“أنا الآن ثملٌ جدًا… لا أستطيع تفسير ردود أفعال الآخرين جيدًا، وتركتُ الأدب خلفي. هل تُسامحني يا آنستي اللطيفة؟”
ثم فجأةً جذب ليتيسيا إلى حضنه.
على عكس المرّة السابقة حين كانت تغمرها مشاعرٌ جياشة أفقدتها صوابها، كانت هَذهِ المرة في كامل وعيها، لذا شعرت بالكثير مِن الأحاسيس المتنوعة.
إلى جانب رائحة الكحول الخفيفة التي تنبعثُ منه، شمّت أيضًا رائحة الأعشاب الهادئة التي تفوح مِن الشمعة العطرية التي أهداها لها.
حضنه كان دافئًا مثل يديه، ويده التي تربّت على ظهرها كانت ناعمة كمَن يُهدّئ طفلاً.
“مشاكل العائلة صعبةٌ دائمًا، يا زميلتي العزيزة. سيأتي يومٌ يُدرك فيه أولئكَ الأشخاص الأنانيين كم أنَّ قلبكِ طيّبٌ وحنون لأنّكِ لَمْ تنسيهم وما زلتِ تهتمين لأمرهم.”
“هاه…”
خرج مِن فم ليتيسيا تنهيدةٌ لَمْ تُعرف إنْ كانت ضحكةً أم بكاء.
واصل إيمريك تربيته بلطف، وتذكّر الأشخاص مِن عائلة البارون لوبيز الذين التقاهم سرًا.
***
في اللحظة التي طُردت فيها ليتيسيا مِن قصر الماركيز، أصدر إيمريك أمرًا سريًا آخر إلى جيرارد.
[تحقّق مِن ثروة وديون عائلة البارون لوبيز، واستقصِ معلومات عن أفرادها حتى لون ملابسهم الداخلية.]
كان إيمريك عازمًا منذُ البداية على إحضار ليتيسيا إلى الغرب مهما كلّف الأمر، وكان يُخطط لجعلها لا تنظر إلى الخارج مُجددًا بعد قدومها.
وكانت الطريقة بسيطة: إزالة آخر قطعةٍ مِن التعلّق مِن داخلها تجاه العاصمة.
[استقصاء لون الملابس الداخلية يُعدّ انتهاكًا خطيرًا للخصوصية…]
[هل تُفضل أنْ تُحصي عدد رموشهم بدلاً مِن ذَلك؟]
[…… سأنفذُ الأمر حالاً.]
وبحسب تقرير فريق الاستخبارات المكوّن بالكامل مِن سحرة، فإنَّ كل ما تملكه عائلة البارون هو قصرٌ قديم في العاصمة وبعض النقود، في حين بلغت ديونهم ما يُعادل دخل إحدى العائلات الكونتية لمدة عام كامل.
[بكلمةٍ واحدة، هؤلاء الناس مختلّون عقليًا.]
[…….]
[بصراحة، كلما تعمقنا في التحقيق، ازددنا حيرة في كيف يُمكن لعائلة كهَذهِ أنْ تُخرج فتاةً ذكية ومجتهدة مثل الآنسة.]
[حسناً، حتى في المُستنقع قد تتفتح الأزهار.]
[يبدو أنَّ البارونة كانت شخصًا عاقلاً. إذ كانت تدير شؤون المنزل وتُربي الأطفال بنفسها عبر الخياطة وكسب القوت، عوضًا عن زوجها الغارق في الخمر والمقامرة.]
في ذكريات ليتيسيا القديمة، كانت موجودة محبة الأم وتضحيتها.
رُبما كانت تلكَ الذكرى هي السبب الوحيد الذي يمنعُها مِن التخلّي الكامل عن عائلتها.
لكنّ الإنسان ليس جبلاً يُمكنه تحمّل مئات أو آلاف السنين. ففي بعض الأحيان، قد يتحطّم الإنسان تمامًا في أقل مِن شهر.
شيئاً فَشيئًا، انهارت البارونة مِن تعب الحياة القاسية، وبدأت تُغرق نفسها في الخمر، وفضّلت الابن على الابنة التي كانت ترى أنها ستُغادر بعد الزواج على أية حال.
ومع ازدياد إدمانها وتخليها عن المسؤولية، انتقلت أعباء إعالة العائلة إلى ليتيسيا.
[رغم أنَّ الآنسة حذّرتهم مِن أنّها لًن تُقدّم أيَّ مساعدةٍ أخرى، عاد البارون إلى المقامرة، وتراكمت عليهِ ديونٌ جديدة تتجاوز 200 قطعة ذهبية.]
[……وهل اختطفه الدائنون مُباشرةً بعدما طُردت ابنته مِن قصر الماركيز؟]
[يبدو أنَّ تهديدات الدائنين جعلتهم أكثر تعاونًا، لذا تمكّنا مِن نقلهم إلى مكان آمن بسهولة أكبر مِمّا توقّعنا.]
[حسنٌ. بما أنّهم الآن تحت سيطرتنا، فلنقم بتسوية ديونهم. لكن لا تفصحوا عن هوية مَن سدّدها. يُمكنكَ تقديم مبالغٍ إضافية أو حتى اللجوء إلى التهديد.]
[أمركَ، سيدي.]
[قد لا يهتم أحدٌ بمصيرهم، لكن على كل حال، انشروا شائعة أنّهم هربوا مِن العاصمة بسبب الديون.]
تم تسوية ديون عائلة البارون لوبيز بسرعة ونظافة.
وعندما وصله تقريرٌ يُفيد بأنَّ ليتيسيا تفكر بشكلٍ إيجابي في الذهاب إلى الغرب، غمر السرور قلب إيمريك، فتوجَّه بخطًى خفيفة إلى المنزل الآمن.
مِن أجل محو العيب الوحيد في حياة ليتيسيا لوبيز.
[نُـ، نحيِّي صاحب السمو الدوق.]
[همم؟ آه، يبدو أنْ ليتيسيا تُشبه والدتها قليلًا. في الأصل كنتُ أنوي القدوم خالي اليدين، لكن بما أنْ في المكان امرأة، فقد أحضرتُ باقة زهورٍ متواضعة.]
قال ذَلك وقدَّم إلى زوجة البارون باقة زهورٍ رائعة مِن الراننكولس، بينما راقبه كلٌّ مِن جيرارد ودييغو بنظراتٍ باردة.
فَمِن بين معاني تلكَ الزهرة الجميلة “اللوم”.
[شـ، شكرًا جزيلًا.]
سواء كانت تعرفُ بمعناها أم لا، تلقَّت زوجة البارون الباقة بوجهٍ يملؤه الخوف.
[كنتُ على وشك أنْ أُجنَّ لأن رجالكَ لَمْ يُصغوا لكلمةٍ واحدة مِن حديثي طوال الفترة الماضية، لكن بما أنْ الجاني قد حضر بنفسه، فسأقولها لكَ مُباشرةً! مهما كنتَ دوقًا، فهل يُعقل أنْ تحبس الأشخاص بهَذهِ الطريقة؟! لو انتشر هَذا الخبر بين الناس، فلَن تسلم دوقيتكم مِن الانتقاد!]
[همم، لا يبدو أنْ مِن شأني أنْ أشرح الأمور بهَذهِ الدرجة مِن اللطافة. جيرارد، ردَّ عليه.]
[نعم، سموّك. أولًا، لقد منعناكم مِن الوقوع في ديونٍ لا داعي لها.
ثانيًا، بعدما علم الدائنون بأنَّ عائلة البارون قد أصبحت عاجزةً عن السداد، بدأوا بتهديد السيدة والابن جسديًا، لذا أحضرناكم إلى هَذا المكان لحمايتكم.
ثالثًا، أُشيع بين الناس أنْ أفراد عائلة البارون لوبيز فرّوا إلى الريف بسبب الديون، لذا لا وجود لسببٍ قد يُعرّض دوقيتنا للانتقاد.]
رُبما فهمت زوجة البارون والابن معنى النقطة الثالثة، إذ أطبقا شفتيهما وقد ارتسم على وجهيهما الخوف، بينما ثار البارون أكثر مِن ذي قبل.
كان جيرارد قد حرص على اختيار ألفاظٍ مُعتدلة قدر الإمكان مراعاةً لكونهم عائلة ليتيسيا، لكنها كانت مجاملةً لا جدوى منها. لوّح إيمريك بيدهِ وهو يتحدث:
[آه، كفاكم ضجيجًا. على أيِّ حال، لا داعي لأن تغرقوا في الامتنان على لطفِي، فقد منعتُ تراكم الديون عليكم، وحميتُكم مِن التهديد.]
حضرتُكَ، سموّ الدوق…
هل تظن أنْ مَن يراقب تعابيركَ التي تُشبه نمرًا شبعانًا سيشعرُ بخوفٍ أقل؟
كان إيمريك قد توصّل إلى بعض الحقائق أثناء الحرب مع مملكة كيلت.
إنْ تعلق الإنسان بالحياة أقوى مِن أيِّ شيءٍ آخر، وحتى الشخص عديم الفائدة إنْ دُفع للحد الأقصى، فقد يُظهر قيمةً ما ولو كانت ضئيلة.
[بما أنْ البارون لوبيز قد انغمس في الخمر والقمار، فذَلك لأنّه لَمْ يتعلَّم الزهد. لذا أرسلوه إلى المصحّ الذي تُديره المعابد. آه، مِن الأفضل أنْ يكون في المكان الذي يُوجد فيهِ الكاهن ميزرا.]
[مَـ، مِن سمح لكم بذَلك!]
كان الكاهن ميزرا معروفًا بصرامتهِ ليس مع نفسه فحسب، بل ومع الآخرين أيضًا، وكان يُلقَّب بتجسيد الزهد.
[وأخبروه أنْ حاكم الغرب يراقبهُ شخصيًّا ويتوقّع منه الكثير.]
[مفهوم، سموّك.]
وبعد أنْ حُسم مصير البارون في لحظة، حوَّل إيمريك نظره إلى الابن.
على عكس ليتيسيا التي تُشبه والدتها، كان الابن يُشبه والده إلى حدٍّ كبير، باستثناء العيون الذهبية النادرة التي ورثها كلا الأخوين.
[أختكَ التحقت بأكاديمية شيادن كطالبة منحة وتخرّجت منها بتفوقٍ دوّن أنْ تتلقى فلسًا واحدًا مِن العائلة. ألا تُشعركَ هَذهِ الحقيقة بشيء، وأنتً الذي دُعِم تعليمكَ رغم الظروف الصعبة؟]
[أَـ، أَنا… بذلتُ جهدي، لكن مؤهلاتي ضعيفةٌ للغاية…]
[كم مرةً تظُنني سمعتُ مثل هَذا العذر وأنا في هَذا المنصب؟]
[أعـ، أعذرني، سموّك! أرجوك، لا تقتلني!]
[أوه، ولماذا تعاملني وكأني قاتل؟ لَن أقتلك. رُبما ستتمنى الموت مِن شدة المعاناة، لكن هَكذا هو الطريق؛ فلكي يتحول النفايات إلى بشر، لا بد مِن بعض الألم.]
قال إيمريك ذَلك وهو يربّت على كتف الابن بأكثر تعبيرٍ يبدو لطيفًا في هَذا العالم.
[سمعتُ أنكَ تدرس حاليًا في قسم الإدارة بأكاديمية شيادن. هل تُحب الإدارة؟ أم تُحب فنون السيف؟ أم السحر؟]
[نـ، نعم؟ أَنا… لا أملكُ موهبة في السيف أو السحر…]
[لا أتحدث عن الموهبة. قلتُ أخبرني عن ذوقكَ، عمّا تُحبّه.]
[إذًا، السيف.]
[جيّد. دييغو، انقل هَذا الفاشل إلى عائلة الكونت مينديل. دعهم يُمرّغونه حتى يكاد يموت، ليُصبح فارسًا يُعتمد عليه.]
عائلة الكونت مينديل هي عائلة أندراس، مساعد الشؤون الداخلية. ورغم طبيعتهِ المدنية، فإنَّ ذكر اسم عائلتهِ كافٍ لجعله يرتجف مِن الرعب، إذ إنْ عائلة مينديل معروفةٌ بانضباطها العسكري الصارم.
فأخذ دييغو يدعو بصمتٍ لراحة روح ابن عائلة لوبيز.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 37"