“آه…”
سددتُ فمي بيدي.
كنتُ أنظر إلى عينَي دانيال الفضيّتين الرماديّتين، فشعرتُ وكأنّ قلبي ينهار.
كيف يمكن أن تبدأ كلّ الرسائل الخمس بـ”أنا آسف”؟
هل اتّفقوا جميعًا ليسخروا مني؟
“أختي، ماذا يقولون؟ هل سيساعدوننا؟”
بذلتُ جهدًا كي لا ترتجف يدي.
لكنّني لم أستطع التحكّم بتعابير وجهي.
لذلك، اقتربتُ من دانيال الذي جاء إلى جانبي، وضممتُه بقوّة.
“أختي.. أختي؟”
“كلّ شيء سيكون على ما يرام… لا تقلق، دانيال. كلّ شيء سيكون بخير. سأجعل الأمور على ما يرام.”
كان صوتي وأنا أقول ذلك مرتجفًا وغارقًا بالدموع.
دانيال، سريع البديهة، ربّما أدرك بالفعل مضمون الرسائل.
أسرعتُ بتهدئة صوتي، ثمّ ابتعدتُ عن دانيال.
ثمّ التفتُ بسرعة.
“يجب أن أعدّ الغداء لـ ليو الآن. سنفكّر في الباقي لاحقًا.”
اندفعتُ مسرعةً إلى المطبخ.
ما إن أغلقتُ باب المطبخ حتّى انهمرت الدموع بغزارة.
كان والديّ شخصَين رائعَين حقًا.
كانا لطيفَين وطيّبَين، يحبّان مساعدة الآخرين، فكيف يمكن أن يتجاهلونا بهذا الشكل؟
شعرتُ باختناق من اليأس والخوف.
في هذه الأثناء، بدأتُ بإعداد الغداء لـ ليو، فبحثتُ عن الملفوف والبيض، لكنّني وجدتُ بيضةً واحدةً فقط.
حتّى لو تمكّنّا من حلّ مشكلة هذه الوجبة، فإنّ تناول العشاء بطعامٍ يكفي الجميع يبدو مستحيلًا.
ناهيك عن وجبة الإفطار غدًا…
“هيكـ… هيكـ…”
مسحتُ دموعي بكمّ قميصي وسددتُ فمي.
لا يمكن أن يرى دانيال وليو هذا المنظر.
‘أشتاق إليكما.’
كنتُ أشتاق إلى أمّي وأبي بشدّة.
صوت أمّي الناعم، ويد أبي الكبيرة…
حتّى رائحتهما المميّزة، كلّ شيء.
بعد أن ظللتُ أبكي وأمسح دموعي لفترة، هدأتُ قليلًا.
مسحتُ أنفي، وأسرعتُ بإعداد عجّة الملفوف.
“كلّ شيء على ما يرام.”
همستُ لنفسي.
“طالما لن نموت جوعًا، فالأمور ستكون بخير في دار الأيتام، ستُحلّ مسألة الطعام والمأوى.”
حاولتُ التفكير بإيجابيّة، ثمّ ضبطتُ تعابير وجهي للمرّة الأخيرة.
كانت عيناي متورّمتين ومحمّرتين، لكنّ الأمر كان مقبولًا نوعًا ما.
قسمتُ البيضة إلى نصفَين، وقطّعتُ الملفوف إلى قطعٍ صغيرة جدًا ليبدو كثيرًا.
هكذا، أعددتُ غداء ليو ودانيال، ثمّ بدأتُ بحزم الأمتعة.
علينا مغادرة المنزل قريبًا.
لم يبقَ سوى القليل من الملابس بعد بيع الملابس الفاخرة في المزاد، لكنّ ما تبقّى كان لا يزال صالحًا للاستخدام.
بعد أن وضعتُ كلّ شيء في الحقيبة، جاء ليو ودانيال بعد أن أنهيا طعامهما.
“أختي، إلى أين سنذهب؟”
“ألم أقل لك؟ علينا مغادرة المنزل، لذا أحزم أمتعتي.”
“إلى أين سنذهب؟”
“هذا…”
لم أجد جوابًا، فعضضتُ شفتي.
في تلك اللحظة، استفزّ دانيال ليو قائلًا:
“ليو، أنتَ طفلٌ صغير، لا تستطيع حزم ملابسكَ بنفسكَ، أليس كذلك؟”
“لا، أنا لستُ طفلًا!”
“إذا تمكّنتَ من تنظيف أسنانكَ بنفسكَ، سأعترف أنّك لستَ طفلًا.”
“هاه! أستطيع فعل ذلك.”
اندفع ليو إلى الحمّام.
عندما بقينا أنا ودانيال وحدنا، ساد الصمت.
كنتُ أنا من بدأ الحديث أولًا.
“دانيال، فكّرتُ في الأمر…”
كان من الصعب قول ذلك، لكنّني اضطررتُ للتحدّث، ففتحتُ فمي بصعوبة.
“يبدو أنّ علينا الذهاب إلى دار الأيتام.”
“..…”
“من الأفضل أن نستعدّ ذهنيًا من الآن. لكن لا تقلق، لن نفترق أبدًا.”
“……”
“سأشرح الأمر لـ ليو جيدًا. و…”
لم أعرف كيف أواسيه، فظللتُ أفتح فمي وأغلقه دون أن أتفوه بشيء.
في تلك اللحظة، تحدّث دانيال.
“أختي، دار الأيتام لن تكون سيّئة.”
“……”
“سيوفّرون لنا الطعام والمأوى. يمكننا قراءة الكتب في المكتبة…”
هل حقًا لا يوجد خيارٌ سوى دار الأيتام؟
إذا أظهرتُ ارتباكي، سيتفاجأ دانيال بالتأكيد، فكتمتُ تنهيدةً وأومأتُ برأسي.
“حسنًا، لا داعي للقلق الزائد. بالنسبة لإدوارد… إذا لم يعد قبل مغادرتنا، سنترك له رسالة. ربّما ذهب إلى الريف، فهو نشأ هناك ولديه أصدقاء هناك.”
“نعم، فكرةٌ جيّدة.”
“سأحزم الأمتعة، فاذهب وألقِ نظرةً على ليو.”
بعد أن أوكلتُ ليو إلى دانيال، بدأتُ بترتيب الأمتعة.
‘يجب أن أكون قويّة. يجب أن أكون قوية.’
إذا انهرتُ، سيعاني إخوتي أكثر مني.
شددتُ عزمي وأغلقتُ حقيبة الأمتعة بقوّة.
* * *
حتّى اللحظة الأخيرة لمغادرة المنزل، لم تصل أيّ يدٍ للمساعدة، ولم يعد إدوارد.
حملتُ حقيبة الأمتعة بيدٍ، وأمسكتُ يد ليو باليد الأخرى، وخرجتُ من الباب الأمامي.
التفتُّ لأنظر إلى القصر الفخم.
كان المكان الذي وُلدنا وترعرعنا فيه أنا وإخوتي.
قبل ذلك، وُلدت أمّي هنا، وسمعتُ أنّ جدّي الأكبر هو من صمّم هذا القصر بنفسه.
‘الآن، انتهى كلّ شيء هنا.’
اليوم سيكون آخر مرّة أرى فيها هذا القصر.
شعرتُ بشعورٍ غريب.
كأنّني خسرتُ موطني، شيءٌ ما كان يعتصر قلبي.
“أختي؟”
نظر إليّ ليو ممسكًا بيدي.
“أختي، هل تبكين؟”
“لا، لا أبكي. هل قلقتَ عليّ؟”
“أنتِ كثيرةُ البكاء.”
“لستُ كثيرة البكاء. لا داعي للقلق. هيّا بنا.”
“ألن يأتي أخي إدي؟”
“إدوارد سيتأخّر قليلًا.”
“لماذا؟”
أين ذهب بحقّ خالق السماء؟
هل هو في خطر؟
تسلّل القلق بشأن إدوارد إلى قلبي، لكنّ الشيء الوحيد الذي يمكنني فعله هو إبلاغ الشرطة.
‘أتمنّى ألّا يكون في مشكلة كبيرة.’
العالم مليء بالمخاطر، لا أعرف ماذا قد يحدث.
“أختي، إذا وجد إدوارد الرسالة، سيأتي ليبحث عنّا.”
“نعم، سنذهب أوّلًا وننتظره.”
وضعنا ليو بيننا، أنا ودانيال، وتوجّهنا إلى دار الأيتام التي سبق أن رأيناها.
كنتُ أمرّ بها مع والديّ في العربة مرّاتٍ عديدة، لكنّني لم أتخيّل يومًا أنّني سأذهب إليها بهذا الشكل.
عندما رأيتُ الفناء القاحل والباب البالي، لم أجد كلامًا أقوله.
‘كيف يمكن العيش في مكانٍ كهذا…’
لم أعش إلّا في قصرٍ فاخر.
حتّى لو قارنته بفيلا الريف، فإنّ حجم دار الأيتام ضئيلٌ جدًا.
‘عليّ أن أكون ممتنّة حتّى لهذا المكان.’
غيّرتُ تفكيري، ووضعتُ الأمتعة على الأرض.
تجمّعت أنظار الأطفال الذين كانوا يلعبون في الفناء نحونا.
“يبدو أنّهم الوافدون الجدد.”
“يبدون وكأنّهم من عائلة غنيّة.”
“مهلًا، لماذا يأتي أشخاصٌ كهؤلاء إلى هنا؟”
مع همساتهم، بدأ ليو، الذي بجانبي، يشعر بالتوتّر.
كان ليو طفلًا حسّاسًا وخجولًا.
ودانيال أيضًا حسّاسٌ جدًا.
“لا بأس، ثقا بي وحدي.”
ابتسمتُ لهما، ثمّ تنحنحتُ.
“كح، هم.”
طرقتُ الباب.
بعد لحظات، فُتح الباب، وظهرت امرأة شابّة طويلة القامة.
نظرت إلينا بنظرةٍ متفحّصة، ثمّ عبست قليلًا.
“ما الأمر؟”
“نحن… لا مكان لنا نذهب إليه.”
“هذا ليس فندقًا.”
“توفّي والدينا. ولا نملك أيّ ميراث. هذه الوثائق تثبت وضعنا.”
أخرجتُ الوثائق من جيبي وأعطيتها لها.
بعد أن قرأتها بعناية، تنحّت عن الباب وقالت:
“ادخلوا.”
“شكرًا لكِ.”
حملتُ حقيبة الأمتعة ودخلتُ.
كان الجوّ باردًا وثقيلًا، لا أدري إن كان ذلك بسبب عدم وصول ضوء الشمس أم بسبب النظرات المتحفّظة في دار الأيتام.
أخذتنا المرأة إلى مكتب المديرة.
“السيّدة سيمسون، لديكِ زوّار.”
“دعيهم يدخلون.”
سمعتُ صوتًا مسنًّا من الداخل.
قالت المرأة التي رافقتنا:
“ادخلوا.”
دخلتُ مع ليو ودانيال إلى مكتب المديرة.
استقبلتنا امرأة مسنّة ذات مظهرٍ صارم.
“أنا إيما سيمسون، مديرة هذا المكان.”
“أنا إليزابيث هيرينغتون. هذا دانيال، وهذا ليونارد. كلاهما إخوتي.”
“إذن، أنتم أبناء عائلة هيرينغتون الشهيرة. أنا آسفة لما حدث لوالديكم.”
“آه… نعم.”
“لا أعرف التفاصيل، لكنّ الصحف تحدّثت كثيرًا عن فندق هيرينغتون. كنتُ أظنّ أنّ أبناء كارل هيرينغتون سيُرسلون إلى أقارب أو أصدقاء، لكنّني لم أتوقّع رؤيتكم هنا.”
“… العالم ليس سهلًا كما يبدو. على أيّ حال، هل يمكننا مناقشة الأمر بدون إخوتي؟ إنّهما لا يزالان صغيرين.”
“كم عمركم؟”
أجاب دانيال على سؤال السيّدة سيمسون:
“أنا في العاشرة، وليو في الثامنة. لكنّني لستُ مجرّد طفلٍ في العاشرة، لذا دعيني أبقى هنا.”
“دانيال.”
“أختي، لي الحقّ في سماع هذا. إنّه يتعلّق بمستقبلنا.”
عندما استخدم دانيال كلماتٍ صعبة لا تتناسب مع عمره، رفعت السيّدة سيمسون حاجبها.
“دانيال ذكيّ جدًا. كلّ ما يراه لا ينساه أبدًا، إنّه عبقريّ. على أيّ حال، دانيال، اخرج مع ليو. العاشرة ليست عمرًا مناسبًا لمثل هذه المحادثات.”
“أختي!”
رغم صراخ دانيال، حافظتُ على موقفي الحازم، فاضطرّ دانيال إلى أخذ ليو بيده ومغادرة مكتب المديرة.
كان ليو يتشبّث بي ويقول إنّه يريد البقاء معي، لكنّني تمكّنتُ أخيرًا من إجراء محادثة مع السيّدة سيمسون وحدنا.
“كح، همم. سيّدتي، في الحقيقة، لديّ أخٌ آخر يُدعى إدوارد. لقد غادر المنزل بعد صدمة، وهو الآن مفقود. أعتقد أنّه سيتعيّن عليه أيضًا البقاء هنا.”
“الهروب أمرٌ شائع. حسنًا، كم عمره؟”
“ثلاث عشرة سنة.”
“وأنتِ؟”
“أنا في الرابعة عشرة. بعد خمسة أشهر سأصبح في الخامسة عشرة.”
توقّف قلم السيّدة سيمسون عن الكتابة في دفترها.
شعرتُ فجأة بشعورٍ غامضٍ من القلق.
لكنّها استأنفت أسئلتها وكأنّ شيئًا لم يكن.
“هل هناك أيّ شيء يجب الانتباه إليه، مثل الحساسيّة؟”
“لا توجد حساسيّة. إدوارد كان ضعيفًا في صغره، فعاش في الريف، لكنّه الآن بصحّة جيّدة جدًا. دانيال، كما قلتُ، يمتلك ذاكرةً استثنائيّة. وليونارد مليء بالطاقة.”
“حسنًا، مفهوم.”
“هل يمكنني معرفة أيّ مدرسة عامّة سيلتحق بها إخوتي؟”
“يبدو أنّهما سيذهبان إلى مدرسة سييران الابتدائيّة.”
“إذن، سأذهب إلى مدرسة سييران المهنيّة بجانبها.”
“آه… عزيزتي، أنا آسفة، لكنّ ذلك لن ينجح.”
“ماذا؟”
تدلت حاجبا السيّدة سيمسون بحزن.
قالت بنبرةٍ مليئة بالأسف:
“عليكِ الذهاب إلى دار أيتامٍ في منطقةٍ أخرى. هذا المكان يقبل الأطفال حتّى سنّ الثانية عشرة فقط. أنتِ ستذهبين إلى دار أيتامٍ للفتيات، وإدوارد إلى دار أيتامٍ للفتيان.”
“… ماذا؟”
كانت هناك عقبةً تلو الأخرى.
إلى أيّ مدى ينوي العالم أن يكون قاسيًا معي؟
ترجمة: ميل
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 5"