اندفعت كيم سول ها إلى حضن ها دو ون.
شدّ ذراعيه القويتين حولها بإحكام، وانطلق بخفة كمن يطير فوق الأرض.
كانت عودتهما أسرع بكثير من خروجِهما.
لكن المشكلة كانت – كما خشي ها دو ون – في الدخول مجددًا إلى قلب مقرّ كيم رين.
“الهويّة.”
بكلمة مقتضبة رفع ها دو ون قبعة الخيزران التي أخفت وجهه.
فاتسعت عينا حارس البوابة تدريجيًا بدهشة.
“السيد ها؟!”
“نعم، هذا أنا.”
ظل الحارس يرمش بعينين مذهولتين وهو يمسك بدفتر تسجيل الداخلين، قبل أن يتردد بقلق.
“كنتَ حريصًا على إخفاء تحركاتك… هل تقبل أن يُسجَّل اسمك في السجلات؟”
أجاب ها دو ون، وهو يلمح كيم سول ها في حضنه، بنبرة هادئة:
“تجنبتُ إصدار الضوضاء فقط. أما أنت… فقم بواجبك.”
فالتقط الحارس المعنى بارتياح، وأطلق زفرة طويلة.
“إذن… سيكون الأمر كذلك.”
أومأ له ها دو ون بخفة كأنه يشكره، ثم اجتاز البوابة حاملاً كيم سول ها، وكأن الطفلة غافلت الجميع بتجاهلها.
وبعد أن اجتازا ثلاث بوابات وتفتيشًا كاملًا، وصلا بسلام إلى مقرّ إقامتهما.
“الآن أفهم لماذا كنتَ تصرّ على أن أحمل بطاقة الهوية.”
لحسن الحظ أن الأمور سارت على ما يرام، و إلا لكانت مشكلة عويصة بحق.
وما أن عادت إلى مقرها وأرخَت توترها الذي ظل مشدودًا طوال الوقت، حتى قال ها دو ون بنبرة عتاب:
“لم يكن من الضروري أن تُظهري وجهك في هاو مون.”
التفتت كيم سول ها تنظر إليه.
“ذلك الرجل قادر على أن يبيع حتى معلوماتك أنتِ.”
“أعلم. بل لعلّه بدأ بالفعل في جمع تفاصيل عني.”
ضاقت عينا ها دو ون قلقًا، بينما هزت كتفيها بلا مبالاة:
“الأمر واضح. سيتقصّون عن مصدر ذلك الخنجر… وعن سمعتي… وسيبحثون إن كنتُ أخفي شيئًا، أو إن كان أحدهم يحرّكني من وراء الستار. سيحققون بجدية.”
لكنهم لن يجدوا شيئًا.
عيناها تلألأتا بذكاء.
“تعلمين ذلك… ومع هذا أقدمتِ؟”
“لأنني بحاجة إلى هذا.”
ارتسمت ابتسامة جانبية على وجهها.
فهي تدرك أن رئيس فرع كانغسو سيلاحقها خطوة بخطوة، لكن إن لم يحصل إلا على فتات معلومات…
“سيتردد مرارًا.”
“…….”
“وإن لم يجد ما يثير الشبهات… سيحاول ابتلاع الفضل وحده.”
وهذا ما أرادته: أن تختفي خلف صراعهم.
قال ها دو ون متحفظًا:
“قد يحدث العكس.”
“لا أظن.” أجابت واثقة.
فبحسب ما تعرفه من قصة يون سوتشُون بطل تشَانغ تشُن مو جِيه *، كان وضع هاو مون في هذه الفترة مضطربًا للغاية.
*هذي القصة الأصلية اللي تجسدت فيها البطلة و معنى العنوان هو السماء الزرقاء اللانهائية *
“رئيس الفرع بأمسّ الحاجة إلى أي إنجاز إضافي.”
فلماذا يتقاسم الفضل مع غريبة؟
وفوق ذلك، قد يدفع من أمواله السرية مقابل هذه الصفقة، وإن لم تكن مهمة هاو مون رسميًا.
ابتسمت كيم سول ها ابتسامة شبع، كأنها مفترس أنهى صيده، بينما عقد ها دو ون حاجبيه بقلق.
“هل سمعتِ شيئًا محددًا؟”
“مجرد إشاعات… لكنها لم تكن إشاعات فحسب.”
لقد بدا رئيس الفرع متوترًا… إلى درجة أن يتظاهر بأنه زائر ويتجول بنفسه في بيوت الدعارة، أو يصغي حتى لكلام طفلة.
“لو كنتُ مكانه، لما عقدتُ مثل هذه الصفقة.”
رفعت ثلاث أصابع أمامه.
“طرف لا يُوثق به. معلومات غامضة. لكن العوض… مضمون جدًا.”
ثم التقت عينيه وقالت:
“الصفقات المريبة كهذه… لا يقبلها سوى الواقعون في أزمة، ها دو ون.”
إن ما منح المعلومات قيمتها لم يكن إلا تصرفات رئيس الفرع نفسه.
“أنا لا أثق بالناس. بل أثق بالظروف.”
يكفيها أن تثق بـ يو إيون-سول وبـ ها دو ون.
أما ما عدا ذلك، فلا مكان له في قلبها.
صمت ها دو ون للحظة، ثم قال:
“إذاً لم يكن المال هو الهدف الحقيقي.”
“لكن بدا وكأنه كذلك، أليس كذلك؟”
ضحكت ساخرة.
كان يجب أن يظهر بهذا الشكل، وإلا أثار الشبهات.
‘إن اعتقدوا أنني متواطئة معهم… فهذا أفضل من شكوك أعمق.’
قال ها دو ون وهو ينزل على ركبته ليقابل نظراتها:
“ما هو هدفكِ الحقيقي إذن؟ أحتاج إلى أن أعرف، حتى أتمكن من حمايتكِ.”
أجابت بابتسامة عابثة وعينين لامعتين:
“أخبرتك آنفًا…إنَني أطمح إلى القوة.”
ثم أضافت بابتسامة مشرقة:
“خدمٌ أوفياء يلهثون للعثور على دليل أو حتى أثر أخير لذلك الرجل، بدلًا من إثبات موته.”
أوشك ها دو ون أن يتكلم باستهانة، ثم تجمد صوته:
“كان هناك جماعتان… أليس كذلك؟”
“لا أجزم بذلك.”
كانت واثقة من القصة الأصلية، لكن بما أنها محصورة في جسد كيم سول ها، فمن الأفضل التحفظ.
“إحداهما تريد قتله، والأخرى تريد إنقاذه. ومع أن مصيره مجهول… فمن سيحرص أكثر؟ الجواب واضح.”
سأل ها دو ون بدهشة: “هل خططتِ لكل هذا منذ البداية؟”
“كنتُ أضعه في الحسبان.”
كانت مقامرة.
وحده الزمن سيكشف صدق قرارها.
“على كل حال… من الغد سأخرج خارج كيم رين.”
لقد أنهت جانبًا، وحان وقت الجانب الآخر.
‘ويجب أن أترك لهم منفذًا يقتربون منه.’
بدأ عقل كيم سول ها يدور من جديد.
***
“يقال أن لا أحد يستطيع تجاوز جدار قصر كِم رين، مهما كان بارعاً.”
حتى ها دو ون، الذي كان يُعرف بأنه من أمهر المقاتلين المتجولين في كانغسو، قال بحزم إنه لا يمكن تسلق الجدار.
وهذا يعني أن الذين كانوا يطاردون الرجل أيضاً لن يتمكنوا من تجاوزه.
“أنا أيضاً لا أريد أن يحدث ضجيج لا داعي له. لا بد أن نُوجد فرصة مناسبة بأنفسنا.”
“سأذهب معك.”
صدرت الكلمات بسرعة، دون أن يفكر فيها، مما جعل كيم سول ها تتوقف وتراقب ملامح ها دو ون.
‘إن طلبت منه أن يبقى لأن الأمر بسيط… فسيمسك بي بإصرار رافضاً أن يتركني وحدي.’
وكأنه قرأ ما كانت تفكر فيه، زاد الاصرار في عيني ها دو ون.
“حتى لو رفضتُ، ستتبعني، أليس كذلك؟”
“تعرفينَني جيداً.”
“مهما جرى، فلن يؤذيني أحد هناك.”
“لكن من الممكن أن يهددوك.”
عند هذه الإشارة الدقيقة، سكتت كيم سول ها .
“ألم تقولي أن المضطرين يقبلون بصفقات مجحفة؟”
ارتعشت شفتا ها دو ون، وعيناه غاصتا بعمق.
“سواء كانوا أوباشاً من الطرق المنحرفة أو شرفاء من التيار المستقيم، فالمضطرون دائماً ما يضغطون على الآخرين لينالوا ما يريدون.”
“…….”
“لا يمكنني أن أتركك وحدك أمام هذا الخطر.”
شعرت كيم سول ها بعرق بارد يتساقط على ظهرها.
لم ترَ الأمور من هذا المنظور من قبل.
‘صحيح، نحن هنا في عالم الموريم.’
مكان مليء بالرجال الذين يرفعون سيوفهم لأتفه الأسباب.
‘دو ون محق.’
حتى إن لم يؤدِّ الأمر إلى الموت، فإراقة الدماء محتملة بسهولة.
‘لا يعجبني أن أترك يـو إيون-سول وحدها، لكن…’
لم يكن هناك خيار آخر.
‘قال الطبيب يـو أنه سيرعاها عن قرب لبعض الوقت.’
لم تكن راضية عن الوضع المختلف عمّا خططت له، لكنها اقتنعت بأن غياب ها دو ون لن يسبب كارثة.
“حسناً، تعال معي.”
عند سماع موافقتها، اطمأن ها دو ون.
فالفتاة الصغيرة، التي لم يكن أحد يعرف ماذا ستفعل منذ البداية، أصبحت أكثر غموضاً بعد أن مرضت يـو إيون-سول.
لم يعد هناك خيار سوى انتظار خصومهم كي يظهروا بأسرع وقت.
“وأيضاً، ها دو ون، أحتاج مساعدتك في شيء آخر.”
اقتربت كيم سول ها منه وهمست في أذنه:
“أتعلم…”
تغيّرت ملامح ها دو ون بسرعة مع كلماتها.
ثم ما لبث أن اتسعت عيناه بدهشة، لتقابله كيم سول ها بابتسامة ماكرة.
“ستساعدني في ذلك أيضاً، أليس كذلك؟”
“كنت أتساءل من أين لك بالخنجر…”
أجاب بوجه مرتبك، وكأنه يلوم نفسه على عدم الشك منذ البداية، لكنه أومأ على مضض.
لقد بدأت الخطة بالفعل، وما كان بوسعه الآن سوى إتمام المهمة.
وبمساعدة ها دو ون، بدأت كيم سول ها في اليوم التالي بالخروج معه باستمرار.
“ما الذي يؤخرهم إلى هذا الحد؟”
لقد كان الوقت مناسباً لظهورهم، لكن لم يبدُ لهم أثر.
تعمّدوا التجول في أماكن نائية، ومع ذلك، تذمرت كيم سول ها بانزعاج.
كادت أن تتنهد استسلاماً، ظناً منها أنهم سيعودون بخفي حنين، حين جاء صوت ها دو ون:
“إنهم قادمون.”
رفعت كيم سول ها رأسها بسرعة.
وبين الأشجار، بدأ رجال يرتدون السواد يظهرون واحداً تلو الآخر.
فأطلقت كيم سول ها صوتاً ساخطاً وهي تنقر بلسانها:
“حتى النمر إن ذكرت اسمه جاء… يا لها من طريقة دخول مملة.”
♤♧♤♧♤♧♤
باقي الفصول لغاية الفصل 32 على قناتي بتلغرام، الرابط بصفحة الرواية
التعليقات لهذا الفصل " 28"