لمست يدٌ مألوفةٌ كتفي.
“ما خطبك؟ هل يؤلمكِ شيءٌ ما؟”
رفعتُ رأسي فرأيتُ لُــو.
لُــو، واقفًا وظهره للقمر، ينظر إليّ.
لُــو، ينظر إليّ بنظرةٍ قلقة، كما لو أن شجار النهار لم يحدث قط.
كان القلق ظاهرًا على وجه لُــو.
“لماذا أنتِ شاحبةٌ هكذا؟ هل لديكِ نزلة برد؟”
فحصني بتعبيرٍ عابس، كما لو كان هو نفسه مريضًا.
“انهضي. سأساعدكِ على الذهاب إلى غرفتكِ. سأتصل بالطبيب الآن …”
تململ لُــو، غير قادرٍ حتى على لمسي. خرجت ضحكةٌ من شفتيّ.
“لُــو.”
فسألتُه.
“لماذا لا تسأل أين كنت؟”
ضيّق لُــو عينه، ثم أجاب.
“إن سألت، هل ستجيبين؟”
قبضتُ قبضتي لا شعوريًا.
“شارل لا تجيبني أبدًا، أليس كذلك؟”
لُــو مُحق.
لقد أخفيتُ الكثير عنه،
ولم أُجِب على الكثير من الأسئلة.
منذ اللحظة الأولى التي قابلتُه فيها، وأنا أكذب في كلّ شيء.
لم يكن بيدي حيلة.
إذا كُشِفت هويتي …
سأموت.
وسيموت لُــو أيضًا.
فقط بسبب معرفته هويتي.
«اقتلي لُــوفانتي.»
حاولتُ إسكات صوت أدريان في رأسي.
ثم التقطتُ أنفاسي.
“شارل.”
في تلك اللحظة، ناداني لُــو مرّةً أخرى.
“في الأشهر التي انقضت منذ قدومكِ إلى الإمبراطورية، كنتِ تخفين عني الكثير من الأمور.”
عضضتُ شفتي السفلى. وتجنّبتُ نظراته.
“من الغريب أيضًا أننا فريق، ومع ذلك نتصرّف بمفردنا.”
“هذا.”
“هل كنتِ حقًّا على متن السفينة للتحقيق في وفاة ثيميس؟”
أمال لُــو رأسه. وانحني إلى مستوى نظري.
“وعلاقتكِ المشبوهة مع أدريان بارتيروس.”
“لقد شرحتُ ذلك مُسبقًا.”
“لا أفهم.”
ردّ بحزم، ومدّ يده إليّ.
“شارل.”
أمسك خدي وأذني في آنٍ واحد، يحدّق بي بعينيه الصافيتين.
“ماذا تخفين عني؟”
ارتجفت أنفاسي.
إذا لم أُجب الآن، فسأكون أنا ولُــو في ورطة ….. لذا …
“من جارديان.”
أجبتُ، مُضيّقةً عينيّ بإحكام.
“كان هناك أمرٌ مُنفصل من جارديان.”
“… جارديان؟”
“نعم. أنتَ تعلم أن العملاء لا يُمكنهم مُشاركة المَهام. لهذا السبب لا يُمكنني إخبارك. أنا آسفة.”
سحب لُــو يده وظلّ صامتًا للحظة.
هل كان عذري، كذبتي، مؤثّرة؟
انتظرتُ إجابته بقلق.
“لم أكن أعلم بوجود مثل هذه الظروف.”
لحسن الحظ، بدا أن لُــو قد صدّق كذبتي.
“أنا آسفٌ أكثر.”
ساعدني على النهوض بسرعة، وهو يهزّ رأسه.
“لا. صحيحٌ أنني تصرّفتُ بشكلٍ مُريب.”
تنهدتُ بارتياح وربتّتُ على ظهره. شعرتُ بابتسامةٍ تتشكّل بين أسنان لُــو.
“لننهض أولًا.”
ساعدني لُــو على النهوض.
يداه، تحيطان بكتفيّ وتمسكان بيدي، تدعمانني … شعرتُ بصدقٍ ساخر.
كما لو كان قلقًا عليّ حقًا.
“هل أنتِ مريضة؟”
“لا. لستُ مريضة.”
“إذن، هل أنتِ متوترة؟”
“ربما.”
“أعتقد أنه من الأفضل أن تستريحي حتى الغد.”
أحاط لُــو كتفي بذراعه، وأبقاني قريبةً منه بينما كنا نسير ببطءٍ عبر الحديقة.
أضاءنا ضوء القمر في سماء الليل، وهبّت نسمةٌ ربيعيةٌ لطيفةٌ تداعب أنفي.
ومع ذلك، لم أستطع إلّا أن أشعر بالوحدة.
القصص التي رواها أدريان،
والأكاذيب التي رويتُها للُــو مجددًا.
كلّ هذا كان يجعلني أشعر بالوحدة.
“شارل.”
في تلك اللحظة، تكلّم لُــو فجأة.
“أنا آسفٌ على ما حدث سابقًا.”
رفعتُ رأسي. رأيتُ لُــو يخدش خده، وارتسمت على وجهه ابتسامةٌ خفيفةٌ من الحرج.
“ببساطة، ظننتُ أنني أصبحتُ أقرب إليكِ، لكنني أدركتُ بعد ذلك أنني لا أعرف حتى مَن هو صديقكِ.”
احمم. سعلت.
“أنا فقط، شعرتُ بالانزعاج بلا سبب.”
خرجت ضحكةٌ مكتومةٌ من شفتي.
كنتُ ممتنةً جدًا لموقف لُــو.
وصراحة مشاعره.
ربما لهذا السبب يُمكن أن أحبّه.
لستُ صادقةً بما يكفي لأُحَبّ.
لستُ جديرةً بالحُبّ لأنني لستُ صريحةً بما يكفي.
ابتسمتُ بمرارةٍ وهززتُ رأسي.
“أنا وأدريان لسنا مقرّبين.”
“أجل، أفهم ذلك.”
“و …”
تابعتُ بحذر.
“كنتُ قاسيةً بعض الشيء سابقًا أيضًا. أنا آسفة.”
اتسعت عينا لُــو عند هذا.
“كنتُ أكثر انفعالًا، لذا أنا آسفةٌ أكثر.”
يا إلهي، لم أستطع إلّا أن أضحك. هدأ الجو فجأةً، وابتسمنا.
“لكن …”
عندها، تكلّم لُــو.
“لأننا نستمر في الشجار والتصالح هكذا …”
تجعّد أنفه وابتسم.
كانت نفس اللفتة التي أظهرها لي أدريان سابقًا، لكن الشعور كان مختلفًا تمامًا.
كان لو ينظر إليّ الآن، يتبادل مشاعري مع مشاعره.
“ألا تشعرين حقًا أننا أصبحنا أصدقاء؟”
أمال رأسه قليلًا نحوي وسأل.
“ألا تشعرين بنفس الشعور؟”
“…أنا.”
صديق، صديق.
تمتمتُ بتلك الكلمة بهدوء، ثم فتحتُ فمي ببطءٍ وحذر.
“كما تعلم، لُــو.”
“نعم.”
“قلتَ إنكَ تُحبّني رغم كرهكَ لي.”
أومأ برأسه. حدّقتُ في طرف ذقنه وسألتُه.
“هل هذا ما تشعر به تجاه صديق؟”
اتسعت عينا لُــو مجددًا.
عيناه، المتلألئتان كالمحيط الأزرق، ثبّتتا نظراتهما عليّ دون تردّد.
نعم. كانت عيناه كالمحيط.
كان البحر، المتلاطم الأمواج أحيانًا، هادئًا بشكلٍ عام، يوحي بشعورٍ من الحرية.
“بالتأكيد.”
تحدٌث إليّ، وعيناه، كالمحيط الأزرق، مثبّتتان عليّ.
“أخبرتُكِ سابقًا. مشاعري تجاهكِ تزداد قوّةً الآن، شارل.”
ربما تحمل كلمة ‘أحب’ مئة معنى، لكن ‘أحبك’ التي كان لُــو يتحدث عنها الآن ربما كان يقصد بها واحدةً فقط.
شعورٌ بالمودة بين الأصدقاء.
لذا، بطريقةٍ ما، شعرتُ بتحسّن.
شعرتُ وكأنني أخيرًا أدخل عالم الحياة الطبيعية.
شعرتُ وكأنني أستطيع تكوين صداقاتٍ وعيش حياةٍ طبيعية. لذا.
“و.”
غمز لُــو.
“يقولون إن أفضل أنواع الصداقة هي عندما يكون هناك شعور بالحبّ والكراهية. قرأتُ ذلك في كتاب.”
“أيّ كتاب؟”
“<ما يكفي لتعرفه عن العلاقات الإنسانية>.”
“عليكَ برميه.”
لعق لُــو شفتيه وحدّق بي. كانت هذه السلسلة من الأحداث طبيعيةً وحميميةً لدرجة أنني لم أستطع إلّا أن أضحك مجددًا.
“على أيّحال …”
لذا، ولأوّل مرةٍ اليوم، ارتسمت ابتسامةٌ صادقةٌ على شفتيّ وأنا أجيب.
“وأنا أيضًا أعتقد ذلك.”
أكملتُ.
“أعتبركَ صديقًا عزيزًا عليّ.”
لذا …
«اقتلي لُــوفانتي.»
يستحيل عليّ أن أفعل ذلك.
أبدًا.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات