كانت مائدة العشاء لهَذا اليوم فاخرةً وغنية أكثر حتى مِن مائدة الأمس. وبما أنَّ جميع الأطباق كانت لذيذة، لَمْ يبدُ مِن الصعب أنْ تبدأ في زيادة كميات الطعام التي تتناولها تدريجيًّا.
“تجوّلتُ بعد الظهر في القصر الشرقي والقصر الجنوبي على سبيل التنزّه، وقد رأيتُ أيضًا صورةً شخصية لك في القصر الشرقي.”
“أليست النسخة الأصلية أفضل بكثير؟”
“شعرتُ بذَلك لوهلة وأنا هُناك، لكن عندما أعدتُ التفكير لاحقًا، بدت مهارة الرسّام ليست سيئةً على الإطلاق.”
“نعم؟ إذًا، لو اضطررنا لرسم صورةّ شخصية لكِ لاحقًا، هل نوكله بذَلك؟”
“لا، سأبحثُ عن شخصٍ آخر.”
وأثناء تناول الطعام بهدوء، تحدّثت ليتيسيا عن انطباعاتها حول جولتها في القصر الشرقي والجنوبي، بينما قدّم إيمريك شرحًا موجزًا عن الوحوش التي مِن المستحيل رؤيتها في العاصمة أو محيطها.
“كما تعلمين، رغم أنَّ الغرب يعجّ بالوحوش أكثر مِن الوسط، إلّا أنّه بسبب التفاهمات القذرة في السياسة والسلطة، لا يُمكن للوحوش أنْ تتواجد في المدن المركزية مثل غراديل أو ما يحيط بها، ولهَذا، فبالنسبة لسكان هَذهِ المناطق، لا توجد الوحوش إلّا في الكتب ككائنات خرافية.”
وهَكذا سيكون الحال بالنسبة لكِ أيضًا في المستقبل.
“عندما يُنهي سحرة البرج الأحمر عملهم في القضاء على الوحوش، قد يُدرك المرء فقط مدى وحشية تلكَ المخلوقات مِن آثار الدمار التي خلفتها.”
“هل المناطق البعيدة تتعرّضُ لأضرارٍ جسيمة بسبب الوحوش؟”
“قد يبدو الأمر كأنني أتباهى، لكن منذُ أنْ أصبحتُ دوقًا، انخفضت تلكَ الأضرار كثيرًا. فالمدن المتوسطة والصغيرة قادرة على الصمود لبعض الوقت، مِما يتيحُ لي ولِسحرة البرج الأحمر التدخل بسرعة للحد مِن الخسائر، لكن القرى التي لا ترقى حتى لمستوى مدينة صغيرة تواجه صعوبةً أكبر.”
ثم انتقل الحديث إلى عقد العمل.
“بالنسبة إلى العقد، بعد أنْ أمعنتُ النظر فيه، فهمتُ سبب ثقتكَ الكبيرة به.”
“أليس كذَلك؟ الآن لَمْ تَعُدي تكرهينني لأنني أجبرتكِ على صعود الجبل، أليس كذَلك؟”
“لا، ما زلتُ أكرهُكَ، لكن أقل.”
“همم، لعلّ المال كان قليلًا. لا بد أنّكِ سمعتِ بهَذهِ المقولة مِن قبل: إذا لًمْ يُحلّ الأمر بالمال، فتحقّق مِما إذا كان المبلغ كافيًا.”
“وكم يلزمُكِ إذًا، يا زميلتي؟”
“هيه، لا داعي. مهما أضفتَ مِن أموال، فإنّني سأظل أشعر بالحنق تجاه اختبار اللياقة البدنية، لذا فإنَّ شروط العقد الحالية تُعتبر الطريقة الأكثر كفاءة لتقليل استيائي بأقل تكلفة.”
قالت ليتيسيا وهي تزمّ شفتيها قليلًا.
“نعم نعم، مِن وجهة نظر صاحب العمل، هَذا أمرٌ مُفرح.”
“بالمناسبة، لديّ أمرٌ آخر أرغب بالحصول على إذنكَ بشأنه فيما يخص الاستعداد للاختبار. الجبل الخلفي، هل هو ملكيّةٌ خاصة تابعة لقصر الدوق غارسيا؟”
“نعم، لقد تمّ تسجيله كملكيّة خاصة منذُ بناء قصر الدوق.”
“هل يُمكنني البدء في التدرّب على صعوده ونزوله تدريجيًّا ابتداءً مِن الغد؟”
عندما سمع إيمريك طلبها، تذكّر بسرعة حالة الجبل الخلفي.
هو جبل لَمْ يكُن خطرًا منِ الأساس، لكن مِن الأفضل أنْ أفحصه مُجددًا الليلة.
“حسنًا، سأخبر الحرس بذَلك. لكن لا تذهبي في أوقاتٍ متأخرة، ولا تصعدي وحدك. ليكن معكِ ماريانا أو مييل على الأقل.”
“لكن ذَلك سيكون مُزعجًا لهما…”
“ماريانا أو مييل تملكان لياقةً بدنية أفضل منكِ، لذا سيكون الأمر سهلًا عليهما. ثم إنّهما رافقتاكِ لهَذا النوع مِن المساعدة بالتحديد، وأنا أقدّمهما لكِ مع معاملة مناسبة تمامًا.”
رغم أنَّ صوته ظلّ خفيفًا، إلّا أنَّ تعبيرات إيمريك كانت جادةً للغاية، مِما جعل ليتيسيا تومئ برأسها موافقة.
“حسنًا، فهمت. آه، لديّ طلبٌ آخر أيضًا.”
“تفضّلي، تحدّثي براحة.”
“هل مِن الممكن أنْ أحصل على بياناتٍ حول إنتاج المحاصيل الزراعية في الغرب، وهيكل الصناعات، وسلع التصدير والاستيراد، والإيرادات الضريبية؟ وإنْ لَمْ يكُن ذَلك ممكنًا بسبب عدم استلامي منصبًا رسميًّا بعد، فلا بأس.”
“أحبُّ حماسكِ. سأطلب مِن دييغو تجهيز ذَلك. مِن المفترض أنْ يُسلمكِ إياها غدًا أو بعد غد.”
“شكرًا جزيلًا!”
“لسببٍ ما، يبدو أنْ ملامحكِ الآن أكثر إشراقًا منذ قدومكِ إلى القصر. لا تُخبريْني، هل كنتِ مدمنة عمل؟”
قال إيمريك وهو يتظاهر بالذعر بشكلٍ مبالغ فيه.
“هاه، صحيح أنني أحبُّ العمل، لكن لا إلى درجة أنْ أُوصف بالإدمان.”
“لكن حاسّتي التي شحذها توظيف العديد مِن المساعدين تخبرني شيئًا واحدًا: هَذهِ الفتاة مدمنةٌ بحق.”
وعلى خلاف الأمس حيث لَمْ يُسمع أيُّ صوت، فإنَّ جوّ غرفة الطعام منذُ لحظة دخولهم وحتى خروجهم كان مفعمًا بأحاديث هامسة وضحكات وأجواء ودّية.
“أترى؟ أليست الأمور تبدو مختلفة؟”
“إنَّ رؤية الدوق وهو يخصّص هَذا القدر مِن وقته للآخرين أمرٌ غير مسبوق.”
همس الخدم الذين كانوا يراقبون الوضع في القاعة بنظراتٍ غريبة.
***
بعد شهر، ستجتاز اختبار اللياقة البدنية، وتُصبح مساعدة دوقية في قصر الدوق.
استيقظت ليتيسيا في الصباح الباكر، على غير عادة سائر الفتيات النبيلات أو السيدات الرفيعات. لَمْ يكُن هَذا بالأمر المستجد، فقد اعتادت على ذَلك منذُ أيام دراستها في الأكاديمية، حيث كانت تتنافس على المركز الأول أو الثاني، وكذَلك حين كانت زوجة ماركيز.
“بما أنني أُجيدُ القيام بمعظم الأمور بنفسي، فلا داعي لأن تستيقظا مبكرًا بسببي. مساعدتكما لي في فترة ما بعد الظهر والمساء كافية تمامًا.”
رغم محاولة ليتيسيا ثنيهما، فإنَّ كلًّا مِن ماريانا ومييل استيقظتا مبكرًا مثلها وانتظرتا أوامرها.
في قصر الماركيز، لَمْ تكُن لتنال هَذهِ المعاملة إلا بعد مرور فترةٍ طويلة مِن الوقت، وبعد أنْ أصبحت السيدة الشرعية للمنزل.
أما موظفو قصر الدوق، فكانوا جميعًا نشيطين ولطفاء إلى درجة جعلت ليتيسيا تشعرُ ببعض الحرج.
مارست ليتيسيا رياضة الصباح مِن خلال التنزه بخفة في حديقة القصر الرئيسي. وعلى الرغم مِن دفء الظهيرة المشابه لفصل الربيع، كانت ترتدي فستانًا سميكًا وشالًا بسبب برودة الصباح الباكر والمساء التي تُشبه برد الشتاء.
وبعد انتهاء تنزّهها، كانت تتناول الفطور الذي تُحضره لها ماريانا ومييل إلى غرفة نومها، ثم تقرأ الكتب أو تُراجع الوثائق التي يسلّمها لها دييغو.
‘كنتُ أُخمِّن الأمر مسبقًا، لكن التحقق مِن الأرقام في الوثائق عزّز قناعتي أكثر.’
مِن منظورها كإدارية، حدّدت ليتيسيا مشكلتين أساسيتين يُعاني منهما الغرب.
‘أولًا، هُناك اعتمادٌ مفرط على عائلة الدوق غارسيا وبرج السحر الأحمر!’
في أيِّ منطقة، كانت قوة أو ضعف الحاكم أمرًا بالغ الأهمية.
فعلى سبيل المثال، لو سقط ماركيز دوبون، فإنَّ إقطاعيته لَن تظل على حالها. ستنكمش الزراعة والصناعة والتجارة، وستتراجع الإنتاجية، وسيتكاثر اللصوص، وتزداد التهديدات مِن الأراضي المجاورة.
‘ومع ذَلك، طالما لا يتفشى وباء يصعب السيطرة عليه أو تنشب حرب بين الإقطاعيات، فستستمر حياة الناس بشكلٍ أو بآخر.’
غير أنْ الوضع في الغرب كان مختلفًا بعض الشيء. فقد يتحوّل إلى أرضٍ غير صالحة للسكن إنْ اختلّ التوازن.
‘لو حصل أيُّ خللّ كبير في عائلة غارسيا أو برج السحر الأحمر، فسيصعُب التصدي فورًا لحركات الوحوش. ناهيك عن التهديد المستمر مِن القبائل الهمجية المحاذية، التي يجبُ أيضًا الحذر مِن غاراتها وسلبها.’
حتى لو افترضنا أنْ إيمريك يُمسك بزمام الأمور جيدًا في هنا، فإنَّ برج السحر الأحمر – حسب ما ورد في الوثائق – كان مكانًا غريبًا بحق.
‘كم عدد النزاعات التي تنشب هُناك في اليوم الواحد؟ هل كل السحرة المنتسبين للبرج مُجرد مشاكسين؟’
وكانت أسباب النزاعات متعددة، لكن جوهرها كان يدور حول:
‘نتائج هَذا البحث السحري أنا مًن أعلن عنها أولًا، أو أنا مَن اخترع هَذهِ الأداة السحرية أولًا… حوالي 70% مِن النزاعات تتعلق بحقوق الملكية الفكرية!’
كان لا بد مِن إيجاد وسيلةٍ لتنظيم هَذا الوضع.
مِن أجل سلام البرج، ومِن ثم سلام الغرب بأكمله.
‘ومع أنْ الأمر يعود إلى الظروف المناخية، إلا أنْ هُناك مناطق كثيرةً تعاني مِن صعوبة في الحصول على المياه.’
لذا كانت الزراعة صعبة في عددٍ كبير مِن المناطق، مِما جعل الحبوب تُمثّل نسبة كبيرة مِن الواردات. وهَذا يعني أنْ معدل الاكتفاء الذاتي مِن الغذاء كان منخفضًا.
‘في المقابل، أغلب صادرات الغرب كانت مِن الأدوات السحرية التي يُنتجها البرج. وإذا تعمقنا في الأمر، فسنجد أنْ هَذهِ المشكلة مرتبطةٌ أيضًا بالمشكلة الأولى.’
ولو أردنا تشبيه حال الغرب بعد تحليل الوثائق، فكان يُشبه مريضًا مُصابًا بخراجات ضخمة في أنحاء جسده، وقد صادفه طبيبٌ الآن.
‘سأحاول حلّها واحدةً تلو الأخرى. وإذا اجتزت اختبار اللياقة البدنية، فسيتم تعييني في الشؤون الإدارية لبرج السحر الأحمر، لذا يجبُ أنْ أبدأ بالتفكير في كيفية تقليل النزاعات مِن خلال تفقد الوضع على الأرض.’
وبينما كانت تُرهق ذهنها بهَذهِ الأفكار، كانت تشعرُ بالجوع عند اقتراب وقت الغداء.
فتتوجه سيرًا إلى مطعم القصر الشمالي، مستغلةً المسافة كرياضة.
“مرحبًا، طاب مسائك!”
وبعد أنْ اعتادت تحية الطهاة وكل مَن تصادفهم وهي تقترب، بدأ البعض بعد نحو أسبوعين يردّ التحية ويُبادر بالكلام.
“مرحبًا، آنسة. طبق اليوم الرئيسي هو عجة البيض الغنية بالفطر والجبن!”
“أوه، أنا أحبُ هَذا النوع مِن العجّات كثيرًا!”
وبعد أنْ تُنهي طبقها الذي أصبح ممتلئًا أكثر مِما كان في اليوم الأول، تصعد الجبل الخلفي برفقة ماريانا ومييل.
وبعد ساعات مِن الصعود والنزول، تعود مُرهقةً لتستحم وتستريح قليلًا، قبل أنْ يحين موعد العشاء.
إلا إذا كان إيمريك مشغولًا جدًا، فإنَّ العشاء عادةً ما يكون برفقته.
في البداية، كانت ليتيسيا تخشى أنْ يُثير قضاءها كل هَذا الوقت معه حقد الآخرين أو غيرتهم.
‘لكن الحديث مع سينيور ممتعٌ للغاية لدرجة لا يُمكنني رفضه لهَذا السبب فقط…’
كانت الأحاديث الخفيفة مع إيمريك – بشخصيتهِ المرحة والمازحة دائمًا – وأحيانًا النقاشات الجادة بينهما، بمثابة نسمةٍ منعشة تُكسر رتابة الحياة اليومية.
[رُبما لأنكِ ما زلتِ في عمرٍ تحملين فيهِ أوهامًا عن الرجال السيئين، لكنّ الرجل اللطيف والحنون هو الأفضل دائمًا.]
تمامًا كما أخبرها إيمريك في اليوم الأول عند قدومها إلى القصر. الرجل الذي يتمتع بشخصيةٍ دافئة، لعوب، وثرثار سيكون مُناسبًا أكثر للعيش معه.
‘مَن ستتزوج إيمريك في المستقبل وتُصبح دوقة، ستكون امرأةً محظوظةً بالفعل.’
وبالمصادفة، علمت مِن خلال حديث بينهما أنْ إيمريك لا يفكر أبدًا في الارتباط أو الزواج في الوقت الحالي.
وهَذا يعني أنْ زواجه سيحصل بعد مرور وقتٍ طويل، وربما كثير جدًا.
وإنْ حدث واختفى هًذا الشخص الذي يُمكنها الحديث معه بكل راحة، فقد تشعرُ بوحدةٍ شديدة لبعض الوقت.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 23"
ما تخافي رح يضل يحكي معك لانك رح تكوني انت زوجته