“دعيني أرى… بايوليت، حتى أنا العجوز أرى أنْ كلام المساعدة ليتيسيا صحيح. حتى لو كانت الكلمات مختلفةً قليلًا، فهي مرادفاتٌ تحمل المعنى ذاته، أليس كذلك؟”
عندما كانت ليتيسيا تُحسن التصرّف بهدوء وتُواجه كلمات المشتكي الجارفة بالمنطق، كان السحرة الآخرون – غير المتسببين بالمشكلة – يوافقون على تفسيرها بصمت، مِما يُشكّل ضغطًا غيرَ مُباشر على المُشتكي نفسه.
فمعظم السحرة، مثل ليتيسيا التي ترتجف مِن الكلام غير المنطقي، يكرهون الأقوال غير المنطقية إلى حدّ النفور منها.
ولَمْ يكُن هَذا هو كل شيء، بل كانت ليتيسيا تملكُ موهبةً فائقة في تنسيق المستندات.
فالأوراق المُخصصة للجنة تسوية النزاعات كانت تتحول تحت يديها إلى مستنداتٍ مرتبة وواضحة.
“هَذا المستند… أنتون، هل أنتَ مَن كتب هَذا حقًا؟”
“نعم؟”
“لقد أدرجتَ جداول ورسومًا بيانية في الداخل، مِما سهّل عملية المقارنة. فهمتُ تمامًا ما تُريد قوله.”
“آه… المواد أنا مًن قدّمتها، لكن يبدو أنْ المساعدة التي ساعدتني في إجراءات التقديم هي مًن عدّلت التنسيق.”
وقد انبهر أحد السحرة الكبار في لجنة تسوية النزاعات بجودة التنسيق، حتى أنه قصد المكتب الإداري بنفسه.
“مًن هي المساعدة الجديدة التي وصلت مؤخرًا؟”
“مرحبًا، أنا ليتيسيا.”
“أيتُها الفتاة، بدلًا مِن أنْ تُرهقي نفسكِ مع الحمقى هُنا، ما رأيكِ أنْ تُصبحي مساعدتي الخاصة؟ سأقدّم لكِ عرضًا أفضل مِن عرض الدوق غارسيا!”
ثم أعلن هَذا التصريح الجريء بصوتٍ لا يقل عزيمةً عن الشباب، مِما أدهش كل مَن في المكتب الإداري.
خاصة كارينا، التي كانت قد تلقت مناشداتٍ خاصة مِن سيد الغرب الأول والثاني، إيمريك وجيرارد، فقد شحُب وجهها فجأةً وكأنها تحوّلت إلى مريضة.
‘يا سيد دوسيا! هل تنوي قتلي بهَذهِ الطريقة…؟!’
لَمْ يمر نصف نهار حتى وصل الخبر إلى آذان نائبة سيد البرج.
“تشه، هَذا الرجل سيُشوى قريبًا.”
وبعد نصف يومٍ آخر، وصل الخبر إلى آذان إيمريك.
فوووش
احترق ذراع الكرسي الذي كان يستند عليهِ إيمريك على الفور.
كان الأثاث مِن صنع حرفيٍّ مُخصص لأغراض الدوق نفسه، لكنه لًمْ يصمُد حتى ثلاثة أشهر.
“هل يعني هَذا أنْ البرج الأحمر أعلن الحرب على دوقية غارسيا؟”
أما جيرارد، الذي كان جاثيًا أمام إيمريك، فقد شحُب وجهه تمامًا كما حدث مع كارينا في الصباح.
“اهدأ، يا صاحب السمو. هَذا مُجرد رأيٍّ شخصي تمامًا مِن أحد السحرة، وليس مِن سيد البرج أو نائبه!”
“لكنه عضوٌ في مجلس الشيوخ الذي يُدير شؤون البرج الأحمر ويتخذ قراراته.”
“لكن، كما تعلم جيدًا، السيد دوسيا شخصٌ يفتقر إلى اللباقة ويتحدثُ بلا تفكير!”
“وهَذا يعني أنْ كلامه نابعٌ مِن قلبه، أليس كذلك؟”
“هل تنوي إصابتي بارتفاع ضغط الدم عمدًا؟!”
رُبما لأنه تذكّر أنْ إليوت كان قد تقدم بسرعةٍ لخطبة ليتيسيا وسلبها منه، فإنًّ هالته القاتلة بدت واضحةً أكثر مِن المعتاد.
لَمْ يكُن مزاحًا. فقد بدا جيرارد وكأنهُ على وشك أنْ يلفظ أنفاسهُ الأخيرة، مِما دفع إيمريك لتهدئة نفسهِ قليلًا.
“هممم، لَمْ أُرسلها إلى البرج الأحمر لأرى هَذا المشهد…”
“مهما حاولت، لَن أستطيع أنْ أفهمكَ، يا صاحب السمو!”
فهو مخلوقٌ يستطيع، متى ما أراد، أنْ يكسر عنقه ويستخرج أحشاءه بلحظةٍ واحدة.
فَمِن منظور الساحر الأعظم، كان جيرارد – أقوى مساعديه – لا يتجاوز هَذا المستوى.
[هل تريدُ أنْ تعيش كإنسانٍ أم كوحش؟]
وعند التفكير بذَلك، لَمْ يكُن قول سيد البرج الأحمر خاطئًا.
فالساحرٌ رفيع المستوى يجبُ أنْ يتحكم بنفسه وفق قوانينٍ صارمة إنْ أراد أن يُعامل كإنسان، لا كوحش.
“ما الذي لا تفهمه في كلامي؟”
“تقول إنكَ تُريد أنْ تنال الآنسة ليتيسيا الاعتراف والدعم في حالات الطوارئ، أليس كذًلك؟ وهي تُحقق ذَلك الآن، لذا بدأت تصلها عروضٌ كالتي تلقتها.”
“لكن تكوين الحلفاء شيء، والاستقطاب شيءٌ آخر.”
ثم تمتم إيمريك كمَن يشكو حاله.
“أتظن أنني أفعل هًذا لأنني أرغبُ فيه؟”
“…يا صاحب السمو.”
بدأ صوت جيرارد يختنق ببعض الرطوبة. نعم، فإيمريك أيضًا لَمْ يكُن يرغب أنْ يكون شخصًا صعب الطبع…
“في الحقيقة، ما أتمناه هو أنْ أُبقيهت محبوسةً في مكان لا يراها فيه أحد، ولا يلمسها أحد، وأنْ تُبقي عينيها عليّ فقط.”
‘لقد كنتُ أقلق بلا داعٍ، فعلاً. كما يقول المثل، لا داعي للقلق بشأن التاجر، أو الإمبراطور، أو الشيطان.’
وفيما كان جيرارد يُعجب بحكمة الأجداد، واصل إيمريك كلامه.
“لكنها ليست عادية في ذكائها. لو تصرفت وفقًا لرغباتي، فستُفلت مِن يدي وتطير بعيدًا في أيِّ لحظة، أليس كذَلك؟ لذَلك أكتفي بمراقبتها وهي تفعل ما تشاء، بشرط ألا تتجاوز حدودي.”
ورغم أنْ كلام إيمريك كان مرفقًا بشرحٍ لطيف على غير عادته، إلا أنه لَمْ يبدُ مقنعًا.
رُبما بسبب اختلاف مدة معرفته به وبليتيسيا، أو رُبما لأسبابٍ أخرى…
فجنون التملك والانحراف الكامن خلف ابتسامة إيمريك اللطيفة لَمْ يكُن جديدًا، بل يُمكن تخيله بسهولة.
لكن هل تستطيع ليتيسيا حقًا الهرب منه إنْ أرادت ذَلك؟
‘رغم أنني أعترفُ بذكائها…’
“لماذا تُرهق عقلكً بمثل هَذهِ الأمور البسيطة؟ على الأقل أمامها، أنا الطرف الأضعف. بل وأخسر دائمًا، مِن طرفٍ واحد.”
آه، لقد كانت لحظة إدراكٍ مفاجئة مِن جديد.
حدّق جيرارد في إيمريك بوجهٍ بدت عليه علامات الذهول.
صحيح، لو أراد إيمريك، لكان بإمكانهِ أنْ يحبسها في عالمه الخاص متى شاء.
لكن السبب الوحيد الذي يمنعه مِن فعل ذَلك… هو أنْ ليتيسيا لَمْ تكُن مِن النوع الذي يقبل بمثل هَذا الوضع بسهولة. كانت لتفضّل أنْ تموت جفافًا على أنْ تظلّ أسيرةً لإجبار وتملك إيمريك.
ورغم أنْ إيمريك يُمكنه تحمّل حقدها وكرهها، إلا أنه لا يستطيع تحمّل موتها، ولذا إنْ رغبت في الرحيل، فلَن يكون أمامه خيارٌ سوى تركها.
“يا صاحب السموّ.”
“لماذا؟ هل بدأتَ تشفق عليّ الآن؟”
“كلا، حتى لو انشقّت السماء إلى خمس قطع، وانقسمت الأرض إلى آلاف الشظايا، فلَن أشفق عليكَ أبدًا.”
قال جيرارد ذَلك بلهجةٍ حازمة على غير عادته، ثم أضاف:
“بما أنكَ تتظاهر بالطيبة على أيِّ حال، ألًن يكون مِن الأفضل أنْ توسع صدرك قليلًا؟”
رفعت نائبة سيد البرج جسدها الثقيل وتوجه إلى مكان الضجة.
برج الحكماء، حيثُ يقيم كبار السحرة والعجائز مِن القدماء.
مباني البرج الأحمر كانت مصمّمةً لتكون مقاومة للحرارة لا مثيل لها في القارّة، نظرًا لكونهِ مقرًّا للسحرة المُتخصصين في سحر اللهب، حيث كانت الحرائق تنشبُ لأسبابٍ تافهة أثناء التدريب أو البحث أو حتى الجدال البسيط.
لهَذا السبب، أقام كبار سحرة البرج الأحمر حواجز سحرية مقاومة للنار في كل برج على مدى قرون، ما جعلهم قادرين على احتواء معظم النيران بسرعة.
ولكن حتى مع تلكَ الحواجز، فإنَّ الطابق الأوسط مِن برج الحكماء، حيث يقيم دوسيا العجوز، كان يشتعلُ بشدةٍ الآن.
“ما هَذا بحق الجحيم؟!”
“مَن الأحمق الذي تسبّب بهٍذهِ الفوضى هُنا؟!”
فزع السحرة مِن أماكنهم واندفعوا إلى الخارج، لكن عندما رأوا الشعر الفضي المتطاير وسط الهواء الساخن والعينين الحمراوين المتوهجتين ببريقٍ مرعب، خمدت ثورتهم تدريجيًا.
“همهم، مضى وقتٌ طويل، يا صاحب السموّ الدوق.”
“مرحبًا، أكنتُ صاخبًا قليلًا؟ لا بأس، سينتهي الأمر قريبًا، فأرجو أنْ تنتظر قليلًا.”
إيمريك، الذي لَمْ يظهر منذ سنوات، بدا أجمل مِن ذي قبل كفارسٍ وقع في الحب، ونيرانُه بدت أكثر شراسةً كذَلك. والدليل؟ دوسيا العجوز، أحد أقوى سحرة البرج الأحمر، تحوّل إلى كتلةٍ مِن الفحم الأسود.
“هل وصل إلى نوعٍ مِن التنوير في ساحة قتال بين الحياة والموت؟”
“كيف تمكّن مِن حرق جسدهِ بهَذهِ الدقة؟”
راقب السحرة النيران الجميلة والمتوحشة للحظة، ثم انسحبوا واحدًا تلو الآخر بعد تبادل النظرات فيما بينهم.
نظر دوسيا إلى السحرة المتناثرين كقطع الزجاج المُحطّم، فشعر بخيانةٍ عميقة.
‘أيُها الخونة عديمو الوفاء! أهَذهِ هي نهاية مستقبل البرج الأحمر؟!’
ثم اشتعل المكان مِن جديد بنيرانٍ قوية، مخلفةً آثارًا سوداء كثيفة على الجدران والأبواب. وحتى مع أدقّ ضبط للطاقة السحرية، لَمْ يكُن بالإمكان تفادي مثل هَذهِ الآثار.
“يبدو أنْ مهارتكَ قد تطوّرت أكثر، يا صاحب السموّ.”
رغم أنْ مَن يقف أمامه هي نائبة سيد البرج المعروف بصعوبتها، فقد اكتفى إيمريك بابتسامةٍ هادئة وهزّ كتفيه.
“كنتُ أريدُ أنْ أتناول كوبًا مِن الشاي معك بعد زمنٍ طويل. وقت الغداء مُناسب، أليس كذلك؟”
“لهَذا السبب، للأسف لا أستطيع. لديّ أمرٌ عليّ القيام بهِ فورًا.”
“أوه، مِن النادر أنْ يرفض أحدٌ دعوتي. لكن بما أنْ مَن رفض هو دوق غارسيا، فلا بأس. هل ستكون متاحًا بعد الغداء؟”
“إنْ كنتِ حقًا ترغب في رؤية وجهي الجميل، فلا مانع.”
وبعد إنهاء حديثهِ القصير مع ميتيليونا، توجّه إيمريك نحو برج الضيافة وهو لا يزال بكامل أناقتهِ، مرتديًا بدلته البيضاء النظيفة كما كان حين وصل إلى البوابة.
وقد جهّز يديه، بل ومساحته السحرية بالكامل، بالعديد مِن الأشياء.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 31"