1
اضطرب المشهد الاجتماعي واهتزّت أركانه.
فالإمبراطور، الذي لم يلقِ بالًا للنساء منذ وفاة أولى إمبراطوراته…
حتى الإمبراطورة الجديدة لم تحظَ منه بنظرة دافئة واحدة.
“أيّ امرأةٍ هي بالضبط؟”
“لا يُعرف عنها سوى أنّ جلالته التقطها في إحدى جولاته.”
“إذن، فهي من عامة الشعب!”
النبلاء، الذين ما فتئوا يعرضون بناتهم على الإمبراطور ليقابلوا بالرفض تلو الآخر،
راحوا ينفثون غيرةً وغضبًا في كلماتٍ لاذعة.
نَسَب… ثقافة… جمال…
برغم توافر كل ذلك في بنات بيوتاتهم، اتخذ الإمبراطور إمبراطورةً جديدة على عجل،
وها هو اليوم يتخذ جاريةً غامضة الأصل.
“ما الذي دفع جلالته لاختيار مثل هذه المرأة؟”
كانوا يودون نعْتها بـ”الدنيئة”،
لكن مهابة الإمبراطور كبحت ألسنتهم.
“وماذا عن مظهرها؟ أهي بديعة الجمال إلى هذا الحد؟”
“لم يرها سوى القليل؛ إذ لم تغادر مخدع الإمبراطور منذ دخلته،
سوى الإمبراطورة وبعض الخدم المقربين.”
“وماذا عن ردّ فعل الإمبراطورة؟”
تلألأت العيون بخبثٍ وفضول.
فالإمبراطورة، أعظم مقامًا وأهون شأنًا في آنٍ واحد،
لم تكن في نظرهم إلا دميةً للتهكم والسخرية.
“قيل إن وجهها شحب وارتجفت يداها.”
“أتبدي غيرةً، وهي في مقامها؟”
“حتى السلطة الزهيدة سلطة، وصاحبتها تأبى أن تفقدها.”
وانطلقت الضحكات مستهزئة.
“لا أفهم، لمَ استهوته هذه المرأة؟”
“قيل إنها قريبة بعيدة للسكرتير الأول. ولو كان لها نسب معتبر لذُكِر، لكنهم اكتفوا بقولهم ‘قريبة بعيدة’.”
“ألم تكن الإمبراطورة الراحلة ابنةَ أمير؟”
“أيعقل أن تكون…”
خفض أحد النبلاء صوته فجأة:
“هل يُحتمل أن تكون الإمبراطورة آخر أميرات تلك المملكة البائدة؟”
سرت همهمة ثقيلة في القاعة.
“وهل تكون اللعنة إذن حقيقية؟”
“احذروا! فقد أقسم جلالته أن الموت جزاء من يذكر تلك الشائعة.”
ساد الصمت كالسيف المسلول.
“على أي حال، أيُّ امرأة تلك التي أسرت قلبه هكذا؟”
وكأن القدر شاء أن يكشف الحجاب،
أقيم في القصر حفلٌ باذخ، أراد به الإمبراطور أن يُظهر عظيم حظوته بعشيقته.
أضيئت أرجاء القصر بمشاعل ملوّنة استُخرجت من المعادن،
وتفجّرت ألعاب نارية تُعادل كلفة عامٍ كامل لأسرةٍ متوسطة.
كان أول حفلٍ ملكي منذ ثلاث سنوات، أي منذ وفاة الإمبراطورة الأولى.
وفي العادة، تُشرف الإمبراطورة على الحفلات الملكية،
لكن الإمبراطورة الحالية أضعف من موظفٍ صغير الشأن.
“مولاتي الإمبراطورة!”
دخلت القاعة بلا حاشية،
بثوبٍ مهترئ، وجسدٍ ناحل، وعينين خاويتين،
لكن وجنتيها ظلّتا تحتفظان ببعض الطفولة.
كان من الممكن أن يُثير منظرها الشفقة،
لكن النبلاء كانوا قساة، تجاهلوها كأنها غير موجودة،
واستمر العازفون في عزفهم كالمعتاد.
شقّت طريقها بين من رفضوا التنحي حتى بلغت العرش،
وإذا بالمنادي يهتف:
“شمس الإمبراطورية، أسد ريمغتون الأسود، جلالته الإمبراطور… ومعه الليدي فينتيرا!”
على عكس دخول الإمبراطورة،
عمّ السكون، وارتفعت الأبصار نحو الداخل.
الإمبراطور، رغم غزو المشيب لمفرقه،
ظلّ يملك هيبةً تخضع لها الرقاب.
وبجانبه وقفت المرأة التي ملأت الأسماع والأحاديث.
عيناها الخضراوان المتقدتان أول ما شدّ الأبصار.
ملامحها الواضحة، وبشرتها المشرقة بسمرةٍ صحية،
وشَعرها الأسود المنفلت كفرسٍ هائج،
وثوبها الخارج عن البروتوكول أضفى عليها جاذبيةً وحشية.
لم تُبدِ خجلًا، بل حملت في نظراتها تحديًا واستعلاءً،
حتى خُيّل للجميع أنها مُروِّضة الأسود.
تنحّى النبلاء كأنما بتنسيقٍ مسبق،
وأفسحوا لها الطريق، ثم انحنوا جميعًا أمامها.
كان الإمبراطور يراقب ذلك برضاٍ ظاهر،
لكن حين وقعت عيناه على العرش، تجعّد وجهه بصرامة:
“فينتيرا، إلى هنا.
تَنحّي جانبًا، أيتها الإمبراطورة.”
رقص مع عشيقته الرقصة الأولى والثانية،
ثم عاد إلى عرشه متعللًا بالإرهاق.
اقترب منه مركيز بيكوري، سكرتيره الأول، وقال:
“مولاي… لقد قسوتِم على الإمبراطورة.”
“أنا أحمي امرأتي.”
“مولاي، امرأتكم هي الإمبراطورة. أما الليدي فينتيرا…”
“أليست فاتنة؟”
ظلّت عيناه معلّقتين بها وهي تجوب القاعة،
وكأن الخمسين قد ارتدت به إلى عنفوان العشرين.
جمالها النضر وشغفه المتأجج منحاه شعورًا بالحياة،
شعورًا غاب عنه منذ الحروب الأخيرة.
“لقد حاولت بعض الإمبراطورات في الماضي قتل عشيقات أزواجهن.
أما فينتيرا فلن يمسّها سوء، فأنا أحرسها بنفسي.”
“مولاي، إن الإمبراطورة لا تملك سلطة لتفعل شيئًا…”
“أين فينتيرا؟”
نظر حوله فلم يجدها.
وإذا بالضجة تعلو من جهة الشرفة.
هناك، وقفت الإمبراطورة منكفئة على الأرض،
وفي مواجهتها فينتيرا شامخة القامة.
“فينتيرا!”
هدر الإمبراطور وانطلق مسرعًا.
كان المشهد يوحي بأن العشيقة دفعت الإمبراطورة.
لكن عقله لم يعد يرى إلا بعين واحدة:
فينتيرا مركز الكون، ومن يعارضها عدو.
“أيتها الإمبراطورة،
أتريدين أن تلوّثي سمعة فينتيرا بمكيدة رخيصة؟”
حتى فينتيرا نفسها ارتبكت،
لكن الإمبراطور وبّخ الإمبراطورة:
“انهضي حالًا! كيف يليق بلقب الإمبراطورة أن ينحدر إلى هذا الدرك؟”
ثم أحاط بكتفي عشيقته بحنان، وهو يهمس:
“هل أصابك مكروه؟”
ابتسمت ابتسامة ساحرة، وضعت يدها على يده،
وقالت بصوتٍ خفيض عذب:
“وأيّ سوءٍ قد يصيبني وأنا بين يديك؟”
أحمرّت وجوه بعض النبلاء لسحر صوتها،
وأدرك الجميع السبب الذي جعل الإمبراطور أسيرها.
ثم نهض قائلًا لمركيز بيكوري:
“أنهِ الحفل. نحن نغادر.”
في مخدعه، ما إن أُغلقت الأبواب،
حتى رفعها بين ذراعيه بشغف، وهمس باسمها المبحوح:
“فينتيرا… آه، فينتيرا.”
لكنها لم تكن سوى ساحرة خبيثة.
أمسكت رأسه، وانبثق من يدها نور أبيض،
فسقط الإمبراطور كالجثة.
دفعت جسده بقدمها قائلة باحتقار:
“أيها الوغد… أتجد لذّتك في العبث بفتاةٍ في عمر ابنتك؟”
بينما غرق هو في أوهام لذّةٍ منسوجة بسحرها،
ارتدت شالها ومضت نحو النافذة قائلةً باستخفاف:
“اغه، قرف…”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 1 - الإمبراطور يتخذ عشيقة 2025-09-03
التعليقات لهذا الفصل " 1"