بدت غرفة القيادة، المحاطة بنوافذ زجاجيةً كبيرةً من جميع الجوانب، مزدحمةً بعض الشيء، ولكن بخلاف ذلك، لم يكن فيها ما هو غير عادي.
في المنتصف كانت هناك عجلة قيادةٍ خشبيةٍ كبيرة، وبجانب ذراع التحكّم في السرعة، وُضِعت سجلّاتٌ وخرائط.
مشيتُ ببطءٍ على سطح السفينة الخشبي، مُتأمّلةً ما بداخلها.
للوهلة الأولى، بدت غرفة القيادة عادية.
لكن …
‘لديّ هذا الشعور.’
شعورٌ بأن هذه ليست مجرّد غرفة قيادة.
لو كنتُ مكان هنري – هنري، الذي هُدِّدَت حياته لتحدّيه قائد المظمة كاتاكل – لاحتفظتُ بسجلٍّ لذلك، بشكلٍ أو بآخر.
من أجل الشخص التالي الذي قد يمرّ بنفس التجربة، أو من أجل براءتي.
‘قد لا تكون هذه السفينة.’
هناك أربع سفنٍ أخرى، لذا سأضطرّ إلى تفتيشها جميعًا أيضًا.
لكن …
صرير، صرير –
سمعتُ صرير عجلة القيادة.
شعرتُ بشقٍّ خفيفٍ مُختبئٍ في الداخل.
حبستُ أنفاسي وأصغيتُ باهتمام. أو بالأحرى، أجهدتُ أذنيّ لأجد مصدر الصوت.
ثم.
‘ها هو.’
مع ذلك، كانت اللوحة أسفل الدرج مرتفعةً قليلاً.
كان الصوت قادماً من الداخل أيضاً.
وضعتُ إصبعي في الفجوة وفتحتُ اللوحة.
طقطقة!
ظهر درجٌ معدني.
كما هو متوقّع. كنتُ أعرف أن هذا سيحدث.
“كيف أفتحه …”
كان الدرج المعدني متآكلاً قليلاً، لكن شكله العام ظلّ متماسكاً.
لم يكن هناك مقبض.
بدلاً من ذلك، كان هناك أخدودٌ دائريٌّ غريب، سطحي، محفورٌ في المنتصف.
كان الأخدود غائراً بفارقٍ ضئيلٍ للغاية، ولم يكن هناك ثقب مفتاحٍ كأيّ قفلٍ عادي.
حسنًا…
“من حسن الحظ أنني أحضرتُ هذا.”
الدبوس المغناطيسي الذي تلقّيتُه من بينكي.
سحبتُ الدبوس من شعري بعنف.
انساب شعري، منسدلًا على كتفي، لكنني لم أُبالِ.
بدلًا من ذلك، وضعتُ الدبوس في تجويف الدرج.
طقطقة.
سمعتُ صوتًا خافتًا.
في البداية، لم يتغيّر شيء.
لكن الاهتزازات الغريبة في أطراف أصابعي أكّدت شكوكي.
“إنه مصمّمٌ ليتمكّن عملاء فريقه من فتحه.”
طقطقة.
شعرتُ بآليةٍ صغيرةٍ تنحلّ في الداخل.
سرعان ما انزلق الدرج المعدني ببطءٍ إلى الأمام.
نظرتُ بسرعةٍ داخل الدُرج.
كما هو متوقع، كان هناك دفتر ملاحظاتٍ بالداخل.
‘كان تخميني صحيحًا، من البداية إلى النهاية.’
كما هو متوقع، أنا عميلةٌ من النخبة في كلٍّ من جارديان وكاتاكل.
بعد أن مدحتُ نفسي عدّة مرّات، ألقيتُ نظرةً سريعةً على دفتر الملاحظات.
‘لنرَ …..’
[X/X]
منذ الأمس، ينتابني شعورٌ غريب.
أينما ذهبت، تتبعني أعينٌ يقظة.
آه. هل أُهجر هكذا؟
هذه هي العبارة المكتوبة في الصفحة الأخيرة.
عبستُ لا إراديًا.
لم يكن من الممتع قراءة مذكّرات شخصٍ يُفترض أنه لم يعد على قيد الحياة.
لكن هذا ليس الوقت المناسب للانغماس في مثل هذه المشاعر، لذا قلبتُ الصفحة بسرعة.
[X/X]
لقد تضاءل تواصلنا مع قلعة العاج في الأشهر الأخيرة.
هل ما زلنا مجرّد ظلالٍ مُخلِصة، أم أننا مجرّد حشراتٍ تنهش العاج؟
لا أعرف.
“قلعة العاج” هي كلمةٌ عاميّةٌ تُشير إلى العائلة الإمبراطورية.
يعني انخفاض التواصل على الأرجح انخفاض الطلبات القادمة من العائلة الإمبراطورية.
[X/X/X]
نعتقد أننا نجونا لأننا كنا ظلالًا. لا ينبغي للظلال أن تتمرّد على النور.
لكن يبدو أنه لا ينوي البقاء في الظلال بعد الآن.
[X/X/X]
قال ‘نحن سنبدأ التدخّل’. لذا أتساءل. هل تشملني هذه الـ ‘نحن’؟
لا.
أنا عقبةٌ أمام خُطَطه.
نظرتُ إلى التاريخ.
تزامن وقت عودتي إلى الإمبراطورية تمامًا مع الوقت الذي بدأ فيه بايلور التحرّك بجدية.
لعلّ هذا ما جعلني أُدرِكُ ذلك بسرعة.
قلبتُ الصفحة.
[X/X]
جاء أدريان لزيارتي.
اتّسعت عيناي.
أدريان؟
[ناولني أدريان جرعة ثيميس.
قال إنه سيستخدمها لجلب الأطفال النبلاء إلى جانبه.
عندما سألتُ عن السبب، أجاب أدريان كما لو كان الأمر واضحًا.
‘للجيل القادم.’
ثم أضاف.
لا تخبره بهذا.
يريد الاستيلاء على قلعة العاج، وابنه يريد السيطرة على مَن سيدخلونها قريبًا.
ستكون هذه معركةٌ بين أبٍ وابنه …
كانت تلك هي النهاية.
لا، على وجه التحديد، احتوى الفصل التالي على تلك المذكّرات الكئيبة التي رأيتُها في البداية، ولكن على أيّ حال، لم يكن هناك المزيد.
لكن حتى هذا القدر من المذكّرات كان كافيًا لإعطائي صورةً أوضح عن الوضع.
‘كان بايلور يحاول القضاء على النبلاء الموالين للإمبراطور.’
و.
‘أدريان هو مَن وزّع المخدرات وللاستيلاء على النبلاء.’
بعبارةٍ أخرى،
بايلور يعمل على اغتصاب العرش الحالي،
وأدريان يناور لاغتنام الفرصة للفوز في صراع السلطة الذي سيبدأ بعد اغتصاب العرش.
‘بالتفكير في الأمر، يبدو أن القائد لا يعرف شيئًا عن الأورا.’
لم ينطق بكلمةٍ واحدةٍ عن الأورا.
‘إذن أنتَ تقول إنه من الممكن حقًا أن تكون هناك مواجهةٌ بين القائد وأدريان؟’
لم أفهم تمامًا.
ما هذه القوّة اللعينة؟ ما نوع القوّة التي تُسبّب عداوةً عائلية؟
لو كانت أزميرالدا على قيد الحياة، لكانت أوقفتهم.
ابتسمتُ بمرارةٍ وأدرتُ ذقني. لففتُ مذكّرات هنري ووضعتُها في جيبي.
“يجب أن أتحقّق إن كان هناك أيّ شيءٍ آخر…”
“لا يوجد شيءٌ مهمٌّ هنا.”
“آها. فهمت.”
أجبتُ بعفوية، لكن فجأةً فاجأني شيءٌ غريب.
“…هاه؟”
رفعتُ رأسي.
ثم رأيتُ لُــو متّكئًا على باب غرفة القيادة.
هاه؟
فزعتُ، فنهضتُ منتصبةً بسرعة البرق.
“أنت، أنت، لماذا أنتَ هنا!”
أشرتُ بإصبعي اتجاهه وصرخت. على النقيض مني، أومأ لُــو برأسه بكلّ هدوء.
“ماذا تفعلين أنتِ هنا، شارل؟”
ابتعد عن الباب واقترب مني ببطء، خطوةً بخطوة.
تراجعتُ خطوةً إلى الوراء لا شعوريًا، لكن كانت هناك حدودٌ للهروب في غرفة القيادة الضيقة.
“هل من واجب شارل تفتيش غرفة قيادة سفينةٍ لا تعرفين مالكها حتى؟”
“هـ هذا…”
فكّرتُ بسرعة.
إذا لم أُجِب بشكلٍ صحيحٍ هنا، فقد قضي علي.
حقًا.
“أنا-أنا!”
أجبتُ بسرعة.
“كنتُ أتتبع موت ثيميس!”
يا إلهي.
فكّرتُ في الأمر، لكن كان هذا عذرًا مثالي.
صفّقتُ في داخلي ونظرتُ إلى لُــو.
“لماذا؟”
“لأن … لأنه من الغريب أن يُهاجَم ثيميس ويُقتَل هكذا.”
“إذن كنتِ تتقصّين موته هكذا؟”
“هذا صحيح!”
ضحك لُــو ضحكةً مكتومة.
“أنتِ طيبة القلب حقًا، شارل. حتى أنكِ تهتمّين بموت شخصٍ لم تلتقِ به إلّا مرّةً واحدة.”
همم. على ما يبدو، لن يصدّقني حقًا.
لكن هذا ليس عذرًا واهٍ لدرجة إثبات زيفه فورًا.
إذن، يبدو أن لُــو سيتجاهل الأمر.
‘كم مرّةً تجاهل الأمر؟’
لا أعرف لماذا أظلّ أقف أمام لُــو.
هاه. تنهّدتُ ومسحتُ عرقي البارد.
‘هيا بنا نخرج. سأسأله كيف عرف بهذا المكان عندما أصل.’
“لنخرج.”
بينما كنتُ على وشك الخروج،
بانج!
سمعتُ صوتًا عاليًا. كان الصوت عاليًا بما يكفي لهزّ السفينة بأكملها.
وفي الوقت نفسه، انغلق باب غرفة القيادة بقوّة، مُغلقًا نفسه.
هاه؟
ثم، في مكانٍ ما، بدأ صوت الماء يُسمَع.
ماذا؟
ومال جسدي إثر الحركة.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات