قالت كيم سول ها:
“إن أردت أن تعرف الجواب، من الأفضل أن نغيّر المكان أولاً.”
تردد أون سوك-هو قليلاً، لكنه سرعان ما وافق.
فسلكوا طريقاً فرعياً منعزلاً اعتاد الخدم استخدامه، ثم عادوا بسرعة إلى مقر الإقامة.
هناك فقط تخلّت كيم سول ها عن بعض التوتر الذي لازمها.
قال أون سوك-هو بإلحاح:
“ماذا حدث بالضبط لخالتي؟”
اختارت سولها كلماتها بعناية، ثم قالت بنبرة ساخرة:
“إن كان الأمر يثير قلقك لهذه الدرجة، لِمَ لم تتسلق السور مثلي لترى بنفسك؟”
“ذلك، في الواقع…”
“أنا استطعت، فبصفتك نائب قائد فرقة هوانغ-رونغ، كان يمكنك اجتيازه بسهولة منذ البداية، أليس كذلك؟ لَكُنتَ قد فهمت الوضع أسرع.”
لكن بدلاً من إجابة، قابلت سؤالها بسؤال آخر.
عضّ أون سوك-هو شفته قليلاً، ثم لزم الصمت.
“لماذا لا تتكلم؟”
“…حاولت.”
“ماذا قلت؟”
“لقد حاولتُ بالفعل، لكن الحراسة كانت مشددة لدرجة أنه من المستحيل اختراقها.”
قطّبت سول ها حاجبيها.
“مستحيل؟ لكنني دخلت بسهولة…”
تساءل هو بدوره:
“بل العكس، أنا من أريد أن أعرف. كيف تمكنتِ من تسلق السور دون أن يكتشفك أحد؟”
أجابت ببساطة:
“لأن لا أحد أوقفني… لذلك عبرت.”
أكان قد كُشف أمرها من قبل؟ سرعان ما نفت ذلك في ذهنها:
‘لا، لو كانوا قد كشفوني لما سمحوا لي بالدخول إلى تلك الغرفة أصلاً.’
ثم قالت بخفة:
“أعتقد أنني كنت محظوظة فحسب.”
هزّ رأسه بعدم اقتناع، لكنه تراجع قائلاً:
“إن كانت خالتي بخير، فهذا يكفيني.”
ابتسمت سول ها بفتور:
“إنها بخير، فلا داعي لهذا الوجه الكئيب.”
قال متنهداً:
“لكنني لا أفهم لماذا ترفض مقابلتي وتغلق أبوابها على نفسها.”
لابد أنها تخشى تسرب السر. فكّرت سولها.
لكن ما زال السؤال يؤرقها:
‘أي رجل هذا الذي تخفيه الخالة بهذا القدر من الحرص؟ هل يكون مجرماً؟’
قفزت فجأة من مكانها وصاحت:
“وجدتها!”
تفاجأ الاثنان. نظرت مباشرة في عيني أون سوك-هو:
“قلتَ أنك مقرّب من خالتك، صحيح؟”
“ن-نعم، لكن ما الأمر؟”
ابتسمت بسذاجة مصطنعة:
“مجرد استغراب. بيني وبين قريباتي علاقة سيئة، لكنك قريب من خالتك. هذا غريب فقط.”
لم تنطلِ حجتها على أحد، لكنه تظاهر بعدم الانتباه وأجاب بهدوء:
“هي خالتي الوحيدة، وأنا قريبها الوحيد في هذا العالم، لذلك لا عجب أن نكون مقرّبين.”
ظهر الحنان على وجهه وهو يتحدث:
“لولا أن خالتي أخذتني وربّتني، لكنت متُّ متسولاً في الشوارع.”
تأملت سول ها في صمته الهادئ، ثم تمتمت:
“إذاً لا عائلة لك.”
ابتسم بمرارة:
“إنها عائلتي الوحيدة، سواء اعتبرتني كذلك أم لا.”
عندها تدخلت سو يونغ-يونغ بخجل:
“كنتُ أشعر أن بينك وبينها علاقة خاصة، لكن لم أتخيل أبداً أن ابن أخت السيدة بايك هو نفسه نائب قائد فرقة هوانغ-رونغ.”
لكن حين تذكرت سول ها الرجل الذي رأته في الغرفة سابقاً، أدركت أنه لا يشبه أون سوك-هو إطلاقاً.
و خالته لا تملك أقارب آخرين…
إذن أذاك الرجل… حقاً مجرم؟
بدأت تفهم لِمَ تحرص العمة على إخفائه، ولماذا يُعد نقطة ضعف.
مهما كانت العلاقة بينهما، فهناك أمران واضحان:
إما أنه شخص ذو أهمية كبرى حتى جعلها تتنحى جانباً.
أو أنه ببساطة شخص عزيز جداً عليها.
تلألأت عينا سولها بحدة.
لقد أصبحت تملك خيطاً كافياً لتغيّر مجرى اللعبة.
سألت فجأة:
“كيف هي السيدة بايك حقاً؟”
ارتبك أون سوك-هو من السؤال المفاجئ. فأكملت:
“سمعت الكثير عنها، لكن لم ألتقِ بها مباشرة من قبل.”
أخذ وقتاً يفكر، فبادرت يونغ-يونغ قائلة:
“إنها سيدة عادلة وطيبة. لا ترفع صوتها أبدا، ودائماً تعتني بخدمها. لهذا يحبها معظمهم.”
ومع ذلك، كان في عيني سول ها بريق مختلف: الطيبة مقرونة بقدرة صارمة على القيادة.
قال أون سوك-هو بجدية:
“صحيح، لكنها لم تكن لينة فقط.”
نظرت سول ها إليه باهتمام، بينما بدت يونغ-يونغ مضطربة.
تابع قائلاً:
“لم ترفع صوتها قط، ولم تغضب بشدة، لكن…”
توقف لحظة، ثم أردف بحزم:
“لم تكن مجرد امرأة عطوفة، بل كانت صارمة أيضاً.”
أطرقت يونغ-يونغ برأسها مرتبكة، فيما نظرت سولها بتمعن.
قال وهو يبتسم بمرارة:
“كانت أكثر صرامة معي تحديداً. ربما خشيت أن تثير حولي الشبهات أو تكثر الأقاويل.”
ثم تذكر تلك الليالي حين كانت تمسح على رأسه بدفء، وكيف كانت تصلح ملابسه الممزقة بسبب التدريب بلا كلل.
“كانت تتمسك بالمبادئ، ولا تساوم بسهولة في أي أمر.”
سألته سولها:
“حتى مع نائب قائد فرقة هوانغ-رونغ؟”
“معي أكثر من غيري.”
فارتسمت على وجهها ملامح من فهمت مغزى الأمر.
قالت ممازحة:
“مفاجئ. ألم تشعر بالاستياء من ذلك؟”
ابتسم ابتسامة دافئة، وقد بان في عينيه أثر الامتنان أكثر من الحزن.
قال:
“في طفولتي… لا أنكر أنّ الأمر حدث أحيانًا.”
“أما الآن، فليس كذلك؟”
لم يأتِ جواب، لكن الجميع أدرك الإجابة بالفعل.
وتحت نظرات الاستغراب الموجهة نحوه، حرّك أون سوك-هو شفتيه ببطء.
“الشخص الذي لم يكن يساوم أبدًا في المبادئ والقوانين… هو بالذات من تغاضى عن ذلك.”
عينا كيم سول-ها تلألأتا مثل عيني طائر جارح يترصد فريسته.
“يا إلهي… السيدة بايك؟”
حتى سو يونغ-يونغ بدت مذهولة.
“وهل في ذلك ما يثير الدهشة إلى هذا الحد؟”
“طبعًا يا آنسة! نحن بيننا مزاح دائم أنه لو جُسّد القانون والنظام في صورة إنسان لكانت السيدة بايك.”
قالت سو يونغ-يونغ بحماس، ثم التفتت متأخرة تراقب وجه أون سوك-هو، الذي أومأ مؤكدًا كأنه يروي أمرًا لا يقبل النقاش.
“صحيح أنها لم تُظهر عاطفة جياشة، لكنها كانت تعبّر عن حبها بهذا الشكل.”
“……”
“لذلك… كان الأمر مقبولًا.”
عينا سول-ها تألقتا ببريق مفاجئ.
امرأة عُرفت بالتزامها الصارم بالقوانين، حتى صار خرقها للمبدأ حدثًا يُتناقل كخبر جلل، ومع ذلك كانت الاستثناء الوحيد أمام أقاربها من دمها.
“آنسة؟ بمَ تفكرين بعمق هكذا مجددًا؟”
نظرت إليها سو يونغ-يونغ بقلق، كأنها تخشى أن تعود سول-ها لفكرة القفز فوق السور مثل تلك المرة.
لكن سول-ها هزّت رأسها بخفة مبتسمة.
“لا شيء.”
لقد خطر لها الآن طريقة لإقناع السيدة بايك.
“قبل قليل، سألتَ عن حال السيدة بايك، أليس كذلك؟”
كان واضحًا أنها تُغيّر الموضوع، لكن أون سوك-هو لم يبالِ، بل أصغى بانتباه.
“إنها بخير. ليست مريضة مرضًا خطيرًا.”
“……لكن رائحة الدم التي انبعثت منك آنذاك كانت واضحة!”
“اصطدمتُ بالطبيب.”
رمقها أون سوك-هو بنظرة متشككة. فما شمه لم يكن مجرد رائحة دم عابرة، بل رائحة قوية نفذت إلى ملابسها، وهو ما لا يحدث بمجرد احتكاك بسيط.
“الطبيب كان مغطى بالدم.”
“ماذا؟!”
“قال إنه استُدعي على عجل ولم يجد وقتًا لتهيئة نفسه.”
بكل هدوء وبرود، ألقت سول-ها الجواب، بينما كان أون سوك-هو يحدق بها محاولًا التمييز بين الحقيقة والكذب.
“إن لم تصدقني، يمكنك الذهاب بنفسك وسؤال الطبيب.”
“من هو ذلك الطبيب الذي اصطدمتِ به، آنستي؟”
وكأنها انتظرت هذا السؤال، ردّت فورًا:
“الطبيب يو.”
“هل تقصدين… الطبيب يو وون-كانغ؟”
“نعم.”
حمّلت سول-ها الشكوك كلّها على الطبيب يو.
لكنها كانت مطمئنة، فقد سبق أن رتبت الأمر بكلمة معه، وستسير الأمور كما يجب.
‘إنه ليس بطيئ الفهم…’
شعرت بالذنب قليلًا لإلقاء التبعة عليه، لكنها كانت واثقة أن يو وون-كانغ سيفهم أن هذا أفضل من تعقيد الأمور أكثر.
‘وهكذا انتهى الأمر لصالحنا.’
وبعد أن أزاحت عن كاهلها هذه الورطة، اعتدلت سول-ها ورفعت صدرها بثقة وكأنها بريئة تمامًا.
“حسنًا آنستي. لقد تأخر الوقت، سأغادر الآن.”
لكنها عرفت في داخلها أنه لا يغادر بسبب الوقت، بل لأنه حصل على كل ما أراد معرفته.
فأجابته بخفة:
“شكرًا لك على ما فعلت سابقًا.”
“أيّ أحد رأى ما حدث آنذاك سيمدّ يده ليساعدك.”
“لكن في النهاية… أنت من أمسك بي، يا نائب القائد أون.”
عندما سمع كلمات الامتنان، انحنى أون سوك-هو قليلًا ثم غادر الغرفة.
“هاااه… فعلًا تصرف كأنه مقاتل.”
تنهدت سول-ها بتعب.
لكن الحقيقة، أن الأمر لم يكن صعبًا لأنه مقاتل، بل لأنه من أقارب السيدة بايك نفسها.
“دعيني أساعدك في تبديل ملابسك يا آنسة.”
بمساعدة سو يونغ-يونغ، خلعت سول-ها زيّ الخادمة الذي ارتدته. ثم مدّت يدها إلى ثوبها الأصفر.
“لا، هذا لن أبدّله.”
“……ماذا؟”
“ما زال أمامنا مكان لنذهب إليه.”
“……في مثل هذا الوقت المتأخر؟!”
أشارت سو يونغ-يونغ إلى النافذة حيث كان الظلام قد غطى المكان، وارتجفت من الفزع.
لكن سول-ها ابتسمت في وجهها قائلة:
“بالنسبة لي… هذا ليس ليلًا متأخرًا جدًا. بل بالعكس، كلما كان الظلام أعمق، كان الأمر أفضل.”
حدّقت بها سو يونغ-يونغ بقلق شديد، فيما راحت سول-ها تبتسم بهدوء.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
التعليقات لهذا الفصل " 17"