“أتعرف أين يقع مقر هاو مون؟ يجب أن أذهب إلى هناك.”
“ماذا؟!”
حدّق ها دو-وون بعينيه غير مصدق لما سمع. فمسحت كيم سول-ها دموعها بطرف كمّها وقالت مجددًا:
“فلنذهب معًا إلى هاو مون، يا دو-وون.”
*هاو مون هو زي نقابة المعلومات و المرتزقة اللي تستأجرهم بفلوس*
قال بوجه متجهم وصوت صارم:
“آنستي، هل تعلمين ما هو ذلك المكان؟”
ورغم أن ملامحه كانت مملوءة برفض قاطع، فإن كيم سول-ها لم تتراجع.
“أجل، أعلم.”
“مهما كان ما تفكرين فيه، فهؤلاء أخطر مما تتصورين.”
هزّت رأسها موافقة:
“صحيح، إنهم خطرون.”
“… “
“لكن ليس لدي الكثير من الخيارات الآن. ومن بين ما أملكه، فهم الأقل سوءًا.”
فبغيرهم، لن يبقى سوى أناس أشد خطورة. ولذا، كان هذا هو الخيار الأفضل في هذه اللحظة.
“لا يعني هذا أنني أثق بهم أو أؤمن بهم.”
“ولكن…”
“إنما أثق بالثمن الذي سأدفعه لهم.”
البشر لا يمكن الوثوق بهم. لكن الثمن المدفوع بالذهب لا يخون.
“سأعقد صفقة معهم، يا دو-وون.”
حينها فقط نظر إليها مطولًا. كانت عيناها محمرتين من البكاء، لكنها لم تكن ملوّثة بالغضب أو الحقد، بل ثابتة وواثقة.
“لكن الأمر يبقى خطيرًا، أليس كذلك؟ لذلك أريدك أن تأتي معي.”
“وإن رفضت الذهاب؟”
“سأعطي أوامري لأحد الخدم يأن يرافقني.”
صمت دو-وون. فقد أدرك أن نيتها حازمة ولن تتراجع.
“لكن إن فعلتُ ذلك، فستعلم السيدة هونغ، وسينتشر الخبر في كل مكان، أليس كذلك؟”
“… “
“ألا يمكن أن يشاع بأنني ذهبت لأطلب منهم تنفيذ عملية اغتيال؟”
تنهدت سول-ها وقالت بهدوء ماكر:
“وعندها ستقوم عمتي مو-يونغ وتثير الدنيا عليّ. أنا التي أعيش أصلًا تحت ضغطها الدائم، فماذا لو طردوني هذه المرة نهائيًا؟”
“… “
“أو قد يحصل أن نذهب إلى هاو مون، فلا نحصل إلا على التهديدات. سمعت أن أشرار الطائفة السوداء أكثر وحشية حتى من أوباش السوق. هذا مخيف فعلًا.”
كان كلامها ساخرًا مستفزًا، فتنهد دو-وون بعمق من صدره.
“هل يجب فعلًا أن تذهبي؟”
“قلت لك، أنا مضطرة.”
لو كان هناك سبيل آخر، لكانت لجأت إليه منذ البداية.
“إذن سأرافقك.”
ابتسمت بخفة:
“رأيت؟ في النهاية ستفعل ما أقوله.”
تمتم دو-وون بأسى:
“كم أود رؤية إيون-سول الآن… لو كانت هنا، لأجلستك وأمطرتك بوابل من التوبيخ حتى تتراجعي.”
“ليت الأمر كذلك… نعم، ليت.”
مرّت ابتسامة باهتة على شفتيها.
“فلنذهب يا دو-وون.”
“الآن؟!”
فتح فمه دهشة، فغمزت له بعينها وقالت:
“الطبيب يو يلازم إيون-سول حاليًا. إن لم نستغل هذه اللحظة، فلن نجد وقتًا آخر لنفلت.”
تبادل معها نظرات عميقة. فأردفت بثقة:
“حتى لو لم يكن من رجالي، فلن يخون وعده.”
تنهد دو-وون مستسلمًا.
“حسنًا يا آنستي، سأرافقك.”
ثم انحنى فاتحًا ذراعيه. فألقت بنفسها بينهما فورًا.
“هل سنقفز فوق السور؟”
“لو فعلنا ذلك وأمسكوا بنا، سيُرفع تقرير إلى السيد الكبير.”
“هاه؟”
“سنخرج عبر ممر يستخدمه الخدم.”
ثم نظر إلى ثوبها الأصفر الفاخر وإلى هيئتهما معًا، وقال:
“يجب أن نبدل ملابسنا. ومن الأفضل أيضًا أن نخفي وجوهنا.”
ابتسمت سول-ها بدهاء:
“مع أنك كنت ترفض بشدة، ها أنت تقترح أفكارًا جيدة.”
وبعد قليل، كانت قد بدّلت ثيابها ووقفت أمامه تدور بجسدها كخادم صغير.
“أما أبدو كخادم فتى؟”
قال بجدية:
“لم يكن من الضروري أن تتنكرّي كصبي.”
“بلى، إن كنت سأخفي هويتي فالأجدر أن أخفيها تمامًا.”
رفعت كتفيها قائلة:
“ميزة جسدي الصغير أن ملامح جنسي لا تظهر بوضوح. وبما أننا سنواجه تجار المعلومات، فهذا ضروري.”
ثم نظرت إلى وجهه:
“لكن أنت من عليه أن يخفي ملامحه أكثر، أليس كذلك؟ مجرد قبعة قش لا تكفي. ألا تملك قناعًا؟”
فأجاب بفتور:
“لو ارتديت قناعًا وأنت في حضني، لظنّ الناس أنني خاطف.”
فأخرجت لسانها امتعاضًا.
“على كل حال، تذكر… بمجرد أن نخرج من هنا، لست آنستي بل فتىً صغير.”
“حسنًا.”
رفع دو-وون نظره إلى السماء، متحسرًا. كم يفتقد وجود إيون-سول لتساعده في التعامل مع هذه الفتاة المتهورة.
بفضل حسّه المرهف، اختار دو-وون الطرق الخالية من الناس، فتمكّنا من مغادرة قصر عائلة كيم بسهولة.
قالت سول-ها بدهشة:
“ما هذا؟ الأمر أسهل مما توقعت.”
“عادةً يكون الأمر أعقد.”
“هاه؟”
“يبدو أن من يعرفني تغاضى عني عندما لمح وجهي تحت القبعة.”
اتسعت عيناها:
“إذن حين رفعت القبعة قليلًا، كان ذلك طلبًا ضمنيًا؟”
ابتسم مريرًا:
“هذا ما كنتِ تحتاجينه، أليس كذلك؟”
“صحيح.”
“لكن دخولنا أصعب من خروجنا. لذلك طلبت منك أن تحملي معك بطاقة الهوية.”
تسمرت عيناها:
“دو-وون… كنت أحسبك دبًا، فإذا بك ثعلب ماكر!”
وضع يده على جبينه متنهّدًا:
“آنستي…”
ضحكت بخفة وقالت:
“أنا أحب الدببة… وأحب الثعالب أيضًا.”
ثم ضغط بيده على قبعتها الصغيرة قائلًا:
“ارتديها جيدًا، حتى لو حجبت الرؤية.”
“تبا… “
وبمجرد خروجهما من قصر كيم، صار أكثر صرامة.
اندفع بخطواته الرشيقة قافزًا، فتبدلت المشاهد بسرعة حولها، فهتفت بدهشة:
“واو!”
كان هذا أول خروج لها إلى العالم الخارجي منذ قدومها إلى هنا.
رغم الليل المتأخر، أضاء القمر المكان فبانت المناظر واضحة.
“إذن هكذا يبدو العالم خارج القصر.”
تركوا وراءهم القصور الفخمة حتى وصلوا إلى طريق واسع مرصوف.
“غريب، المكان هادئ جدًا.”
“سيصبح صاخبًا قريبًا. اضغطي القبعة أكثر على وجهك.”
انصاعت لنصيحته، وبعد بضعة أزقة ضيقة، انفتحت أمامهما شوارع مضاءة بالمصابيح الحمراء.
كانت أصوات الضحك والجدال والسكارى تعم المكان. فتسعت عيناها بدهشة.
قال دو-وون محذرًا:
“أرجوك، لا تخبري إيون-سول أننا جئنا إلى مكان كهذا.”
ضحكت بخبث:
“بالطبع لا. وإلا لوبختني قبل أن تصرخ عليك.”
ضحك بخفة، متفقًا معها.
وبينما كان يوشك على دخول أكثر الدور فخامة، استوقفه صوت حارس البوابة بازدراء:
“قف! أتظن نفسك داخلًا إلى بيت المتعة ومعك طفل؟!”
توقف دو-وون مصدومًا، فهذه أول مرة يعامله أحد بهذا الاحتقار.
كان يهمّ أن يبرر الموقف، لكن فجأة سمع صوتًا من حضنه:
“أبي، أنا جائع.”
تجمد في مكانه، وألقى نظرة إلى صدره حيث تختبئ سول-ها خلف القبعة. كان متأكدًا من أنها تبتسم بمكر.
“هل سنأكل الآن؟”
“… “
“رائع! كنت جائعًا منذ فترة طويلة. كل الحانات مغلقة في هذه الساعة!”
قالها ببراءة متعمدة، ففقد دو-وون القدرة على الرد.
ثم قرقرت معدتها بالفعل، فأكمل الحارس ساخرًا:
“يا لك من أب بائس.”
زمجر الرجل:
“هذا بيت متعة! بيت متعة!”
فتلعثم دو-وون:
“لا… لسنا بحاجة للنساء… نريد فقط وجبة سريعة، ثم سنغادر.”
هز الحارس رأسه بأسى، كمن يشفق على رجل تعيس.
أما دو-وون، الذي لم يمسك يد امرأة قط، فقد شعر بالإحباط والحرج الشديد.
لكن سول-ها صاحت بفرح مصطنع:
“رائع! سنأكل الآن، أبي! أنا سعيد!”
بينما كان قلب دو-وون يحترق غيظًا.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
التعليقات لهذا الفصل " 23"