٤. الشّك
[إلى اللورد بايلور.
أُبلِغكم عن الوضع لهذا الشهر.
لا يزال الوضع في منطقة الحدود غير مستقر.
لقد رصدنا تحرّكاتٍ مُقلقةٍ في كلّ مكان،
وإدارة مكافحة التجسّس تُراقب هذا الأمر عن كثب.
قلتَ ذات مرة: مهما اشتدّ الظلام، سيأتي النور في النهاية.
كما قلت، الفجر قادمٌ لا محالة. لكننا لا نعلم إن كنّا سنراه، فالرياح الكئيبة تهبّ في كلّ مكان.
الصعوبات مُتوقّعة، لكن علينا القيام بواجباتنا.
أتمنى ألّا يكون الأوان قد فات.
هذا كل شيء الآن.
L.]
في طريق العودة إلى المنزل.
تذكّرتُ الرسالة التي قرأتُها في المقرّ الرئيسي.
لم يكن محتوى الرسالة سوى تقريرٍ سياسيٍّ عادي.
لكنني لم أستطع إلّا أن ألاحظ الرائحة والزخارف المألوفة في الرسالة، وحرف “L” في نهايتها.
أنا مُلِمّةٌ بالسياسة الإمبراطورية، وهناك شخصٌ واحدٌ فقط يحمل الحرف “L”.
‘الإمبراطورة، ليلى.’
كنتُ قد سمعتُ مُسبقًا أن الإمبراطورة كانت تُحاول التدخّل في كاتاكل.
لهذا السبب كانت في خلافٍ مع بايلور.
لكن بالنظر إلى محتوى الرسالة ……
‘لم يكونا على خلاف؟’
كيف أصف الأمر؟ شعرتُ بتيارٍ خفي.
كان الأمر كما لو أنه مُعجبٌ بها …….
‘مستحيل.’
هل كان هذا سبب انقلاب بايلور؟ الإمبراطورة؟
كونه زوجها، أحد أفراد العائلة المالكة، سيُسهّل عليه اعتلاء العرش. لهذا السبب.
شعرتُ وكأن عينيّ قد فُتِحتا على آفاق لم تكن مرئيّةً لي.
الآن، بدأ كلّ شيءٍ يعود إلى نصابه أخيرًا.
‘فكرة معارضتها كانت مجرّد خدعة.’
لا بد أنه نصب فخًّا ليعرف مَن يدعم الإمبراطورة ومَن يدعم القائد، ثم ليعزّز سلطته ويوسّعها.
‘إذن ماذا عن هنري؟’
على حد علمي، هو لا يدعم الإمبراطورة. مع ذلك، وبالنظر إلى بحثه عن الأثر بشكلٍ منفصل، يبدو أنه لم يدعم القائظ أيضًا.
‘لو علم هنري بكلّ هذا.’
ربما هرب.
«ألا تشعرين بالفضول لمعرفة ما حدث لهنري؟»
إذا كان بايلور يقول هذا، فهذا يعني أن حياته أو موته غير مؤكد.
‘ربما لم يمت هنري.’
ربما شعر بالوضع وهرب.
‘عليّ أن أكتشف الأمر.’
من الجيد معرفة ما يحدث حقًا داخل كاتاكل.
نعم.
لنكتشف الأمر.
لنكتشف ونسأل.
ما هي فرص نجاح الانقلاب؟
إذا كانت فرص النجاح ضئيلةً للغاية، وكان بايلور غارقًا في أحلامه، عليّ إيقافه.
حتى لو كنتُ مجرّد دميةٍ تُنفّذ الأوامر، لم أستطع ترك بايلور يقفز في حفرة النار من تلقاء نفسه.
‘لنبحث عن هنري.’
حالما توصّلتُ إلى هذه النتيجة، خطرت لي خطة.
لا داعي للاستعجال غدًا.
* * *
“هاام.”
تثاءبتُ بعمقٍ ونزلتُ الدرج إلى غرفة الطعام.
الليلة الماضية.
لقد كنتُ في الخارج طوال الليل، وكانت أفكاري ثقيلةً لدرجة أنني واجهتُ صعوبةً في الاستيقاظ هذا الصباح.
أجبرتني قلّة النوم على التثاؤب.
“صباح الخير، شارل.”
حالما دخلتُ غرفة الطعام، استقبلني لُــو، الذي كان جالسًا بالفعل.
حتى في الصباح، كان وجهه مشرقًا، لا أثر للتعب.
كان وجهه خاليًا من أيّ ظل، وشعرتُ أنه أنار ذهني المضطرب طوال الليل.
“تبدين متعبةً للغاية اليوم.”
كانت كلمات القلق هذه موضع تقديرٍ خاصٍّ اليوم.
هل لأنني لم أرَ سوى أشخاصٍ يكرهونني بالأمس؟
ابتسمتُ بمرارةٍ وهززتُ رأسي.
“أعتقد أن السبب هو أنني لم أنم جيدًا.”
“آها. هل ذهبتِ في نزهةٍ ليليةٍ مرّةً أخرى؟”
ارتجفتُ. شعرتُ باضطراب معدتي، لكنني تظاهرتُ بعدم الانتباه.
“لا. لم أستطع النوم. لا تشكّ بي.”
“لستُ أشُك، كنتُ أسألكِ فقط.”
كاذب.
يمكن لأيّ شخصٍ أن يلاحظ أنكَ تشكّ بي.
في الحقيقة، حتى لو كان لُــو يشكّ بي، لم يكن هناك ما يمكنني فعله.
لو تحرّكتُ في هذه اللحظة، لزاد الشكّ الذي كنتُ سأثيره.
ومن الواضح أن لُــو لم يكن لديه دليلٌ قاطع.
لو كان لديه دليل، لكان قد اتخذ إجراءً بالفعل.
لهذا السبب لم يكن أمامي خيارٌ سوى التظاهر بأنني لم أسمع وتجاهلتُ الأمر.
استنشقتُ وجلستُ على كرسي الطعام.
“الجو جميلٌ هذا الصباح.”
كما قال، تسلّلت أشعة الشمس الدافئة عبر النافذة الكبيرة على أحد جدران غرفة الطعام.
كان النسيم الذي يداعب الأوراق كافيًا ليجعلني أشعر بالطقس.
بعد أن تأمّل لُــو المشهد للحظة، التفت إليّ وسألني.
“هل نخرج اليوم مجددًا؟”
رمشت. ثم هززتُ رأسي بسرعة.
“سأخرج وحدي اليوم. أوه، ماردي. شكرًا لكِ. سأستمتع بوجبتي.”
أجبتُ، وأنا أستقبل السلطة التي أحضرتها لي ماردي.
“هاه؟”
بدا لُــو متفاجئًا وسألني.
“ستخرجين وحدكِ؟ إلى أين ستذهبين؟”
همم.
سأذهب إلى الميناء لأبحث عن آثار هنري، نائب القائد.
كان لديه هواية جمع السفن، لذا أستطيع معرفة ما إذا كان حيًّا أم ميتًا من خلال وجود سفينته أو غيابها.
… لا أستطيع قول ذلك.
لذا مضغتُ سلطتي عمدًا وأجبتُ بلا مبالاة.
“هل عليّ حقًا إبلاغكَ بكلّ ما أفعله أينما ذهبت؟”
“إنه متعلّقٌ بالمَهمة، أليس كذلك؟”
“لا.”
“إذن لماذا تتصرّفين بمفردكِ، مع أن الأمر لا يتعلّق بالمَهمة؟”
عبستُ.
“أنتَ ببساطة لا تريدني أن أخرج، بغض النظر عن المَهمة؟”
“نعم.”
“هذا سخيف.”
مهما كان لُــو عنيدًا، لم أستطع الاستسلام اليوم.
بما أنني قرّرتُ بالفعل العثور على هنري، لم يكن هناك خيارٌ آخر.
“على أيّ حال، سأذهب وحدي اليوم. لذا اقضِ وقتكَ وحدك.”
“…أشعر أنني أن سأنزعج.”
“فلتنزعج.”
“أنتِ قاسيةٌ جدًا.”
“من الجيد كوني قاسية.”
تركتُ لُــو يتمتم، وعُدتُ أركّز على سلطتي.
لهذا السبب، لم ألاحظ تعبير وجه لُــو.
* * *
غادرتُ القصر حالما انتهيتُ من الفطور.
لكنني لم أتوجّه مباشرةً إلى الميناء.
تركتُ رسالةً في المستودع المهجور حيث التقيتُ ببينكي.
[إذا رأيتَ هذه الرسالة، تعال وابحث عني في الميناء.]
إنه ليس يوم اجتماعنا المعتاد، ولكن ماذا أفعل؟
الآن وقد علمتُ بخطة بايلور، لديّ أكثر من سؤالٍ لأطرحه.
‘أعتقد أنني سأضطر لدفع المزيد.’
بهذه الفكرة، نزلتُ من العربة. وما إن فعلتُ، حتى امتلأت رئتاي بالهواء، مزيجٌ من الرمل والملح.
الأشرعة الضخمة، والسفن، وحركة الناس الصاخبة.
ما زال الميناء، نابضٌ بالحياة والنشاط، يُثير الحماس دائمًا.
‘لا، ليس هذا هو الوقت المناسب.’
لم يكن هذا هو الوقت المناسب للاستمتاع بهدوء الميناء.
أخرجتُ دفتر ملاحظاتي وقلمًا، واقتربتُ ببطءٍ من الرصيف.
أتذكّر سفن هنري الخمس.
لا أتذكّر شكلّ السفن بالضبط، لكنني أتذكّر الرمز الذي استخدَمه.
لذا، لن يكون العثور عليها صعبًا للغاية.
لو اختار هنري الهرب، لما كانت السفن موجودة.
لكن لو كان هنري ميتًا حقًا ……
‘ستظل السفن موجودة.’
عضضتُ شفتي السفلى.
كما قلتُ سابقًا، أكره حقًا رؤية الناس يموتون.
لم يكن السبب هو موت أزميرالدا بسببي فقط.
لقد كرهتُ ببساطةٍ رؤية حياةٍ بشريةٍ تتلاشى.
ربما كان السبب هو الأطفال الذين شاركتهم أفراحهم وأحزانهم في الأحياء الفقيرة، والذين ماتوا.
أعلم جيدًا مدى هشاشة الحياة البشرية وسهولة فقدانها.
لهذا السبب…
أريد حماية الحياة أكثر.
أتمنى ألّا يموت أحد.
‘لهذا السبب كنتُ في الفريق السري.’
طالما استطاع الفريق السري تنفيذ مَهمته على أكمل وجهٍ دون أن يُكتَشَف أمره، فسيمنع أيّ خسارةٍ في الأرواح.
على أيّ حال، لهذا السبب أبحث عن هنري الآن.
هذا البحث ليس فقط لتحديد حياة هنري أو موته، بل أيضًا لتحديد ما إذا كان انقلاب بايلور ناجحًا.
إذا كان من المرجّح أن يفشل الانقلاب، يجب أن أوقف بايلور.
لإنقاذ بايلور.
‘على أيّ حال …….’
حتى الآن، وجدتُ أربع سفن.
نبض، نبض.
كان قلبي يخفق بشدّة.
أتمنى ألّا أعثر على السفينة الخامسة…… أرجو ذلك من كل قلبي.
“…هذا.”
تنهّدتُ لا إراديًا.
لأن سفينة هنري الأخيرة كانت تطفو أمام عينيّ مباشرةً.
فكرة أن هنري ربما يكون قد نجا كانت مجرّد أمنية.
شعرتُ بعدم الارتياح. رسمتُ إشارة الصليب.
لستُ متديّنة، لكنني ما زلتُ آمل أن يكون قد ذهب إلى مكانٍ جيد.
‘فقط في حال وجود أيّ شيءٍ متبقٍّ.’
قرّرتُ الدخول إلى سفينته أولًا.
لذلك صعدتُ ببطءٍ إلى سطح السفينة وفتحتُ باب غرفة القيادة.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات