“يمكنك تناول الطعام في الطابق الأول! ومن أجل الطفل أيضًا، لا تفكر ولو للحظة في التسلل لأبعد من ذلك!”
“لا أهتم.”
تنهد ها دوون مرارًا بوجه متعب. يا آنسة، هل كان لابد أن تفعلي هذا حقًا؟
رغم نظرته المليئة باللوم، كانت كيم سول-ها تتدلل في حضنه مثل طفلة بريئة، وهي تضرب بقدميها الأرض.
“تتت، ما هذا؟ شاب في مقتبل العمر، كيف يعيش بهذه الحماقة؟”
وبعد أن أمطرهما الحارس بالتوبيخ والتأنيب، سمح لهما أخيرًا بالدخول.
“الآن فهمت لماذا لم ترتدِ زيك القتالي المعتاد.”
ابتسم ها دوون بسخرية خفيفة وهمس بصوت خفيض ردًا على كلام سول-ها.
“أدركت الأمر إذًا؟”
“حتى لو لم أنادك بـ’أبي’، لو كانت ثيابك رثة لما سمحوا لنا بالدخول. أليس كذلك؟”
“رأيك في محله تمامًا.”
ابتسمت شفتا ها دوون بخط منحني تحت القبعة الواسعة التي أخفت عينيه.
“فليس هذا مكانًا عاديًا، نحن الآن في هوايونغ-رو، أكبر بيت زهوٍ ولهو في كانغسو.”
تذمرت سول-ها: “عجيب أننا نجحنا في الدخول.”
فأجابها ها دو-وون بهدوء: “لأن مظهرنا كان يستحق ذلك.”
وبالفعل، راحت سول-ها تتحسس قماش ثيابه الناعمة. صحيح أنها كانت على هيئة زي قتالي، دون تطريزات خاصة، لكن رونقها مختلف.
الحرير الذي تتبدل ألوانه تبعًا لزاوية الضوء يكشف بوضوح لذوي الخبرة أنه ليس من النوع العادي.
“لم أكن أعلم بوجود مثل هذه الثياب.”
“إنها هدية من والدتك الراحلة.”
“من أمي؟”
“نعم. كانت تقول: أحيانًا يظهر مقام السيد من مظهر تابعه وهيئته، وأعطتني إياها.”
“…….”
“أما براعتك في إحكام إغلاق الطريق دون منفذ واحد للانسحاب… فهي أشبه بمهارة والدتك أيضًا.”
شعور بالعجز ارتسم في عينيه وهو ينظر إليها وكأنها مصدر المتاعب الذي لا يمكن السيطرة عليه. فنفخت سول-ها وجنتيها باستياء.
“على كل حال، بفضلي دخلنا بسهولة.”
رجل ضخم يشبه المحارب، وطفل صغير إلى جواره.
إن لم يُظن أنهما أب وابنه، فسيبدوان مشبوهين.
“هناك طريقة أخرى، كأن ندفع بعض النقود للحارس.”
“ذلك كان سيثير الانتباه.”
هزّت سول-ها رأسها. كان من الأفضل أن يظل أمامهما بعض الوقت لاستكشاف المكان قبل لقاء رجال هاو مون.
جلس ها دوون بين صخب الطابق الأول الذي يجمع بين الطعام والشراب والضجيج، وبدأ يعتني بسول-ها أولًا.
“ماذا تريدين أن تأكلي….”
“سوميون! أريد أن آكل سوميون، أبي!”
قرصت سول-ها خاصرة ها دو-وون فجأة.
لقد ادعينا أننا أب وابنه، فكيف تتحدث إليّ باحترام؟
استوعب الإشارة على الفور وأجاب بعد لحظة تردد:
“حسَـ…ـنا.”
اشتدت قرصتها أكثر، أما زلت لا تتقن الدور؟
حتى وإن أخفى وجهها بغطاء الرأس، فقد أوصلت قصدها بوضوح.
تنهد ها دو-وون في أسى.
لم أتخيل يومًا أن أؤدي دور الأب قبل أن أجد حبيبتي حتى.
“سأطلب لك.”
استوقف خادمًا وطلب سوميون وزجاجة “جوغ-يُوب-تشونغ”، ثم قال بحذر:
“بعد أن ننتهي من الطعام…”
أجابت بصوت طفولي عذب: “علينا أن نستعد للذهاب لرؤية أمي.”
مع أنها قالتها ببراءة طفل، فهم ها دوون مقصدها فورًا.
“وهل تعرفين كيف نذهب لرؤية أمك؟”
“أنا صغيرة ولا أعرف هذه الأشياء. أنت تعرف أفضل مني، أبي.”
ابتسمت ابتسامة طفولية مشرقة، فأطلق ها دو-وون تنهيدة ثقيلة. يا تُرى ما الذي يدور في رأس سيدتي الصغيرة؟
رغم صخب وضجيج الطابق الأول، لم ينساق أي منهما مع الجو العام.
“هذا المكان غريب وعجيب يا أبي.”
التفتت سول-ها حولها. ربما لأنها لم تخرج من قبل كثيرًا، فكل شيء بدا لها جديدًا.
المغنيات في أزياء فاخرة، ورجال بأشكال وهيئات متعددة، لكن القاسم المشترك بينهم كان واضحًا:
كلهم أغنياء.
ربما لهذا السبب يوجد حارس على الباب. ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيها، ثم رفعت عينيها إلى الطوابق العليا.
كنت أظن أن قصر عائلتي فاخر… لكن هذا المكان يتجاوز ذلك بأشواط.
الستائر الحمراء المتدلية، والفوانيس المزخرفة، وعزف الموسيقى وضحكات القوم المتواصلة… كلها جعلت المكان يبدو أكثر بذخًا وانحلالًا حتى مما وصفته الكتب.
أي أحمق يدخل هنا سيبدد كل ثروته ولا يستفيق.
في تلك اللحظة، قاطعها صوت جهوري:
“هوووه! يا للصغير الذي يعرف خبايا هذا المكان!”
ارتجفت سول-ها قليلًا، وقد فهمت أن الرجل يقصدها.
“ممم، سمعت عمي أوه من الجوار يقول مثل هذا الكلام، ثم ضرب ابنه على ظهره.”
“هاها، أحقًا؟”
“نعم. أخوه الأكبر كلما حصل على مال، يبدده في بيوت اللهو. لهذا السبب أردت أن أعرف ما هو هذا المكان.”
ضحك الرجل الكبير: “يا له من ولد طائش… حتى أن الطفل عرف قصته! قل لي يا صغيري، ما رأيك بعدما رأيته بعينيك؟”
استدارت سول-ها نحوه ببطء. كانت تظن أن تمثيل دور الطفلة الساذجة سيجعل اهتمامه بها يزول، فلماذا ما زال يلاحقها بالكلام؟
حدقت فيه سريعًا: جسد ضخم، يدان غليظتان مليئتان بالندوب، سيف ضخم على ظهره، وندبة بارزة فوق عينه.
هذا ليس شخصًا عاديًا… بل محارب من عالم المقاتلين.
ازدردت ريقها. الاحتكاك بمحاربين لا يجلب سوى المشاكل. الأفضل أن أتخلص منه.
قررت في لحظة، ثم صاحت ببراءة: “واو! هل أنت محارب حقًا يا عم؟”
ضحك الرجل: “هاها! صغير جريئ لا يعرف الخوف!”
وكاد أن يربت على رأسها لولا أن قبعة ها دو-وون حالت دون ذلك.
“نعم، لستُ أفخر، لكنني بارع باستخدام السيف.”
“رائع! لم أرَ من قبل شخصًا يستعمل السيف! إنه يبدو ثقيلًا جدًا… هل تستطيع حقًا التحكم به؟”
“بالطبع، إنه ثقيل. ولا يتقنه إلا من أسس جسده على أساس قوي.”
“ولماذا؟”
ابتسم وأجاب: “لأن السيطرة على الأشياء الثقيلة تحتاج قوة حقيقية. لا مجال فيها للحظ أو الخدع.”
“وما معنى الحظ؟”
“الحظ يعني… ألا تعتمد على الحيل الرخيصة.”
“آها! إذن ما هي الحيل الرخيصة؟”
انهالت أسئلتها كالسيل، فظل الرجل يجيب بحماسة، إلى أن بدأ يتلعثم في الشرح ونظر إلى ها دو-وون طلبًا للنجدة.
فتح ها دو-وون فمه: “يا صغير… أُه!”
فوجئ بضربة قوية في خاصرته.
“قلت لك ألا تناديني بـ’صغيري’ خارج البيت!”
حدقت به سول-ها بعينين غاضبتين، وقد كان قلبها يخفق بسرعة.
“أنا لست طفلا!”
ارتفعت ضحكات المحارب الكبيرة: “هاهاها! تصرفاتك تشبه ابني تمامًا!”
“لديك ابن يا عم؟”
“نعم. فوضوي إلى درجة أنني لو تركته لحظة واحدة، قلب البيت رأسًا على عقب.”
لمعت عيناه بالدموع وهو يذكر ابنه، فغيرت سول-ها حكمها عنه قليلًا. ربما كان كلامه معي محض صدفة.
لكن الحذر واجب.
“قالوا لي إن القدوم إلى بيوت اللهو أمر سيئ. فلماذا أتيت أنت يا عم؟”
“همم؟ يا لك من فضولي. ألم يأتِ أبوك معك أيضًا؟”
“أبي جاء فقط لأنني كنت جائعا. في الفندق قالوا إنهم لا يقدمون الطعام في هذا الوقت.”
“وأنا جئت لتناول الطعام كذلك.”
غير مقنع. حدقت به سول-ها بعينين مليئتين بالشك، فابتسم بخجل.
“في الحقيقة، جئت لألتقي شخصًا على مائدة طعام هنا.”
“صديق؟ لكني لا أرى أحدًا معك.”
نظرت إلى المائدة أمامه فلم تجد سوى الأواني الفارغة.
“صحيح، إنه متأخر قليلًا.” تنهد متذمرًا.
في تلك اللحظة، جاء الخادم حاملاً الطعام.
رفعت سول-ها غطاء رأسها قليلًا وبدأت تأكل الـسوميون بشراهة.
كانت قد طلبته لمجرد التمويه، لكنها لم تأكل جيدًا طوال اليوم، فالتهمته بالكامل.
“انظُر إلى هذا الصغير، كأنه لم يأكل منذ أيام! حتى الصحن نظفه تمامًا!”
شعرت سول-ها بالحرج، وفي الوقت نفسه بدا الغضب في عيني ها دو-وون، إذ أدرك أنها قضت اليوم كله دون وجبة حقيقية.
لكن فجأة، دوّى صوت خشن:
“أيها الوغد! اصطدمت بي وتمشي وكأن شيئًا لم يكن؟ أتدري كم يساوي هذا الثوب؟!”
رجل ثمل ذو وجه متورد، أمسك بثياب الرجل صاحب القبعة وضغط عليه صارخًا:
“اركع فورًا واعتذر! ألا تعرف من أنا لتتجرأ وتتصرف بهذه الوقاحة؟!”
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
التعليقات