتها الخام غير المنضبطة ستكون سهلة الكبح… لكن ذلك كان خطأً فادحًا.
عينَا ليليث بدأتا تتلونان تدريجيًا بالسواد المائل إلى الحمرة، وملامحها لم تعد بشرية. ومع تغير مظهرها المخيف، شعرت إيف بخطر حقيقي، وبدأت تفكر بسرعة.
‘ما الطريقة التي قالها باليريان لقتل الشياطين؟‘
استرجعت على الفور الحوار الذي دار بينهما في وقت سابق:
“لقتل الشيطان، عليكِ أن تقطعين رأسه بسيف مقدّس أو بسكينة مغطاة بالماء المقدسة يا إيف.”
كان صوته واضحًا في ذهنها، حين شرح لها الأمر بلطف أثناء حديثهما عن كيفية قتال الشياطين.
لكنها لم تكن تملك سيفًا مقدسًا، ولا ماءً مقدسًا، فذلك من ممتلكات الكهنة رفيعي الرتبة ولا يُتاح للجميع.
‘هل هذا يعني أنني لا أملك وسيلة لقتلها؟‘
في لحظة تفكير عميق، شهقت وكأنها تذكّرت أمرًا مهمًا.
‘آه، هناك وسيلة أخرى!’
كانت قد قرأت عن ذلك في كتاب سحر محظور عن الشياطين، قبل مجيئها إلى هنا.
[يمكن قتل الشيطان بسحب كل الطاقة السحرية من جسده.]
رغم أنها لم تتدرّب على تطبيق هذه الطريقة عمليًا، وكانت تعرف النظرية فقط، فقد قررت أن تُجرّب.
‘حتى لو فشلت، أستطيع الفرار بعد أن أقيّدها بالجليد.’
وبينما راحت ليليث تصرخ وتنتفض داخل الجليد، أغمضت إيف عينيها وتخيلت قواها السحرية المتناثرة في الجليد وهي تخترق جسد ليليث وتسحب طاقتها السحرية تدريجيًا.
وفجأة، شعرت إيف وكأن طاقتها تنسحب من جسدها دفعة واحدة، فداهمها إحساس غريب بالوهن جعلها تترنح، ثم انهارت جالسة على الأرض. بدأت الدنيا تدور في رأسها.
“ااااااه!”
صرخة مروعة ملأت المكان.
فتحت إيف عينيها بسرعة مندهشة، لتُصدم بما رأته أمامها.
“ليليث…؟“
كانت الصرخة حقيقية، لكنها لم تجد أي أثر لها داخل الجليد… فقط رماد أسود.
ليليث… تحوّلت إلى رماد.
‘هل ماتت… بهذه السهولة؟‘
نظرت إيف من حولها بذهول، لا تُصدّق ما حدث. صحيح أن ليليث كانت قد استهانت بها، لكن أن تُقتل بهذه السرعة؟ لم يكن معقولًا.
وما كان أكثر دهشة… هو مدى قوة سحرها الذي لم تكن تتوقعه إطلاقًا.
‘لو انكشف أمري… فسأُحرق حيّة!’
البشر بطبيعتهم يخافون القوة الطاغية. والطريقة الوحيدة للتخلص من هذا الخوف… هي القضاء على مصدره.
ومع هذه القناعة، توجّهت إيف بسرعة إلى المكان الذي تحولت فيه ليليث إلى رماد.
“يجب أن أُخفي كل أثر لها أولًا.”
بدا الرماد كما لو أنه بقايا نار انطفأت بعد مخيم، لكن لو رآه أحد فرسان الهيكل المتمرسين في صيد الشياطين… فقد يكشفون الحقيقة.
‘يجب ألا يدرك باليريان أنني كنت هنا.’
ربما كان باليريان أكثر من قتل شياطين خلال السنوات الأخيرة، ولو رأى هذا الرماد… ستكون نهايتها.
ومع هذا الإدراك، بدأت تحفر الأرض بعناية أكبر، تدفن ما تبقى من ليليث.
‘لحسن الحظ، باليريان لا يعلم أنني أتيت إلى هذا المكان.’
آخر ما رأته منه كان حين كان البابا يُرشّه بالماء المقدّس بينما كان راكعًا وعيناه مغمضتان.
بعد أن انتهت من دفن الرماد بعناية، ألقت نظرة حذرة من حولها.
الغابة الكثيفة كانت مكوّنة من أشجار جافة متشابكة الأغصان، والجو كان باردًا وقاحلًا، يبعث على الوحشة.
وفجأة، أدركت إيف أنها نسيت أمرًا في غاية الأهمية، فتطلّعت إلى السماء وهمست:
“لكن… أين أنا بالضبط؟“
* * *
في كاتدرائية الكنيسة الرئيسية
كان طقس منح الفروسية للفرسان يجري في فترة ما بعد الظهيرة.
وفجأة، صاحت رئيسة الكهنة أرييل في ذهول من تصرف باليريان المفاجئ.
“باليريان!”
لقد قفز من على المنصة دون سابق إنذار!
بوجه فقد هدوءه المعتاد، اندفع يشق طريقه بين الحشود وهو يعضّ شفتيه بشدة.
‘إيف!’
لم تكن هناك. حتى وقتٍ قريب، كانت تتابع مراسم تنصيبه بالقرب من هنا، لكنها اختفت مع المرأة التي كانت تقف بجانبها.
حين أمسكت تلك المرأة بذراع إيف واستخدمت سحرها، أدرك باليريان الحقيقة على الفور:
“إنها شيطانة من الرُتبة العليا.”
لكن بعد أن استوعب الأمر، كانت إيف قد اختُطِفَت بالفعل.
قلبه بدأ يخفق بعنف تحت وطأة القلق، وضجيج دقاته طغى على كل صوتٍ من حوله.
لكن من كانوا بجواره لم ينتبهوا لأي شيء. كانوا فقط مبتهجين لرؤية إيلا.
“سيد لودفيغ! أنا من معجبيك!”
رمقهم باليريان بنظرات باردة حادة، قبل أن يدرك أمرًا مهمًّا:
تصرفاتهم لا تدل على أنهم شهدوا حادثة اختفاء.
‘لقد استُخدم سحر الصمت.’
وهذا يعني أن من اختطف إيف شيطان ماهر للغاية.
مجرد قدرته على استخدام سحر الانتقال الآني يثبت ذلك.
‘لكن… إلى أين أخذها؟‘
كتم شعوره المتزايد بالذعر والقلق، وأغمض عينيه باحثًا عن أثر السحر الشيطاني.
حتى وإن مُسِحت آثار السحر، فلا يمكن إخفاء الجوهر المظلم.
فطاقة الشمس وسحر الشياطين نقيضان، لذا كان عليه فقط العثور على نقطة اصطدامهما.
سرعان ما امتدّ النور المقدس الخاص به في الهواء.
“باليريان!”
رئيسة الكهنة أرييل لحقته بوجهٍ مذعور. لمّا نظرت سريعًا إلى المنصة، رأت البابا متهيجًا احمرّ وجهه.
وقد تحركت شفتاه غاضبًا:
“أعدي إيلا فورًا!”
فهمت أرييل ما قاله، وتنهدت بوجه متضايق.
قبل مجيئهم، كان البابا قد أبدى تذمرًا من مجرد حضور الطقوس، إذ كان يفضل تمضية الوقت في لقاء سري مع السيدة سيلفيا.
أخفت أرييل ازدراءها داخليًا:
‘علينا إبقاءه في هذا المنصب لبعض الوقت.’
على الأقل حتى تظهر القديسة، كان لا بد من وجود وجه يواجه قذارة ما يجري في الفاتيكان.
أمسكت بذراع باليريان محاوِلة إقناعه:
“المراسم لم تنتهِ بعد. عد الآن لتلقي بركة الفروسية!”
ظهر التوتر على ملامحها. لم يكن ممكنًا أن يغادر مجلسه أمام كل هذه الحشود.
ليس من أجل سمعة المملكة المقدسة فحسب، بل لأن هذه المراسم كانت شرطًا لإعلانه فارس القديسة الكامل.
“باليريان لودفيغ!”
ورغم استجدائها، لم يبدُ عليه أي تأثر.
قال فقط:
“سأؤجل المراسم.”
ثم شق طريقه بين الناس واختفى. بقيت أرييل تنظر خلفه في ذهول.
“لا يعقل… إيف إستيلا؟“
كلما تصرّف باليريان بتلك الطريقة، كانت إيف غالبًا السبب.
وقفت في مكانها، تغرق في التفكير. لكن الأمر لم يطل.
‘كل هذا لأجل باليريان والمملكة.’
استدارت وسارت نحو البابا، حيث دار بينهما حديثٌ سري خافت.
وفي تلك الأثناء، كان باليريان قد استدعى فرسان الكنيسة وتوجه فورًا إلى غابة الوحوش.
كان يركب جواده بجنون، وقلبه يضيق أكثر فأكثر.
رغم كل ما بذله من جهد ليقمع مشاعره نحو إيف، فقدانها أمام عينيه كاد يدفعه للجنون.
لم يكن يسمع شيئًا، وكأن العالم أصبح طنينًا بعيدًا.
‘إيف…’
سيطرت عليه فكرة أنها قد تكون في خطر. لم يشعر حتى بحرارة اللجام التي كانت تذوب في يده، وكان يستحث جواده كمن فقد صوابه.
“سيدي القائد.”
وصلوا إلى الغابة، والتفت الفرسان بوجوه مذهولة إلى باليريان.
كانوا قد انطلقوا بسرعة دون أن يفهموا السبب الحقيقي.
“يوجد شيطان رفيع المستوى هنا.”
كلماته القليلة كانت كافية لإثارة الذعر.
فرسان الكنيسة تبادلوا النظرات بوجوه متوترة.
عادةً، لا يتحرك الشياطين من الرتبة العليا بأنفسهم، بل يكتفون بقيادة الوحوش والأدنى منهم من الشياطين.
أما أن يتحرك أحدهم بنفسه؟ فهذا أمرٌ خطير.
تصلبت وجوه الفرسان وتجمّدت ملامحهم.
قال أحد الفرسان:
“هذه القوة لا تكفي. علينا طلب تعزيزات، يا سيدي القائد.”
لكن باليريان هز رأسه ونظر بحدة إلى الغابة:
“هناك رهينة بالداخل.”
أي ضجة زائدة قد تعرّض إيف للخطر.
لذا جلب معه فقط أفضل الفرسان وأكثرهم كفاءة، في أقل عدد ممكن.
“… رهينة؟“
تغيرت وجوه الفرسان من القلق إلى الجدية.
قسم باليريان القوات إلى أربع مجموعات للبحث.
ومع مرور ساعة، بدأ يفقد أعصابه مجددًا.
‘إيف…’
‘أين هي بحق خالق السماء؟‘
السحر المتناثر في الغابة كان يعوق تتبع أثر الشيطان بدقة.
وفجأة…
“سيدي القائد! لقد عثرنا على أثر!”
وصل فارس إليه مسرعًا وأخبره. هرع باليريان إلى الموقع.
وما إن وصل حتى اتسعت عيناه بدهشة.
“… ما هذا؟“
كانت الأرض مدمّرة تمامًا، كما لو أن معركة كبيرة قد وقعت قبل قليل.
وكان هناك آثار دماء بشرية، لا دم شيطان أسود، بل دم أحمر.
قال أحد الفرسان بصوت خافت:
“سيدي القائد… يبدو أن…”
وانخفضت رؤوسهم بوجه كئيب.
لو تورّط أحد البشر في مثل هذا القتال، فمن المرجّح أنه لم ينجُ.
وقف باليريان يحدّق في الأرض كمن فقد روحه، وتمتم في شرود:
“مستحيل…”
لا يمكن أن تكون إيف قد ماتت.
ترجمة : سنو
واتباد : punnychanehe
الحساب الاحتياطي: punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 30"