“أنا سريع البديهة، أليس كذلك؟ “
ومضة غريبة عبرت في عيني كِم سول-ها.
“فقد نشأتُ وأنا أرى وأتعلّم.”
“ترى و تتعلم؟”
“ألم تعلموا؟ السيدة “بايك” خالتي.”
عند هذا، استدارت كطم سول-ها بسرعة، وفي نظرتها سؤال: هل هذا صحيح؟
فأومأ أون سوك-هو برأسه تأكيدًا.
“سألتُ بلا فائدة إذًا.”
نقرت كيم سول-ها بلسانها بخفة، وتقدّمت واقفة بمحاذاة أون سوك هو.
“إلى متى تنوي السيدة بايك غض الطرف عن تمادي السيدة هونغ؟”
“… لا أفهم ما تقصدينه.”
“كيف لا تفهم؟ لا بد أنك شهدتَ أمورًا كثيرة بعينيك.”
ابتسمت كيم سول-ها ابتسامة ساخرة، فكأنما أصابت كلماتها موضعا حساسًا في أون سوك هو، الذي بدت على وجهه ملامح الخسارة.
“أم أن بيدها نقطة ضعفٍ تضغط بها عليها؟”
“… أبدًا، لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا.”
لكن رغم النفي القاطع، لم يكن جوابه خاليًا من الاضطراب.
لن يكون من السهل أن يصرّح بما يعرفه.
لذا، فالأجدر أن أبحث في ذلك بنفسي.
وبينما حسمت كيم سول-ها أمرها سريعًا، ألقت عليه سؤالًا آخر:
“فلنتجاوز هذا، إذًا. هل تعرف شيئًا عن فساد السيدة هونغ؟”
“كل ما أعرفه، لا يخرج عن نطاق ما تعرفونه أنتم أيضًا.”
طرقت كيم سول-ها بأطراف أصابعها على طرف تنّورتها.
“هل هناك ما يصلح أن يكون دليلًا قاطعًا؟ وإن لم يكن، فحتى الشائعات مقبولة. أي شيء يمكن أن يحاصرها في زاوية ضيّقة.”
“لو سألتِ الخدم لكان أصدق. أمّا أن تسأليني أنا…”
“الجميع يعرف أن السيدة بايك أولت هوانغ ريونغ داي* عنايةً فائقة.”
*يقصدون مكان التدريب هذا*
نظرة كيم سول-ها الحادة أوحت له بأنها ترى السبب الحقيقي في ذلك يعود إليه هو شخصيًا، فتنهّد أون سوك هو.
“لو كانت قد جنَت أرباحًا من وراء هذا، فلابد أن هناك سجلاتٍ منفصلةً كتبتها.”
“سجلات، إذن.”
ظهرت الخيبة في عيني كيم سول-ها. كانت دان سوريون قد وعدت بمحاولة سرقتها، لكن لا يمكن أن تُعلّق كل الآمال على ذلك وحده.
لا بد من تجهيز خطط أخرى احتياطية.
وبينما كانت غارقة في تفكيرها، بادرها أون سوك هو بسؤال بدا مفاجئًا:
“فيم تفكرين؟”
“لا أفهم ما تعنيه.”
“لطالما كنتِ صامتة هادئة، بلا حراك.”
تقاطعت نظراتهما، في عينيه بريق يشبه رغبةً في سبر أعماقها، فشبكت كيم سول ها ذراعيها وقالت:
“صحيح، كنتُ كذلك.”
“لكن الآن… هل تدركين كيف قد يراك الآخرون؟”
“وكيف لا أدرك؟”
“قد يكون الأمر عاديًا قبل أن تُشهري سيفك، أما بعد أن فعلتِ، فكل شيء يتغيّر.”
كأنما أراد أن يقول: إن لم تكن لديك عزيمة حقيقية، فتوقفي عند هذا الحد.
ومن وجهه الجامد كالثلج، أحسّت كيم سول ها بشيء من القلق عليها.
قلق؟ من ذلك الوجه المتجمّد كالجليد؟
قهقهت بخفة، نافيةً الفكرة عن نفسها.
“إذن، هل كان عليّ أن أبقى ساكنة، أُسحق حين يُسحق الناس، وأُركَل حين يُركَلون؟”
“….”
“ربما كان ذلك ممكنًا فعلًا.”
لو أنهم لم يتجرّؤوا على المساس بـ إيون-سول و ها دو وون، لربما كانت اختارت أن تحيا كذلك.
“غير أنّ من أراد ذلك، عليه أولًا أن يحترم حدوده.”
عيناها البارقتان أطلقتا وميضًا مرعبًا.
“فأنا لا أطيق أن أُضرب صامتة.”
إنْ فُرض عليها أذى بلا سبب، فسوف تخلق هي السبب.
وإن جاؤوا يبطشون بأهلها ظلمًا، فسوف تُريهم معنى الألم الحقّ.
“لقد تغيّرتِ.”
“تتكلم وكأنك تعرفني جيدًا.”
قالت كيم سول ها وهي تتكئ على رجلٍ واحدة، تحدّق فيه بنظرة مائلة.
“أعلم أنك تودين أن تسألي الكثير عن خالتي، لكني حقًا، لا أعرف شيئًا.”
“أهكذا هو الحال؟”
“يقال إن حالتها الصحية سيئة جدًا، حتى إنها لم تسمح لي برؤيتها.”
فاجأتها هذه المعلومة، إذ لم يسبق أن سمعت أنّ السيدة بايك مريضة.
“وأين تقيم الآن؟”
“في أحد الملحقات الجانبية التي وُهبت للخدم. لكن حتى لو ذهبتِ، فلن يسمحوا لكِ بلقائها.”
“وهل مضى وقت طويل منذ آخر مرة التقيت بها؟”
“أظن أنه مضى سبعة أيامٍ بلياليها.”
تأملَت كيم سول ها جوابه، وراحت تربط الخيوط المبعثرة في ذهنها.
لا بد أن أراها بنفسي.
إن كان حدسها صحيحًا، فلا شك أن السيدة بايك واقعة تحت قبضة هونغ يونغ ريونغ أو مو يونغ هوا، بسبب نقطة ضعف.
لكن المشكلة أنّها سمعت دومًا أن السيدة بايك امرأة نزيهة نقية.
فمن المستبعد أن يكون السبب مالًا أو فسادًا.
غير أن أي بديل آخر لم يخطر ببالها بوضوح.
نظرت مليًّا إلى أون سوك هو.
“ولماذا تنظرين إليّ بتلك العيون؟”
“هل اقترفتَ يومًا فسادًا أو شيئًا يُمسك عليك دليلًا؟”
“أبدًا، لم أفعل.”
ظهرت العروق بارزة على جبهته من شدّة انفعاله، فهزّت كيم سول ها رأسها إقرارًا، ببرود.
“إذن لا بأس.”
كانت قد حصلت على ما يكفي من المعلومات.
“شكرًا لك، لقد ساعدتني كثيرًا.”
ولما أدارت ظهرها، متجهةً مبتعدة، ناداها أون سوك هو بعد تردّد:
“يا آنسة…”
“ماذا؟”
“هل أنتِ واثقة من نفسك؟”
ابتسمت كيم سول ها ابتسامة ساخرة، كأن السؤال لا يستحق الإجابة.
“أخبرتك. لا أطيق أن أُضرب ساكتة.”
مهما كلّف الأمر، سوف تجد الطريق وتظفر بالجواب.
“أتمنى أن تحققي ما تتمنينه إذن.”
“شكرًا على التشجيع.”
ومضت بخطواتٍ ثابتة مبتعدة عنه، بينما كانت “سو يونغ يونغ” تهتف بدهشة:
“واو! لم أتخيّل أن السيد أون يمكن أن يقول شيئًا كهذا.”
“يبدو أنه ثرثارٌ أكثر مما خُيِّلَ إليَّ.”
“أبدًا! إنه عادةً رجل صامت للغاية.”
وعند دهشتها، تمتمت كيم سول-ها:
“لا بد أنه أحس بشيءٍ غير مريح.”
وهذا ما جعله يُفصح عن أكثر مما ينبغي.
كان يجدر به أن يساعدني بوضوح أكبر…
لكن مع ذلك، فالمعلومات الجديدة لم تكن بالقليلة.
رفعت كيم سول-ها رأسها، تنظر إلى السماء.
وبعد طول تجوالها في ذلك اليوم، بدا الأفق مشوبًا بلون المغيب.
وعندما يحلّ الليل…
” يبدو أن التحرك سرًا سيكون أفضل.”
“عفواً؟”
“لأنني في المساء يجب أن أعود إلى جناحي، أليس كذلك يا يونغ-يونغ؟”
“ليس تمامًا. هل لديك ما تودين أن تأمريني به؟”
“جيد إذن. لنتناول الطعام معًا أولاً ثم نتحرك بعد ذلك.”
في ذلك الوقت، لم تكن سو يونغ-يونغ تعرف ما الذي يدور في ذهن كيم سول-ها، لكن بعد أن أنهت الطعام وواجهت ما حدث، أصيبت بالذهول.
” آه، آنستي… هذا… ما الذي…!”
«لم يكن لدي خيار آخر.»
كانت الحراسة أشد صرامة مما توقعت، ولم يكن تودد يونغ-يونغ وحده كافيًا لفتح الطريق.
إذن، لم يبقَ سوى حل واحد.
“أنتِ ابقي هنا.”
“آنستي! لو أمسك بك الحراس فقد تتعرضين للأذى، ما الذي تفكرين فيه!”
“لذلك جئتُ هذه المرة بثياب مختلفة، أليس كذلك؟”
تحت زيّ خادمات قاعة العلاج ظهر بوضوح رداء قديم مطرّز بخيوط ذهبية يلمع في الظلام.
“لكن مع ذلك! ماذا لو تأذيتِ؟ الجدار عالٍ جدًا!”
” إذن ساعديني فقط لأتسلق الجدار قليلاً. لن أتأخر، أعدك!”
تجمّدت يونغ يونغ وفغرت فاها. فهي، التي لطالما عُرفت بالدهاء والبديهة، لم يخطر لها يومًا أن تواجه موقفًا كهذا.
“إن لم تساعديني فسأجرب تسلقه وحدي.”
قفزت سولها لتضع قدمها على الجدار وتمددت لتتشبث، لكنها انزلقت بسرعة.
“آآه! لا! سأساعدك! استخدمي كتفي!”
صرخت يونغ يونغ بيأس، وهي تقدم كتفها لسيدتها.
“سأذهب معك!”
“لا. إن حدث خطب ما، فسأتمكن أنا من النجاة بسهولة، أما أنتِ فلا يسمح لك مقامك بذلك.”
” لكن… لكن! قد تكون هناك مخاطر، كيف أترككِ تذهبين وحدك!”
“أخبرتكِ أنني سأعود بسلام.”
أصرّت سول ها بصلابة، فاغرورقت عينا يونغ يونغ بالدموع. وضعت سولها قدمها بثبات على كتفها ثم تسلقت الجدار بمهارة، والتقت عينا الاثنتين للحظة.
“إذا ساء الوضع، أفصحي عن هويتك فورًا واخرجي. وإن احتجتِني، تعالي إلى هذا الجدار وناديني، سأنتظرك بالخارج. إتفقنا؟”
“أعدكِ بذلك. فلا تقلقي.”
لوّحت سول ها بيدها، ثم قفزت بخفة خلف الجدار واختفت.
تركت يونغ يونغ تدور في مكانها قلقًا قرب الجدار.
في الوقت نفسه.
دخلت سولها بأمان إلى مسكن السيدة بايك واختبأت مسرعة في الظلام بعيدًا عن أضواء المشاعل.
“نحتاج المزيد من العقاقير.”
” لم يعد ذلك ممكنا… الوضع صعب.”
“إذن سأضطر لإبلاغ السيدة بايك بالأمر.”
“ت… تمهل! سأعطيك! سأعطيك المزيد!”
ارتفع صوت رجل عجوز مألوف. نظرت إليه سول ها بدقة.
“الطبيب يو؟”
يبدو أن يو وون-كانغ كان أيضًا يتولى فحص السيدة بايك.
“غريب…”
لم يكن غريبًا أن يكون الطبيب يو صارمًا، لكن تصرفات الرجل ذو اللحية الصغيرة المدببة، الذي تظاهر بالغرور ثم بدأ يتصبب عرقًا، أثارت الريبة.
“على كل حال، أنصحك أن تكون أكثر حذرًا.”
“أنا فقط أؤدي واجبي.”
“ها! كل التظاهر بالطيبة لن ينفعك. تبا!”
بصق الرجل على الأرض غاضبًا، ثم استدار وخرج بخطوات متعجرفة.
ظل يو وون-كانغ يحدق في الباب قبل أن يتهيأ للرحيل، لكن عندها ظهرت خادمة مسرعة ترفع طرف تنورتها.
“أيها الطبيب يو! السيدة تعاني نزيفًا حادًا مجددًا!”
” يا إلهي… عليّ المرور بقاعة العلاج سريعًا. لا تدعوا أحدًا يدخل غرفتها!”
خرج يو وون-كانغ على عجل، بينما هرولت الخادمة في اتجاه آخر.
تبعت سولها آثارها بخفة.
بعد قليل، وصلت الخادمة إلى إحدى الغرف وخرجت تحمل كومة من القماش الملطخ بالدماء.
حبست سولها أنفاسها وهي تراقب، ثم ما أن غادرت حتى تسللت إلى الداخل.
“…ليست السيدة بايك!”
تجمدت سولها. كان الرجل في الداخل غارقًا في الدم، وجهه ملطخ تمامًا، وقد لُفّ جسده كله بالضمادات.
من النظرة الأولى بدا واضحًا أنه أصيب بجروح قاتلة.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
التعليقات لهذا الفصل " 15"