‘هل عليَّ أن أُقيم حفلة شايٍ أعرفُ فيها أَديلين بوصفها مَن ستكون تحت وصايتي؟’
إذا علم الجميع بأنَّ أَديلين تحت وصايتِها، فحتى في أسوأ الأحوال، لعلَّ إليوت يُفكرُ مرةً أُخرى.
‘لكن، حتى لو أَقمتُ حفلة الشاي، فلَن يأتي كثيرٌ مِن الناس إنْ أرسلتُ الدعواتِ باسمي.’
‘إنْ أظهرتُ أَديلين وهي تنعمُ بكلِّ ما يُمكن أنْ تنعم به وتستمتعُ، فقد لا يُفرطُ إليوت في اهتمامِه بها بعد أنْ تُزالَ عنه مشاعرُ الذنب…’
‘أو رُبما إنْ تلقَّت دعم إليوت ودخلت إلى المجتمع الأرستقراطيّ في الإمبراطورية والتقت برجلٍ جادٍّ، فقد تُغادرُ قصر الماركيز مِن تلقاءِ نفسها؟’
كما كانت تفعل عندما كانت تنتظرُ عودة زوجِها مِن ساحة المعركة، راحت تُكرِّرافتراضاتٍ وتخيُلاتٍ لا طائل منها.
“هاه…”
كلما فكرتْ في الأمر، بدا لها شيءٌ ما مُضحكًا.
لو كانتْ تعلمُ أنَّها ستُهدرُ وقتَها في مثل هَذهِ الهواجس الغبية بعد الزواج، لرُبما كانت قد اختارت حياةً يُمكنُ أنْ تُكرس فيها نفسَها بالكامل لعملِها، دوّن أدنى شَتات…
” كان من الأفضل لو اخترتُ حياةَ موظفةٍ إداريةٍ في القصر الإمبراطوري.”
لقد كانت هَذهِ أول مرةٍ تخرجُ فيها هَذهِ الفكرة، التي ظَلَّتْ تُراوح عقل ليتيسيا كلما عانت مِن حماتها الصارمة وتَسلط خدم قصر الماركيز.
صوتُها الخافت بدا باردًا كبرودة قلبها المُثقل.
فبعد يومين فقط مِن عودة زوجِها، بدأ عالمُ ليتيسيا الهشِّ ينهار شيئًا فَشيئًا.
***
كانت ليتيسيا تُريد، لو أُتيحَ لها الأمر، أنْ تتجنب إليوت طَوال اليوم، خَوفًا مِن أنْ يَرتسم على وجهِها، دوّن قصدٍ منها، تعبيرٌ يَملؤه التذمُر والخوف.
‘ماذا إنْ ظن أنني زوجةٌ تغار بشدة؟’
لكن إليوت كان معروفًا برجاحةِ عقله والتزامه، فبعد الإفطارِ بلحظاتٍ قليلة، جاءها إلى مكتبها.
“هل زال عنكِ بعضُ التعب؟”
“……نَعَمْ، إلى حدٍّ ما.”
حينَ رأَت ليتيسيا كيف يُحدثُها إليوت وكأنَّ شيئًا لَمْ، شعرت أنَّ مشاعرها المُضطربة كانت بسبب أمرٍ تافه، فغاص قلبُها في قاع الحُزن أكثرَ فأكثر.
يقولون إنَّ الطرفَ الذي يُحبُّ أكثر هو الأضعف، ويبدو أنَّ هَذا صحيح.
‘هو بالنسبة إليَّ كالأميرٍ في القصص، اما أنا…’
فلعل قيمتها في قلب إليوت ضئيلةٌ للغاية.
فكيف يُمكن أنْ يكونا على نفس المُستوى، لا في المكانة ولا حتى في مشاعر القلب؟
تنهدت في سرِّها عشرات المرات، ثم ناولت إليوت الأوراق التي أعدَّتها له عن أحوال الأراضي خلال العامين اللَّذين قضاهما خارج القصر.
“في الصفحة الأولى، وضعتُ رسمًا بيانيًّا يُلخص الأرقام خلال العامين الماضيين لتكون واضحةً في لمحةٍ واحدة. وبعدها يُمكنكَ الاطّلاعُ على التفاصيل.”
“رسمٌ بيانيٌّ، هاه…”
حين تلقَّى إليوت الأوراق التي تحوي رسومًا بيانيَّةً وأُخرى بالأعمدة والخطوط، عقد حاجبيه قليلًا.
شعرت ليتيسيا بأنَّها قد أخطأت، فبادرت سريعًا بالشرح.
“آه، قد يكون مفهومُ الرسوم البيانية غريبًا بعض الشيء لأنَّك لستَ مِن كلية الإدارة. سأشرحُ لكَ الأمر.”
فمنذُ بضع سنوات، أصبحت الرسوم البيانية تُستخدم على نطاقٍ واسعٍ داخل الإمبراطوريّة، اما الأعمدةُ والخطوط فقد كانت فكرةً ابتكرتها بنفسها أثناء تحضيرها لامتحان التوظيف في القصر، ولذَلك وجدها الكثير مِن الإداريين، الذين طالما عملوا في الإدارة، صعبةً في البداية.
‘لكن، ما إنْ يُدركوا المفهوم، يُصبح الأمر أسهل وأكثر نفعًا، فيستخدمونه كثيرًا.’
وحين أنهت ليتيسيا شرحها، ظهرت على وجه إليوت ملامحُ الدهشة.
“الرسومُ البيانية أسهلُ قراءةً مِن النَّصوص، لكن حين تكون هُناك مقارناتٌ أو عناصرٌ للمفاضلة، تُصبح صعبة الفهم. لهَذا، فكَّرتُ في طريقةٍ أبسط.”
“كنتُ أعلم أنكِ ذكية، لكن… هَذا مُذهل، يا زوجتي.”
ارتسمت على شفتي إليوت ابتسامةٌ خفيفة. وكما في كلِّ مرةٍ، كانت ابتسامتُه ساحرةً، إلا أنَّ ليتيسيا شعرت بانقباضٍ صغيرٍ في قلبها.
‘صحيحٌ أنَّ زواجنا ليس بدافع الحب…’
لكن، كيف يُمكن له أن يبتسم لامرأةٍ أُخرى بكلمة مجاملةٍ فقط، بينما أنا لا أحظى بابتسامته إلَّا بعد أنْ أُثبت قدراتي؟
لقد كان إدراكًا باردًا داهمها على غفلة.
‘ماذا سيحدثُ لو فتحتُ الحديثَ مجددًا عن أَديلين؟ هل سيتغيرُ تعبيرُ وجهه؟’
يبدو أنَّ ما حدث قبل ليلتين كان صدمةً عميقة.
كلما فكرت، ازدادت مشاعرُ الظلم تدفقًا في قلبها.
فالعلاقاتُ غير المُتكافئة، إنْ لَمْ يكُن الطرف الأضعف مستعدًّا لتقبل ذَلك، فلَن يكون للحوار بينهما أيُّ معنى، ولهَذا لا نجدُ قصة زواج أميرٍ مِن فتاةٍ فقيرةٍ إلَّا في الحكايات.
“……زوجتي؟”
صوتُ إليوت كان كجرس الامتحان داخل القاعة، يحثُّها على اتخاذ القرار.
وكان خيط العقل الأخير في داخل ليتيسيا يهمسُ لها بلُطف…
لكن ليتيسيا، التي أنهكها التعب بعد عامين مِن تحمُّل قسوة حماتها دوّن زوجٍ إلى جانبها، ومجابهة مضايقات الخدم المتواصلة، لَمْ تتمكّن مِن كبح جماح مشاعرها المُتفجّرة.
“أعتذر… لقد خطر ببالي الحديثُ الذي انقطع بيننا قبل يومين فقط…”
تقطّبت جبينُ إليوت مُجددًا، فَلَمْ يكُن بينهما حديثٌ ناقصٌ سوى واحدٍ فقط.
“ذاك الحديث…”
“إنْ لَمْ تكُن قد حسمتَ قراركَ بشأن الطريقة التي تريد بها ردَّ الجميل لها، ففكر بالأمر أثناء مراجعتكَ للملفات، ثم أخبرني بما تقرّره.”
أدركت ليتيسيا أنَّ نبرة صوتها التي بدت هادئةً في ظاهرها كانت تنطوي على حدّةٍ خفيّة، وكان مِن المستحيل على إليوت، الذي يتمتّعُ بحسٍّ مرهف، ألّا يلحظ ذَلك.
“لكن نظرًا إلى طبيعة أديلين، فحتمًا ستقول إنّها بخير، ولهَذا، كنتُ أنوي أنْ أُبدي رغبتي في أنْ أكون وليَّ أمرها. فبعيدًا عن تعقيدات أسرتها، فإنَّ عائلتها الأصليّة… قد تضرّرت كثيرًا بسبب الحرب الأخيرة، ولَمْ يعُد باستطاعتهم الاهتمام بأمنِها وسلامتها.”
كانت مملكة كيلت، التي مُنيَت بهزيمةٍ ساحقةٍ أمام الإمبراطورية، قد باتت كقشرةٍ خاوية، ومع مرور الوقت، ستندمج تمامًا ضمن أراضي الإمبراطورية وتندثر.
ما يعني أنَّ أديلين، الغريبة عن هَذهِ البلاد، لَمْ يعُد لها طوقُ نجاةٍ سوى إليوت وعائلة الماركيز دوبونت.
“فهمت.”
رغم أنّها نالت الجواب الذي كانت تُريد سماعه، فإنَّ صدر ليتيسيا ظلّ يعتصرهُ الضيق.
‘ألَمْ يكُن بوسعهِ أنْ يُخبرني بذَلك قبل يومين؟’
ثم إنّها — ورُبما بفعل حدس المرأة — شعرت بأنَّ هَذا الحديث القصير قد شكل جدارًا شفافًا بينها وبين إليوت.
وكان تنفّسه المتنهّد وصوته الذي خيّم عليهِ خيبةُ أملٍ خير دليلٍ على ذَلك.
“بما أنّ الملفات كثيرة، فسأذهبُ إلى مكتبي لأتابع قراءتها هُناك. لقد بذلتِ جهدًا كبيرًا في ترتيبها، شكرًا لكِ، زوجتي.”
قال إليوت بصوتٍ خالٍ مِن أيِّ انفعالٍ هَذهِ المرّة.
“نعم، لا بأس. راجعها كما يحلو لكَ، وإنْ راودتكَ أيُّ تساؤلات، فلا تتردد في سؤالي في أيِّ وقت.”
أجابت ليتيسيا بدورها بنبرةٍ باردة.
دَقّ.
بِمُجرد أنْ سمعت صوت الباب يُفتح ويُغلق، شعرت وكأنَّ جزءًا من قلبها قد تحطّم إلى شظايا صغيرة.
***
كانت ليتيسيا وحيدةً سواء في الأكاديمية أو في المجتمع الراقي. امرأةٌ لا صديقة لها تبوحُ لها بمافي صدرها في أوقات الضيق.
ولهَذا، كانت خلال أيام دراستها في الأكاديمية تغرقُ في الدراسة لتنسى وحدتها، والآن، بصفتها زوجةً للماركيز، كانت تُلهي نفسها بالعمل هربًا مِن شعور العزلة.
وبعد أنْ شعرت بجدارٍ قد بُني بينها وبين إليوت، غرقت أكثر في عملها، وكأنَّ كل الترقب والشوق الذي كانت تُكنه لعودة زوجها قد تلاشى فجأة.
[طعامُ قصر الماركيز رائعٌ إلى درجةٍ أخشى أنْ أزداد وزنًا إنْ واصلتُ تناوله هَكذا.]
[بالنظر إلى صحةِ أديلين، فلا بأس إنْ اكتسبت بعض الوزن.]
تجاهلت ليتيسيا صور إليوت وهو يُوثق علاقته بأديلين على مائدة الطعام أو خلال أوقات الشاي.
“ينبغي أنْ يُسلم هَذا الملف إلى الماركيز مباشرةً، فالأمرُ عاجل.”
“أوه… سيدتي، المعذرة، لكنّ الماركيز غير موجودٍ الآن. حسب علمي، فقد خرج قبل قليل إلى شارع هيلدرن…”
كان شارع هيلدرن مِن أشهر شوارع العاصمة، ويعجّ بالمقاهي الراقية ومتاجر المجوهرات والملابس التي تُحبها السيداتُ والفتياتُ الأرستقراطيات.
ولَمْ تكُن ليتيسيا غافلةً عن السبب الذي جعل كبير الخدم يتردد في إتمامِ جملته.
‘إذًا، إليوت خرج إلى هُناك مع أديلين…’
هي التي لَمْ ترَ وجه زوجها منذُ أيامٍ بسبب انشغالها المتواصل بالعمل…
شعرت فجأةً بضيقٍ في صدرها وكأنَّ أنفاسها اختنقت.
يبدو أنَّ إليوت ينوي أنْ يُكرس ما تبقى له مِن وقتٍ فراغ قبل عودته إلى منصبه في فيلق الفرسان الإمبراطوري، ليقضيه كله مع أديلين.
‘هل كان مِن الخطأ أنْ أسأله عن مصير الفتاة التي جلبها معه؟’
أنْ يُعلن عن نيته في رعاية فتاةٍ مِن بلدٍ مهزوم، ثم يخرُج معها في نزهةٍ إلى مكانٍ يعجّ بأعين الناس، أمرٌ لا يُشكل مشكلة، بينما مُجرد سؤالي أنا عن مصيرها يُعد تجاوزًا؟
‘وهي ليست شخصًا مِن نفس الجنس، بل امرأةٌ…!’
كان يُمكنها أنْ تتخيل بسهولةٍ كم ستكون سيدات المجتمع وآنِساتُه مشغولاتٍ الآن بالقيلِ والقال.
شعرت بصداعٍ يتسلل إليّها.
“فهمت.”
كانت ليتيسيا قادرةً على الحفاظ على هدوئها، وللمفارقة، فإنَّ ذَلك يعود إلى حماتها، السيدة دوبون، التي كانت تضعُ شرف العائلة وسمعة ابنها فوق كل شيء.
ناولها كبيرُ الخدم طردًا صغيرًا ورسالة، المُرسل هو الدوق غارسيا.
‘آه، لا بدّ أنّها الشمعةُ العطرية التي تحدّث عنها وقتها.’
“ما الذي دفع الدوق غارسيا إلى إرسال رسالةٍ وهديّة؟”
بما أنّه لَمْ يكُن هُناك تواصلٌ سابقٌ بين العائلتين، وبما أنَّ مقام الدوق غارسيا أعلى، بدا الأمرُ مقلقًا بعض الشيء.
“الدوق غارسيا كان زميلًا لي ولزوجي في الأكاديمية. تقابلنا قبل أيامٍ خلال الحفل، ويبدو أنّه أرسل هَذهِ الهديّة كنوعٍ مِن التودّد.”
“آه، مفهوم.”
وبعد أنْ غادر كبير الخدم وقد بدا عليهِ الارتياح، نزعت ليتيسيا ختم الشمع مِن الرسالة بحذر.
وظهرت لها كتابةٍ مألوفة.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليغرام》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 6"