وقفت إيف أمام غرفة النوم الخالية، وشعرت بخيبة أمل تسري في صدرها.
لقد كانت تتجول في البحيرة طوال المساء، حتى عادت إلى المنزل في وقت متأخر على غير عادتها.
ولذلك، كانت تتوقع أن يكون باليريان قد عاد وخلد إلى النوم بالفعل.
‘الساعة الآن الثانية عشرة ليلًا.’
لكن فاليريان لم يكن قد عاد بعد.
رغم تولّيه منصب قائد فرسان الإمبراطورية، إلا أنه لم يتأخر إلى هذا الحدّ من قبل، وحتى الآن، هو يعمل فقط لدى القصر وليس ضمن فرسان الكنيسة.
كلما فكّرت في الأمر أكثر، وصلت إلى نتيجة واحدة “أنه يتعمد تجنّبها.”
* * *
بعد لحظات.
فُتح الباب بهدوء، خشية إيقاظ من بالداخل.
وتلاقت عينا إيف الحمراوان بنظرة مع عينيه الزرقاوين المتألقتين من خلال فتحة الباب.
“آه، إيف… لم تكوني نائمة بعد؟“
وكما توقعت، كان الداخل هو باليريان.
تفاجأ لرؤيتها مستيقظة، وكأنّه لم يتوقع وجودها وانعكس ذلك جليًا على ملامحه.
“ولِم لا أكون مستيقظة في هذا الوقت؟“
ردّت إيف بحدة، وقد لاحظت ارتباكه الطفيف.
‘ومن السبب الذي جعلني أظل مستيقظة حتى الآن؟‘
بل إن عبارته تلك بدت لها وكأنها تعني…
‘كأنه كان ينتظر أن أنام قبل أن يدخل…’
هل يكرههـا إلى هذا الحد؟
كلما استرسلت في التفكير، لم تجد سوى نهايات قاتمة تتراءى في مخيّلتها.
أرادت أن تواجهه بما في قلبها، لكنها خافت أن يوافقها على تلك الظنون.
شعور الخوف جعلها تمسك الوسادة خلف ظهرها بشدة دون وعي.
“لا… ليس هذا ما قصدت. إيف، هل أنت بخير؟“
سألها باليريان بقلق وهو يتفحّص ملامحها. وجهها بدا مختلفًا عن المعتاد، شيء ما كان غير طبيعي.
لو كانت إيف بحالتها المعتادة، لكانت لاحظت من نظراته وتصرفاته أنه لا يزال يهتم بها، لكن ما مرّت به في الشهر الماضي جعلها تفقد تلك القدرة على التمييز.
‘لا، لست بخير!’
صرخةٌ كانت تتوق إلى التفجّر، لكن لم تستطع إخراجها.
لأنها إن قالت إنها ليست بخير، فسيلحّ بالسؤال عن السبب، وهي لا تستطيع قول الحقيقة… أن كل ما يؤلمها هو افتقاد العلاقة الحميمة بينهما.
لكنها أيضًا لم تكن تودّ أن تختلق أعذارًا واهية.
فذلك كان ما تبقى من كرامتها.
ومع أن لا أحد يستطيع إخفاء مشاعره إلى الأبد، إلا أن هذا الكتمان كان مؤلمًا للغاية بالنسبة لإيف، التي لطالما عُرفت بصراحتها.
وأخيرًا، تحركت شفتيها في هدوء بعد صمت طويل.
“أنا متعبة قليلًا… سأنام وحدي الليلة.”
“آه… “
رأته يهمّ بالكلام، لكن دون أن تمنحه فرصة، أخذت الوسادة وغادرت الغرفة.
كان انتقامًا صغيرًا، أرادت أن يعرف كيف يكون الشعور حين يُترَك وحيدًا في الغرفة.
“ربما يكون مسرورًا بذلك.”
وأخيرًا تحررت منها… لعلّ هذا ما يدور في ذهنه.
سارت إيف في أرجاء القصر بسخط، حتى لمحت بعض الخدم قادمين، فهرعت تختبئ خلف أحد الأعمدة.
“أوه!’
لو رآها الخدم وهي تحمل وسادتها هكذا، فستنتشر الأقاويل في القصر لا محالة.
“يبدو أن علاقة دوق ودوقة لودفيغ قد فترت.”
وحين تنتشر هذه الشائعات، ستلطّخ سمعة العائلة بلا شك، فهذه النوعية من القصص هي ما يعشقه الناس.
‘لماذا أنا من يقلق بشأن هذا أيضًا؟‘
تنهدت إيف بمرارة.
بدت سخيفة في نظر نفسها، لأنها حتى في هذا الظرف، كانت لا تزال تفكر في باليريان.
وفجأة، لمعت ومضة ضوء صغيرة عند قدميها، وللحظات فقط، اختفى جسدها من المكان.
في هذه الأثناء، بقي باليريان في الغرفة وحده، كأنّه صار تمثالًا جامدًا.
شعر على الفور بأن هناك خطبًا ما.
تأخّر قليلًا في الخروج وراءها، لكن عندما فعل، كان الممر قد خلا تمامًا، وشعر بأثر السحر في الجو…
أدرك أنها استخدمت تعويذة انتقال.
شعور بعدم الارتياح غمر جسده كله.
‘ما الذي يدور في رأس إيف؟‘
أحسّ بأن الأمور بدأت تخرج عن السيطرة بالفعل.
“أنا متعبة قليلًا… سأنام وحدي الليلة.”
رغم أنها قالت ذلك، فإن باليريان، الذي اعتاد مراقبة إيف منذ زمن طويل، أدرك بوضوح أن هذا مجرد عذر لا أكثر.
“هل حدث شيء أزعجها؟“
كانت إيف، عندما يعتريها مزاج سيئ، تميل إلى التزام الصمت.
ذلك عائد إلى طبيعتها التي تقدّر الكبرياء بشدة وتكره أن تبدو ضعيفة أو ضيقة الأفق.
مرات عدة أخبرها باليريان بأنه لا ينظر إلى الأمور بتلك الطريقة مهما قالت، لكنها لم تكن تفتح قلبها بسهولة، خصوصًا إن تعلّق الأمر به هو شخصيًا.
“هذا يعني أنها غاضبة مني.”
أدرك باليريان الموقف بسرعة.
عادة ما تكون إيف صريحة، لكن فقط بشأن الأمور التي يمكن حلّها.
ولم يمضِ وقت طويل حتى تمكن من إدراك جوهر المشكلة دون عناء.
* * *
في صباح اليوم التالي
ساد الصمت في قاعة الطعام الرئيسية في قصر دوقية لودفيغ، ولم يكن يُسمع سوى صوت اصطدام أدوات الطعام ببعضها.
تبادل الخدم النظرات فيما بينهم.
لم يكن الصباح مختلفًا كثيرًا عن العادة، ومع ذلك، كان هناك شيء غريب في الجو.
خصوصًا تعابير السيدة، التي خلت تمامًا من أي أثر للابتسام.
وكان هناك من لاحظ ذلك جيدًا أكثر من غيره.
طقطقة.
وضع باليريان أدوات طعامه أولًا، ثم وجّه كلامه إلى إيف التي كانت جالسة قبالته تأكل بهدوء:
“إيف، أيمكننا التحدث لاحقًا؟“
“أنا مشغولة اليوم.”
“إذًا ربما في المساء…”
“المساء أيضًا سيكون مزدحمًا.”
جاء رد إيف قاطعًا. ورغم أنها بدت هادئة ظاهريًا، فإن باليريان لمح في عينيها الحمراوين نارًا كامنة من الغضب، فعلم أنه لن يفلح بالتحدث أمام الجميع، وأومأ برأسه نحو كبير الخدم القريب منه.
فهم كبير الخدم إشارة الدوق على الفور، فالتفت إلى الخدم وقال:
“سيتم إجراء تنظيف شامل للقصر اليوم، لذا على الجميع أن يرافقني.”
نظر الخدم إلى بعضهم بدهشة من هذا القرار المفاجئ، ثم نهضوا وخرجوا خلف كبير الخدم.
وهكذا، لم يبقَ في القاعة سوى إيف وباليريان وحدهما.
وضعت إيف أدوات الطعام جانبًا. ورغم أن طبقها لم يكن فارغًا بعد، فقد تخلّت عن إكماله، وهو تصرف لم يسبق لها فعله من قبل.
لاحظ باليريان ذلك، وجمدت ملامحه.
“إيف، فقط للحظة.”
“قلت لك إني مشغولة.”
“لن يستغرق الأمر وقتًا طويلًا.”
لكنها لم تكترث لكلامه، ونهضت من مقعدها.
تبعها باليريان إلى خارج القاعة، ثم اقترب منها بسرعة وأمسك بذراعها.
بدت على وجهه ملامح من القلق.
كان خائفًا أن تستخدم السحر وتختفي كما فعلت الليلة الماضية.
“…ماذا تريد؟“
قالت إيف ببرود وهي تلتفت إليه، مضمومة الذراع.
لكن حين لاحظت في عينيه تلك النظرة القلقة، لان قلبها قليلًا.
لقد رأت أنه ما زال يهتم بها.
أدرك باليريان أن لديها استعدادًا الآن للإصغاء، فبادر دون تردد بالاعتذار:
“إيف، أنا آسف لتأخري في العودة مؤخرًا. كنت منشغلًا بأمور أخرى.”
“وأي أمور تلك؟“
“في الفترة الأخيرة، تحدث تغييرات داخل التنظيم الإمبراطوري، وكنت منشغلًا بتلك المهام.”
“أجل يا باليريان، فأنت دومًا مشغول.”
استدارت عنه من جديد.
كان عليه، على الأقل، أن يخبرها بأنه لن يعود مبكرًا طوال هذا الشهر.
شعر باليريان أن أعذاره لا تجدي نفعًا، فقرر أخيرًا أن يبوح بالحقيقة.
“…يبدو أن التنازل عن العرش سيحدث قريبًا.”
اتسعت عينا إيف، وبدت مذهولة كما لو أنها سمعت شيئًا لا يُصدق.
لم تكن تعلم شيئًا عن هذا مسبقًا.
استدارت إليه ببطء، وحدّقت في عينيه.
“…زافيير سيصبح الإمبراطور؟“
لم تستطع تخيل ذلك بسهولة.
أن يصبح زافيير، ذاك المتعجرف المغرور، إمبراطورًا؟ بدا الأمر وكأنه مزحة.
‘منذ متى أصبحا على هذه الدرجة من التقارب لتستدعيه باسمه هكذا؟‘
شعر فجأة بوخزة في صدره.
لكنه أخفى مشاعره الغيورة بسرعة، وابتسم ابتسامة لطيفة وقال:
“نعم، لهذا كنت منشغلًا.”
“…حقًا؟“
نظرت إليه بنظرة أقل توترًا، وجهها بدأ يسترخي.
“نعم، هو أمر سري للغاية لا يعرفه إلا قلائل.”
“آه…”
خرج منها صوت دهشة خافت.
الآن، فهمت لماذا كانا بعيدين عن بعضهما طيلة الشهر الماضي.
التنازل عن العرش! حدث سياسي ضخم بحجم إمبراطورية. ومن الطبيعي أن يكون أقرب الناس للإمبراطور وقائد الفرسان، مشغولًا حتى ساعات متأخرة لحماية أسرار بهذه الخطورة.
“…هممم.”
أطلقت إيف سعالًا خفيفًا لتغطي على خجلها.
لم تكن تعلم كل تلك التفاصيل، والآن تشعر بالخجل من تصرفها الطفولي، ومن غضبها السخيف.
‘لقد دفعتُه ليبوح بسر خطير… أشعر بالذنب.’
حركت إيف أصابعها بخجل، ثم تمتمت قائلة:
“أنا آسفة… كنت سخيفة.”
تنهد باليريان بارتياح عندما رأى تعابير وجهها قد هدأت كليًا.
“لا بأس يا إيف. من الطبيعي أن تشعري بذلك. سأتأكد أن أوضّح الأمور في المرات القادمة حتى لا يحصل أي سوء فهم.”
‘لكنه لم يجرؤ على الاعتراف بالحقيقة.’
فالحقيقة هي أنه كان يتجنبها لأنه بدأ يشعر وكأنه منحرف في نظر نفسه.
ولذلك، انتهى به الأمر بالإفشاء عن سر خطير مثل تنازل الإمبراطور.
لو علم زافيير بالأمر، لانقلبت الدنيا رأسًا على عقب.
لكن باليريان كان واثقًا بإيف، لذا لم يهتم للعواقب كثيرًا.
كان يظن أن الأمر قد انتهى عند هذا الحد…
لكن ما لم يكن يعلمه هو أن نائب قائد الفرسان، كان يوشك على دخول قصر لودفيغ في تلك اللحظة.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 104"