ربطت ليتيسيا، التي اعتادت رفع شعرها عندما كانت زوجة الماركيز، شعرُها الأسود على شكل ذيل حصانٍ أنيق، وارتدت ملابس مرتبةً لاستقبال جيرارد. وبأجواءٍ منعشة، وجّهت إليّه حديثًا بنبرةٍ فيها تحدٍّ.
“حتى بعد استخدم لفيفة السحر للذهاب إلى الغرب، إذا لَمْ نتوصّل إلى اتفاقٍ مُرضٍ، فقد أرفضُ المنصب. فهل الدوق مستعد لتحمّل هَذهِ الخسارة ومع ذَلك يأخذني إليه؟”
“بالطبع.”
أجاب جيرارد دوّن لحظة تردّد.
كان يعلم جيدًا أنْ سيده، إيمريك، سيوافق بابتسامةٍ عريضة على أيِّ طلبٍ تطلبُه ليتيسيا.
مهمته كانت فقط إيصالها إلى الغرب، وما بعد ذَلك فإيمريك سيتكفّلُ بها. فهو شخصٌ عنيدٌ للغاية، لا يتنازل أبدًا عن هدفهِ حتى يبلغه.
لقد شهد جيرارد فشلهُ مرةً واحدةً فقط، وكان ذَلك أشبه بمزحةٍ مِن القدر.
‘في ذَلك الوقت، كان حظ إليوت دوبون جيّدًا فحسب. أما الآن، فيبدو أنْ اتجاه الحظ قد تغيّر.’
“حسنًا، سأذهبُ إلى الغرب… بعد أنْ أنهي بعض المهام الصغيرة.”
“هل يُمكنني مساعدتكِ في شيء؟”
“بالطبع. أودّ أنْ أتفادى أنظار الناس أثناء قضاء بعض المهام، وأتمنى أنْ تساعدني. جيرارد، أنتَ ساحرٌ أيضًا، أليس كذَلك؟”
طُعنةٌ لطيفة وجهتها ليتيسيا بابتسامةٍ هادئة، لكنها كانت حادةً بما يكفي.
“…كيف علمتِ؟ لا أذكر أنني استخدمتُ السحر أمامكِ.”
“بما أننا سنتوجه إلى الغرب سويًا، فسأخبرُكَ بأنني أستطيع استشعار الطاقة السحرية. يبدو أنْ السحرة الأقوياء لديهم رائحةٌ مميزة، إنْ صحّ التعبير.”
“يا له مِن أمرٍ مُفاجئ. يا آنسة، كلما رأيتُكِ، ازددتِ دهاءً.”
“كل ما أستطيع فعله هو الاستشعار فقط، أما السحر فلا أفهمُ منه شيئًا.”
“مَن يدري؟ قد تكونين موهوبةً في السحر أيضًا. مِن الأفضل أنْ تجري فحصًا لتوافق المانا في البرج الأحمر.”
بمساعدة جيرارد، غيّرت ليتيسيا لون شعرها إلى البني وعدّلت تسريحتها. وقد أصبح مِن الصعب على مَن لا يعرفها أنْ يتعرّف عليها كزوجة الماركيز مِن الصحف.
وغيّر جيرارد لون شعرهِ مِن الأسود إلى الأشقر أيضًا. بهَذهِ التعديلات البسيطة في المظهر، زارا معًا مكتبة، ثم بنكًا، وأخيرًا المحكمة.
في المكتبة، اشترت ليتيسيا كتابًا يشرح باختصار مناخ وجغرافيا وقائمة بمنتجات القارة. وفي البنك، أنهت إجراءات حسابها البنكي.
أما في المحكمة، فقد أعدّت أوراق الطلاق مع ترك خانة توقيع إليوت فقط، وأودعتها لمدة سنة.
باستخدام سحر التسريع، تمكّنا مِن الإفلات مِن التتبّع، وتوجّها إلى زقاقٍ ناءٍ عن الأنظار.
رغم أنفاسها المتقطعة، بدت ليتيسيا أكثر نشاطًا مِن الأيام السابقة. وحين رأى جيرارد حيوية وجهها ولمعان شعرها، أعطاها لفيفة الانتقال.
“بمُجرد تمزيق هَذهِ، ستنتقلين إلى منزلٍ آمن ضمن دوقية الغرب. السحر الآني غير مُستقر مقارنةً ببقية أنواع السحر، لذا مِن المهم أنْ تكون هُناك إحداثياتٌ ثابتة.”
عندما مزّقت ليتيسيا اللفيفة، غمرها ضوءٌ أبيض.
أُغمضت عيناها لا إراديًا، وشعرت بأنَّ جسدها ارتفع عن الأرض، ثم تلت ذَلك آلام وانقباضات جعلتها تشعرُ وكأنها تُعصر مثل قطعة قماش.
‘هل هَذا ما قصده عندما قال إنَّ الأمر يتطلب لياقةً بدنية؟’
لحُسن الحظ، لَمْ يدم ذَلك العذاب طويلًا. وما إنْ شعرت بأنَّ قدميها تلامسان الأرض مِن جديد، فتحت عينيها.
أُصيبت بدوارٍ خفيف، لكنه لَمْ يكُن مؤثرًا على حركتها.
كان المكان الذي وصلت إليّه أشبه بمخزنٍ فارغ، بلا أثاثٍ أو أدوات. وكأنهُ موجودٌ فقط ليكون موقعًا للانتقال.
ثم سمعت صوت فتح باب الغرفة المُجاورة، مِما يعني أنْ جيرارد قد وصل هو الآخر بسلام. ففتحت باب غرفتها وخرجت.
“آنستي، هل أنتِ بخير؟”
“نعم، لدي بعض الدوار البسيط.”
“إنْ لَمْ يختفِ الدوار بعد فترة، فلا تتردّدي في إخباري أو إخبار أحدٍ غيري.”
كان المنزل الآمن في قلب مدينة غرادل، عاصمة دوقية الغرب، ويبدو كمنزلٍ عادي.
وما إنْ خرجت برفقة جيرارد، حتى استقبلتُهما شمس الغرب الساطعة والهواء الجاف المُميز.
“مرحبًا بكِ في قلب الغرب، مدينةُ النار غرادل.”
قالها جيرارد بنبرةٍ مرِحة.
قرأت ليتيسيا في الكتب أنْ مباني غرادل مبنيةٌ بالطين الأحمر والطوب، لذا، في وقت الغروب، حين يُنظر إليّها مِن الجبال المحيطة، يظهر مشهدٌ يليق بلقب مدينة النار.
“العاصمة غارقة في الخريف، لكن يبدو أنْ هَذهِ المدينة لا تزال عالقةً في الربيع.”
لَمْ يكُن الجو حارًا كالصيف، ولا باردًا كخريفٍ قارس. كانت الحرارة مُناسبة حتى بفستانٍ خفيف، لذا خلعت ليتيسيا الشال عن كتفيها ووضعتهُ في حقيبتها الصغيرة.
لَمْ تكُن ملابس المارّين في الشوارع تختلف كثيرًا عن ملابسها، فقد كان الجميع يرتدون أزياء خفيفة كما لو أنّهم في يومٍ ربيعي.
“هَكذا يكون الطقس في النهار، لكن في الليل قد يكون أبرد مِن أوائل الشتاء. لذا لا يجبُ خفض حرارة الغرفة كثيرًا قبل النوم.”
كان جيرارد، ابن الغرب، يقود الطريق بوجهٍ أكثر ارتياحًا.
وكانت ليتيسيا أيضًا تشعرُ براحةٍ أكبر مِمّا كانت عليه أثناء تجوّلها في شوارع العاصمة. فهي هُنا غريبةٌ لا يعرفها أحد، وفي غياب المجتمع الراقي، لَن يكون هُناك مَن يتهامس أو يوجّه أصابع الاتهام نحوها.
“تفضّلي، تفضّلي بالصعود.”
رافق جيرارد ليتيسيا إلى عربة قصر غارسيا، التي كانت متوقفةً بهدوء في مكانٍ مُخصّص لتأجير العربات.
كانت عربةً كبيرة وفخمة، لا يستقلّها عادةً سوى الدوق نفسه أو أحد أفراد عائلته المُباشرين. وقد أُرسلت خصيصًا مِن قصر الدوق لتكون في انتظارهم عند وصولهم.
“يا لهُ مِن استقبالٍ فخم.”
“هَذهِ مُجرد بدايةٍ بسيطة لا أكثر.”
ما كنت أتساءل عنه فعلًا… هو كيف تغيّر شكل قصر الدوق الآن.
كتم جيرارد الكلمات التي كادت تفلتُ مِن شفتيه مرارًا وتكرارًا.
فما لَمْ يهمس لها أحدٌ بذَلك، فَلَن تعرف ليتيسيا أبدًا.
كم كان إيمريك مُتحمّسًا ومضطربًا حين وصلهُ تقريرٌ صغير يُفيد بأنَّ ليتيسيا تفكّر بإيجابيةٍ في الذهاب إلى الغرب.
وبحسب ما قاله دييغو، فقد انشغل إيمريك بإعداد الغرفة التي ستُقيم فيها ليتيسيا، وقام بجولة تسوّقٍ محمومةٍ طالت جميع المتاجر في الحيّ التجاري. ولَمْ يكتفِ بذَلك، بل صار يُكرّر على موظفيهِ صباحًا مساءً وجوب معاملة الضيفة، أو بالأحرى “مَن ستكون فردًا مِن العائلة قريبًا”، بكُل لطفٍ.
ولحُسن الحظ، نظرًا لما يتمتع بهِ إيمريك مِن حُسن معاملة وثقة بين موظفيه، لَمْ تظهر شكاوى تُذكر. لكنّ الأجواء كانت مُشبعةً بالدهشة: مَن تكون هَذهِ الضيفة التي جعلت الدوق العظيم يفقدُ صوابه هَكذا؟
مرّ نحو ثلاثين دقيقة منذُ بداية رحلتهم بالعربة.
‘حين رأيت قصر الماركيز لأول مرة، ظننته ضخمًا جدًا…’
لكنّ القصر الدوق كان أضخم مِن ذَلك بكثير. فقد ظهر أمامهم بناءٌ هائل لا يقلّ في حجمه عن القصر الإمبراطوري في العاصمة.
كان قصرًا أبيضَ ناصعًا يلمعُ بوضوح، كأنّه لا يعبأ بالتناسق مع المباني الأخرى في المنطقة.
بينما كانت ليتيسيا تُحدّق في القصر وقد أسَرَ بصرها، وصل إلى أذنيها صوتُ جيرارد وهو يشرح.
“خلافًا للمناطق الأخرى، يتعرّضُ الغرب لأضرارٍ كثيرة بسبب العواصف الرملية.”
تتراوح الأضرار بين تعذّر زراعة المحاصيل بشكلٍ سليم، وارتفاع عدد المُصابين بأمراض الجهاز التنفسي، وصعوبة الحفاظ على مظهر المباني والملابس.
“لهَذا السبب، نادرًا ما تُبنى مبانٍ بيضاء هُنا باستثناء المعابد، لكن قصر الدوق غارسيا شُيّد منذُ البداية بالطوب والمواد البيضاء.”
ورغم مرور سنواتٍ طويلة، حافظ القصر على مظهرهِ الأبيض الناصع.
“والسبب في ذَلك أنَّ عائلة الدوق غارسيا عائلةٌ سحرية عريقةٌ عبر الأجيال.”
كان الدوق الأول، الذي استقرّ في الغرب، ساحرًا بارعًا. ومنذُ ذَلك الحين، واصل الدوقات إنجاب سحرةٍ بارعين جيلاً بعد جيل…
“أما الدوق الحالي، فهو مِن بين أفضل ثلاثة سحرةٍ عظماء في تاريخ عائلة غارسيا، بل في تاريخ برج السحر الأحمر نفسه.”
لقبُ الساحر العظيم ليس لقبًا يُمنح لأيٍّ كان. فعادةً ما يُستخدم فقط للإشارة إلى رؤساء أبراج السحر في القارة.
وبالتالي، فإنَّ نشر تعويذة حفظٍ تغلّف القصر بأكمله لَمْ يكُن مهمةً صعبةً على سيد هَذا القصر، بل مُجرد أمرٍ مزعجٍ فحسب. ولَمْ يكُن القصر الأبيض، الذي لَمْ يتغيّر شكله طوال هَذهِ السنين، أقلّ مِن كونهِ معلمًا مِن معالم الغرب.
“فهمتُ… ولكن، ما الذي يحدُث هُناك؟ ثمة حشدٌ صغير عند بوابة القصر.”
“ماذا؟”
رفع جيرارد حاجبيهِ باستغرابٍ لسؤال ليتيسيا، ثم وجّه حديثه إلى السائق.
“أيّها الفتى، مَن هَذا الذي يقف أمام البوابة؟ هل هو كبير الخدم، سايمون؟”
“آه، أعتقد أنَّ… الدوق نفسه هُناك.”
كان صوت السائق يرتجف قليلًا، مِما أثار دهشة جيرارد وليتيسيا على حدٍّ سواء.
‘هل مِن المعقول أنْ يخرج بنفسهِ لاستقبالنا، ونحن لسنا مِن العائلة الإمبراطورية؟’
بصراحة، كانت ليتيسيا تظُن أنَّ مُجرّد التمكن مِن الحديث مع إيمريك في نفس اليوم سيكون أمرًا حسنًا.
فلا ينبغي أنْ تُقارن مكانة الدوق بمكانة غيرهِ مِن نبلاء الإمبراطورية. فعلى الأقل في هَذهِ المنطقة، يُعدّ الدوق بمثابة الملك.
وهَذا يعني أنَّ جدول مواعيده سيكون مُكتظًا للغاية. خصوصًا أنهما لَمْ يتمكّنا مِن تحديد وقت وصولهما بدقة بسبب الأعمال التي اضطرا لقضائها. وبما أنَّ الوقت لدى إيمريك أغلى مِن الذهب، فقد توقّعت أنْ يُؤجَّل لقاؤهما للغد.
لكنّ العربة ما لبثت أنْ توقّفت.
وحين نزلت ليتيسيا مع جيرارد، كانا أوّل ما وقعت أعينهما عليهِ هو إيمريك، مرتديًا زيه ُالأبيض البراق، واقفًا في مقدمة الاستقبال.
وبسبب خروجهِ شخصيًا، كان أغلب سكان القصر قد خرجوا أيضًا لاستقبالها. لَمْ تحظَ بمثل هَذا الاستقبال حتى حين وطأت قدماها قصر الماركيز دوبون بصفتها سيّدته.
“أُحيّي الدوق العظيم.”
“لقد مرّ وقتٌ طويل، يا زميلتي.”
لوّح إيمريك بيده مجيبًا على تحية جيرارد بشكلٍ عابر، ثم التفت إلى ليتيسيا وابتسم لها ابتسامةً مشرقة.
ورغم أنّه تمييزٌ واضح، لَمْ يشعر جيرارد بالانزعاج مِن ذَلك.
‘أرجوك َتماسَك، ما زالت لَمْ توقّع عقد العمل بعد.’
كلّ ما كان يتمناهُ هو ألّا يفقد سيّده رباطة جأشه.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليغرام》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 15"