اختفت الدوقة الكبرى.
مع الطفل الذي في رحمِها.
أُثيرَتْ فوضى عارمة في عائلة الدوق، وأنطلقت قوة بحث ضخمة للعثور على الدوقة.
عاد الدوق الأكبر، الذي كان في ساحة المعركة، على عجل لينضم إلى فرقة البحث، لكن حتى بعد شهر من البحث المستمر، لم يُعثر على أي دليل أو أثر.
كانت الأمطار والثلوج تتساقط بالتناوب يومًا بعد يوم، مما جعل العثور على أي أثر أمرًا أكثر صعوبة.
وبعد مرور شهر آخر،
اكتُشفت الدوقة الكبرى لاديا ديكارت، أخيرًا، لكن ماعثروا عليه كان جثتها الهامدة.
في ليلة عاصفة تساقطت فيها الثلوج بغزارة غير مسبوقة، في غابة ليست بعيدة عن قصر الدوق.
و…
لم يكن هناك أي أثر للطفل الذي كان يفترض أن يكون معها.
* * *
بعد ثماني سنوات—
في قرية ميل، الواقعة في أقصى جنوب إمبراطورية سيراڤيوم.
أصبحت القرية الصغيرة الهادئة، لأول مرة منذ زمن، صاخبة ومفعمة بالحيوية.
“إذن، يا رئيس القرية، هل تقول إن سمو الدوق الأكبر أرسلَ فرقةً من النخبة التابعة لعائلة الدوق إلى قريتنا أيضًا؟”
“أجل، هذا صحيح! هل تعتقد أنني أعيش مخدوعًا طوال الوقت؟! ستصل الفرقة صباح الغد.”
تردد صوت رئيس القرية الواثق مرة أخرى بين السكان.
فاندفع أهل القرية المجتمعون في الساحة بالهتاف:
“ووواه!”
إلڤادين ديكارت، الدوق الأكبر.
الدوق الوحيد في إمبراطورية سيراڤيوم، وشخصية تحظى باحترام كل شعب الإمبراطورية.
كان يُشاد به كثيرًا كواحد من النبلاء الحقيقيين القلائل في الإمبراطورية، الذين يجسدون مبدأ واجبان النبلاء بأفعالهم.
وكان يُشتهر بشكل خاص بـ”فرقة الحماية” و”فرقة النخبة” التي أسسها من فرسان عائلة الدوق.
كانت فرقة الحماية تساعد شعب الإمبراطورية المحتاج في أنحاء البلاد، بينما كانت فرقة النخبة تجمع المواهب من كل أرجاء الإمبراطورية.
إذا اختير طفلٌ من قبل فرقة النخبة، فإن الطفل وعائلته، بل وقرية الطفل التي وُلد ونشأ فيها، ستحظى بدعم عائلة الدوق.
بالنسبة للعامة الذين يكسبون قوتهم يومًا بيومٍ، أو الذين يعيشون قلقين على لقمتهم طوال حياتهم، لم تكن هناك فرصة أعظم من هذه.
“أليس الدوق الصغير، الذي أصبح وريث عائلة الدوق الآن، قد انضم إلى عائلة الدوق عبر فرقة النخبة أيضًا؟”
“نعم، هذا صحيح. ألا يعني ذلك أن هناك أملًا لأطفالنا أيضًا؟”
في تلك اللحظة، بينما كان أهل القرية يتبادلون الحديث بحماس وأمل،
تقدم أحد السكان، الذي كان يستمع بهدوء، وسأل رئيس القرية:
“رئيس القرية، آمم…”
“نعم؟”
“ألا يجب علينا جمع كل أطفال القرية في الساحة عندما تأتي فرقة النخبة؟”
“صحيح، هذه هي القاعدة. لكن لماذا تسأل؟”
نظر ذلك الشخص إلى منزل ذي سقف أزرق داكن يقع بجوار مدخل القرية، ثم سأل مرة أخرى:
“وماذا عن تلك الفتاة؟”
“تلك الفتاة؟”
رفع رئيس القرية حاجبيه ونظر بدوره إلى المنزل ذي السقف الأزرق الداكن.
“آه…”
كأنه تذكر شيئًا، تغيرت ملامح وجه رئيس القرية إلى الكآبة.
“تلك الفتاة…”
عندما أطال رئيس القرية صمته، كرر السائل سؤاله:
“هل ستدعو تلك الفتاة أيضًا عندما تأتي فرقة النخبة؟”
“……”
أطبق رئيس القرية شفتيه بقوة، وهبت موجة من الهمسات في الساحة.
‘ماذا نفعل؟’
تلك الفتاة…
الطفلة التي ربتها العجوز التي تُلقب بساحرة جبل الشمال.
كانت تأتي إلى القرية أحيانًا مع العجوز بريولا، لكنها كانت تخاف شيئًا ما،
فتختبئ خلف العجوز، تُطل برأسها قليلًا ثم تعود للاختباء.
‘شعر بني رمادي شائع جدًا، وعينان بنيتان رماديتان.’
كانت ملامحها الدقيقة تبدو جميلة نوعًا ما.
لكن حتى هذا الجمال لم يترك انطباعًا قويًا بسبب غطاء رأس الذي كانت ترتديه دائمًا.
ثم توفيت العجوز بريولا، الساحرة.
اختار أهل القرية بالقرعة شخصًا ليتولى رعاية الطفلة، لكن الحظ لم يحالفها.
فقد وقع الاختيار على أكثر رجل في القرية عجزًا وشراسة ليكون أباها بالتبني.
ومضى عام على ذلك.
عاشت الطفلة مع أبيها بالتبني عامًا كاملًا، وما زالت غير قادرة على التكييف في القرية.
‘آخر مرة رأيتها فيها كانت قبل أسبوع.’
على الرغم من أن لها أبًا بالتبني، بدت وكأنها لا تحظى بأي رعاية.
ولم يهتم أحد في القرية بهذه الطفلة.
‘يا للأمر… لا أتذكر حتى عمرها أو اسمها جيدًا.’
هل يُعقل أن يكون الخرف قد بدأ يصيبني؟
‘ما كان اسمها إذن؟’
لو…سي؟ لوسي؟ لا، ليس هذا…
لوسيان، لوفيد، لومين، لارا، ليلي، لولو، لوسيليا…
‘آه، نعم، تذكرت!’
لوسيليا!
* * *
صباح اليوم التالي—
بدأ الثلج يتساقط منذ الفجر.
حملت لوسيليا سلة غسيل بحجم نصف جسدها، وسارت بين رقاقات الثلج بخطوات خفيفة نحو نهر على مشارف القرية.
كسرت الجليد المتجمد على سطح النهر، فظهرت تحته مياه صافية كالكريستال.
ربطت لوسيليا شعرها المتموج بإحكام، ثم أخرجت قطعة ملابس من السلة.
كانت قميصًا لرجل بالغ، يبدو أنه لأبيها بالتبني، سيليد.
“لا تظهري في القرية حتى تنتهي من غسل كل هذه الملابس! هل فهمتِ؟!”
في الليلة السابقة، عاد سيليد ثملًا بعد أن شرب كثيرًا، حتى أن رائحة الكحول النفاذة كانت تفوح من الملابس.
غطست لوسيليا القميص المتسخ في الماء وأخرجته كما اعتادت دائمًا.
ثم أمسكت بمطرقة الغسيل بيدها الأخرى وبدأت تدق الملابس.
طَـق، طَـق، طَـق، طَـق-
كانت ضرباتها ماهرة بشكل لافت لفتاة في الثامنة من عمرها.
وأثناء ذلك، همهمت بصوت ناعم ولطيف أغنية:
“رأس سيليد، رأس، رأس، قمة الرأس!”
استمرت في الدق على الملابس: الرقبة، الرقبة، الكتف، الكتف، الذراع، الذراع.
هل كان شعورها وهي تدق الملابس محمَّلًا بالعاطفة أم أنه مجرد وهم؟
ثم انتقلت إلى دق سروال سيليد بقوة حتى أوصاله، ثم توقفت عن الدق للحظة.
‘هل بالغتُ في وضع مشاعري؟’
لسبب ما، بدا القماش أكثر تمزقًا مما كان عليه في البداية.
‘حسنًا، لا يهم.’
فهو دائمًا في حالة سكر، فلن يلاحظ حتى لو تمزق سرواله، أليس كذلك؟
ثم وضعت المطرقة جانبًا بجانب قدمها، ورفعت يديها إلى فمها.
كانت أطراف أصابعها العشرة الصغيرة قد تجمدت وتحولت إلى اللون الأحمر القاني.
هو، هوو، هوو…
نفخت لوسيليا في يديها بقوة لتدفئتهما ولو قليلًا، ونظرت إلى كومة الغسيل المتراكمة عند قدميها.
‘أقوم بهذا العمل لأنه أجبَرني، لكن في الأيام التي أفكر فيها كثيرًا، الغسيل هو الأفضل حقًا.’
كانت المياه الباردة التي تجمد اليدين تساعد على صفاء الذهن، والدق المتكرر والبسيط يساعد على تنظيم الأفكار.
خاصة عندما تتخيل وجه شخص تكرهه وهي تدق الغسيل، فإن التعب المتراكم يتلاشى في لحظة.
بمعنى آخر، كان هذا العمل المنزلي مثاليًا لتنظيم أفكارها المضطربة بعد استعادة ذكرياتها.
نعم، استعادتها.
‘ذكريات حياتي السابقة.’
قبل شهر، في يوم ميلاد لوسيليا الثامن.
استعادت ذكريات حياتها السابقة فجأة، كما لو أنها هدية يوم ميلاد ألقاها إليها أحدهم.
بل إنها أدركت أيضًا أنها تسللت إلى عالم رواية قرأتها في حياتها السابقة.
‘وفي تلك الرواية، أنا…’
كنتُ الشريرة، للأسف.
شخصية مأساوية تُسيطر عليها الغيرة والحسد لأن والدها الحقيقي سُلب منها من قبل البطل، فتدفعه إلى حافة الموت.
‘بل إن الإمبراطور، بمجرد أن أصبح إمبراطورًا، جاء ليقتلني.’
اسمعوا…
جلست لوسيليا القرفصاء ونظرت إلى السماء بهدوء.
‘لا أطمح حتى أن أكون البطلة.’
في الرواية الأصلية، كم من الشخصيات الثانوية التي لم تُذكر حتى؟
لكن، لماذا، من بين كل الشخصيات…
‘أن أتجسد في شخصية مصيرها الموت المحتوم… أين الضمير؟’
حدقت لوسيليا في السماء التي لن تجيبها أبدًا.
تساقطت رقاقات الثلج الخفيفة بنعومة.
في تلك اللحظة:
[لوسي! لوسييي!]
طار ببغاء أصفر عبر رقاقات الثلج، ودار حول رأس لوسيليا بحركات دائرية.
[لوسي! لقد جئت! كوكي هنا!]
كوكي الجميل! كوكي المحبوب! يا للروعة! كوكي فعلها ببراعة!
تطاير في الهواء بحماس وهو يمدح نفسه، ثم هبط برفق على قمة رأس لوسيليا.
بأجنحته الصفراء وبطنه الأبيض الناصع، وعينيه السوداوين المستديرتين، وخديه المصبوغتين كأنهما محمرتان، وريشه البارز فوق رأسه الصغير بحجم الجوز كأنه تاج، كان طائرًا ساحرًا.
ليس فقط لأنه يبدو لطيفًا، بل لأنه يستطيع التحدث أيضًا، مما يجعله طائرًا مميزًا للغاية.
عيبه الوحيد هو صوته العالي قليلًا وكلامه الكثير…
‘لكن صوته يُسمع فقط في رأسي، لذا لا يهم كثيرًا.’
بمعنى أدق، كانت لوسيليا تسمع صوت كوكي في ذهنها.
لم يكن على كوكي أن يصدر صوتًا بصراخه، ولم تكن لوسيليا بحاجة إلى التحدث بصوت عالٍ.
كان بإمكان لوسيليا وكوكي قراءة أفكار بعضهما والتحدث عندما يريدان.
حرك كوكي منقاره الصغير:
[لقد استكشفت القرية كما أمرتني، لوسي! كنتِ محقة! هناك الكثير من الناس مجتمعون في القرية!]
“حقًا؟”
أومأ كوكي برأسه بسرعة.
[وكان ذلك الأب البغيظ بالتبني هناك أيضًا! كان مخمورًا منذ الصباح، يترنح وهو واقف! هذا الجشع الذي يهدر الطعام يجب أن يتعثر ويكسر أنفه!]
“……”
خرجت كلمات قاسية نوعًا ما من منقاره الأصفر الصغير.
‘حسنًا، الكلام الخشن مع المظهر اللطيف هو جزء من سحر كوكي.’
لا أعرف ممن تعلم هذا الكلام، لكن لوسيليا شعرت بالفخر بطريقة ما.
حثها كوكي مجددًا:
[علينا الذهاب الآن! شيء يُسمى فرقة النخبة قادم، وإذا تم اختياركِ، ستنقلب حياتكِ رأسًا على عقب!]
“هيا! هيا!”
طار كوكي مرة أخرى، وسحب طرف ثوب لوسيليا بمنقاره ليحثها على الإسراع.
أمسكت لوسيليا بكوكي الذي كان يتشنج وهو يمسك بثوبها، ووضعته على كتفها الأيمن.
“حسنًا، يجب أن نذهب.”
أجابت بهدوء، ثم أخرجت حقيبة قديمة ومتهالكة كانت مخبأة في قاع سلة الغسيل، وعلقتها على ظهرها.
كانت حقيبة جهزتها مسبقًا لأنها لا تعرف متى ستأتي فرقة النخبة.
‘الآن، سأودع هذه القرية المزعجة وذلك الأب البغيظ بالتبني إلى الأبد.’
وبينما كانت تسير نحو ساحة القرية، قالت بعيون مليئة بالعزم:
“هيا بنا! أنا سأغير حياتي، وأنتَ، يا كوكي، ستقلب حياتكَ الطائرية!”
“يييي!”
هتف كوكي بحماس وهو يطير في الهواء.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات