الفصل 8
لم يكن فصل ليو عنّي للنوم أمرًا سهلًا، خاصّة أنّ اليوم هو أوّل يوم لنا في كيرزن.
‘لا أستطيع النوم.’
عندما أطفؤوا الأنوار، بدا لي أنّني سمعتُ صوت بكاء ليو، لكنّني لستُ متأكّدة إن كنتُ أتوهّم أم أنّه بكى فعلًا.
منذ وفاة والديّ، كان ليو يبكي ويناديني حتّى لو افترقنا للحظات.
لذلك، ربّما أصبتُ باضطراب عصبيّ، إذ كنتُ أشعر أحيانًا وكأنّني أسمع صوت بكائه حتّى وأنا وحدي.
“ألا تستطيعين النوم؟”
سمعتُ صوت ماتيلدا من جانبي.
“أجل.”
“ستتأقلمين أنتِ وإخوتكِ بسرعة. السيّدة ميلر قد تكون صعبة المزاج بعض الشيء، لكنّ الأطفال هنا طيّبون. وهناك الكثير من أقرانكِ.”
“هكذا إذن…متى أتيتِ إلى هنا؟”
“منذ سبع سنوات تقريبًا. كانت عائلتي فقيرة. كان والدي يعمل في الحدادة، ووالدتي كانت تقوم بأعمال متفرّقة في القرية، لكنّ وباءً ضرب المنطقة فحدث ما حدث.”
“أنا أرى.”
بدا أنّ ماتيلدا سعيدة بوجود صديقة في عمرها، فواصلت الحديث بحماس:
“أنا أيضًا في الرابعة عشرة، لذا سأغادرُ هذا المكان بعد عام. كنتُ دائمًا الأخت الكبرى لأنّ الأطفال هنا صغار. يجب أن يكون وجود أخوين أصغر منكِ متعبًا.”
“ثلاثة.”
“ماذا؟”
“إخوتي ثلاثة. لديّ أخ آخر أصغر منّي مباشرة، لكنّه هرب من المنزل.”
فكّرتُ فجأة، أين يمكن أن يكون إدوارد الآن وماذا يفعل؟
كان ضعيف الجسم، وكان من المرهق له العيش بعيدًا عن والديّ، وبعد عام واحد فقط من عيشنا معًا، توفّي والداي، فلا بدّ أنّ الصدمة كانت كبيرة عليه.
يجب أن يعرف أنّنا هنا. أتمنّى أن تصله أخبارنا.
‘على الأقل، هو الآن بصحّة جيّدة، وهذا شيء مطمئن.’
لو كان إدوارد لا يزال في حالة صحيّة سيّئة، لكنتُ ربّما تجوّلتُ في الشوارع باحثةً عنه بدلًا من المجيء إلى دار الأيتام مع إخوتي الآخرين.
تنهّدتُ بعمق وأنا أشعر بضيق في صدري. فقالت ماتيلدا:
“أنا آسفة.”
“لا، لا شيء. أنا فقط قلقة من أن يكون أصغر إخوتي قد استيقظ من النوم وبكى.”
“عمره ثماني سنوات، أليس كذلك؟”
“يبدو أنّ وفاة والديّ كانت صدمة كبيرة له. منذ ذلك الحين، أصبح يتشبّث بي أكثر.”
حتّى أنا، بعد فقدان والديّ، أشعر بالقلق إذا لم أرَ إخوتي أمام عينيّ. فكيف يكون حال ليو؟
لم أعد أرغب في الحديث عن العائلة، فدفنتُ وجهي في الوسادة وتمتمتُ:
“أشعر بالنعاس الآن، سأنام. ماتيلدا، تصبحين على خير.”
“تصبحين على خير.”
كما لو أنّ الكلام جلب النوم، فقد غفوتُ بعد قليل. ربّما بسبب الحديث عن إدوارد، شعرتُ وكأنّني رأيته في حلمي.
***
“أريد الذهاب أيضًا! أريد الذهاب مع أختي!”
تشبّث ليو بساقيّ واستلقى على الأرض.
“أيّها الأحمق، إنّها نزهة للفتيات فقط.”
حاول دانيال فصله عنّي بكلّ قوّته، لكنّ ليو كان متمسّكًا بي كالعلقة.
كان ليو يتمتّع بقوّة فطريّة، بينما دانيال نحيف وحساس وليس قويًا، فأسقطته ركلة من ليو على الأرض.
“ابتعد، أيّها الأخ الأحمق! سأذهب مع أختي!”
“أنت…”
احمرّ وجه دانيال غضبًا، ثمّ ضرب رأس ليو فجأة.
“توقّف عن التصرّف هكذا منذ الأمس!”
“واآآ! أختي، أخي ضربني!”
كانت الفوضى عارمة. كان ليو يبكي ويترك أنفه يسيل، ودانيال يلهث من الغضب، وأنا أحاول تهدئة ليو.
و في تلك اللحظة.
“توقّفوا جميعًا!”
خرجت السيّدة ميلر تهرول وتدقّ الأرض بقدميها. حدّقت في ليو بنظرة غاضبة.
توقّف ليو عن البكاء تدريجيًّا تحت نظرتها، وبدأ يشهق بهدوء.
“اذهبي بسرعة، لا يجب أن تتأخّري.”
لم أستطع رفع قدميّ لأترك أخي يبكي. بينما كنتُ متردّدة، أمسكت ماتيلدا بذراعي وسحبتني إلى الأمام.
“إذا تأخّرتِ، ستنفجر السيّدة ميلر غضبًا.”
سمعتُ صوت بكاء ليو يتردّد في أذنيّ. كنتُ قلقة أن يضرب دانيال ليو في غضبه، أو أن يُضرب هو نفسه مِن قِبل ليو.
“إذا كنتِ تفكّرين في استعادة مالكِ من السيّدة ميلر، انسي الأمر. من الأفضل ألّا تفعلي.”
بينما كنتُ أمشي بهدوء، تحدّثت ماتيلدا فجأة.
كما قالت، كنتُ أفكّر في مالي المسروق.
هل أطلب إعادته بعد النزهة؟ أم أثير الموضوع بعد العشاء؟ قرّرتُ أن أنتظر الفرصة المناسبة للحديث عنه.
“لكن لماذا يجب أن نذهب نحن بدلًا من السيّدة ميلر إلى النزهة؟ لا أريد الذهاب إلى نزهة، أريد البقاء مع إخوتي.”
“لأنّها ليست نزهة، إنّها عمل متخفّي.”
“ماذا؟”
“في الربيع، هناك الكثير من العمل في الريف. اليوم، سنعمل أنا وأنتِ في تربية دود القز.”
“دود… القز؟”
أصبح ذهني فارغًا عند سماع كلمة الحشرات. الحشرات هي أكثر شيء أكرهه في العالم.
“لا يمكن أن نلمسها بأيدينا العارية، أليس كذلك؟”
“بالطبع سنلمسها بأيدينا، هل تظنّين أنّنا سنرتدي قفّازات؟”
“يا إلهي… هل يجب أن نفعل هذا في دار الأيتام؟”
“بالطبع لا… إنّه مجرّد شيء كهذا.”
تلعثمت ماتيلدا وابتعدت لتنادي الأطفال المتأخّرين في الخلف.
لم أكن أعرف إلى أين أذهب، وتوقّفتُ حائرة. شعرتُ بضيق في صدري لأنّني لم أكن متأكّدة إن كنتُ أسير في الطريق الصحيح.
***
كنتُ مرهقة للغاية. لم يكن الإرهاق الجسديّ وحده، بل الإرهاق العقليّ من رؤية الحشرات ولمسها جعلني أرغب في الاستلقاء على الأرض.
“هذه أوّل مرّة، لهذا تشعرين هكذا. ستعتادين مع الوقت.”
على عكسي، بدت ماتيلدا متعبة قليلًا فقط، لكنّها لم تبدُ منهكة.
نظرتُ إلى الأطفال الآخرين الذين يتبعوننا. كان أطفال في عمر دانيال يطعمون الماعز وينظّفون حظائر الدجاج بأيديهم الصغيرة دون شكوى، وكأنّ هذا العمل مألوف لهم.
أدركتُ فجأة كم كنتُ مدلّلة مثل زهرة في بيتٍ زجاجيّ.
“لكن لماذا أتيتِ إلى هنا بدلًا من البقاء في سييرا؟”
“في سييرا، قالوا إنّ العمر يمنعنا من البقاء معًا في دار أيتامٍ واحدة. هنا، يمكننا البقاء معًا حتّى سنّ الخامسة عشرة.”
“لم يتبقَ سوى أشهر قليلة حتّى تصبحي في الخامسة عشرة، ومع ذلك أتيتِ إلى هنا من أجل بضعة أشهر؟”
“أجل.”
“كان قرارًا أحمق. لو كنتُ مكانكِ، لكنتُ بقيتُ في وطني. سييرا، يا لها من مكان حالم!”
هل كان حلمي بالبقاء مع إخوتي قرارًا أحمق؟ ما الذي يراه الناس خيارًا أفضل؟
“لا بأس. كلّ شيء سينحلّ قريبًا.”
لم أكن أقول ذلك لماتيلدا، بل لنفسي.
كلّ شيء سيكون على ما يرام، سينحلّ.
في الحقيقة، أنا خائفةٌ جدًا. أشعر بالخوف والقلق والذعر، وأريد الهروب عدّة مرّات في اليوم.
كتفاي ثقيلتان، وصدري ضيّق. أريد الذهاب إلى قبريّ والديّ والبكاء بشدّةٍ هناك، لكنّني أكبح نفسي.
إذا انهرتُ، ستنهار عائلتنا حقًا. قد نتشتّت ويختفي إطار العائلة إلى الأبد.
لا أريد ذلك. العائلة هي الميراث الوحيد الذي تركه والداي. لا أريد أن أكون الحمقاء التي تفقد هذه الهديّة الثمينة.
“أؤمن أنّ عرّابتي ستردّ على رسالتي قريبًا.”
ردّت ماتيلدا بلا مبالاة: “أتمنّى أن يُحلّ كلّ شيء.”
“شكرًا لكِ.”
انتهى الحديث هنا. بدا أنّ ماتيلدا لا تؤمن أنّ عرّابتي ستردّ، وكنتُ مرهقة جدًا.
بينما كنتُ أهدّئ الأطفال الصغار المتذمّرين وأحملهم، وصلنا وكانت الشمس تغرب خلفنا.
كان غروب الشمس في سييرا وكيرزن جميلًا على حدّ سواء.
“لقد عدنا. هذا الأجر.”
سلّمت ماتيلدا الأجر الذي حصلنا عليه اليوم إلى السيّدة ميلر.
عدّت السيّدة ميلر المال دون كلمة شكر، ثمّ وزّعت علينا مبلغًا لا يصل إلى ربع الأجر.
“هذا مصروف الأسبوع.”
“متى ستعيدين لي 3 ملايين بيرك خاصتي؟”
تجاهلت السيّدة ميلر كلامي ودخلت إلى الداخل صارخةً:
“اغسلوا أيديكم لتناول العشاء! إذا تأخّرتم، لا عشاء لكم!”
“سيّدتي! ماذا عن 3 ملايين بيرك؟”
“يا لكِ من مزعجة! هل تعتقدين أنّني لم أتعب بما فيه الكفاية بسبب إخوتكِ اليوم؟”
“ماذا فعل إخوتي؟”
أصبتُ بالقلق أن يكون قد حدث شيء في غيابي. هزّت السيّدة ميلر رأسها وأصدرت صوتًا بلسانها.
“لم يقم والداكِ بتربية إخوتكِ بشكل صحيح. كم كان الأصغر مزعجًا بسبب بكائه! على أيّ حال، اغسلي يديكِ وتعالي.”
ذهبت السيّدة ميلر إلى المطبخ، وهرعتُ إلى الغرفة التي أُوكل إليها دانيال وليو. سمعتُ صوت نشيج ليو من خلال الباب المفتوح قليلًا.
“أريد أختي.”
“توقّف عن البحث عنها!”
كان صوت ليو مبحوحًا من كثرة البكاء.
فجأة، نهض ليو من السرير عندما سمع خطواتي.
“أختي؟”
“ليو.”
“أختي!”
ركض ليو خارج الغرفة وتعلّق بي. تبعه دانيال بوجه يبدو أنّه لا يستطيع التحمّل.
“دعني أرى وجكَ. يا إلهي… كم بكيتَ؟ وجهكَ منتفخ مثل الضفدع!”
“أنا لستُ ضفدعًا.”
“لم أقل إنّك ضفدع. الأطفال الشجعان لا يبكون لأنّ أختهم ليست موجودة.”
“أنا… سأكون طفلًا شجاعًا من الآن فصاعدًا.”
“حسنًا، حسنًا. لا تبكِ في المرّة القادمة.”
ربتّ على ظهر ليو وهو يحتضنني ويفرك وجهه بكتفي.
فتحتُ ذراعي الأخرى لدانيال الذي كان يقف بخجول، فاقترب منّي بحياء.
“أختي، كدتُ أموت بسبب ليو. كان يرفض الطعام ويبكي طوال الوقت بحثًا عنكِ. كيف تتحمّلينه وحدكِ؟”
“أوه، هل يقول ذلك الطفل ابن العشر سنوات؟”
عبثتُ بشعر دانيال، فضحك بهدوء وخرج ليو من حضني.
“أختي، ستنامين معي اليوم، أليس كذلك؟”
“هذا صعب. من الآن فصاعدًا، يجب أن ينام ليو مع أخيه الأكبر.”
“لكن… دانيال…”
“ماذا بي؟”
“دانيال ليس قويًا بما يكفي ليهزم العجوز الشرّيرة!”
“العجوز… الشرّيرة؟”
اصفرّ وجه دانيال من الصدمة.
مهما كان ناضجًا، فإنّ العشر سنوات هي عشر سنوات. شعرتُ بشيء يخطر في ذهني وسألتُ ليو.
“هل تقصد السيّدة ميلر؟ لماذا؟ هل ضربتكِ؟”
“أمم…”
تجنّب ليو النظر إليّ. التفتُ إلى دانيال بسرعة، فبدأ يتلعثم بوجه شبه باكٍ.
قبل أن أفكّر، تحرّكت يديّ. رفعتُ ملابس ليو لأفحص جسده.
“…ما هذا؟!”
كانت آثار السوط واضحة على ذراعي وساقي ليو.
“أختي… هذا…”
لم أعطِ دانيال فرصة لتبرير نفسه، وسحبته لأفحص ذراعه. كانت آثار الضرب واضحة عليه أيضًا.
“هذه المجنونة…!”
شعرتُ وكأنّ عقلي قد انفجر.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 8"