نظرة حادّة ارتدّت لتستقرّ على كِيم سول-ها، لكنها تظاهرت بالبرود وكأن شيئًا لم يحدث وهي تُخفض قبعتها الواسعة.
قالت فجأة:
“أبي، لا يعجبني هذا الرجل.”
فردّ الآخر بحدّة:
“ماذا قلت؟”
أضافت سول-ها بإصرار:
“إن لعبتُ مع شخص مثله فسوف أتعلم ألفاظًا سيئة. إلى متى سنبقى هنا أصلًا؟”
ثار خصمهم غاضبًا:
“أيها الصغير الوقح !”
لكن سول-ها لم تُبدِ أي خوف، بل تظاهرت به وهي تتعلّق بذراع ها دو-وُن، ثم دفنت وجهها في صدره.
ارتبك دو-وُن قليلًا، لكنه سرعان ما تنهد ورفعها بين ذراعيه. ثم نظر إلى خصمه ببرود وقال:
“لا شأن لي بك.”
توقّف الرجل الملقّب بـ”جيك-رانغ” لحظة عند هذا الردّ القاطع، ثم ابتسم ساخرًا:
“هاه، إذن لم يكن عليك أن تقع تحت نظري من البداية.”
ووضع قدَمه الثقيلة على الطاولة حيث يجلس ها دو-وُن.
“والآن وقد رأيتك، هل تظن أنني سأدعك ترحل بسلام؟”
ساد المكان توترٌ حاد أشبه بوتر قوسٍ مشدود. تابعت سول-ها المشهد بعينيها، تتنقّل بين الاثنين.
منذ البداية وهي تعلم أنّ دو-وُن رجل يحمل ماضيًا مثقلًا بالقصص، لكن ذلك لم يُضعف ثقتها به.
إنه “شخصي”، مهما حدث سيبقى في صفي.
عندها رفعت رأسها فجأة من بين ذراعيه وقالت بجديّة طفولية:
“أبي متزوج، ولديه زوجة.”
ارتبك جيك-رانغ من هذا التصريح غير المتوقَّع، ونظر إليها متسائلًا: وماذا بعد؟
أكملت سول-ها بثقة:
“ومحاولة التقرّب من رجل متزوج تُعد فعلًا دنيئًا للغاية.”
تلعثم الرجل وقد غمرته الحيرة:
“ماذا؟ أنا؟ أحاول التقرب منه؟!”
أومأت سول-ها ببراءة مصطنعة:
“بالطبع. لذا توقف عن تصرفاتك المبتذلة وابتعد. أبي قال إنه لا يريدك، ولم يأتِ لرؤيتك.”
تدفّقت كلماتها كأنها سهام من سوء فهم واتهامات، حتى عجز جيك-رانغ عن الرد.
ثم انفجر ضحك أحد الجالسين بجانبهم، فيما أطلق ها دو-وُن تنهيدة طويلة.
“ليست المسألة كما تظن يا صغير.”
لكن سول-ها أصرّت:
“قد يكون الأمر ليس كذلك بالنسبه لك ،لكن من يدري ما في قلبه؟ ليس صوابًا أن تنسب للآخرين ما ليس فيهم.”
ابتسم الرجل ساخرًا وقال:
“أرى أن من يُسيء الظن هنا ليس أنا بل أنتِ.”
ومع كل كلمة تبادلوها، ازداد الموقف غرابة وكأن المنطق يُغادر الحوار. وأخيرًا، بدا على جيك-رانغ أنه استوعب أن هذه الطفلة لن تُهزم بسهولة، فتمتم بضجر:
“حقًا… من أين جئت بمَن هو أدهى منك ليكون برفقتك؟”
ثم تراجع بخطواته إلى الخلف، لكن لم يفته أن يرمي تعليقًا لاذعًا قبل الانصراف:
“احمد حظك أنك تحت حماية السيّد رئيس الفرع.”
تسمرت عينا سول-ها عند سماع كلمة “رئيس الفرع”. فهي تعرف أن هاو مُون، هذه المنظمة التي تضمّ من الغانيات البسيطات إلى العاملين في الحانات، ليست سوى طائفة من طوائف الساحة السوداء.
وبالتالي، من يُسمّى “رئيس الفرع” هنا لابد أن يكون الرجل الذي جاؤوا لأجله.
ابتسم الرجل ذو المظهر المرح فجأة وقال:
“هلمّوا بنا نكمل حديثنا في مكان آخر أكثر هدوءًا.”
وبينما كانت سول-ها مذهولة، أومأ دو-وُن بخفة مؤكّدًا شكوكها.
وهكذا، مضوا معه عبر أروقة بيت اللهو الشهير، وكلما توغّلوا ازداد الحراس انتشارًا والعيون ترصدهم من الظلّ.
ربّت دو-وُن على ظهر سول-ها مطمئنًا:
“لا تقلقي، لن أدع أحدًا يؤذيك.”
وأخيرًا، وصلوا إلى عمق المكان، حيث انفتح باب غرفة سرية تخص فرع هاو مُون في إقليم كانغسو. جلس الرجل المهيب في صدر المجلس وقال ضاحكًا:
“يبدو أن استقبال الابن الضال العائد بعد طول غياب، يُشبه هذا الموقف تمامًا.”
صمت دو-وُن ولم يرد، فتابع الرجل نبرته الجادّة وهو يوجه بصره إلى سول-ها:
“والآن… ما سبب عودتك إلى مكان هجرتَه من قبل؟”
فأجابته سول-ها بذكاء:
“هل الضيف الذي قلتَ إنك تنتظره… هو نحن؟”
ابتسم وقال:
“أنا دائمًا بانتظار من يقصد هاو مُون ليطلب خدمة… لذلك يمكن القول نعم ولا في آن واحد.”
لم تتردد سول-ها وبدأت بالسؤال مباشرة:
“هل الأوضاع في إقليم كانغسو هادئة؟”
“هادئة؟ هذا الإقليم صاخب على الدوام. إن لم توضحي مقصدك فلن تنالي جوابًا شافيًا، يا ابنة آل كِيم رين.”
تفاجأت للحظة، ثم ابتسمت:
“وكيف عرفتني؟”
نظر إليها طويلًا ثم قال:
“ألم أقل لك أن السيوف تكشف أصحابها؟ مثلما يحمل جيك-رانغ سيفه المألوف، كذلك دو-وُن، سيفه لا يُخطئه بصري. كنت قد رأيته من قبل… حين كانت رقبته على وشك أن تُقطع.”
ضحك جيك-رانغ ساخرًا:
“صحيح، كان مشهدا لا يُنسى.”
ارتسم الغضب على وجه رئيس الفرع، لكنه تماسَك.
فاستأنفت سول-ها بجرأة:
“إقليم كانغسو بلا طائفة كبرى تحكمه، أليس كذلك؟”
سكت الحاضرون، فتابعت:
“حتى الذين يحاولون الترسخ هناك لا يتعدّون فروعًا صغيرة مثل هاو مُون.”
أدهشهم كلامها، إذ كانوا يتوقعون أن تطلب خدمة بسيطة أو معلومة عن آل كِيم ربن، لكنها تجاوزت ذلك بكثير.
ثم ختمت:
“في مثل هذه الأرض الخالية، لا يمكن أن تكونوا واقفين مكتوفي الأيدي وأنتم ترون غرباء يتسللون إليها. أليس كذلك؟”
ابتسم رئيس الفرع ابتسامة مبهمة وقال:
“في الحقيقة… نعم، ظهرت بعض القوى المزعجة مؤخرًا تعبث في أرجاء كانغسو. لكن… هل تعرفينهم أنتِ؟”
أطلقت كيم سول ها نظرة متحفّزة وهي تكتم ضيقها.
كم هو مزعج أن تُجبر دائمًا على بذل جهد مضاعف كي تَكسب ثقة الآخرين لمجرّد أنها صغيرة السن ولم تحقق بعد إنجازات تُذكر.
لكن هذه المرّة ستكون الأخيرة.
لمعت عيناها وهي تحدّق في رئيس فرع “هاو مون” بكانغسو:
“أستطيع أن أتولى أمر أولئك وأزيحهم من طريقك.”
ضيّق الرجل عينيه، متفحصًا:
“إذن، تعرفين من هم وماذا يريدون.”
رفعت كتفيها بلا اكتراث. ليس من الضروري أن تُظهر كل أوراقها على الطاولة لمجرد عقد صفقة.
“هل تريد أن أزيحهم عنك؟”
ساد صمت ثقيل، حتى بدا المكان كأنه حُبس على نفسه. ثم تكلّم الرجل أخيرًا:
“لا داعي لذلك. بمجرد أن يحققوا غايتهم سيختفون من تلقاء أنفسهم.”
كلامه يوحي أنه افترض أن غايتهم أبعد من مجرد توسيع نفوذ. فأمالت كيم سول-ها رأسها قليلًا وقالت:
“وهل تظن أنهم لن يُقلّبوا أرجاء كانغسو رأسًا على عقب قبل أن يصلوا لتلك الغاية؟”
صمت.
“وإن لم يعثروا على ما يريدون، ألا تظن أنهم سيطرقون باب فرع هاو مون نفسه؟”
أحيانًا يكون التهديد أنجع من الإغراء.
“أنا قادرة أن أمنع ذلك، وأمررهم من غير أن تتحملوا شيئًا.”
لم يجب.
“اليوم أرسلوا الطلب في صورةٍ مهذبة، لكن صدّقني… إن لم يجدوا ما يشتهون، فلن يظلّ الأمر بهذه الصيغة.”
أولئك الأوغاد من عالم الظلّ لا يترددون في سفك الدماء. لا قانون يردعهم، ولا وسيلة يتورعون عنها.
ابتسمت كيم سول ابتسامة باردة، وكأنها تذكّره بأن سيوفهم قد تُوجه إلى صدور رجاله.
هزّ الرجل رأسه ببطء:
“سمعت منذ أيام أن لك طبعًا صعبًا… لكن لم يخبرني أحد أنك تملكين مثل هذه البصيرة.”
لم تأبه لنظرته اللامعة كحدّ الزجاج، وكأن محاولته لقياس قيمتها لا تعنيها.
“لا تتظاهر بالجهل. الجميع يعرف أن صفقات الظل تسير على هذا النحو. وما أن يصل الأمر إلى تلك المرحلة… ستتمنّى لو عقدت الصفقة معي من البداية.”
“صفقة، إذن.”
“نصف بالنصف. تعطيني نصف ما دفعوه، وأعطيك ما يكفيك من معلومات وأدوات.”
تألق في عينيه بريق الطمع. هذه الفتاة لم تكن عادية البتة. لو لم يكن خلفها ذاك الجدار الحصين المسمّى “كِيم رين”، لكان قد احتواها وربما جعل منها وريثته.
“النصف كثير. أنتم لا تخاطرون بشيء، أما نحن فنغامر ونزن إن كانت معلوماتك نافعة. تسعة بواحد.”
قهقهت باستهانة:
“ألا ترى أن هذا استغلال؟ ثم إن الوقت لا يعمل لصالحكم بل ضدكم. ستة بأربعة.”
“أنت هنا لأنك تعلمين أن المال لا قيمة له ما لم تسلّميه لفرعنا. نحن أصحاب العقد، ولسنا نحن من سيقبل عرضك لو طرقتِ بابهم مباشرة. سبعة إلى ثلاثة، وهذا آخر كلام.”
كان حازمًا بما يكفي. فعضّت شفتها بخيبة مصطنعة، ثم أومأت على مضض.
لا بأس، هذه النسبة لا بأس بها. والأهم أن مقصدي الحقيقي ظلّ مستورًا.
“جيد، سبعة إلى ثلاثة. لكن بالمقابل… أريد خدمة صغيرة. اجمع لي ما يتداوله الناس عن أعمامي وعمّاتي.”
تفاجأ قليلًا:
“أقارب كِيم رين؟”
“لا أطلب شيئًا خفيا. مجرد شائعات السوق تكفيني.”
ارتسمت على وجهه أمارات الحيرة، ثم أومأ برفق.
“حسنًا، سأضيفها على الصفقة. والآن… عليكِ أن تقنعيني أبنّ لديكِ بالفعل شيئًا يستحق الثمن.”
أخرجت خنجرًا كانت قد أخذته من السيدة “بايك”، وقدّمته له.
تسمرت عيناه على النقش المحفور في غمده، وارتجف بصره رغم تظاهره بالتماسك.
ابتسمت كيم سول ها ابتسامة راضية، وأشارت إلى شفتيها بإصبعها، كمن ينذره بأن يصمت عمّا أدركه.
تصلّب وجهه.
“صاحبه…؟”
“مات. سُمّ عجيب أذاب الجسد والثياب معًا. لكن الخنجر كان بعيدًا عنه، فنجا.”
انهالت أسئلته ليتأكد من صدقها، لكنها كانت تجيب بهدوء وشيء من الزهو. أعجبها أن ترى أمامها رجلًا ليس بالسهل، فهذا يجعل خداعه أمتع.
“إذن مات بالفعل؟”
لمعت عيناه كالنصل.
“أجل. ولهذا لم تجدوا أثره حتى الآن.”
سكت طويلًا، ثم أومأ:
“جيّد. سأُبلّغ.”
أضافت محذّرة:
“لكن إيّاك أن تأتي تبحث عنّي عبر كِيم رين. أنا من سيأتيك متى أردت. فلا تحاول تتبعي.”
“اتفقنا.”
وهكذا انطوت تلك الصفقة تحت ضوء القمر، بوعودٍ مبطّنة، ومكائد لم تُكشف بعد.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 26"