“هل تعتقد أنني سأجيبكَ إذا سألتني؟”

“بالتأكيد لا!”

عقد الطفل ذراعيه بثقةٍ كما لو كان يتوقّع ذلك.

“عميل… لا، ماذا أناديكِ؟”

“شارل.”

“أجل! على أيّ حال، شارل شخصٌ مميز، فكيف لي أن آتي إلى هنا خالي الوفاض وأحصل على معلومات؟”

انظر إلى هذا.

بدأتُ أُعجَب بالطفل الذي يتصرّف كعميلٍ أكثر من ذي قبل.

ضحكتُ وأومأتُ برأسي.

“إذن؟ ماذا أحضرتَ؟”

ثم ابتسم الطفل ورفع ذقنه.

“شارل غائبةٌ عن كاتاكل لفترةٍ طويلة، أليس كذلك؟”

ثم مدّ سبابته وغمز.

“ألا تشعرين بالفضول لمعرفة ما حدث في كاتاكل في هذه الأثناء؟”

يا إلهي.

كنتُ أشعر بالفضول بالفعل.

“سأخبركِ بكلّ شيء.”

مدّ الطفل يده إليّ، ولمعت عيناه.

ربما كان فضوله منصبًّا على القائد هنري.

عبستُ وضحكتُ بخفّة.

“اتفقنا.”

وصافحتُه.

* * *

كان اسم الطفل بينكي.

كان شعر بينكي برتقاليًا أشعثًا وعيناه صفراوين لامعتين.

كانت بشرته سمراء في بعض الأماكن، لكنه كان أبيضًا في الأساس، لذا برز النمش في وجهه.

“يا إلهي! هذا لذيذٌ جدًا!”

صرخ بينكي بعد أن ارتشف رشفةً من عصير اليوزو.

دخلنا إلى مقهًى قريب. لن نستطيع التحدّث في منتصف الشارع، أليس كذلك؟

ارتشفتُ قهوتي المثلجة وأومأتُ برأسي.

“إذن، ما هي المعلومات التي تريد إخباري بها؟”

“أولاً، ألا يجب أن نتحقّق مما إذا كانت شارل تعرف ما يثير فضولي؟”

أجاب بينكي، وهو لا يزال يعضّ القشة. أطلقتُ ضحكةً جوفاء.

“ألا تشعر بالفضول تجاه القائد هنري؟”

“أوه! هذا صحيح!”

انحنى بينكي إلى الأمام وهمس.

“القائد مفقود.”

أوه ……

حالما سمعتُ كلمة ‘مفقود’، شعرتُ بقشعريرةٍ تسري في جسدي.

‘إنه ليس مفقودًا.’

ربما، لا، بل بالتأكيد، هو ميت.

القائد شخصٌ لا يتسامح أبدًا مع الخونة.

“حسنًا، أعتقد أنه ميتٌ على الأرجح. لكن بالنسبة للعالم الخارجي، من المعروف أنه مفقود، كما تعلمين.”

“أجل. إذن؟”

“أنا متشوّقٌ لمعرفة كيف تم اكتشاف خيانة القائد …”

كان هذا فخ أدريان.

لكن قبل أن أكشف هذه المعلومة، كان لديّ ما أؤكّده.

“لديّ سؤالٌ أوّلًا.”

نظرتُ في عينيّ بينكي وسألته.

“هل هناك خونةٌ كثيرون داخل الكاتاكل؟”

ارتسم على وجه بينكي تعبيرٌ مُتوتّرٌ بعض الشيء، ثم أومأ برأسه ببطء.

“حدثت أمورٌ كثيرةٌ أثناء غياب شارل.”

أومأتُ برأسي، مُقترحةً عليه أن يتحدّث عن الأمر. تابعت بينكي.

“أولًا، بدأت الإمبراطورة بالتدخّل في الكاتاكل بجدّية.”

“الإمبراطورة؟”

عبستُ.

كانت كاتاكل منظمةً تابعةً مباشرةً للإمبراطور.

ومع ذلك، كان بايلر يتصرّف بشكلٍ مُختلفٍ عن توجّهات كاتاكل الأصليّة، ونتيجةً لذلك، أصبح بعيدًا عن العائلة الإمبراطورية.

لكن الإمبراطورة أضحت تتدخّل في كاتاكل، هاه.

“كما تعلمين، يحاول القائد أن ينأى بنفسه عن العائلة الإمبراطورية. لهذا السبب يعارض تدخّل الإمبراطورة، لكن هناك أشخاصٌ يقفون في صفّها بالفعل.”

إذن، هناك انقسامٌ داخل منظمة كاتاكل.

عقدتُ حاجبيّ لا إراديًا.

“مَن؟”

“لا أعرف ذلك.”

هزّ بينكي رأسه وكأنه يشعر بخيبة أمل.

“بالطبع، كنتُ تحت قيادة القائد هنري، لذا كنتُ أعرف أن القائد قد انشق، لكن بخلاف ذلك، لا أعرف شيئًا.”

قد يكون هذا صحيحًا.

منظمة كاتاكل منظمةٌ ذات نظامٍ صارمٍ للغاية، لذا حتى القادة، باستثناء القائد بايلر، لا يعرفون مهام الفرق الأخرى.

بالطبع، كان من الممكن أن يكونوا قد التقوا سرًّا بعيدًا عن الأعين، لكن بما أنهم لم يُكشَفوا ظاهريًا، لكان من الصعب تحديد هويّة الخونة.

“لهذا السبب، من الغريب اختفاء القائد هنري.”

أومأتُ برأسي لأنني فهمتُ سؤال بينكي مئة مرّة.

“الأمر بسيطٌ جدًا.”

أجبتُ، وأنا أرتشف ما تبقّى من قهوتي دفعةً واحدة.

“لقد حفروا فخًّا.”

كما عثرت كاتاكل، بل الأحرى، بايلر، على الخائن.

كان ذلك بتسريب معلوماتٍ عن الآثار لكلّ قائدٍ بشكلٍ مختلف.

وبتعقب الأشخاص الذين تتطابق معلوماتهم مع المعلومات المسرّبة، سيتحقّقون ممّن اقترب منهم دون إذن بايلر.

‘كان ثيميس في صف القائد هنري.’

لكنني ما زلتُ لا أعرف لماذا كان ثيميس هو المقصود.

لو كانوا سيوزّعون الأورا المعدّلة حقًا، لما قتلوا ثيميس.

“لماذا يقتلون ثيميس …؟”

عند تمتمتي، أخفض بينكي كتفيه كما لو كان يشعر بخيبة أمل، وأجاب.

“أنا أيضًا لا أعرف الكثير.” 

لا بد أن هذا هو الحال.

لم ينضج بينكي بعد بما يكفي لسماع القصص داخل المنظّمة.

“على أيّ حال، لا بد من وجود فخاخٍ أخرى …”

ستكون هناك فخاخٌ أخرى للعثور على الخونة داخل كاتاكل.

في كلّ مرّةٍ تقع فيها في أحد هذه الفخاخ، سيختفي أحد عملاء كاتاكل.

‘أشعر ببعض السوء.’

لماذا يفعلون أشياءً كهذه؟

آه. تنهّدتُ ووضعتُ كوب قهوتي.

“على أيّ حال، سيكون الأمر خطيرًا. يجب أن تكون حذرًت أيضًا.”

“حسنًا، أنا مبتدِئ، لذا لا داعي للخوف بعد.”

أجاب بينكي وهو يمتص ما تبقّى من العصير بالماصة مرّةً أخرى.

“وماذا في ذلك؟”

حدّقتُ به.

“لماذا أخبركِ بهذا، ولماذا أنتِ فضولية؟”

ثم تسلّلت ابتسامةٌ إلى وجه بينكي.

وضع الكأس جانبًا، وشبك يديه، ووضعهما على الطاولة.

“كان دوري الأصلي أن أكون مُخبِرًا. وظيفتي هي أن أبحث عمّا يريد القائد هنري أن يعرفه. ولأن هذه المهمة كانت شيئًا أعرفه أنا والقائد فقط، فقد أعطاني مالًا إضافيًا.”

أكمل حديثه وعينيه تلمعان.

“لكن الآن وقد اختفى القائد، أشعر وكأنني فقدتُ مصدر دخلي.”

كنتُ أتوقع ما سيقوله بعد ذلك.

“ماذا عن توظيفي؟”

كان يقترح أن أستخدمه كمُخبِر.

لقد خمّنتُ ذلك، لذلك لم أجب فورًا.

عند تلقّي مثل هذا العرض، من الأفضل التظاهر بالقلق في المفاوضات.

“يمكنني إخباركِ بالوضع الداخلي لـكاتاكل أسرع من أيّ شخصٍ آخر. فقط ثقي بي.”

ابتسمتُ بسخرية.

“سيكون الأمر خطيرًا.”

“ألا ينبغي للإنسان أن يعيش بالمخاطرة؟”

“لا، أنا مَن سيكون في خطر، لا أنت.”

“آها.”

أومأ بينكي وكأنه يفهم.

بما أنني، عميلةٌ عادي، كنتُ أستخدم عميلاً جديداً للتنقيب عن معلوماتٍ داخل كاتاكل، فلا بد أن يكون الأمر خطيراً.

مع ذلك …

ربما قد يحول الوضع الداخلي للكاتاكل إلى عقبة أثناء بحثي عن مكان الأثر.

بصفتي شخصاً مُلزَماً بإعطاء الأولوية لأوامر بايلر، كان هذا التدخّل غير مقبولٍ إطلاقاً.

لهذا السبب كنتُ أحاول فهم الوضع الداخلي.

‘سيتفهّم بايلر هذا إذا اكتشف الأمر لاحقاً.’

فكّرتُ في ذلك، فنظرتُ إلى بينكي مجدداً.

“إذن، ما ثمن المعلومات؟”

“أعطِني عملةً ذهبيةً واحدةً فقط لكلّ خبر.”

“هذا مُكلِف!”

لكن بينكي كان حازمًا.

“آنسة شارل، فكّري في الأمر. أنا أيضًا أخاطر بحياتي. إذا كان ثمن حياتي عملةً ذهبيةً واحدة، أليس هذا رخيصًا؟

هذا صحيح، مع ذلك.

أومأتُ برأسي وأنا أفكّر في خزنتي الفارغة في البنك.

“تعال مرّتين شهريًا. تعال في الليل عندما يكون القمر هلالاً أو محاقًا. لكن إن لم تكن لديكِ المعلومات الصحيحة، فلن أدفع.”

(المحاق هو بداية الشهر القمري، أو آخر يوم في الشهر القمري، عندما يكون القمر بين الشمس والأرض

.)

أشرق وجه بينكي.

“دعي الأمر لي! سأعمل بجد!”

“لا تعمل بجد، أحسِن العمل فحسب.”

“نعم!”

فكّرتُ للحظةٍ بفضول وهو يجيب.

‘ما هي المعلومات التي أحتاج معرفتها أولًا؟’

هذا ……

“ابحث في أمر أدريان.”

⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄

ترجمة: مها

انستا: le.yona.1