يعتقد الكثير مِن الناس أنْ الأحداث الدرامية التي تحدُث في الروايات أو المسرحيات لا يُمكن أنْ تحدث في الواقع.
“هاه؟”
“رائع……!”
“يا للعجب.”
لكن، لو تأمّلنا الأمر عن كثب، لوجدنا أنَّ الواقع يحمل في طياتهِ جوانبًا أكثر درامية مِن القصص الخيالية التي يصنعها البشر.
كان دييغو، الذي توجه بشجاعةٍ ليعرض الألعاب والكحول حتى على رئيسهِ تحت عذر ‘أُحبُّ جلسات الشرب الصاخبة! لذا، سأشربُ حتى أموت اليوم!’، قد بدأ يندم على قرارهِ هَذا بعد مرور ساعةٍ واحدة فقط.
‘ما هذا؟ أي نوع من البشر هؤلاء……؟’
ليتيسيا، وكذَلك إيمريك، كانا سيئين جدًا في الألعاب. أو بالأحرى، بما أنْ معظم الألعاب كانت تعتمدُ على الحظ، مثل لعبة جينغا ورمي النرد، فقد كان حظهُما سيئًا للغاية في اللعب.
كانا يتبادلان المراتب الأخيرة في معظم الألعاب.
والأمر الأكثر إثارةً للدهشة هو التالي.
“جلالتُكَ، هل أنتَ بخير؟”
الخمور التي تناولها إيمريك، سواء التي قُدمت له مِن المساعدين باعتبارهِ نجم الحفل، أو كوكتيلات الخسارة في الألعاب، كانت أقل بنسبة 50% مِما شربتهُ ليتيسيا، حتى وإنْ تطوع إيمريك مرةً واحدة ليؤدي دور الفارس النبيل.
لقد تحوّل وجه إيمريك، الذي كان ناصع البياض كاليشم، إلى لون الطماطم منذُ وقتٍ طويل، في حين أنْ ليتيسيا بدت وكأنها لَمْ يتغير مظهرها منذ لحظة وصولها.
عينان براقتان كأنهُما مُشبعتان بضوء النجوم، ووجهٌ لا يظهر فيهِ أدنى احمرار، ونطقٌ واضح لا تشوبه شائبة.
لقد بدت وكأنها لَمْ تشرب قطرةً واحدة مِن الكحول منذ أنْ وصلت إلى هُنا.
تحوّلت دهشة دييغو إلى إعجابٍ صامت.
‘زوجة الدوق المستقبلية، رغم أنها لا تُجيد اللعب إطلاقًا، أو بالأحرى، هي تُجيد عدم اللعب تمامًا ……’
لكنها بارعةٌ في أداء المهام، والأهم مِن ذَلك أنْ كبدها قويٌ جدًا.
إنها الشريكة المثلى لتكون إلى جانب الدوق، الذي تغيّر لون وجههِ لمُجرد شرب بضع كؤوس!
لكن، كان هُناك مَن أدرك قيمة ليتيسيا الحقيقية قبل دييغو، وهم مستشارو الفريق الخارجي.
أبدى جيرارد إعجابهُ بصدق.
“كُنا نحتاج إلى موظفةٍ مِن هَذا النوع في فريقنا.”
السرعة في الفهم، وردة الفعل السريعة، والقدرة على الحفاظ على تعبيرٍ محايد، كلها عواملٌ مهمة في العمل الخارجي، لكن أهم ما في الأمر هو القدرة على شرب الكحول.
بالنسبة لجيرارد، الذي لا يُحب الكحول مثل دييغو، كان مِن المؤسف أنْ لا يوجد شيءٌ يفوق الكحول فعالية في بناء العلاقات الشخصية.
وتشارك جلسات الشرب لتعزيز العلاقة مع مَن تربطكَ بهم صداقة.
وتزور حانةً معروفة سرًا لعقد لقاءاتِ سرية……
ليتيسيا هي الشخص المثالي للعمل في بيئةٍ كهَذهِ دوّن أنْ تتأثر بالكحول، ومركّزةً فقط على العمل.
بدا أنْ باقي أعضاء الفريق يشاركون جيرارد الرأي ذاته.
سأل جوناثان، الذي تطوع سرًا ليؤدي دور الفارس النبيل وشرب كوكتيل الخسارة بدلها، بنبرةٍ ملؤها الترقب:
“جيرارد، لا أعتقد أنها ستبقى في فريق الإدارة الإداري في البرج الأحمر، ماذا لو حاولنا ضمّها إلى فريقنا عندما يحين وقت التنقل؟”
أومأ الآخرون برؤوسهم. فأطلق جيرارد ابتسامةً ساخرة حين رأى ذَلك.
بالطبع، لَن تبقى ليتيسيا طويلاً في فريق الإدارة الإداري، فبعد بضعة أشهر، سيتم نقلها إلى قسمٍ آخر.
‘إلى القسم الداخلي على الأرجح.’
لأن المستشارين الذين يتعامل معهم إيمريك كثيرًا ينتمون لذَلك القسم.
‘إنه يخشى أنْ تبدي اهتمامًا بالعالم الخارجي، لذا لَن يرسلها مطلقًا إلى الفريق الخارجي، أليس كذَلك؟’
ولأنه لا يُمكن شرح كل هَذا أمامهم، لَمْ يكُن بوسعه إلا الابتسام وتجاوز الأمر.
بينما انبهر مستشارو الفريق الخارجي، وعلى رأسهم دييغو وجيرارد، مٍن كبد ليتيسيا القوي، كان رانديل مذهولاً وحسب.
‘حقًا، ما هَذا الكائن؟’
لو كانت شابةً نبيلة عادية، لكانت قد بدأت بالبكاء أو الصراخ أو حتى فقدان الوعيّ بعد شرب ربع ما شربته ليتيسيا.
بل إنْ إيمريك، الذي شرب بعدها مُباشرةً مِن حيث الكمية، بدا في حالٍ أسوأ.
حتى لو تجاهلنا وجهه المحمر، فإنَّ عينيه الحمراوين اللتين بدتا كحجر ياقوت مُغبر، والطاقة السحرية المهددة التي بدأت تتسرّبُ تدريجيًّا، كانت واضحةً بما فيه الكفاية.
“أنا بخير، لا، أشعرُ بدوارٍ بسيط فقط.”
“آه، جلالتُكَ! لا بد أنكَ مرهقٌ، عليكَ أنْ ترتاح على الفور!”
لا يُعرف ما إذا كان يقول الحقيقة، أم أنه يتظاهر بالضعف أمام مَن يُحب، لكن جيرارد فزع مِن كلام إيمريك المُترنّح، وأرسل نظرةً إلى دييغو.
“يا إلهي، الوقت تأخر فجأةً! يجبُ على المتزوجين العودة إلى بيوتهم، حيث الزوجات والأطفال الأبرياء بانتظارهم.”
فهم دييغو الإشارة سريعًا، وبدأ يُنهي سهرة الشرب تدريجيًّا.
“في الخارج توجد عرباتٌ موزعة حسب المناطق. مَن ينتمي لمنطقةٍ معينة فليأخذ العربة المُخصصة، ومَن لا يعرف فليتوجه إليّ. أما مَن يعملون في قصر الدوق، فقد وصلت عرباتهم، فليستخدموها…….”
ألقى دييغو نظرةً نحو ليتيسيا وتحدث بنبرةٍ عادية.
“آنسة ليتيسيا، هل يُمكنكِ مرافقة صاحب السمو الدوق ومساعدته حتى يصل إلى القصر؟ لنقل إنها مهمةٌ صغيرة للمبتدئين.”
“نعم، حاضر!”
رغم أنْ نظرات رانديل التي تحرقها لَمْ تكُن مريحة، لكنها شعرت بالقلق أيضًا، لأن إيمريك بدا ثملاً بالفعل.
وبحجّة مرافقة الدوق، أصبحت ليتيسيا أول مَن يغادر الحانة برفقة إيمريك.
في الحقيقة، كانت تشعرُ بدوخةٍ خفيفة أيضًا، لكنها تعافت بسرعة عندما استنشقت نسيمًا عليلًا ومنعشًا في الخارج.
‘يبدو أنْ تحمّلي للكحول قد ورثته من عائلتي. إنها أول مرةٍ أشعرُ بالامتنان لوالديّ.’
“سيّدي الدوق، كيف تشعرُ بعد استنشاق الهواء الطلق؟ هل تشعرُ بتحسُّن؟”
سألت ليتيسيا إيمريك الذي كان يحدّق بها بشرود. فالشخص الذي بدا دومًا صلبًا كجدار حصن، وقد تراخى قليلًا الآن، مِما جعلها تشعرُ ببعض القلق.
“البقاء في مكانٍ ضيّق هو أسوأ. لكن، إنْ أردتُ أنْ أُريحكِ سريعًا، فعلينا استخدام سحر الانتقال…”
“لا يُمكن! أنتَ في حالة سُكر. هل تستطيع ركوب العربة؟ وإنْ كنتَ تشعرون بالغثيان، هل نأخذ جولةً أطول في الهواء الطلق قبل ركوبها؟”
“…حسنًا، فلنمشِ قليلًا في الجوار إذًا.”
“نعم، يُسعدني ذَلك.”
وحين أومأت ليتيسيا برأسها، مدّ إيمريك يده نحوها. كانت يدُه ناصعة وناعمة كما هو متوقع مِن ساحر.
“يجبُ أنْ تُمسكي بيدي جيدًا حتى لا أتعثر، أليس كذَلك، آنستي المتدربة؟”
يا إلهي، يقول أشياء لَمْ يكُن ليقولها في الأوقات العادية.
يبدو أنْ سنيور قد شرب كثيرًا بالفعل.
لسببٍ ما، بدا لها لطيفًا في هَذهِ اللحظة.
“نعم نعم، اترك الأمر لي!”
أمسكت ليتيسيا بيدهِ بإحكام، ثم قالت للسائق أنْ ينتظر قليلًا ريثما يأخذان جولةً قصيرة في الجوار.
“كما توقعت، يدكَ دافئةٌ يا دوق.”
على عكس يد ليتيسيا التي بردت بسرعة عند تعرضها للهواء الخارجي، كانت يد إيمريك دافئةً وكأنها تولّد حرارةً ذاتية.
“كما توقعتِ؟”
“سمعتُ في مكانٍ ما أنْ الشخص طيّب القلب تكون يداه دافئتين.”
“أوه، صحيح؟ أنا مُمتن لأنكِ ترينني بشكلٍ إيجابي، لكن يبدو أنْ تلكَ المقولة ليست دقيقةً تمامًا. فمثلاً، يدكِ الآن فاترة.”
ابتسم إيمريك ابتسامةً خفيفة، وشدّ على يدها أكثر. وللحظة، شعرت وكأن الدفء انتقل إلى يدها هي الأخرى.
“ولكي تكون تلكَ المقولة صحيحة، يجبُ أنْ تكون يدكِ دافئةً جدًا، بل ساخنة.”
“هل استخدمتَ سحر التدفئة؟”
“نعم، هل تشعرين بالدفء الآن؟”
“شكرًا لكَ، يا دوق.”
“في الواقع، سبب دفء يدي هو طبيعتي الجسدية. فبِما أنْ سحري الأساسي مِن نوع النار، فإنَّ المانا التي تُحيط بجسدي مِن الداخل والخارج مليئةٌ بعنصر النار، مِما يجعل يدي دافئة بطبيعتها.”
رُبما بسبب تأثير السُكر، كان صوت إيمريك أكثر هدوءًا مِن المُعتاد، وفيه نبراتٌ متقطعة أحيانًا، لكنه ظل يشرح لها بلطفٍ كما يفعل دائمًا، مِما جعل الابتسامة ترتسمُ على وجهها لا إراديًا.
ورغم أنْ المنطقة كانت حيوية، فإنَّ الوقت المتأخر جعل أغلب المتاجر مغلقة. لَمْ يكُن هُناك سوى ثلاثة أو أربعة حانات، ومتجر عام واحد، ومقهى واحد مضاء.
وهَذا ما جعل طريق التنزّه هادئًا ومُناسبًا، فأعجب كليهما، ليتيسيا وإيمريك، لدرجة أنه دفعهما لإخراج كلماتٍ كانت حبيسة في أعماق قلبيهما.
“أنْ تُلقي عليَّ سحر التدفئة، وأنْ تشرح لي الأمور بهَذهِ الطريقة، كل هَذا لأنكَ شخصٌ لطيف ودافئ. لكنني أنا…”
“ما بكِ أنتِ؟ هل تجرأ أحدٌ على معاملتكِ بسوء؟ أقسم أنني سأشويهم حتى يصيروا مستويين جيدًا.”
ضحكةٌ خفيفة بدأت تنتشر بهدوء في الهواء الليلي مِن حولهما.
حرّكت ليتيسيا شفتيها عدّة مرّات قبل أنْ تتحدث:
“منذُ قدومي إلى الغرب، لا تحدث لي سوى أشياء ممتعة وجميلة، وأظُن أنني أصبحتُ مدلّلةً بسببك. فكلما حدث هَذا، تتزاحم في رأسي أفكارٌ لا داعي لها.”
“أيُّ نوعٍ مِن الأفكار؟”
“لا أعرف إنْ كنتَ تعلم، لكن عائلتي—أعني عائلة البارون لوبيز، وليس عائلة الماركيز دوبون—أبي، أمي، وأخي الأصغر، هم أناسٌ مزعجون جدًا لأسبابٍ مختلفة. كنتُ أكرههم في طفولتي وحتى بعد زواجي… لكن…”
إيمريك لَمْ يُجب، بل راح يربّت بخفةٍ على ظهر يدها الممسكة بيده، وكأنه يقول: مهما كان، فلا بأس.
“لا أعلم إنْ كنتُ بلا مشاعر، لكن كلما تذكرتهم أشعر بالاشمئزاز، وفي نفس الوقت أقلق عليهم قليلًا. رغم ما يُقال إنْ عدم وصول الأخبار يعني أنْ كل شيء على ما يُرام…”
ترى، كيف سددوا ديونهم؟
هل يُعقل أنْ جميع أفراد العائلة، ما عداي، قد طُردوا إلى الشوارع أو تم بيعهم في مكانٍ ما؟
‘لو أنْ عائلة البارون قد أعلنت إفلاسها، لكان أصحاب الديون أرسلوا إليّ أوراقًا يحاولون مِن خلالها تحصيل المال بأيِّ وسيلة.’
فمعلومات أولئكَ الذين يتجمّعون بدافع الطمع في تحصيل المال تفوق كل التصوّرات. سواء كانت ليتيسيا في العاصمة أو في الغرب، إنْ وقع مكروهٌ فبالتأكيد كانت ستستلم مذكرة تحذيريةٍ باسمها.
ولأنها لَمْ تستلم مثل تلكَ الأوراق منذُ وصولها إلى الغرب، فقد شعرت بالارتياح مِن جهة، لكنها كانت قلقةً مِن جهةٍ أخرى بسبب طول فترة انقطاع الأخبار.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 36"