رنين!
دوى صوت تحطّم الزجاج عاليًا عندما ارتطم كأس لُــو بالأرض.
صوتٌّ حادٌّ يصمّ الآذان.
“… لُــو.”
رفع رأسه نحوي.
في تلك اللحظة العابرة، امتلأت عيناه بمشاعر لا تُوصف.
وفي اللحظة التالية …
“سعال!”
غطّى لُــو فمه وسقط على ركبتيه.
تعثّر جسده للأمام، وسقط شيءٌ ما من تحت قفّازاته البيضاء.
لطّخ سائلٌ أحمرٌ أرضية الرخام على الفور.
لم يكن لون الشمبانيا.
كان لون الدم واضحًا.
“كياااا!”
دوّت صرخات الضيوف، بشكلٍ صاخب.
لكنني لم أسمعها.
كل ما رأيتُه هو لُــو، جاثيًا على ركبتيه، وكلّ ما سمعتُه هو سعال لُــو، الذي كان ينفث دمًا.
تقلّصت معدتي، وتسارعت نبضات قلبي.
حرّكتُ ساقيّ متأخّرة.
“لُــو!”
ركضتُ نحوه بجنون.
لم أُبالِ إن تمزّقت حافة فستاني أو انخلع حذائي.
لا، لا.
أمسكتُ بكتفي لُــو المتمايلين وصرختُ.
“لُـًو. تنفّس. هاي! استدعِ طبيبًا!”
صرختُ على من حولي بعصبية، وفحصتُ لُــو مجددًا.
غسلتُ فمه بالماء النظيف.
بما أنني لم أكن أعرف نوع السم الذي فيه أو الكمية التي ابتلعها، كان هذا كلّ ما بوسعي فعله الآن.
“لُــو. انظر إليّ. افتح عينيك.”
كان وجه لُــو شاحبًا للغاية.
بدا جلده الشاحب وكأنه سيموت في أيّ لحظة.
لا.
عانقتُه بشدّة. تجمّدت أنفاسي في لهثاتٍ خفيفةٍ ومتقطعة. أغمضتُ عينيّ بقوّة.
“لا بأس. سيأتي الطبيب قريبًا. لا بأس.”
“شارل.”
في تلك اللحظة، جاء صوت لُــو خافتًا. نظرتُ إليه، ممسكةً بذقنه ورقبته.
“أنت … لا تتكلم. الآن ليس وقت الكلام.”
“أنا بخير.”
ابتسم لُــو ببطءٍ وتابع.
“لا داعي للقلق كثيرًا … سعال!”
اندفع الدم أثناء كلامه. لوّثتني دمائه الحمراء الداكنة.
“أوه لا. فستانكِ الجميل قد تَلَف.”
“هل يهم هذا الآن؟ لا تقُل شيئًا. لا تقُل شيئًا.”
عانقتُه بشدّةٍ وأغمضتُ عينيّ بقوُة.
“حقًّا، أنا بخيرٍ حقًّا …”
“لُــو.”
قطعتُ كلماته المتقطّعة ودفنتُ وجهي في جانب وجهه.
“أنا لستُ بخير.”
“….”
“لأنكَ هكذا، أنا لستُ بخير.”
هذه أوّل مرّة.
كانت هذه أوّل مرّةٍ أرى لُــو هكذا.
عندما كِدنا نغرق على متن السفينة، كنتُ في نفس الموقف، لذا كان من الصعب الاعتناء بلُــو. شعرتُ بالأسف عليه.
لكن الآن الأمر مختلف.
أنا على قيد الحياة وبصحّةٍ جيدة، لكن لُــو قد يموت.
بسببي.
بسببي أنا.
“لا.”
تمتمتُ دون وعي.
“لا يمكنكَ الموت.”
لا أريد أن أفقد لُــو. لا أريد أن أفقدك.
أنا خائفة.
ماذا سأفعل إذا رحلت؟
هل يمكنني العيش بدونك؟
أنا.
أنا …..
“الطبيب هنا!”
في تلك اللحظة، رأيتُ الطبيب يركض نحوي وهو يلهث. سلّمتُ لُــو بسرعةٍ للمساعدين الذين جاءوا معه.
“هذه هي الشمبانيا التي شربها لُـــو للتوّ. أظن أنها أكونتين. من شجرة الحوذة.”
(الأكونتين هو سم قلوي شديد السمّية يُستخرَج من نباتات جنس الأكونيت المعروفة باسم ‘قاتل الذئب’ أو ‘آقونيطن’.)
“حسنًا. هناك! أسرعوا بنقل اللورد لُــو. واستمروا في شطف فمه بالماء النظيف!”
قدّم الطبيب الإسعافات الأولية بسرعةٍ وفحص لُــو.
كانت عينا لُــو مغمضتين، وتنفّسه خافتًا ومتقطّعًا.
“سننقُله إلى المستشفى أولًا. يمكنكِ نفله بعد أن نعالج الوضع.”
أردتُ بشدّةٍ أن ألحق به.
لكن ……
نظرتُ حولي.
وسط الضيوف المتجمهرين، وجوههم مليئةٌ بالصدمة، رأيتُ أدريان مبتسمًا.
شاهدتُ لُــو يغادر مع الطبيب، ثم نهضتُ.
“آنسة إيفلين. من فضلكِ، اعتني بالوضع هنا!”
وخرجتُ مسرعةً من الردهة لألحق بأدريان.
“أدريان!”
بالكاد أمسكتُه وهو يهرب من المبنى، وجذبتُ ذراعه.
“أنت، أيها الوغد المجنون!”
“هاه؟”
لكن أدريان ردّ ببرود.
“ما الأمر؟ ما الخطب؟”
للحظة، عجزتُ عن الكلام.
ما الخطب؟
كان الرجل الذي حاول قتل لُــو يسألني ما الخطب.
عادت صورة رداء لُــو الملطخ بالدماء وركوعه في ذهني.
لكن المسؤول عن ذلك كان يضحك أمامي الآن.
ارتجف جسدي. كنتُ أعرف جيدًا معنى أن تكون غاضبًا جدًا.
“لقد حاولتَ قتل لُــو.”
“أوه، هذا.”
لوّح أدريان بيده بخفّة، وكان صوته خفيفًا كما لو كان يتحدّث عن شخصٍ أسقط أصّيص زهورٍ عن طريق الخطأ.
“لم يَمُت بعد.”
شعرتُ بغضبٍ يغلي في داخلي.
“بدا عليه أنه سيعيش. يا للأسف.”
“أنت!”
صرختُ.
لكن بدلًا من أن يُفاجَأ، رفع زاويتي فمه أكثر.
“لو كان ميتًا، لكنتُ واسيتُكِ. لكنه حيّ. إذًا، شارل، ألا يجب أن تكوني أنتِ مَن يُواسيني؟ لقد فشلت خطّتي.”
انحبست أنفاسي في حلقي، وبدأ جسدي يرتجف من جديد.
“لماذا أنتِ غاضبةٌ هكذا؟ هذا ليس جميلًا.”
أمسك أدريان خديّ بكلتا يديه ورفع زاويتي فمي إلى الأعلى.
“شارل، تبدين أجمل عندما تبتسمين.”
شعرتُ وكأن عقلي سينهار. عادت فكرة التخلّي عن كلّ شيءٍ وخنق أدريان هكذا تملأ ذهني مرارًا وتكرارًا.
“أنا أكرهكَ حقًا.”
انقبض قلبي وأنا أتحدّث.
كنتُ أعلم أن هذه الكلمات لن تُجدي نفعًا مع أدريان.
“أعلم، شارل.”
هزّ كتفيه بخفّة.
“لكن هل تُهمّني مشاعركِ؟”
كما هو متوقّع، ابتسم ببراءةٍ وقرص خدي.
“فقط اعلمي أنني أحبّكِ.”
انكسر شيءٌ ما بداخلي. لم أستطع تحديد ما هو.
لكن شعرتُ وكأن شيئًا ما كان يُمسِك بي قد انهار. انفجر قلبي في موجةٍ من المشاعر.
“لماذا!”
صرختُ، وأغمضتُ عينيّ بشدّة.
“لماذا تفعل هذا، لماذا بحق الجحيم؟”
دوّت الصرخة عاليًا. لكن أدريان ظلّ ثابتًا.
“لقد أخبرتُكِ.”
نظر إليّ بهدوءٍ وابتسم.
“سأقتل لُــوفانتي.”
لم تكن هذه الكلمات مجرّد تهديدات، بل كانت تصريحاتٍ صريحة.
“الخطأ خطؤكِ لأنكِ استخففتِ بتحذيري.”
ارتجفت يداي.
“…يا لكَ من صفيقٍ مجنون.”
لم يرمش له جفنٌ حتى عند سماعه تلك الكلمات.
بدلاً من ذلك، بدا مسرورًا، وابتسم بهدوء.
“أعلم.”
ثم انحنى قليلًا والتقى نظراتي.
“شارل.”
“…..”
“في الواقع، لستُ مضطرًا لقتل لُــوفانتي.”
أكمل بصوتٍ منخفضٍ وواضح.
“إذا عاد إلى المملكة المقدّسة دون أن يعرف شيئًا، فلن أحتاج لقتله، ولن يكون هناك سببٌ لفعلي ذلك.”
حدّقتُ به في صمت. ومع ذلك، ظلّ هادئًا.
“لكنني أخبرتُكِ.”
لمعت عينا أدريان الداكنتان ببريقٍ مُريع.
“أنتِ.”
“…..”
“لُــوفانتي يموت بسببكِ.”
انحبست أنفاسي. كان ذهني فارغًا تمامًا، عاجزةً عن التفكير بوضوح. شددتُ قبضتي.
“…لماذا؟”
تلعثمتُ.
“لماذا على لُــو أن يموت بسببي؟”
ماذا فعلتُ، لماذا على لُــو أن يموت بسببي، أنا ……
“لأنكِ تُحبّينه.”
تقدّم أدريان خطوةً أخرى.
“لأنكِ تُحبّين ذلك الوغد اللعين.”
شعرتُ وكأن جسدي يتجمّد. أصبح جسدي كلّه باردًا. خرجت أنفاسي باردة.
أنا …… هل أنا أحبّ لُــو؟
“لذا، سيموت لُــوفانتي.”
لذا على لُــو أن يموت؟
“لأنني أنا الوحيد الذي يجب أن تُحبّيه.”
تحدّث أدريان بهدوءٍ شديدٍ بوجهٍ خالٍ من أيّ تعبير.
“أحبّكِ، شارل.”
قبّلني قبلةً خفيفة.
“يجب أن أكون الوحيد لكِ.”
وبينما كنتُ أشاهده يُغادر، فكّرتُ.
«لأنكِ تحبّينه.»
أنا، للُــو ……
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات