طلبت ميتيلونا مِن الموظف أنْ يُحضِر الطعام دفعةً واحدة عندما يجهز، لأنها ترغبُ في التحدث بهدوء مع الضيفة.
ونظرًا لأن إعداد الطبق الرئيسي يستغرق وقتًا لا بأس به، فقد بدأ الموظف بتقديم بعض المقبلات الباردة التي يُمكن تناولها مُباشرةً، إلى جانب نبيذٍ خفيف مناسب للشرب قبل الوجبة.
وكان ذَلك كافيًا لملء ثلث الطاولة تقريبًا.
“ما انطباعكِ بعد مراقبة البرج الأحمر لمدة أسبوعين؟”
بدأت ميتيلونا الحديث وهي ترتشفُ جرعةً مِن النبيذ الأبيض.
سؤالٌ لفتح باب الحديث في هَذا اللقاء.
وبما أنه لا يزال وقتٌ ما قبل الطعام، لَمْ يكُن هُناك حاجةٌ لطرح موضوعٍ ثقيل أو معقد.
قررت ليتيسيا أنْ تكتفي بتعليقٍ بسيط في البداية.
“لا أعلم إنْ كنتِ تعلمين، لكن عامة الناس يرسمون صورةٌ محددة للسحرة.”
عباقرة غريبو الأطوار، يصعُب على الناس العاديين فهمهم.
“هاه؟”
رفّت عينا ميتيلونا عند سماع كلمات ليتيسيا، ثم انفجرت ضاحكة.
“يا للعجب، عباقرةٌ تقولين! إنْ تحدثنا بموضوعية كوني نائبة سيد البرج، فالبرج الأحمر ليس إلا مكانًا يجتمعُ فيه الحمقى ذوو الطباع السيئة والعناد، يدّعون أنهم يمارسون السحر!”
“ألا ترين أنْ هَذا تعبيرٌ قاسٍ بعض الشيء؟ صحيحٌ أنْ هناك مَن يميلون إلى الانغلاق، لكن الكثير منهم يسعون إلى المنطق، لذا فإنَّ الحوار معهم غالبًا ما يكون عقلانيًا.”
لكن، وقبل كل شيء—
“أدركتُ أنْ السحرة لا يختلفون كثيرًا عن الناس العاديين.”
“لا يختلفون عن الناس العاديين؟”
بدا على ميتيلونا الاهتمام والفضول.
“يفرحون عند تناول طعام لذيذ، ويغضبون عند سرقة ثمرة جهدهم، ويحزنون عندما يُصاب أحد معارفهم، ويستمتعون بالنكات البسيطة. لذا، تمنّيت لو أنْ الآخرين لا ينظرون إلى السحرة ككائناتٍ معقدة أو استثنائية للغاية.”
حقًا…
لأنها ترى العالم بهَذهِ النظرة، استطاعت أنْ تنال إعجاب إيمريك المتطلب.
‘وأيضًا، لأنها شخصٌ قادر على تقبُّل إيمريك نفسه، لا صورته المُتخيّلة عند الناس.’
شعرت ميتيلونا بالرضا لأنها وجدت إجابةً لسؤالٍ كان يؤرقها. ورُبما لهَذا السبب، استساغت أيضًا قرمشة السلطة المُغطاة بجبنة الريكوتا.
“أجل، إنْ نظرتِ للأمر بعمق، فالسحرة ليسوا إلا محظوظين. كما أنْ أبناء العائلات الثرية يولدون في بيئةٍ ميسورة الحظ، نحن أيضًا وُلدنا بقدرةٍ فطرية على التفاعل مع المانا.”
قالت ميتيلونا بابتسامة.
طَرق، طَرق.
وفي تلكَ اللحظة، سُمِع صوت طرق الباب في توقيتٍ مناسب.
“أستأذن لدقيقة.”
دخل اثنان مِن الموظفين، أحدهما ذَلك الرجل الذي سبق أنْ رأته ليتيسيا، وهم يدفعون عربةً بثلاث طبقات مليئة بالأطعمة.
“نتمنى لكما وقتًا طيبًا.”
بينما أُلقيت تعاويذ حفظ الحرارة على الحساء وشرائح اللحم، وكذَلك تعاويذ حفظ البرودة على أنواع الحلوى التي تُؤكل لاحقًا، قالت ميتيلونا بلطف:
“حسنًا، فلنتحدث أثناء تناولنا الطعام. يبدو المظهر والرائحة رائعين.”
“نعم، شكرًا على الطعام!”
كانت شريحة السلمون المغطاة بصلصة الريحان المنعشة خاليةً مِن أيِّ رائحةٍ كريهة وتتمتعُ بمذاقٍ خفيف، في حين أنْ شريحة لحم الخروف الصغير كانت طريةً وغنية بالعصارة والنكهة.
“تذكّرتُ، في أول يوم عملٍ لي، شعرتُ بالانبهار مِن ارتفاع البرج الأحمر وهيبته. هل يعود الفضل في بناء هَذا البرج العالي إلى السحر؟”
“صحيح، رُبما في المستقبل، ومع تطور التكنولوجيا، سنتمكن مِن بناء مبانٍ أعلى وأكثر متانة باستخدام القوة البشرية والأدوات فقط. لكن البرج الأحمر مليء بالسحر.”
“مصعد السحر كان أداةً مبهرة.”
“في الواقع، مفهوم المصعد ليس جديدًا، لكن السبب في أنْ المصاعد في الأماكن الأخرى لا تقدم نفس الفعالية كما في البرج الأحمر هو استخدامنا لحجر المانا أو عدمه.”
تبادل الاثنان الحديث أثناء الطعام حول المصعد السحري، والأدوات السحرية المستخدمة في البرج الأحمر، والسلع السحرية التي تُباع عبر التجار في الغرب.
وبعد تناول وجبةٍ مُرضية، جاء وقت احتساء الشاي وتذوق الحلوى، فتحدثت ليتيسيا بتحفّظ:
“أنا موظفةٌ جديدة لَمْ يمر سوى أسبوعين على بدء عملي، لذا سؤالي قد يبدو متسرعًا.”
كانت غاية ميتيلونا مِن دعوة ليتيسيا اليوم هي معرفة نوع الشخص الذي ستكونه زوجة الدوق المستقبلية. وعلى الجانب الآخر، يُمكنها تخمين أنْ السبب في حضور هَذهِ الموظفة الجديدة لهَذا اللقاء الحرج هو طرح هَذا السؤال بالذات.
“عندما تعجز إدارة البرج الأحمر عن حل نزاعات حقوق الملكية أو المعدات، تُحال القضايا إلى لجنة تسوية النزاعات، صحيح؟”
أومأت ميتيلونا برأسها إيماءةً خفيفة، وكأنها تقول لها: تابعي.
“لكن بمُجرد إحالتها إلى هُناك، فإنَّ الأمر يستغرق شهرًا على الأقل للبدء فيه، وأحيانًا أكثر، مِما يُسبب إزعاجًا كبيرًا للسحرة الذين يقدمون الشكاوى. هل لي أنْ أعرف سبب هَذا التأخير الطويل في إصدار الأحكام؟”
“همم، كنتُ أتوقع هَذا السؤال، لكنه سؤالٌ صعب الإجابة عليه.”
ارتشفت ميتيلونا جرعةً مِن الشاي وكأنها ترتّب أفكارها، ثم بدأت تتحدث ببطء:
يُقال عادة إنْ مَن يدخل البرج الأحمر يقطع صلتُه بالعالم الخارجي.
“لكن ذَلك لا يعني أنه يسلك طريقًا خاليًا مِن الرغبات كما يفعل الكهنة ويسعى فقط وراء العلم. فهُنا أيضًا مكانٌ يعيش فيه الناس، لذا توجد صداقات، بل وتكتلاتٌ أيضًا.”
ما لَمْ يكُن الأمر يتعلق بعدوٍ مشترك كالقضاء على الوحوش، فإنَّ التوصل إلى اتفاق في أيِّ مسألةٍ يكون معقدًا كما في السياسة.
“وفوق ذَلك، فإنَّ البرج الأحمر، الذي يُقال إنه يجتمع فيه السحرة العقلانيون، هو في الواقع عالمٌ تُهيمن عليه القوى.”
واصلت ميتيلونا حديثها، متخيلة وجود مسألتين متعارضتين بشدة.
“إحدى الجماعتين تؤيد نظرية الآنسة ليتيسيا، بينما الأخرى تؤيد نظرية السيد رودريان. وقد استمر الجدال حول هَذا الأمر لأكثر مِن شهرين دوّن التوصل إلى نتيجة. ولكن في يومٍ ما، يطّلع سيد البرج على القضية ويقول إنْ نظرية رودريان تبدو صحيحة. فماذا تظنين سيحدث؟”
“… هل ستُبلغنا النتيجة بأنَّ نظرية رودريان صحيحة؟”
“نعم، إنه نظامٌ عشوائي أكثر مِما تظنين، أليس كذَلك؟”
“لكن تاريخ البرج الأحمر ليس قصيرًا…”
ألَمْ يكُن مِن المفترض وضع قوانينٍ خاصة بحقوق النشر مثل القوانين الـ22 الخاصة بالبرج الأحمر؟
لأول مرةٍ منذ بدء حديثها مع ميتيلونا، ظهرت على وجه ليتيسيا علاماتُ الاضطراب. لاحظت ميتيلونا ذَلك وضحكت بخفة، ثم واصلت الحديث بابتسامةٍ مرحة.
“هل أخبركِ بشيءٍ أكثر إزعاجًا؟ في الواقع، لَمْ يكُن لبرج الاستقبال قسمٌ إداري حتى وقتٍ قريب.”
بالطبع، حتى في السابق، كان هُناك مَن يدير الأدوات الضرورية للبرج الأحمر، ومَن يُشرف على توزيع السلع السحرية التي ينتجها البرج، وكانت تلكَ مهامًا أساسية لاستمرار مجتمع البرج الأحمر.
“إذًا، قسم النزاعات حول حقوق النشر، وهو القسم الأكثر ازدحامًا في الوقت الحالي…”
“كانت هُناك خلافاتٌ بالطبع، لكن لَمْ يكُن مِن الممكن إثارة القضايا بهَذهِ الحيوية أو طرحها للرأي العام كما هو الحال الآن. مُجرد التعبير عن الظلم كان أمرًا خطيرًا.”
وحتى لو جرت محاولةٌ لطرح المشكلة إلى الخارج…
“كان مِن الشائع أنْ تنتهي الأمور بنتيجةٍ لا تُرضي مِن أثار المشكلة، بسبب تدخل سلطةٍ أو قوة مثل سيد البرج أو نائب السيد.”
“آه…”
“النظام الحالي البسيط بدأ فقط بعد أنْ غادر إيمريك البرج الأحمر وأصبح دوقًا لغارسيا. سواء أراد استخدام البرج الأحمر لتهدئة الرأي العام أم لا، فلا يُمكن إنكار أنه قاد تغييرات وتعاونًا وثيقًا بين الغرب والبرج الأحمر.”
[عندما نتحدث عن شؤون الغرب، لا يُمكننا استثناء البرج الأحمر. نحن والبرج في علاقة دعمٍ متبادل.]
أيِّ أنْ إيمريك كان أول مَن حرّك مياه البرج الأحمر الراكدة، لتتحول إلى جدولٍ يروي الغرب بأكمله.
تذكّرت ليتيسيا الأرقام المُهمة المتعلقة بالبرج الأحمر التي قرأتها في التقارير، وشعرت بإعجابٍ جديد تجاه سلفها.
“أنا أستمتعُ بذَلك.”
“فهمت.”
“وأعتقدُ أنكِ أيضًا، يا آنسة ليتيسيا، تتطلعين إلى تعديل بعض جوانب نظام البرج الأحمر.”
“آه، لا! لستُ أسعى للتعديل بقدر ما أفكر في طريقةٍ للحد مِن النزاعات العقيمة حول حقوق النشر أو تسريع حلّها.”
قالت ليتيسيا ذًلك وهي تلوّح بيدها بخفة، ثم أضافت بهدوء:
“لأن ذَلك سيسمحُ للمزيد مِن الناس بالتركيز فقط على أبحاثهم، مِما سيُسهم في تطور البرج الأحمر وسلام الغرب.”
وبشكلٍ غير متوقع، كان أول مَن كشفت له عن طموحها هو ميتيلونا، وليس إيمريك.
“كما توقعت.”
انعكست البهجةٌ في عيني ميتيلونا.
“أنا عجوزٌ لا تفهم في الإدارة أو القانون، لكنني أرحّبُ دومًا برياح التغيير الإيجابي. فلتفكري جيدًا في شكل هَذا النظام، آنسة ليتيسيا. وأنا…”
إذا وجدتُ أنْ خطتكِ منطقية، فسأدعمُها بكل ما أستطيع.
رغم أنها مشروطة، إلا أنْ ميتيلونا عبّرت عن دعمها. وكان ذَلك تصريحًا بثّ في نفس ليتيسيا الطمأنينة.
‘على أيِّ حال، في نهاية العام وبداية السنة الجديدة، تكون كل منظمةٍ مشغولة جدًا للاستماع إلى خططٍ جديدة. لذا يجبُ أنْ أنتهي مِن تفاصيل المشروع جيدًا بحلول منتصف يناير.’
قبضت ليتيسيا بيدها بإحكام، مُجددةً عزمها.
***
لَمْ يتبقَ مِن هَذا العام سوى أقل مِن نصف شهر.
في الجناح الغربي، حيثُ تقع مكاتب ومقرات الاجتماعات الخاصة بالمساعدين.
الطابق الثاني، الذي يضُم مكاتب المسؤولين عن الشؤون الداخلية، كان حاليًا في فوضى عارمة.
أكوامٌ مِن الوثائق تملأ المكان حتى حافته، ووجوه بلا أيِّ أثرٍ للحيوية.
صحيح أنْ جميع المنظمات تكون مشغولة في هَذا الوقت مِن السنة، لكن لا بد مِن وجود حدودٍ لذَلك.
المساعدون الإداريون والمشرفون على الشؤون الداخلية، الذين تقع على عاتقهم مهمة إعداد الحسابات الختامية للعام، وأيضًا تجهيز حفل رأس السنة الذي يُعد مِن أكبر المناسبات في المجتمع الأرستقراطي في الغرب، كانوا يصرخون مِن هول الوثائق التي تتراكم أمامهم باستمرار.
“م… ما هَذا؟ لا تُخبرني إنها وثائقٌ جديدة؟”
“تبًاااا!”
“ماذا كان هؤلاء يفعلون في بداية ديسمبر حتى يرسلوها الآن؟ هل يريدون إثارة المشاكل؟”
“ما زلنا لَمْ نتسلم أوراق الحسابات مِن فرقة الفرسان؟ إلا يُفكر هؤلاء قليلاً؟ ما هَذهِ الحماقة؟!”
“آآآه! سأقتل مَن أرسلها متأخرًا ثم أقتل نفسي!”
“دعونا نسرق قنبلةً مانا مِن البرج الأحمر و…”
“….”
كيف تتكرر هَذهِ الفوضى كُل عام؟
دييغو، الذي كان يُشاهد مساعديهِ ينهارون تحت ضغط الأوراق، لَمْ يعد أمامه سوى اتخاذ قرارٍ حاسم.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 39"