الفصل الخاص 〈 1 〉
الشهر الثاني من الزواج.
منذ اللحظة التي تزوجا فيها وتسلّم باليريان لقب الدوق، انشغل هو وزوجته إيف انشغالًا شديدًا دون أن ينعمًا بلحظة راحة.
ورغم أن الأزواج في شهر العسل عادةً ما يعيشون أكثر الأوقات شغفًا، فإن الأمر كان مختلفًا مع لودفيغ وزوجته.
‘ ريان يتصرف بغرابة.’
بدأ القلق يتسلل إلى قلب إيف مؤخرًا.
ففي الأيام الأخيرة، بات يعود إلى المنزل في وقت متأخر، وحتى إن عاد مبكرًا، يكون قد استغرق في النوم قبلها.
والأسوأ من ذلك، أنه أصبح يتشنج ويتحاشى لمسها عندما تقترب منه، وكأنما يرفض اقترابها، وهو ما لم تستطع تفسيره.
‘ هذا غريب جدًا.’
بل هو أكثر من غريب.
راحت تهمس لنفسها بتلك الكلمات وهي تتنقل في أرجاء قصر الدوق، فبادرتها ‘ ريتشي‘ وصيفتها بالسؤال:
“ ما بكِ يا آنستي؟“
كانت ريتشي الخادمة الوحيدة التي أخذتها معها من بيت إستيلّا، لذا بقيت تناديها بـ آنسة بدلًا من سيدتي.
وإيف لم تعترض. فما أهمية الألقاب إن كانت تفهم ما يُقال؟
“لا … لا شيء .”
مهما حاولت التفكير، لم تستطع أن تجد سببًا منطقيًّا لتصرفاته الغريبة.
في البداية، أقنعت نفسها بأنه مشغول فقط، ولا شيء أكثر.
“ لا يعقل… لا يمكن أن يكون.”
هل من الممكن… أنه نادم على زواجه منها؟
مجرد الفكرة بدت بعيدة عن التصديق.
لكن ما الذي تغيّر؟ متى بدأ يتجنبها؟
‘ منذ… منذ تلك الليلة.’
نعم، كانت متأكدة من ذلك، ما دامت ذاكرتها لم تخنها.
وبمجرد أن تذكرت تلك الليلة، احمرّ وجهها خجلًا.
لقد كانت ليلة لا تُنسى.
لكن المشكلة بدأت بعد ذلك.
وفور أن خطر ببالها وجه باليريان وهو يتحاشى نظراتها في الأيام التالية، خيّم الحزن على ملامحها.
‘ لا يعقل! كان التوافق بيننا مذهلًا!’
شيء ما لا يبدو منطقيًا.
لقد كانت ليلة ساحرة بكل المقاييس… أو على الأقل، هذا ما شعرت به هي.
‘ هل كنت الوحيدة التي استمتعت بها؟‘
إن كان يتجنّبها عمدًا بسبب ذلك…
جلست على السرير وراحت تفكر بجدية.
التوافق الجسدي بين الزوجين… تلك مسألة لا يستهان بها.
* * *
‘ لم أتخيل يومًا أنني سأدخل مكانًا كهذا…’
رغم أنها لا تصدّق نفسها، وجدت قدما إيف تسيران بها بخطى ثابتة إلى داخل متجر صغير.
وعلى اللوحة المثبتة في واجهته كُتب“ عرافة إيروس“.
‘ إيروس؟‘
حاكم الحب والرغبة في الأساطير…
لا بد أن المكان غريب، أليس كذلك؟
وإن خرج الأمر عن المألوف… فلن تتردد في نسفه كله بسحرها.
دخلت المتجر بحذر، وقد سحبت قبعتها فوق وجهها بإحكام حتى لا يتعرف عليها أحد.
“ ما الذي جاء بسيدة نبيلة إلى مكان بائس كهذا؟“
سرعان ما دوّى صوت امرأة عجوز من داخل الظلام.
“ لا سيما إن كانت ساحرة.”
في تلك اللحظة، لم تستطع إيف أن تمنع نفسها من الإعجاب.
‘… مذهلة؟ ‘
كانت ترتدي قلنسوة تُخفي وجهها بالكامل، ومع ذلك، استطاعت العرّافة أن تتعرف عليها بهذه السرعة.
لم تكن إيف ممن يؤمنون بالتنجيم.
لكنها لم تستطع أن تبوح بهذه المشكلة لأيٍّ من معارفها، فتركت الأمر للصدفة، وانتهى بها المطاف هنا.
لم تكن واثقة مما تفعل، لكن يبدو أن حدسها كان صائبًا.
“ يبدو أن بينكما مشكلة زوجية، هاها.”
‘ إنها مذهلة…’
بمجرد أن نطقت العجوز بهذه الكلمات، تبخرت آخر ذرة من الشك في قلب إيف.
لكنها الآن وقد كُشف أمرها، بدأت تتساءل إن كان من الحكمة البوح بمشكلتها.
ماذا لو تسرب هذا الكلام؟ ماذا لو سمع به أحد؟
‘ أفضل أن أموت!’
شعرت إيف وكأنها على وشك أن تغرق وجهها في صحن ماء وتموت من الخجل.
حتى مجرد تخيل الأمر كان يبعث على الخجل، وبالأخص إن وصلت هذه القصة إلى مسامع ريان، ثم…
‘ كم سأبدو مثيرة للشفقة في نظره؟‘
رغم أن إيف كانت واثقة من أن ريان لن يسخر منها لأجل أمر كهذا، إلا أن ثقتها بعلاقتهما كانت تتزعزع بشكل واضح.
فإن تكلمنا بصراحة، فزواج بلا حياة زوجية، وخصوصًا في أشهره الأولى، ليس طبيعيًا.
لم يخطر ببال إيف يومًا أنها ستضطر للجوء إلى مكان كهذا بسبب مشكلة من هذا النوع.
لكن في الوقت ذاته، اجتاحتها مشاعر من الغضب المكبوت.
‘ إن كان سيتغير بهذا الشكل، فلماذا تزوجني؟ ولماذا تمسك بي؟‘
… لا، لا، لا بد أن هناك سببًا آخر.
راحت تهدئ نفسها، محاوِلة السيطرة على أفكارها ومشاعرها.
“ هوووه، يبدو أن قلبكِ مثقل بالهموم… اطمئني، كل ما يُقال هنا يبقى سرًا بيننا.”
قالتها العرّافة العجوز بهدوء، مما دفع إيف للسؤال:
“ وهل هناك ما يضمن لكِ حفظ السر حقًا؟“
“ أعتذر، لكن لا… لا أملك شيئًا من هذا القبيل.”
جاء الرد حازمًا ومباشرًا، مما جعل إيف تنظر إليها بنظرات ممتزجة بالدهشة والفضول.
“ أنا مجرد امرأة عجوز، فقيرة، وعادية، لا نبالة لديّ ولا سحر… فكيف لي أن أقدّم ضمانًا لساحرة مثلك؟ هوهو.”
‘… فقيرة؟‘
إيف نظرت إلى حجم المتجر الذي كانت بداخله.
ليس من السهل امتلاك أو استئجار متجر بهذه المساحة في العاصمة. هذا وحده يعني أن صاحبه يتمتع بثروة معتبرة، ربما تفوق بعض النبلاء متوسطي الحال.
‘ ربما هي مجرد موظفة هنا، وليست المالكة…’
اقتنعت بهذا التفسير وأومأت برأسها.
لا يجب الافتراض أن كل من يعمل في متجر هو صاحبه. وبصراحة، كان من الأفضل أن تكون صادقة بهذا الشكل بدلاً من ادّعاء ضمان كاذب.
“ هممم، أتيتِ إذن بسبب فتور العلاقة الزوجية؟“
سُدد السهم مباشرة إلى القلب.
ارتجفت إيف من الدهشة، والعجوز أطلقت ضحكة خافتة قبل أن تضيف:
“ لكن لا يبدو أن هناك امرأة أخرى في حياته.”
جلست إيف بشكل مرتب أمامها، ويداها متشابكتان في حجرها دون وعي، تنصت بانتباه.
بينما راحت العجوز تعبث ببعض القطع النقدية فوق الطاولة.
لو رآها أحد لربما ظنها دجالة من أولئك المحتالين، لكن إيف لم تكن تملك الحدس الكافي لاكتشاف ذلك.
كانت العجوز تعرف جيدًا من تكون، وهي إيف إستيلا أو بالأحرى إيف لودفيغ. وبالتالي، فزوجها هو باليريان لودفيغ. ولذلك استبعدت سريعًا مشاكل المال أو النساء.
“ همم… يبدو أن المشكلة داخلية.”
“كح كح !”
سعلت إيف فجأة، وقد احمرّ وجهها بالكامل من شدة الإحراج.
‘ هل… هل كشفت كل شيء؟‘
لم تكن تنوي أن تكون صريحة إلى هذه الدرجة!
“ جربي هذا.”
أخرجت العجوز شيئًا من علبة بجوارها وقدّمته لإيف، التي أخذته وهي تحدّق فيه بعينين متشككتين.
‘ كيس عطري؟‘
“ هذا كيس عطور مُعدّ خصيصًا لجذب الرجال. فعّال جدًا، هوهوهو.”
راحت تشرح بفخر مفرط طريقة عمله، فعبست إيف بوجهها بانزعاج.
‘…جذب؟ ‘
‘ هل تلمّح إلى أن عليّ إغواءه بطريقة ما؟!’
نظرت إلى الكيس بريبة، ثم قربته من أنفها لتشمّه.
رائحته لم تكن كريهة، لكنها تركت شعورًا مزعجًا، غير مريح… غريب ومقلق.
لم يكن النفَس بذاته مزعجًا، لكنها لم تشعر بهذا الانقباض من قبل.
حين رأت العجوز تعبير وجهها المتجهم، سارعت بالتبرير:
“ العطر مخصص لجذب الرجال فقط، لذا قد تشعر النساء بشيء من النفور.”
تبريرها كان واضحًا في كونه مجرد عذر مرتجل.
“… لأنني امرأة؟“
قالتها إيف بنبرة مشككة، ثم تمتمت بضع كلمات غير مقتنعة، وأخرجت من جيبها بضع عملات ذهبية وضعتها على الطاولة.
“ أنتِ متأكدة من أن السرية محفوظة، أليس كذلك؟“
من الواضح أنها إن لم تشترِ الكيس، فستبدأ العجوز بابتزازها وتهديدها بالكشف عن الأمر.
بدا على أسلوبها أنها تاجرة أكثر منها عرّافة.
لذا كان الادّعاء بالشراء هو الحل الأسلم.
“ طبعًا، طبعًا! بالتأكيد!”
كانت كمية الذهب التي دفعتها تفوق بكثير ثمن الكيس، لذا لم تتردد العجوز في جمعها سريعًا.
زفرت إيف تنهيدة ثقيلة وهي تغادر المتجر.
‘ يا له من إذلال…’
ألقت إيف بكيس العطر في سلة قمامة على جانب الطريق.
لو أنّ الأمر بيدها، لكانت قد فجّرت محل العرّافة برُمّته مع تلك العجوز التي تتجرأ على القول إن بمقدور كيس عطر كهذا إخضاع رجل!
لكنها كبحت نفسها، فلو فعلت ذلك، لتتابعت الأسئلة والشكوك “ لماذا فعلتِ هذا؟ ما الذي جرى؟” وهي بالتأكيد لا تريد لأحد أن يطّلع على ما يدور في قلبها.
“هاه …”
شعرت بثقلٍ في صدرها وضيقٍ كأنها لا تستطيع التنفس. أرادت فقط أن تستنشق بعض الهواء.
‘ ربما عليّ أن أتمشّى في منتزه البحيرة…’
مضت إيف بخطى هائمة نحو منتزه البحيرة في العاصمة، دون أن تدري كيف وصلت.
وكانت الشمس قد بدأت بالغروب، ترسم ضوءًا باهتًا في السماء المتجهة إلى العتمة.
* * *
في تلك الأثناء، كان الظلام قد خيّم على ساحة تدريب الإمبراطورية.
صوت نصل يخترق الهواء تردّد في المكان.
عينا باليريان، المتقدتان تحت ضوء القمر، لم تفقدا حدتهما.
“ قائد الفرقة، أليس من المبالغة أن تتدرب حتى هذا الوقت كل ليلة؟“
سأله أحد الفرسان الجدد الذي كان يرتب المعدات في الخلف.
لكن باليريان لم يجب، منشغلًا بالكامل في تدريباته، كأنما يقاتل شيئًا بداخله.
شعر الفارس الشاب أن عليه المغادرة بهدوء، فأنهى عمله وخرج دون أن ينبس بكلمة.
‘ لم يكن يتصرف هكذا من قبل…’
راوده هذا الخاطر وهو يغادر الساحة.
أما باليريان، فكان على وشك الانفجار من التوتر.
منذ أن تزوج إيف، بدأت تتكشف له أمور لم يكن يتوقعها.
كان التقبيل سابقًا مقبولًا بالنسبة له، لكن بعد تلك الليلة بينهما… أصبح يشتعل من أدنى لمسة، حتى الإمساك بيدها بات أمرًا يثير اضطرابه.
شعر بأن جسده لم يعد له، وبأنه يتحول إلى شيء آخر.
‘ هل أصبحت… مجرد حيوان؟‘
كان يعتقد دومًا أن من لا يستطيع كبح رغبته ليس إنسانًا، بل وحشًا.
فإن علمت إيف بما يشعر به الآن، فقد تنظر إليه باشمئزاز.
“ إيف، لماذا اعترفتِ لي بحبكِ أصلاً؟“
“… كنت دائمًا أراك رائعًا، تقف في الصفوف الأمامية لحماية الإمبراطورية.”
قالت إنها وقعت في حبه لأنه كان مثالاً للنبالة والتفاني، يقف في الصفوف الأمامية لحماية شعب الإمبراطورية.
لكن في الحقيقة، كان ذلك مجرد عذر صاغته إيف لتغطي على حقيقة أنها وقعت في حبه من أول نظرة، بسبب وسامته.
والمأساة الآن أن باليريان، الذي لم يكن يعلم الحقيقة، صدّق كلامها حرفيًا… ومن هنا بدأت المشكلة.
_________
مشاكل عصافير الحب ياخي حتى بالفصول الخاصه مشااككل!! كفار على الفاضي
ترجمه: سـنو
واتباد :
@punnychanehe
واتباد الاحتياطي:
punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 103"