لم يكن يعلم من أين يبدأ تقريره.
تباطأت خطوات إيميت المتوتر، متردِّدًا بين إبلاغ سيّده أولًا بمرض السيدة إيسيل، أم إخباره بوجود الطفلة؟ لم يستطع ترتيب أفكاره.
في الرسالة، كُتب فقط أن السيدة إيسيل قد عادت، لكنها مريضة.
أمّا ما تبقّى، فكان أكبر من أن يُختصر في بضع كلمات.
لذلك، كان يحاول تنظيم ما سيُبلِغ به سيّده بطريقة واضحة.
لكن الأمر كان بالغ الأهمية، حتى إنه ظلَّ يسيرُ في مكانه ذهابًا وإيابًا لمدة ساعة دون أن يتمكّن من ترتيب أفكاره، لينتهي به الأمر بإطلاق تنهيدة طويلة.
مرض السيدة إيسيل، لم يكن مجرد مرض عادي، بل كانت مصابة بمرضين خطيرين.
ثم هناك الطفلة التي يجهل سيّده تواجدها، ناهيك عن قدراتها المذهلة.
يا له من أمر يدعو للتنهّد بلا توقف! لكن على الأقل، توصلوا إلى استنتاج مفاده أن السيدة إيسيل ستتحسّن، وهذا كان باعثًا للراحة.
“متى سيصل يا ترى؟”
رفع إيميت نظارته ونظر طويلًا نحو البوابة الأمامية.
لو كان الأمر بيد سيّده، لكان قد جاء مسرعًا دون توقّف، لكن بما أنه عائد في حملة قمع بعيدة، فقد كان من المفترض أن يكون قد وصل بالفعل.
مرّت خمسة عشر يومًا منذ عودة السيدة إلى قصر الأرشيدوق.
كان هناك تقدّم ملحوظ في علاج مرض وافورد، كما أن الآنسة لوسي بدأت تعتاد على الحياة في القصر، بفضل السيدين الصغيرين أيضًا.
لم يبقَ سوى عودة سيّده.
“آه، كما توقعت!”
عندما سمع وقع حوافر الخيل من بعيد، أومأ إيميت برأسه ونزل الدرج بخطوات سريعة.
“سيّدي!”
كانت حركات الحصان المضطربة تدلّ على مدى استعجاله.
لم يستطع إيميت الانتظار أكثر، فاستقبله أولًا، بينما كان الحارس الذي تبعه يتولّى أمر الحصان على الفور.
“أين إيسيل؟”
كما هو متوقّع، كان أوّل ما سأل عنه هو السيدة.
أخذ إيميت نفسًا عميقًا قبل أن يجيب.
“السيدة في الجناح الشرقي.”
توقّف آردين عن صعود الدرج للحظة.
مال برأسه قليلًا، وكأنّه يسأل: “لماذا هناك؟”
“لقد كان قرار السيدة.”
“هاه.”
تنهد آردين بعمق، وكأنّه لا يجد الأمر منطقيًّا، ما جعل إيميت ينكمش لا إراديًا.
“الطبيب ديرموت وأطباء آخرون يراقبون وضعها بالتناوب، لذا لم يكن هناك أي مشكلة. بالإضافة إلى ذلك…”
تردّد قليلًا قبل أن يُكمل.
“الآنسة لوسي رغبت بذلك أيضًا.”
“لوسي؟”
“آه، ابنة السيدة… أعني، ابنتك، يا سيّدي الأرشيدوق.”
“ماذا…؟”
توقّف آردين عن السير نحو الجناح مرة أخرى.
غرق في التفكير للحظة، ثم رفع يده ليمسّد عنقه بتعب.
حتى هو أدرك أن رحلة العودة كانت شاقةً للغايةِ.
أي شخص آخر كان سيستغرق عشرين يومًا على الأقل، لكنه قطع المسافة في أحد عشر يومًا فقط، مما جعل التعب يتراكم عليه.
كان عليه أن يبدّل الخيول في كل قرية وصل إليها، بل حتى ساعات نومه اختُزلت إلى الحد الأدنى.
لم يستطع الاطمئنان حتى يتأكد بنفسه من أن التدابير اللازمة قد اتُّخذت بعد سماعه خبر عودة إيسيل وهي مريضة.
لم يكن اسم المرض مذكورًا، لكن آردين كان لديه تخمين.
بما أنها تمتلك قدرة الشفاء، فلا بد أنه مرض النوم.
تمنى أن يكون مخطئًا، لكن عقله ظلَّ يفكر في أسوأ الاحتمالات.
طوال الطريق، كان يفكر في كيفية إبطاء تقدم المرض، وما الذي يمكن أن يقوله لكسب تعاطف المعبد، فقد يكون لديهم حلٌّ ما.
لكن طفلة؟
“هل هي حقًا طفلتي؟”
لم يستطع إلا أن يسأل.
لم يفعلها مع إيسيل سوى مرتين فقط… وقد مرت تسع سنوات منذ أن غادرت القصر.
احتمال أن تكون طفلته كان ضئيلًا للغاية.
لم يكن الأمر أنه لم يفكر في احتمال أن تكون قد التقت برجل آخر، لكنه كلما فعل ذلك، كان الغضب يجتاحه، فيتوقف فورًا.
فكرة أنها هجرته ثم التقت برجل آخر كانت كفيلة بجعله يضغط على أسنانه بغضب حتى الآن.
ألقى نظرة غير راضية على إيميت، الذي ابتسم له بكل هدوء.
“حين تراها، ستفهم ما أعنيه.”
كانت إجابة غامضة، مما جعله يقطب حاجبيه أكثر.
تنهد بحدة، ثم تابع سيره نحو الجناح المنفصل.
لو علم أنها نقلت للجناح المنفصل، لما وافق على هذا.
ألقى باللوم على اتساع القصر المبالغ فيه وهو يسرع خطواته.
“واو، لم أرَ هذه الزهرة من قبل! يوجد الكثير من الأزهار هنا!”
كان على وشك عبور الحديقة الصغيرة الملحقة بالجناح عندما سمع صوت طفلة.
كان الصوت صافيًا كتغريد الطيور، فدون وعي، التفت في اتجاهها.
فتاة صغيرة.
رأسٌ مستدير ذو شعر أسود، ويدان صغيرتان ممتلئتان تلوّحان نحو الخادمة.
توقف آردين لا إراديًا، منتظرًا أن تظهر بالكامل.
لم يعد يسمع تمتمات كبير الخدم بجانبه.
“آنسة، لقد أفسدتِ ملابسكِ مجددًا!”
ضحكت الطفلة بمرح، ثم نهضت وهي تنفض تنورتها.
“هاه…”
شعرٌ أسود معقود إلى ضفيرتين، وعينان أرجوانيتان لامعتان بشكل لافت.
الآن فهم لماذا قال إيميت إنه سيعرف فور أن يراها.
حتى برؤية جانبها فقط، أدرك آردين أنها الطفلة التي تحدث عنها إيميت.
لم يكن الأمر فقط أن إيسيل لديها طفلة، بل أن هذه الطفلة تشبهه إلى حدٍّ لا يصدق، وكأنه تلقى ضربة مفاجئة على رأسه.
نسي أمر لقاء إيسيل تمامًا، وعجز عن الحركة.
“ستفعلينها مجددًا على أي حال… آه! سـ… سيدي! أهلًا بعودتك!”
كانت ميلودي أول من لاحظ وجوده، فشهقت برعب وانحنت على الفور.
“من؟”
استدارت لوسي في الاتجاه الذي انحنت نحوه ميلودي.
كان هناك رجل طويل القامة وذو بنية ضخمة، واقفًا بجانب كبير الخدم إيميت.
“آه، إنه أبي.”
كان تعليقها عفويًا تمامًا، مما جعل آردين يزفر مرة أخرى دون وعي.
حتى الطفلة تعرّفت عليه بنظرة واحدة.
***
“جلالةُ الأرشيدوق، أقدِّم تحياتي. أنا لوسي.”
عندما نادته بـ “أبي”، ثم تصرفت ببرود وكأنه غريب حين اقترب منها، لم يستطع آردين سوى أن يميل برأسه قليلًا وهو يراقبها.
وحين رفعت الفتاة رأسها ونظرت إليه، عجز عن قول أي شيء.
شعر وكأنه يواجه نفسه في طفولته.
كانت تشبهه عندما كان في الخامسة أو السادسة من عمره، باستثناء أن شعرها كان أطول، وملامحها أكثر نعومة.
في ذلك العمر، كان آردين يعيش في قصر الدوقية، حذرًا من نظرات الأرشيدوقة ووالده.
ومع ذلك، كان يجد بعض التسلية في اللعب والتحدث مع الخادمات اللطيفات.
تمامًا مثل هذه الطفلة.
“هيا، لندخل.”
“…حسنًا.”
كان ردها حادًّا، وكأنها مستاءة من شيء ما، مما جعله يبتسم بخفة.
إنها تشبهه حقًّا.
تمامًا كما كان هو حين يُطلب منه التوقف عن اللعب والعودة إلى دروسه.
عندما وصلا إلى الجناح ودَنا من غرفة إيسيل، أخذ آردين نفسًا عميقًا على غير عادته قبل أن يفتح الباب.
لحسن الحظ، لم تكن الغرفة مشبعة بأجواء كئيبة كغرفة مريض في حالة حرجة.
ربما خضعت لجلسة علاج مؤخرًا، إذ كانت الخادمات منهمكات في تغيير المناشف المبللة ونقل الأواني، فارتبكن حين رأينه، وارتعشت أيديهن للحظة.
لكن آردين لم يلقِ لهن بالًا، بل ركز نظره على السرير فقط.
بدت أنحف مما كان يتذكر.
كان من الطبيعي أن تفقد الوزن بسبب المرض، لكن ذلك لم يمنعه من الشعور بالغضب تجاه الخدم، وكأنهم كانوا مقصّرين في رعايتها.
“هل هناك نقص في الأحجار السحرية؟”
“لا، سيدي. قال الطبيب ديرموت إن استخدام أكثر من ثمانية لن يُحدث فرقًا.”
إيميت، الذي كان يفهم سيده جيدًا، لم يتأثر بنبرة العتاب.
كان يعلم أنه مهما فعلوا، فسيشعر آردين بأن ما قُدّم لها لم يكن كافيًا.
“حتى حجر واحد كان كافيًا… لقد تحسنت كثيرًا بالفعل.”
جاء الرد هذه المرة من مصدر غير متوقع.
استدار آردين ناحية لوسي، التي أنهت جملتها بغمغمة صغيرة، وكأنه لم يعجبها ما سمع.
من الواضح أن إيسيل ربتها جيدًا، إذ لم تكن تتردد في قول ما تفكر به.
بل حتى أسلوبها يشبهه عندما كان في العاشرة من عمره.
تساءل… أين كانت تعيش مع إيسيل كل ذلك الوقت، وكيف كانت حياتهما؟
كان لدى آردين الكثير من الأسئلة، لكنه قرر أولًا التحقق من حالة إيسيل.
عندما رأى شحوب وجهها الخالي من أي لون، شعر وكأن قلبه قد سقط في الهاوية.
إن كانت هذه حالتها بعد تحسنها، فكيف تمكنت من الوصول إلى هنا؟
كان عليه أن يسمع الكثير من التفاصيل من إيميت.
ولكن قبل أي شيء آخر…
“إيسيل.”
ناداها آردين بصوت منخفض، ومرر يده برفق على وجهها.
لطالما بدت هشة وضعيفة، لكنه الآن شعر وكأن مجرد لمسها قد يؤدي إلى كسرها.
كانت حرارتها الخفيفة تخبره بأنها لا تزال على قيد الحياة، فتمسك بذلك الدفء الطفيف، ولم يرفع يده عن وجنتها.
بل انحنى نحوها أكثر، وكأنه يستمد بعض الطمأنينة من قربها.
“بالإضافة إلى مرض النوم، لديها أيضًا مرض وافورد. بشرتها حساسة، لذا عليك أن تكون حذرًا.”
صدح صوت لوسي بوضوح بعد أن تنحنحت قليلًا، مما جعل آردين يلتفت إليها، وهو لا يزال منحنيًا.
بدا صوتها وكأنه تحذير بألا يلمس والدتها.
لكن بدلًا من الشعور بالاستياء، تقبل آردين ذلك بصمت.
فهو لم يكن يملك الحق في الاعتراض، إذ لم يعلم بوجود ابنته سوى قبل لحظات فقط.
وفوق ذلك، كانت والدتها—التي تمثل كل شيء بالنسبة للطفلة—مريضة.
كان من الواضح أن لوسي تهتم بـ إيسيل كثيرًا، تمامًا كما يفعل هو.
ببطء، سحب آردين يده ووقف مستقيمًا.
“لم أسمع من قبل عن مرض وافورد.”
قال ذلك وهو ينظر إلى إيميت.
بالطبع، لم يُذكر له حتى مرض النوم، فقد كان مجرد استنتاج من جانبه.
لكن الواقع دائمًا ما يكون أقسى مما تتوقع.
إيسيل…
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات