“أ-أرجوكم، ليساعدني أحد!”
انتشر صوت صرخةٍ خفيفةٍ في الهواء.
ركضتُ نحو مصدر الصوت.
ثم رأيتُ طفلاً صغيراً يكافح في الطين الاصطناعي.
ارتفعت ظلالٌ سوداءٌ لا تُحصى فوق الماء.
كانت مجموعةً من التماسيح تصطاد، مُشوِّهةً سطح الماء الهادئ.
حلّلتُ التهديد غريزياً.
‘أربعة … لا، خمسة.’
كانوا قد أحاطوا بالطفل في نصف دائرة.
ناضلت يدا الطفل الصغيرتان للإمساك بشيء، وهما ترفرفان في الهواء، لكن الطين انهار بلا رحمة.
كانت ساقاه غارقتين بعمقٍ في الطين، ولم يكن هناك سبيلٌ للهرب.
“لا… سـ ساعدوني!”
في تلك اللحظة، فتح تمساحٌ فمه ببطء.
لمعت أسنانه الطويلة الحادّة في ضوء الشمس، وتحرّك ذيله الثقيل الباهت وهو يشقّ طريقه عبر الماء.
بحركةٍ واحدةٍ فقط، ستنتهي حياة الطفل.
لذا.
“آه!”
قفزتُ دون أدنى تردّد.
ثم أمسكتُ بخصر الطفل وتدحرجتُ للخلف.
كواك!
انفتح فم التمساح الكبير وأُغلِق مرّةً أخرى. الطفل، الذي تجنّب موته بصعوبة، ارتجف وعيناه مذعورتان.
“لا بأس الآن، أنتَ بخير. ابقَ خلفي.”
“لـ لكن، التماسيح …!”
حتى لو قلتُ له أن يبقى في الخلف، فهناك تماسيحٌ أمامنا.
كان ذلك لأننا كنا محاطين بالفعل بمجموعةٍ من التماسيح.
“أخبرتُكَ أن الأمر على ما يرام، أليس كذلك؟ لا تقلق. ستنقذكَ هذه الأخت.”
في الواقع، هذه خدعة.
لأنني لا أملك مسدسًا ولا خنجرًا الآن.
يا له من غباء!
حتى لو بدا الأمر وكأنه لن يحدث شيءٌ سيئ، كان عليّ إحضارهم.
هذا خطئي تمامًا.
لأنني خفّفت من حذري.
لكن …
عليّ إنقاذ الطفل.
هووه! التقطتُ أنفاسي.
لقد مرّ وقتٌ طويلٌ منذ أن حرّكت جسدي بعنفٍ لدرجة أنني شعرتُ ببعض القلق، لكن لا يزال عليّ التحرّك.
هش!
لويتُ جسدي في نفس الوقت الذي أرجح فيه التمساح خلف الطفل ذيله. ثم لكمتُ التمساح في عينه.
دوي!
أغمض التمساح عينيه غريزيًا بسبب قوّة الاصطدام.
لكن، بجانبي مباشرة، فتح تمساحٌ آخر فمه واستهدف ساقي.
“هاه!”
انحنيتُ بسرعةٍ وقفزتُ على فم التمساح.
ثم مددتُ يدي وأمسكتُ بحافّة فم التمساح. استجمعتُ كلّ قوّتي لفتح فمه.
انهمر الدم من يدي، لكنني لم أستطع التوقّف. لو تراجعتُ الآن، لأكلني التمساح على الفور.
عيون التمساح، ومنخريه، ورقبته.
بما أنني كنتُ مدرَّبة، كان عليّ ضرب أضعف نقطة.
غرزتُ أصابعي عميقًا في رقبة التمساح.
“كواااااك!”
صرخ التمساح ولوى جسده. انتهزتُ الفرصة لأصرخ على الطفل.
“اركض إلى الأرض!”
ولكن في تلك اللحظة بالذات.
فتح تمساحٌ بجانبي فمه وانقضّ.
لم يكن علي. بل كان نحو الطفل.
برقت أسنان التمساح.
“لا!”
اندفعتُ نحوه دون أن أنظر حتى.
كنتُ أعلم أنني إن فعلتُ هذا، فسيُقضَم جسدي بأسنان التمساح.
لكن مع ذلك، لا يزال الطفل …… !
أغمضتُ عينيّ بإحكام. توقّعتُ الألم القادم.
لكن.
تانغ!
سُمع صوت طلقٍ ناريٍّ من مكانٍ ما.
سُويش-!
تدحرجتُ على الأرض ولويتُ جسدي. سواء كانت الرصاصات لتُخويفهم فقط أو لا، احترقت الرصاصة الهواء فقط، لكنها كانت كافيةً لطرد التماسيح.
“هوف، هوف …”
نظرتُ حولي، وأخذتُ نفسًا عميقًا.
عانقتُ الطفل الباكي بسرعةٍ الذي كان منهارًا.
في الوقت نفسه، بانغ! بانغ! بانغ! دوّت طلقاتٌ ناريةٌ متتالية.
تفرّقت التماسيح التي تجمّعت في لحظة.
“ها….”
ضحكتُ ضحكةً جوفاء.
لم يكن لديّ خيار.
على حد علمي، لم يكن هناك سوى شخصٍ واحدٍ يستطيع التصويب بهذه الدقّة.
“شارل!”
كان لُــو.
ربتّتُ على رأس الطفل الباكي واستلقيتُ.
“لقد أتيتَ مبكرًا جدًا ….”
لكنني كنتُ أعلم أنكَ ستأتي.
وأغمضتُ عينيّ.
* * *
“شارل!”
وضع لُــو مسدسه جانبًا، وركض نحو شارل بسرعة.
لم يكن يهمّه إن كان الطفل بين ذراعيها يبكي أم لا.
في تلك اللحظة، كان ذهنه منصبًّا تمامًا على شارل.
“هـ هل أنتِ بخير؟”
وضع يده تحت أذن شارل بوجهٍ مرتبكٍ ومضطربٍ على غير العادة.
كان نبضها ينبض.
كانت تتنفّس.
ثم …
‘لقد أغمي عليها.’
لابدّ أنها فقدت الكثير من الدم.
نظر لُــو إلى يدي شارل الممزّقتين وضغط على أسنانه.
تمزيق! مزّق ملابسه على عجلٍ ولفّها حول يدي شارل.
لم يوقف هذا النزيف تمامًا، لكنه سيجعله يتوقّف بطريقةٍ ما حتى يصل إلى الطبيب.
“يا إلهي! ثيو!”
سمع صراخ سيسيل من خلفه.
هل كان ذلك الطفل ابن أخ سيسيل؟ شعر لُــو بغضبٍ أعمق.
“ثـ ثيو! افتح عينيك! هل أنتَ بخير؟ هاه؟”
داست سيسيل بقدميها وتأكّدت من سلامة ثيو.
أدار لُــو رأسه نحو سيسيل.
“آنسة سيسيل. ابن أخيكِ بخيرٍ تمامًا، وأرى أنه لا يعاني من أيّ إصابات.”
“نـ نعم؟”
“ألا ترين أن شارل في هذه الحالة مقارنةً به؟ هل عيناكِ كفتحات الأزرار أم ماذا؟”
“أوه، لا، هـ هذا…”
“إن كانت لديكِ أيّ أفكار، ألا يجب أن تذهبي وتتصلّي بالطبيب الآن؟ بدلاً من الوقوف هنا بقدميكِ السليمتان تمامًا حتى الآن.”
مع أن لُــو كان معروفًا بسخريته، إلّا أنه مرّ وقتٌ طويلٌ منذ أن تصرّف بهذه الشراسة.
لهذا السبب شعرت سيسيل برغبةٍ في البكاء.
ولكن في اللحظة التي رأت فيها شارل مستلقيةً أمامها، شعرت بمسؤوليةٍ عميقةٍ بأنها لا يجب أن تبكي هنا.
أنا لستُ شخصًا جيدًا، لكن هذا لا يعني أنني شخصٌ سيء.
هناك شخص يحتضر، ولا يمكنني البكاء لمجرّد حزني.
استعادت سيسيل وعيها بسرعة.
“سأستدعي بالطبيب!”
ثموركضت مباشرةً للبحث عن الطبيب.
“آه…”
في تلك اللحظة، فتحت شارل عينيها ببطء، وهي تتحرّك.
من خلال جفنيها اللذين يرمشان ببطء، ظهرت حدقاتها الأرجوانية الرائعة ثم اختفت.
بينما كان لُــو يشاهد ذلك المنظر، شعر وكأنه لا يستطيع التنفّس.
كاد يفقد بريق عينيها.
كادت تختفي.
كاد ذلك الشيء الجهنمي أن يحدث.
“ما الذي تفعلينه بحق خالق الجحيم …!”
“الطفل؟”
ما أوقف غضب لُــو هو سؤالها عن سلامة الطفل.
سألت شارل ما إن فتحت عينيها، وكأن الأمر واضحٌ جدًا.
“هل الطفل بخير؟”
لم يستطع لُــو كبح مشاعره التي كانت تتدفّق بعنف.
“هل أنتِ قلقةٌ على الطفل بعدما أصبحتِ في هذه الحالة؟”
مَن هو هذا الطفل؟
لماذا تُخاطرين بحياتكِ لإنقاذ طفلٍ كهذا، لماذا!
شدّ لُــو قبضتيه، محاولًا جاهدًا كبت رغبته في الصراخ.
سال دمٌ أحمرٌ فاقعٌ من يده.
“لهذا السبب أنا قلقةٌ على الطفل … حاولتُ إنقاذه وانتهى بي الأمر هكذا. أخبِرني إذًا. هل الطفل بخيرٍ على الأقل؟”
سألت شارل، التي لم تكن تعرف مشاعر لُــو إطلاقًا – أو ربما لم ترغب في معرفتها.
أراد أن يقول إن الطفل مات، لكنه تردّد.
لو قال ذلك، لحزنت بالتأكيد.
“الطفل ….”
أجاب لُــو وهو يُخفض رأسه.
“إنه بخير.”
“ها….”
عندها فقط تنهّدت شارل بارتياحٍ وابتسمت ابتسامةً خفيفة.
“ياللراحة.”
ثم أدارت رأسها جانبًا وأغمضت عينيها مجددًا.
“سأنام قليلًا. أنا متعبة.”
ليس الأمر أنكِ متعبة، بل أنتِ تتألّمين.
يداكِ مُمزّقةٌ وقد اخترقتها الأنياب، وهذا بالطبع مؤلم.
‘لماذا لا تقولين إنكِ تتألّمين؟’
“أنتِ …”
أسند لُــو جبهته على خد شارل، التي كانت نائمة، وأغمض عينيه.
“أنتِ شخصٌ لا يجب أن يتألّم هكذا.”
تمتم بصوتٍ بدا وكأنه سينفجر في أيّ لحظة.
“لا يجب أن يحدث هذا لكِ.”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات