غطّت أذنيها غريزياً، بينما تصاعدت سحابة كثيفة من الغبار أمامها.
رمشت مذهولة.
‘برق سماوي…’
تلاشى أثر السيف في عينيها كوميض صاعقة صفراء.
وتلعثمت كلماتها وهي تتأخر لحظة عن لسانها:
“دو ون، هل أنت بخير؟”
لم تستطع أن ترى بوضوح من خلف الغبار، لكنها رأت ظهره ثابتاً كجدار، وكأنه يقسم أن أي أذى لن يصل إليها.
“نعم، آنستي.”
وحين انقشع الغبار، اتسعت عيناها دهشة.
ثلاثة أو أربعة من الرجال السود كانوا يتألمون ممسكين بأكتافهم أو بسيقانهم، وقد أصيبوا بوضوح.
‘أولئك أقرب المقرّبين منه… ومع ذلك صدهُم وحده؟’
رفعت بصرها إلى ظهر ها دو ون.
كان مظهره لا يزال نظيفاً خالياً من أي أثر لمعركة، على عكس خصومه.
‘دو ون… إنه مقاتل أعظم مما كنت أتصور.’
عندها فهمت لِمَ وصفه أحد رجال هاو مون سابقاً بأنه “صدئ السيف”.
لم يكن ذلك سوى كلام عابر للتقليل من شأنه.
أن تسمع عن مقامه شيء… وأن تراه بعينيك شيء آخر تماماً.
“لقد تجنّب هذه المرة الضربات القاتلة… لكن في المرة القادمة لن يكون كذلك.”
ارتجفت وجوه الرجال السود، فقد كان صوته البارد حاداً يخترقهم كسكين.
وتوترت كيم سول ها تحت هالةٍ تكاد تلسع جلدها.
“لستَ شخصاً عادياً، أليس كذلك؟”
ابتسمت كيم سول ها بسخرية وأخذت تتكئ على ساق واحدة.
“أحقاً تحتقرون تجّار كِم رين هكذا؟”
“آنستي…” تمتم ها دو ون.
“حتى لو تعرّضتُ للجفاء، فأنا ما زلت من دمائهم. أتظنون أنهم سيتركونني مع حارسٍ ضعيف؟”
مسحت بنظرها على الرجال واحداً واحداً.
“إن لم يكن في نيتكم قتلي، فلتخفضوا سيوفكم.”
لكن السيوف ما زالت مصوَّبة إليهما، فقهقهت بتهكّم:
“سيف لا يستطيع أن يقطع… لا ينبغي سحبه أصلاً.”
برقت في عينيها شرارة زرقاء.
“إن كان غروركم سيمنعكم حتى من العثور على الشخص المطلوب… فلِمَ لا تشعلون حرباً مع كِيم رين كاملة؟ لن أمنعكم.”
قبضت يدها في الخفاء وأطلقت وعيداً ببرود.
“يبدو أن لديكم وقتاً لتضييعه.”
“…….”
“أهذا ما جئتم من أجله؟ شجار تافه من أجل كبريائكم؟”
قهقهت وهي تسخر منهم.
فلولا قوة ها دو ون التي تسندها، لكان لزاماً عليها أن تنحني خاضعة.
‘لو كان الموقف خارج السيطرة، لحملني دو ون وهرب بلا تردد.’
بمعنى أن حياتها آمنة على أي حال، مهما ساءت الظروف.
‘لا يمكنني أن أضيّع هذه الفرصة.’
كان لا بد أن تستحوذ على زمام الموقف.
“ها دو ون.”
“لا يبدو أنهم ينوون قتلك. كانوا يسعون للسيطرة عليك فحسب، حتى وإن كلفهم الأمر إصابات.”
أومأت برأسها، ثم ركزت نظرها على أيديهم الممسكة بالسيوف.
لمحَت تحتها نقوشاً مألوفة.
‘إذن، لم أكن مخطئة… لقد جاؤوا للمكان الصحيح.’
لو كانوا مجرد مطاردين عاديين لقتلوه بلا رحمة.
‘أوغاد الطرق السفلية كلهم سواء.’
لقد كانوا متأكدين من أنه سيموت عاجلاً أو آجلاً، لذلك لم يكن عليهم الاستمرار في مطاردته بعد أن حصلوا على مرادهم.
***
“أنتم تملكون الترياق، أليس كذلك؟”
“……لا أفهم ما الذي تقولينه.”
“لا؟ إذن سيغادر سيدكم هذه الدنيا قريباً جداً.”
تصاعدت هالة قاتلة من بين الرجال السود، وبرزت عضلة الفك عند ها دو ون وهو يضغط أسنانه.
“كيف تجرؤون… وأمام من تجرؤون على اظهار هالاتكم القاتلة؟”
“دعهم وشأنهم. هم الآن في وضع يفقدهم صوابهم.”
حتى بمجرد حساب المدة التي سمعتها من السيدة بايك، كان واضحاً أنه لو كان رجلاً عادياً لمات منذ زمن بفعل السم.
“بدلاً من نفث القتل، أليس الأجدر أن تُخرجوا أي شيء ـ ولو نصف نافع ـ يمكن أن يساعد في التخفيف من أثر السم؟”
“لن نعطي شيئاً… قبل أن نرى السيد بأعيننا.”
بمجرد أن أنهى الرجل كلامه، أخرجت كيم سول ها شيئاً من صدرها ورمته.
طَق.
تلقفه أحدهم، ثم جمد في مكانه.
كان كيسَ عطرٍ جديداً ولامعاً.
غير أن أسلوب التطريز ونقش زهرة اللوتس عليه كانا مألوفين للغاية.
ارتسمت على شفتيها ابتسامة رضا وهي ترى تردده.
“أليس مألوفاً جداً؟”
“سيدي… أليس هذا نفس الكيس الذي كان سيدنا يخرجه أحياناً؟”
“لا، ذاك كان بالياً قديماً. أما هذا… فهو جديد.”
حين ارتجف وجه الرجل أدركت كيم سول ها أنها أصابت الهدف.
قد لا يعرفه البقية، لكنه يعرف.
“لا تقولي… هل السيد مع صاحبة هذا الكيس؟”
“نعم.”
“هل… هو بخير؟”
“إلى الآن.”
لم يجرؤ أحد على التدخل في هذا الحوار، فقد كان السؤال والجواب واضحين.
“لكن لا أحد يعلم ما سيحدث تالياً. فليس لدينا طبيب في جانبنا يتقن معالجة هذا النوع من السموم.”
“…….”
“ثم إن صاحبة الكيس نفسها عاجزة عن التحرك بسبب سيدكم.”
بدءا من السيدة هونغ و وصولًا إلى زوجة العم مو يونغ… الجميع يترقّب سقوط السيدة بايك لتقاسم النفوذ، لذلك لم تستطع تلك المرأة أن تتحرك بحرية.
“لهذا لم أرسل حمامة رسائل لا يُعرف إلى أين ستصل… بل جئت بنفسي.”
“ابنة كِيم رين، تأتي بنفسها لمجرد هذا؟”
“رغم مظهري، أنا ضيّقة الحيلة جداً هذه الأيام.”
رفعت كتفيها بخفة وهي تتصنع البرود.
“عليكم أن تشكروا أنني من تورّط. لا تجهلوا أن كِيم رين أحد أعظم ثلاث قوافل على وجه الأرض.”
“…….”
“لذلك أنصحكم أن تكفّوا عن حماقة الحديث عن تسلّق أسوارها. فذلك بيت ليس من السهل التلاعب به.”
لو كان الأمر ممكناً، لكانت هي وها دو ون قد تسلقاه منذ زمن.
“وكيف نثق بك؟”
نقرت لسانها باستياء.
يبدون أذكياء في فهم الوضع، لكن حذرهم عنيد.
خفضت بصرها إلى يديها الصغيرة.
‘هل السبب أنني ما زلت صغيرة جداً؟’
إن كانت تريد قلب الحكاية رأساً على عقب، فكلما كان البدء مبكراً كان أفضل.
لكن الصِغر المفرط… مزعج.
أمالت رأسها قليلاً وهي تنبش في ذاكرتها عنمعلومات ذكرت في الأصل.
لا بد أن هناك شيئاً يصلح للاستخدام.
“آه.”
انفلت منها همس قصير، ثم أشرق وجهها بابتسامة واثقة.
“هكذا سيكون الأمر أمتع، أليس كذلك؟”
جمد الرجال السوداء عند سماع العبارة.
كانت هذه… كلمة سيدهم المأثورة.
“ما الذي تقصدينه؟”
“أنتم صعبوا المراس… أليست هذه جملة صاحب الكيس؟ أنا أعرفه. أترون، لو كنت لم أقابله أبداً، فكيف لي أن أعرف عبارته وهو ملازم فراشه الآن؟”
في الحقيقة، لم تسمعها منه من قبل، لكنها كانت واثقة أنهم يجهلون ذلك.
فتظاهرت ببرود كامل.
وكان ذلك كافياً.
إذ تغيرت هالات الرجال، وبدأوا يُدخلون سيوفهم في أغمادها، بينما تقدم زعيمهم.
“يكفي، تفضلي ما لدي.”
توقف عند حدود حذر ها دو ون.
ثم أخرج من صدره علبة صغيرة ورماها نحوها.
مدّت كيم سول ها يدها، لكن ها دو ون سبقها وأمسكها.
فتح العلبة بحذر، وحين تأكد أنها لا تحوي خطراً، سلمها لها.
رائحة أعشاب طيبة انبعثت منها.
في الداخل كانت حبوب صغيرة مدوّرة.
تمتمت وهي تتأملها:
“سمعت أن الترياق الكامل غير موجود.”
“هذا دواء يساعد على معادلة السم. ومع قوة سيدنا الداخلية، سيكون كافياً.”
“أي أن الأمر غير مؤكد.”
رفعت عينيها بقلق خفي، وعضّت شفتها.
‘لقد تعهدتُ للسيدة بايك… فهل يكفي هذا حقاً؟’
لكنها تذكّرت: في الأصل، نجا ذلك الرجل من دون هذه الحبة.
‘صحيح… تركت ندبة بشعة، لكن حياته لم تزهق.’
إذاً فلا ضرر من المحاولة.
“سأبلّغه كما يجب.”
أعادت الدواء إلى صدرها، بينما مازال الرجال السود يراقبونها دون أن يغادروا.
“تحذير أخير… إن فكرتم في تسلق أسوار كِيم رين، فحينها سيكون سيدكم في خطر حقيقي. فلا تفكروا بسذاجة.”
“……أليس يكفي أن لا يُكتشف الأمر؟”
قهقهت بسخرية.
“قلت لكم… لن ينجح ذلك.”
♤♧♤♧♤♧♤
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 29"