شرب الكثيرون النبيذ.
لم يشرب أيٌّ منهم سمًّا.
مع ذلك، كان هناك سمٌّ في كأس الكونتيسة.
إن كان الأمر كذلك، فلا بد أن هذه جريمةٌ استهدفت الكونتيسة.
الشخص الذي يستطيع فعل هذا هو …
‘ساقي النبيذ.’
بعد أن أنهيتُ أفكاري، نظرتُ حولي بسرعة.
اختفى الساقي الذي كان يسكب النبيذ على المنصة المركزية قبل لحظاتٍ دون أن يترك أثرًا.
أين بحق خالق السماء …
في تلك اللحظة، لفت انتباهي شعرٌ أشقرٌ لامع. كان لُــو.
كان لُــو يركض نحو مكانٍ ما. لا بد أن أفكاره كانت مثل أفكاري، وكان يلاحق الساقي بسرعة.
في هذه الحالة، ظننتُ أن ذلك من حسن حظي.
بما أن لُــو قد اختفى، فسيتم القبض على الجاني بالتأكيد.
إذن…
“سـ سـ سم؟ ما هذا بحق الإله …!”
كان عليّ تهدئة الكونتيسة التي كانت على وشك الإغماء.
“أمي!”
كانت الكونتيسة تُظهر علامات الذعر، كما لو أن الخوف من الموت قد سيطر عليها.
ساندتها ابنتها أغاثا، لكنها تردّدت، لا تعرف كيف تتعامل مع نوبة الهلع هذه.
“سيدتي، سيدتي! انظري هنا. انظري إليّ.”
لففتُ ذراعيّ حول ظهر الكونتيسة.
لقد عانيتُ كثيرًا من نوبات الهلع.
عندما كنتُ أتدرب في كاتاكل، أُصبتُ بمرضٍ نفسيٍّ بسبب التدريب الشاق واحتقار الناس.
لذا، أُصبتُ ببعض نوبات الهلع. في البداية، كانت النوبات صعبةً بالطبع، لكن بعد بضع مرّات، اعتدتُ عليها وتعلّمتُ كيفية التعامل معها.
بمعنًى آخر، كنتُ أعرف جيدًا ما يجب فعله في هذا الموقف.
“تنفّسي. استنشقي ببطء، ازفري ببطء.”
“هاا، هوو….”
تبعت الكونتيسة كلامي وتنفّست ببطء.
“أجل. أنتِ بخيرٍ. آنسة إيفلين! هل يمكنكِ إحضار كيسٍ ورقيٍّ لي من فضلكِ؟”
“أوه، أ-أجل!”
كنتُ قلقةً بعض الشيء بشأن طلب هذا من إيفلين، لكن الأمر كان طارئًا، فلم أستطع منع نفسي.
سرعان ما جاءت إيفلين ومعها طيس، وضعتُه على فم الكونتيسة.
“تنفّسي هنا. كما في السابق، استنشقي ببطء، ازفري ببطء.”
كما هو متوقّع، اتبعت الكونتيسة كلامي بطاعة. استمرّ تنفّسها ببطء.
عندما وضعتُ يدي على ظهرها، شعرتُ بتنفّسها يتباطأ ببطء.
فووه، الحمد لله.
تنهّدتُ بارتياحٍ وأجلستُ الكونتيسة على الكرسي.
“كونتيسة، انظري إليّ. أجل، أحسنتِ، أنتِ تبلين بلاءً حسنًا.”
ثم ركعتُ على ركبةٍ واحدةٍ أمامها ونظرتُ في عينيها.
“صحيحٌ أن أحدهم كان يطارد الكونتيسة، لكنكِ بأمانٍ الآن. لم يحدث شيء.”
ارتجفت عينا الكونتيسة قليلاً.
يبدو أن قلقها لم يزُل بعد.
واصلتُ الحديث ويدي على فخذها.
“سيتمٌ القبض على الجاني قريبًا، وستكون الكونتيسة بأمان. هل تفهمين ما أقصد؟”
أومأت الكونتيسة ببطء وهي تمسك بالكيس.
“نعم. إذًا، كرّري معي. لا بأس، الأمر على ما يرام.”
رأيتُ الكيس يرفرف. بدا وكأنها تتمتم بأن الأمر على ما يرام، تمامًا كما قلتُ.
“الأمر على ما يرام حقًا، فلا تخافي. لا أحد يستطيع إيذاء الكونتيسة.”
رأيتُ الدموع تتجمّع في عيني الكونتيسة.
فأدرتُ رأسي بعيدًا لأتظاهر بعدم رؤيتها.
وغرقتُ في التفكير للحظة.
لا، لأكون دقيقة، راودني سؤالٌ عندما هدأ الوضع قليلًا.
‘لماذا؟’
لماذا بحق السماء حاول الساقي اغتيال الكونتيسة؟
‘ما الذي يحدث بين الدوقية وعائلة لوكوود؟’
لا. لقد هرب الساقي بالفعل إلى الإمبراطورية.
لا بد أن محاولته لاغتيال الكونتيسة لم تكن بأمرٍ من الدوقية.
‘إذن لماذا…؟’
بينما استمررتُ في التفكير على هذا النحو.
فجأة، شعرتُ بشيءٍ غريب.
شعورٌ مشؤومٌ لا أستطيع التعبير عنه.
أدرتُ رأسي غريزيًا.
لا أعرف إلى أين، لكن أحدهم ينظر إليّ.
شعرتُ بوجودٍ خفيٍّ يحاول محو وجوده من زاوية رؤيتي.
اتجاه النظرة ليس ثابتًا. إنه يُشتّت الانتباه عمدًا. لكن …
‘إنه يراقبني بالتأكيد.’
ابتلعتُ لعابًا جافًا وعبثتُ بأطراف أصابعي لألمس فستاني. تحقّقتُ من مكان الخنجر على فخذي.
‘مَن يكون؟’
زميل الساقي؟
أو …
«لا تُعرقِلي عملنا.»
لماذا خطرت ببالي كلمات أدريان فجأة؟
هل لأنني ظننتُ أن كاتاكل ربما يكون متورّطًا في هذا؟
صرير، ضغطتُ على أضراسي وحاولتُ تهدئة التوتر البارد المتدفّق على عمودي الفقري.
في تلك اللحظة بالذات.
ووش-
اختفى الشعور.
اختفى في لحظة، كما لو كان ضبابًا يتناثر، ويختفي في الهواء دون أثر. رفعتُ رأسي المتجمّد ونظرتُ حولي.
وكأن الهالة المريعة التي شعرتُ بها قبل لحظةٍ كانت مجرّد وهم، لم أعد أشعر بأيّ شيء.
كان هذا أحد أمرين.
إما أنه حوّل نظره عمدًا، أو أنه غادر المكان.
‘لا بد أنه الأول.’
لكن هذا لا يعني أنني أستطيع التحرّك للبحث عن الشخص الآخر.
سيكون من المثير للريبة الذهاب فجأةً إلى مكانٍ ما أثناء رعاية الكونتيسة.
“كونتيسة، هل تشعرين بتحسّن الآن؟”
ابتسمتُ ابتسامةً إجباريةً ونظرتُ إلى الكونتيسة.
عندها فقط، رفعت الكونتيسة الكيس عن شفتيها ورفعت ذقنها ببطء.
“…بفضلكِ، أنا بخير.”
كان صوتها أكثر استرخاءً من ذي قبل. ابتسمتُ بارتياح.
“آنسة شارل.”
في تلك اللحظة، تحدّثت إليّ إيفلين، التي كانت قريبةً مني.
“ألم تشربي النبيذ سابقًا؟”
أوه، رأتني إيفلين أحمل كأس الكونتيسة.
بالطبع، ليس من الغريب طرح مثل هذا السؤال.
“هاه؟”
“ماذا؟”
الغريب أن الجميع فزع وصرخ.
“هل شربتِ نبيذًا مسمومًا، آنسة شارل؟”
“هل هذا صحيح؟”
قلبتُ عينيّ.
آآه.
لا أحب أن أكون محور الاهتمام.
فابتسمتُ وأجبتُ كما لو لم يكن هناك شيء.
“لا! لم أشربه! لقد لامس شفتيّ فقط.”
ثم أضفتُ على عجل.
“لقد لسعني قليلًا عندما لامس شفتيّ، فسكبتُه تحسّبًا. ياللراحة … أعتقد أنني بخير، لكن لماذا تبدون هكذا …؟”
نظرتُ إلى الكونتيسة، وإيفلين، وأغاثا، والآخرين، الذين كانوا يعقدون حاجبيهم من الصدمة.
“إذن تقولين أنكِ كدتِ تشربين سمًّا!”
“لكن لماذا أنتِ بخيرٍ هكذا!”
صرخوا جميعًا دفعةً واحدة.
والكونتيسة، كما لو أنها لم تُصَب بنوبة هلعٍ قط، سحبتني إلى كرسيٍّ بقوّةٍ شديدة.
“اجلسي! واستدعوا الطبيب، الطبيب! الآن!”
ازدادت الهمهمة حولي.
‘ماذا؟ هل شربت الكونتيسة سمًّا؟
هذا لا يبدو صحيحًا، لكن لماذا جاء الطبيب فجأة؟
هل لأنها مندهشة؟
بينما كان الجميع في حيرةٍ من أمرهم الذي لم يفهموه، صرخت إيفلين بصوتٍ عالٍ كما لو كانت تحاول التباهي.
“شربت الآنسة شارل السمّ لإنقاذ الكونتيسة!”
وَيحي.
“الكونتيسة على قيد الحياة بفضل الآنسة شارل!”
أرجوكِ …
“آنسة شارل! افتحي عينيكِ! لا تفقدي وعيكِ الآن!”
لم يُغمى علي، بل أغمضتُ عينيّ من شدّة الإحباط.
ربما لستُ بارعةً في إثارة المشاكل …… ؟
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات