رمشت لوسيليا بعينيها وهي تنظر إلى الصبية.  

 

تلك النظرات.  

 

‘وهذا الموقف.’  

 

لم يكن غريبًا. 

 

‘مثل الأطفال في قرية ميل تمامًا.’  

 

أومأ كوكي برأسه موافقًا على أفكار لوسيليا.  

 

[ظننتُ أن الأطفال المختارين سيكونون مختلفين، لكن يبدو أن الأطفال هم الأطفال. هؤلاء الصغار، من أين تعلموا هذا السلوك السيء!]  

 

‘بالضبط. بالتأكيد، نظراتهم مليئة بالعداء.’  

 

تلك النظرات الحادة كالسكاكين.  

 

هل لأنهم يمتلكون قدرات خاصة ويحظون بمعاملة مميزة في قصر الدوق الأكبر؟  

 

شعرت أن هؤلاء الأطفال يحملون شعورًا بالتفوق المشوه.  

 

كانت النظرات التي شعرت بها وهي تنزل من غرفتها إلى الطابق الأرضي مشابهة إلى حد كبير.  

 

‘كانوا يبدون متفاجئين عند رؤية مي، ثم تصبح نظراتهم حادة عندما يرونني.’  

 

خاصة الأطفال المختارين.  

 

لم تكن نظرات الخدم ودودة تمامًا، لكن نظرات الأطفال كانت حادة بشكل خاص.  

 

‘كان يجب أن أسأل مي لماذا يحدقون بي هكذا.’  

 

لكن مي كانت مرحة للغاية، فلم تستطع إثارة الموضوع.  

 

‘هل هذا تنافس بين الأطفال المختارين من النخبة؟’  

 

لكنني لم أفعل شيئًا بعد؟  

 

لم تمر سوى ليلة واحدة منذ وصولها إلى القصر.  

 

لم تظهر أي قدرات مميزة، وكل ما تلقته كان بعض الفساتين والقلادة وبضعة إكسسوارات، وهي دعم يحصل عليه الجميع.  

 

‘لم أفعل شيئًا يجذب الانتباه، ولن أفعل ذلك في المستقبل.’  

 

كان هدف لوسيليا واضحًا.  

 

الحصول على ما يمكنها من عائلة الدوق الأكبر، تطوير قدراتها إلى أقصى حد، ثم الاستقلال.  

 

لم يكن لديها أي رغبة في التنافس أو التغلب على أحد.  

 

لم تكن تريد منصب الوريث، ولا حتى حب الأب.  

 

لذلك، لم تكن هذه المواجهات مرحب بها على الإطلاق.  

 

نهضت لوسيليا بلامبالاة ونفضت الغبار عن فستانها.  

 

‘الفستان الذي اختارته مي…’  

 

شعرت بألم في قلبها أكثر من ألم كفيها المجروحتين وهي تنظر إلى الغبار والكشكشة الممزقة.  

 

ومع ذلك،  

 

‘سأتحمل.’  

 

لقد قررت أن تعيش بهدوء وبعمر طويل.  

 

‘إنها أول نزهة رسمية في القصر، لا أريد إثارة ضجة منذ الآن.’  

 

تنهدت لوسيليا باختصار وفتحت فمها:  

 

“آسفة، يبدو أنني عرقلت طريقكم.”  

 

هيهي، ابتسمت لوسيليا ببراءة وهي تلتصق أكثر بالعمود.  

 

“هيا، مرّوا.”  

 

لكن الصبية ضحكوا بسخرية، وظلوا واقفين في مكانهم، وبدأوا يوجهون الانتقادات إلى لوسيليا.  

 

“تبدو غبية. هل هذه حقًا مختارة؟”  

 

“لولا هذا الفستان، لما ميزتها عن الخادمات. آه، ربما ألبسوا فستانًا بالخطأ لفتاة دخلت كخادمة.”  

 

“هل تمتلك قدرة خاصة حقًا؟ هل يمكن العثور على القدرات في القمامة هذه الأيام؟”  

 

ضحك الصبية وهم يتحدثون فيما بينهم.  

 

“……”

 

صرّت لوسيليا على أسنانها بقوة.  

 

‘تحملي.’  

 

هم من دفعوها لتسقط، وكفاها المجروحتان تؤلمانها، وسيل الاستهزاء والسخرية الصبيانية ينهمر عليها.  

 

‘لكن لا يمكنني الغضب من أطفال في العاشرة من العمر.’  

 

أنا الأخت الكبرى. عقليًا.  

 

بالطبع، كانت مجرد ذكريات حياتها السابقة، وعمقها وصبرها لم يتجاوزا جسد فتاة في الثامنة.  

 

لكن دعيني أتحمل الآن.  

 

‘هذه الإهانات لا شيء مقارنة بما سمعتُه في قرية ميل.’  

 

رفعت لوسيليا زاوية فمها بصعوبة وابتسمت.  

 

في تلك اللحظة، تقدم الصبي ذو الشعر الأحمر في الوسط وقال:  

 

يبدو أنه زعيم المجموعة.  

 

“يا، أنتِ. هل تضحكين حتى بعد سماع هذا الكلام؟”  

 

“..…”

 

لأنه إذا لم أضحك، سأنفجر بالشتائم، أخفت لوسيليا أفكارها وفتحت فمها:  

 

“ما زلتُ لم أتأقلم مع الحياة في القصر… أريد أن أكون صديقة لكم. لا، حتى لو لم نكن أصدقاء، لا أريد القتال هكذا.”  

 

“آه، لذا كنتِ مختبئة مثل فأر؟ لأنكِ لا تريدين القتال؟”  

 

“فأر…؟”  

 

يبدو أن كلمة “فأر” أثارت ضحك الصبية الآخرين، فضحكا بصوت عالٍ.  

 

أنزلت لوسيليا نظرها لتتفقد ملابسها وبشرتها.  

 

كانت ترتدي فستانًا مزينًا بعناية وبشرتها نظيفة.  

 

لو قيل لها “فأر” قبل دخولها القصر، لكانت قبلت ذلك.  

 

لكن لوسيليا الآن مغطاة بكل الأشياء “الثمينة” والباهظة من عائلة الدوق الأكبر.  

 

‘مي بذلت جهدًا كبيرًا لتزينني.’  

 

كيف يجرؤون على التقليل من جهود مي.  

 

ومع ذلك، سأتحمل.  

 

من أجل حياة طويلة وهادئة في القصر.  

 

أليس من يتحمل ثلاث مرات ينقذ حياة إنسان؟  

 

‘لذا سأتحمل ثلاث مرات.’  

 

لأنها في القصر، الحياة الطويلة والهادئة مهمة، لكن إذا كنت سأعيش كما في قرية ميل، فما المعنى من دخول القصر؟  

 

دفعوها لتسقط دون اعتذار، سخروا منها ووصفوها بالغبية، وقللوا من جهود مي بكلمة “فأر”.  

 

‘الآن تحملت ثلاث مرات.’  

 

لا مزيد من الفرص، أيها الصغار.  

 

في تلك اللحظة، فتح الصبي ذو الشعر الأحمر فمه مرة أخرى:  

 

“سأسألكِ سؤالًا واحدًا. ما الحيلة التي استخدمتيها؟”  

 

“حيلة؟”  

 

“ما الحيلة التي فعلتيها مع سمو الدوق الأكبر ليضعكِ في الطابق الخامس فور وصولكِ؟”  

 

“……”

 

لماذا ذكر الطابق الخامس؟ ما الذي يعنيه هذا؟

 

من الوضع، يبدو أن غرفتها في الطابق الخامس ليست غرفة عادية.  

 

‘يا للمشكلة.’  

 

تحولت مخاوفها التي تجاهلتها إلى واقع.  

 

في الحقيقة، شعرت لوسيليا بالقلق منذ أن فتحت عينيها في القصر.  

 

بسبب ما قالته مي.  

 

-“عادة، من يتم اختيارهم من النخبة يخضعون لفترة تحقق لا تقل عن شهر.”  

 

-“لكن موافقة سمو الدوق الأكبر جاءت في ليلة واحدة.”  

 

لذا تفاجأ الجميع في القصر.  

 

‘إنهاء الإجراءات بسرعة أكبر من الآخرين، وكون غرفتي في الطابق الخامس…’  

 

بدأت تخشى أن يحدث ما كانت تخشاه.  

 

‘هل يمكن أن تكون قدرتي مميزة بشكل خاص؟’  

 

مميزة بما يكفي ليمنحونني الطابق الخامس بهذه السهولة؟!  

 

ظهرت أسئلة كثيرة، لكنها لم تعرف الإجابة الصحيحة.  

 

‘لا يمكن أن يكون الأمر ذلك. لا يمكن أن تكون قدرتي مميزة…’  

 

الأشياء المميزة مخصصة للأبطال فقط.  

 

حاولت لوسيليا تهدئة أفكارها المعقدة، وابتسمت ببراءة للصبي:  

 

“لا أعرف. استيقظتُ وكنتُ هناك. لم يشرح لي أحد، فكيف أعرف؟”  

 

“كاذبة.”  

 

“لستُ كاذبة. إذا لم تصدقني، دعنا نذهب إلى سمو الدوق الأكبر.”  

 

“…ماذا؟”  

 

ابتسمت لوسيليا بوضوح وقالت:  

 

“الأفضل أن ننهي سوء الفهم هذا بسرعة. دعنا نسأله مباشرة. أليس كذلك؟”  

 

نظر الأطفال الثلاثة المذعورون إلى بعضهم البعض.  

 

“ليست غبية، بل مجنونة؟”  

 

“حسناً، لا أحد عاقل يقول شيئًا كهذا.”  

 

فجأة، أمسكت لوسيليا بيد الصبي ذي الشعر الأحمر وابتسمت بحرارة:  

 

“هيا! دعنا نمسك الأيدي ونذهب ونسأل مباشرة! ما الحيلة التي فعلتها لتجعل سمو الدوق الأكبر يوافق؟ أنا أيضًا فضولية جدًا!”  

 

إذا أُزيل سوء الفهم هذا، دعنا نطلب من سمو الدوق الأكبر وجبة خفيفة لذيذة! 

 

وإذا كان لديه وقت، دعنا نطلب منه اللعب معنا! أضافت لوسيليا.  

 

تراجع الصبي المذعور وسحب يده بسرعة.  

 

“أنتِ، مجنونة!”  

 

“ماذا؟ لماذا تهرب؟ هيا، دعنا نذهب. دعنا نزيل سوء الفهم هذا معًا، أليس كذلك؟! قلتُ إنني لا أريد القتال معكم. أريد أن نكون أصدقاء!”  

 

“ابتعدي!”  

 

عندما لم تتراجع لوسيليا بل اقتربت، رفع الصبي يده نحوها في ذعر.  

 

آه! تقلصت كتفاها للحظة، لكنها سرعان ما حدقت في الصبي بعيون متوهجة.  

 

‘هيا! اضربني إن استطعت! لقد نشأتُ أُضرب يوميًا من سكير بالغ، هل أخاف من طفل مثلك؟’  

 

في تلك اللحظة،  

 

أُمسكت يد الصبي في الهواء.  

 

“مهلًا، هذا لا يصح، أيها السادة الصغار!”  

 

كانت مي.  

 

ظهرت مي وأمسكت بمعصم الصبي الشرير.  

 

شعرت لوسيليا بالراحة دون وعي، بينما شحب وجه الصبي عندما رأى مي.  

 

“مي، مي؟!”  

 

“نعم، بالضبط! أنا مي!”  

 

أجابت مي بابتسامة مشرقة، ثم سارت نحو لوسيليا.  

 

“…هل أنتِ مصابة؟”  

 

“لا، أنا بخير. كدتُ أن أُصاب، لكن مي أنقذتني.”  

 

“آسفة لتأخري، آنستي لوسيليا.”  

 

هزت لوسيليا رأسها.  

 

“لا، لا يهم. لم يحدث شيء كبير.”  

 

“……”

 

عندما قالت لوسيليا إنه لم يحدث شيء، تحولت نظرة مي إلى كفيها المجروحتين.  

 

“بالفعل، الآنسة لوسيليا طيبة القلب، على عكسي.”  

 

ماذا؟ بينما كانت لوسيليا ترمش بسرعة، ابتسمت مي واستدارت نحو الصبي ذي الشعر الأحمر.  

 

“وأنتَ، السيد تيسيان. من الأفضل أن تحترس بكلامك. لم يمر نصف يوم منذ رفع الحظر عنك، سيكون محرجًا إذا تكرر هذا.”  

 

إذن اسمه تيسيان.  

 

حدقت لوسيليا في الصبي ذي الشعر الأحمر بحدة.  

 

‘سأتذكركَ جيدًا.’  

 

صاح تيسيان بغضب وهو يفرك معصمه الذي أمسكته مي:  

 

“ماذا فعلتُ؟! هل ضربتها؟ هل قتلتها؟! لماذا كل هذه الضجة؟!”  

 

“يا إلهي، لو لم أوقفكَ، لكنتَ ضربتها، أليس كذلك؟”  

 

“……”

 

“والآنسة لوسيليا الصغيرة الهشة ربما كانت ستموت من ضربة واحدة منك.”  

 

“ماذا؟”  

 

“لا، بل كانت ستموت بالتأكيد. الآنسة لوسيليا فقاعة صابون.”  

 

“ما، ما هذه الفقاعة؟”  

 

نظرت مي إلى تيسيان بهدوء وواصلت:  

 

“العنف والقتل. ألا تعرف؟ كنتَ على وشك ارتكاب الاثنين. هذا هو المهم.”  

 

“لا، ليس صحيحًا! هي من بدأت—”  

 

“بدأت؟ حسنًا، دعنا نتحقق من بدأ المشكلة من البداية.”  

 

احتضنت مي لوسيليا بحذر كما لو كانت تتعامل مع مزهرية ثمينة.  

 

“بالطبع، شخص هش مثل فقاعة الصابون لم يكن ليبدأ المشكلة.”  

 

“……”

 

فقاعة صابون مرة أخرى.  

 

‘أنا لستُ ضعيفة لهذه الدرجة…’  

 

لكن تلك الكلمات لم تكن مزعجة. 

 

شعرت وكأنها محمية، مما جعل صدرها يدغدغ.  

 

كما لو أن فقاعات الصابون تطفو فعلًا. 

 

بينما كانت لوسيليا تشعر بالخجل وتحرك شفتيها في حضن مي، واصلت مي حديثها:  

 

“لقد وصلت للتو إلى القصر. إذا حدث شيء لهذه الآنسة، فسيتم الإبلاغ إلى سمو الدوق الأكبر بالتأكيد. أنتم تعرفون ذلك جيدًا، فلماذا تفعلون هذا؟ هل تريدون حقًا رؤية غضب سمو الدوق الأكبر؟”  

 

فكرت لوسيليا وهي تنظر إلى مي التي تتحدث بابتسامة مشرقة:  

 

‘مي ليست طبيعية أيضًا.’  

 

قيل إن من يتم اختيارهم من النخبة يحصلون على سلطة تعادل لقب بارون في الإمبراطورية.

 

‘حتى لو كان لقب البارون أدنى الألقاب النبيلة، فهو ليس شيئًا يمكن لخادمة أن تتحداه أو تعترض عليه.’  

 

ومع ذلك، أوقفت مي يد تيسيان دون تردد وألقت كلامًا قد يزعجه.  

 

‘والأهم، ذلك المدعو تيسيان لا يستطيع التصرف بحرية مع مي.’  

 

بل يبدو أنه يحترس منها ويخشاها؟  

 

احتضنت لوسيليا مي بقوة أكبر ونظرت إلى تيسيان وابتسمت بسخرية.  

 

أنا لدي مي. وأنتَ لا تملكها، أليس كذلك؟