كان المكان المكتوب على الورقة هو حديقة المُلحَق المنعزلة.
لم يُكلِّف الموظّفون العاديون أنفسهم عناء الدخول، فقط البستانيون الذين يعتنون بالحديقة.
جلستُ على المقعد وتنهّدتُ بهدوء.
لم أستطع التوقّف عن التفكير فيما قاله لُــو الليلة الماضية.
«إنها حياتنا. ما الذي تتحدّثين عنه؟»
«سأكون معكِ طوال الوقت. إذًا، إنها حياتُنا.»
شعرتُ بألمٍ شديدٍ في صدري.
لم أكن بحاجةٍ للتفكير مليًا لأعرف مصدر هذا الألم.
كان نابعًا من الشعور بالذنب.
لأنني كنتُ أخدع لُــو مجددًا.
في الماضي، عندما أخفيتُ هويتي.
سامحني لُــو على ذلك.
توسّل إليّ ألّا أخدعه مجددًا.
لكنني كنتُ أخدع لُــو مجددًا.
هذه المرّة، حياتي على المحك.
لو علم لُــو أنني مستعدةٌ للموت، لاعترض بالتأكيد.
لذا، لم يكن أمامي خيارٌ سوى إخفاء الأمر. وإلّا، ستذهب جميع خططي أدراج الرياح، ولن أتمكّن من تصوّر المستقبل الذي أريده للُــو.
‘لا بد أن يكون لُــو سعيدًا.’
لا بد أن يعيش بسلام، بعيدًا عن القلق، في عالمٍ خالٍ من كاتاكل التي تنقضّ عليه.
ولكي أفعل ذلك، كان عليّ حتمًا أن أُقدِّم تضحية.
‘أنا بخيرٍ مع ذلك.’
كان هناك وقتٌ ظننتُ فيه أن حياتي مِلكٌ لبايلور.
في ذلك الوقت، لم أشعر بأيّ عاطفةٍ تجاه التخلّي عنها. إذا طلب مني الموت، فسأفعل، وإذا طلب مني الاستعداد للموت، فسأكون على أتمّ الاستعداد لذلك.
الأمر نفسه الآن.
الفرق الوحيد هو أن الموضوع انتقل من بايلور إلى لُــو.
سأفعل أيّ شيءٍ من أجل لُــو.
أعلم أنه سيحزن ويتألّم بعد رحيلي …
‘مع ذلك، هذه الحياة أفضل من أخرى، أليس كذلك؟’
لذا، صحيحٌ أنني أشعر بالأسف، لكنني لن أدعه يستحوذ علي
لأن لديّ غايةٌ واضحة.
حينها، أخذتُ نفسًا عميقًا، مؤكِّدةً عزمي مرارًا وتكرارًا.
“لم تتأخّري.”
ثم سمعتُ صوتًا مألوفًا من الأعلى. رفعتُ رأسي فرأيتُ الإمبراطور، بوجهٍ شاحبٍ بعض الشيء. انحنيتُ وحيّيتُه.
“لقد مرّ وقتٌ طويل، يا صاحب الجلالة شمس الإمبراطورية.”
“كفاكِ من التحيّات. لندخل في صلب الموضوع.”
لوّح الإمبراطور بيده وجلس بجانبي. ثم التفت إليّ وسأل.
“متى؟”
“…..”
“تاريخ اغتيالي.”
ابتسمتُ بمرارةٍ وأجبتُ.
“كنا نخطّط للتحرّك يوم عودتكَ تمامًا، لكن يمكننا إضافة بضعة أيامٍ أخرى.”
“لا. لنتحرّك اليوم.”
هاه؟
أملتُ رأسي بحيرة.
لسببٍ ما، بدا الإمبراطور متلهّفًا على غير العادة. بدا عليه التوتر بعض الشيء.
شعرتُ بشيءٍ غريب، فسألتُ بحذر.
“هل هناك خطبٌ ما؟”
تصلّبت عينا الإمبراطور قليلًا، ثم استرخى كتفاه وخفض بصره.
“هل تعرفين أين كنت؟”
“سمعتُ أنكَ ذهبتَ لتفقّد المعابد في الأقاليم.”
“مثل هذا العمل يمكنني أن أُوكله لمساعدي ليتولّى أمره. لا داعي لتدخّلي.”
إذن إلى أين ذهب؟ ضيّقتُ عينيّ.
“تمّ اكتشاف كميةٍ كبيرةٍ من مؤن الحرب على حدود المملكة المقدّسة.”
اتسعت عيناي لا إراديًا.
ثم تذكّرتُ صفقة التهريب التي رأيتُها في الميناء سابقًا. ألم يكونوا أيضًا يتاجرون بمؤن الحرب آنذاك؟ كان هناك عملاء كاتاكل متمركزون هناك.
كما هو متوقع.
تنهدتُ طويلاً وتمتمتُ ردًا.
“… إنهم يخطّطون لبدء حرب، أليس كذلك؟”
“إنهم يخطّطون لبدء حربٍ فور مقتلي، وإحداث فوضًى عارمةً في الناس. إنها طريقةٌ سريعةٌ وسهلةٌ للغاية.”
هزّ الإمبراطور رأسه، وخرجت أنفاسه من الصدمة. أنا أيضًا، خفضتُ عينيّ، مُشاركةً نفس التعبير.
“بعد أن يُحدِثوا فوضًى عارمةً في الوضع السياسي وسيدبّرون صعود الإمبراطور الجديد إلى العرش بسلاسة.”
“… سيقتلون لُــو أيضًا.”
“نعم.”
مجرّد تخيّل ذلك جعل رؤيتي مُظلمة.
لكن هذا المستقبل مجرّد خيال.
إنه مجرّد خيالٍ لم يتحقّق بعد.
ألا نحاول التحرّك لمنع مثل هذا المستقبل؟
نظرتُ إلى الإمبراطور مرّةً أخرى. نظر إليّ وتحدّث بحزم.
“لهذا، لنبدأ اليوم. ماذا ستستخدمين لاغتيالي؟ سم؟ سكين؟”
بعد سماع قصّته، فهمتُ سبب قلقه الشديد. فأجبتُ بهدوء.
“أُحبّ فكرة تسلّلي إلى غرفة نوم جلالتك، وأَسركَ وتهديدكَ، ثم يتم القبض عليّ.”
أومأ الإمبراطور برأسه.
ثم، سرعان ما انتبه قائلاً ‘آه’ ، وهو يدرس ردّة فعلي بحذر.
“لو أُلقي القبض عليكِ، لا تكشفي فورًا عن العقل المدبّر …”
“أعلم أن هذا لن ينجح. سأتظاهر بأنني أُخفي الحقيقة وأخضع للتعذي قليلًا، ثم أكشف وجود بايلور في النهاية.”
كما اقترح الإمبراطور، لو كشفتُ عن وجود بايلور فور اعتقالي، لربما اعترضت الإمبراطورة.
إن رأوني أكشف عن العقل المدبّر بهذه السرعة، لقالوا إن هذه محاولةٌ مزيّفةٌ بوضوح، أو لكانت عملية الاغتيال نفسها مُدبرة، وأنني أتّهمه زورًا.
لذا، كما اقترح الإمبراطور، كان عليّ أن أخضع للتعذيب قليلًا ثم أعطيهم انطباعًا بأنني لا أملك خيارًا سوى كشف العقل المدبر.
‘سيؤلمني ذلك.’
لكنني أستطيع تحمّل الألم.
الأمر ليس مثيرًا للقلق.
“أنا.”
أكمل الإمبراطور حديثه.
“لا أريد قتلكِ.”
التفت إليّ بقلقٍ واعترف.
“لذا، لن يعرف بهذا الأمر إلّا قِلّةٌ قليلة. إن عَلِم النبلاء المتشددون بأمركِ، سيُطالب الرأي العام بإعدامكِ.”
عبستُ قليلًا.
“ألن يُصعِّب ذلك القبض على بايلور؟”
“سنبذل قصارى جهدنا.”
“لستَ مضطرًا لبذل كلّ هذا الجهد.”
ارتعش حاجبا الإمبراطور. بدت نظراته مُركِّزةً عليّ، كما لو كان يُحاول معرفة إن كنتُ صادقةً أم لا.
هدّأت نفسي مرّةً أخرى وأجبتُ.
“أنا جادّة. أنا مستعدةٌ للموت بالفعل.”
“…..”
عضّ الإمبراطور شفته وسأل بحذر.
“هل هذا من أجل ابني؟”
ابتسمتُ ابتسامةً خفيفةً وأومأتُ بذقني.
“نعم.”
وأجبتُ.
“من أجل لُــو، أنا مستعدةٌ للموت.”
عندها فقط استرخى نظر الإمبراطور. ارتسم على وجهه ملامح كئيبة، مجبرًا نفسه على الابتسام.
“شكرًا لكِ.”
“…..”
“وأنا آسف.”
لم أُجِب.
بدلًا من ذلك، ابتسمتُ ابتسامةً مشرقة.
لقد اخترتُ هذا.
لم يكن أمرًا يستحق الأسف أو الامتنان.
* * *
بعد أن انتهيتُ من حديثي مع الإمبراطور، عدتُ بحذرٍ إلى غرفتي، محاولةً تجنّب أن يُلاحظني أحد.
توك.
حالما أغلقتُ الباب، استرخى جسدي.
لا بد أنني كنتُ أنا أيضًا متوتّرةً من مقابلة الإمبراطور.
شعرتُ بتيبّسٍ في رقبتي، فضغطتُ على كتفي وأدرتُ رأسي يمينًا ويسارًا.
نظرتُ حولي، أحاول العثور على لُــو.
“… هاه؟”
لكن لُــو لم يكن هنا.
غريب! لقد حان وقت إنهاء عمله والعودة في هذا الوقت.
أتساءل إن كان قد حدث شيءٌ ما …
“شارل!”
“كيااا!”
فجأةً، أمسك بي أحدهم من الخلف وعانقني بقوّة، مما أثار دهشتي لدرجة أنني قفزتُ من مكاني. أدرتُ رأسي بسرعةٍ لأرى لُــو يضحك باستمتاع.
“أنتِ مدهشةٌ جدًا. لطيفةٌ جدًا.”
ابتسم لُــو ابتسامةً مشرقةً، وتجعّد أنفه. ثم عانقني بقوّةٍ من خصري.
“لطالما أردتُ تجربة ذلك. اللعب بهذه الطريقة.”
“….”
لو كان الوضع طيعيًا، لكنتُ وبّخته، وقلتُ له ألّا يُلقي بمثل هذه المقالب المُرعبة.
لكن الآن، لم أستطع.
حتى هذا المنظر كان مُحبّبًا جدًا.
وإدراكي أنني قد لا أراه مجددًا أثّر بي بشدّة.
فشعرتُ بالحزن فجأة.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات