3
الفصــ ٣ ـل
كان عليها أن تفهم الوضع أولا .
لم يكن لدى إيلا شيء عن عدوها سوى إسم واحد بلا لقب أو أية تفاصيل .
فقط بايرون .
أليس من الغريب أن تكون هذه المعلومة الوحيدة هي كل ما تعرفه عن الرجل الذي نادته بـ “الأب” لِسنوات طويلة ؟
حتى هذا الاسم لقد عرفته في لحظاتي الأخيرة من فم شخص آخر .
فقدت عائلة الدوق ابنتهما وهيَ في الثانية من عمرها .
وعاشت إيلا حتى السادسة عشرة وعادة إلى منزل الدوق في الرابعة عشر عاما كإبنة لبايرون .
كانت تعرف نوع الخمر الذي يُحبه والطعام الذي يفضله .
كانت تعرف كيف تجعله يبتسم ويدللها بحنان .
لكن عن حقيقة شخصيته لم تكُن تعرف شيئا .
فأصدرت لسانها صوت استهجان لنفسها مدركة سذاجتها .
لكن هذا الواقع كان مختلفا عن حياتها السابقة .
الآن عرفت من تكون ومن هوَ عدوها الحقيقي .
على الأقل لن تكون بعد اليوم لعبة في يد ذلك الشيطان بايرون .
“آنستي هل عُدتِ لنوم مُجددًا ؟ لماذا أنت ُ بطيئة هكذا ؟ إن استمرتِ هكذا سينزعج السيد !”
كانت لورا تطرق الباب القديم بقوة كأنها ستحطمه وهي تحثني على الإسراع .
يبدو أنها لن تمنح إيلا حتى لحظة لترتيب أفكارها .
في الحقيقة لم يكُن التفكير المنعزل في هذه الغرفة سيغيُر شيئا .
كانت المعلومات التي تملكها قليلة جدا .
لم تعرف حتى عمرها بالضبط أو أين هي الآن .
“سأخرج حالا .”
أجابت إيلا على لورا ثم غمرت وجهها في ماء الحوض البارد .
شعرت وكأن ذلِك البرد يُنعش رأسها .
هذا الإحساس الحي كأنها حقا عادت إلى الحياة .
مسحت إيلا وجهها بالمنشفة التي تركتها لورا على الطاولة ثم ارتدت الثياب الموضوعة بجانبها .
كانت ملابس تدريب على طراز الفروسية التي اعتادت ارتداءها في طفولتها .
تنفست بعمق لتستعد نفسيا ثم خرجت من الغرفة .
استقبلتها لورا بتذمر وهي تقول :
” لماذا تأخرت هكذا ؟ ألا تحبين التدريب الصباحي ؟ لماذا تتصرفين هكذا يا آنستي ؟ سأضطر لإخبار السيد !”
حتى في طفولتها كانت لورا تتصرف كأنها السيدة هُنا .
في منزل الدوق كانت تحترم إيلا أمام الآخرين لكن عندما كانتا بمفردهما كانت تتغير .
لم تكن إيلا تدرك غرابة هذا التصرف عندما كانت تعيش مع لورا وأتباع بايرون فقط .
لكن بعد أن عاشت مع خدم الدوق الذين أحبوها واعتنوا بها أدركت الفرق .
لو كانت إيلا حقا ابنة بايرون لما عومِلت هكذا .
حتى لو لم يحبوها كما فعل خدم الدوق لكانوا على الأقل احترموها إنسانيا .
“هل تسمعينني ؟”
“نعم أسمعك .”
في الماضي كانت إيلا ستقلق وتحاول إرضاء لورا خوفا من غضب بايرون .
كان خذلان بايرون أسوأ ما في العالم بالنسبةِ لها .
ربما لم تكن لتتأخر أصلا لكن لورا كانت ستجد طريقة لتوبيخها على أي حال .
لكن لورا لاحظت تغير إيلا فحدقت بها بنظرة مُتعجبة .
كان من الطبيعي أن تشعر لورا بالحيرة .
فالكلبة التي كانت تهز ذيلها لإرضاء السيد حتى الأمس أصبحت فجأة لا تُطيعُها .
أجل كلبة .
بالنسبة لبايرون كانت إيلا مجرد كلبة صيد .
كلبة يتخلص منها بعد انتهاء الصيد .
كلبة غبية تهز ذيلها دون أن تدرك أن سيدَها يخطط للتخلص منها .
لكن الآن كل شيء تغير .
من اليوم فصاعدا ستصبح إيلا كلبة شرسة تنتظر الفرصة لتنقض على عُنق سيدها .
بالطبع ستظل تهز ذيلها ظاهريًا كما كانت دائما .
حتى تكتشف حقيقة بايرون وما يخطط له .
كانت تصرفاته مريبة للغاية .
لم يكن مجرد قاتل يريد اغتيال دوق .
في السابق عندما كانت تثق به عمياء لم تلحظ شيئا .
لكن الآن أدركت أن كل شيء فيه شبهة .
كيف يمكن لشخص مثله أن ينجح في اقتحام بيت الدوق ؟
حتى لو استغل انشغال الجميع بعيد ميلادها .
كانت عائلة فايسهافن الدوقية درعا قويا لإمبراطورية بيليس .
كان لديهم فرقة فرسان قوية وجيش عظيم .
حتى قصر العاصمة الذي أقامت فيه إيلا كان محصنا بشدة برجال فرسان ماهرين .
كيف يمكن لرجل يعيش مختبئا في الجبال أن يملك جيشا قادرا على اختراق هذه الحُصن ؟
كان هناك شيء آخر مريب .
رغم حياته المنعزلة في أماكن نائية كان بايرون يعيش دائما بترف .
من أين كان يأتي بكل هذا المال بلا انقطاع ؟
في طفولتها لم تكن تفهم قيمة المال .
لكن بعد أن تلقت تعليمها في بيت الدوق أدركت مدى تكلفة ما يرتديه ويأكله بايرون .
“بالتأكيد هناك شيء ما . شيء لا أعرفه بعد .”
ضغطت إيلا على قبضتها بقوة وهي تفكر .
خرجت خلف لورا إلى خارج القلعة القديمة .
كان الصباح لا يزال مبكرا والسماء غائمة قليلا .
نظرت حولها فلم تر سوى غابات كثيفة وجبال شامخة .
كانت طفولتها دائما هكذا .
غابات مجهولة وقلاع مهجورة تنتقل بينها كل بضعة أشهر .
حتى لو أرادت قتل بايرون الآن فلن تستطيع الهرب مِن هذهِ الغابة بجسد طفلة .
كانت تحتاج إلى يوم كامل على ظهر حصان لتصل إلى أقرب قرية .
لكنها لا تعرف ركوب الخيل أصلا .
كان بايرون يعلمها كل شيء لتصبح سلاحا بشريا لكنه لم يعلمها ركوب الخيل أبدا .
ربما ليضمن بقاءها تحت سيطرته .
لم تفكر إيلا في السابق بالهروب لأنها كانت تثق به ثقة عمياء .
” اليوم حار قليلا رُغمَ أنهُ الصباح . ربما لأنهُ الصيف .”
حاولت إيلا استنتاج عمرها والوضع الحالي من خلال المكان .
لم تكُن ذاكرتها سيئة لكن بيئات طفولتها المُختلفه كانت متشابهة فكان من الصعب تحديد الوقت بدقة .
بدت وكأنها في الحادية عشرة أو الثانية عشرة لكنها لم تكُن متأكِدة .
” لو كان هناك دليل واضح يُساعدني .”
كان من المرجح أن يكون الصيف .
ملابس التدريب التي أعدتها لورا كانت خفيفة وماء الوضوء كان باردا .
حتى لو كانت لورا وأتباع بايرون يعاملونها بقسوة فهم لم يهملوا طعامها أو صحتها .
كان ذلك جزءا من تدريبها لتصبح قاتلة .
جسد ضعيف لا يمكن أن يكون سلاحا فعالا .
” لقد أتيتِ يا آنستي .”
بينما كانت غارقة في أفكارها واجهت وجها لم تره منذ زمن .
كلاود .
معلمها والظل الوفي لبايرون .
بالنسبة له كانت إيلا وجهًا يراهُ يوميًا .
لكن بالنسبة لها التي عاشت عامين في بيت الدوق كان لقاءه بعد غياب طويل .
على عكس لورا التي تحتقرها كان كلاود يعاملها بإنسانية نسبيًا .
لكن هذا لم يجعلها سعيدة برؤيته .
لم تعرف مدى علمه بحقيقة بايرون لكنه كان شريكًا في خداعها واستغلالِها .
” تأخرتِ . هل نمتِ كثيرا ؟”
” آسفة على التأخير .”
لم يكن كلاود يوبخها لكن إيلا أخفت مشاعرها الحقيقية واعتذرت لتجنب إثارة الشكوك .
كانت السماء لا تزال مظلمة قليلا فكيف يعتبرونها متأخرة ؟
نظرت لورا إلى إيلا التي اعتذرت بوجوم كأنها تقول ” كنت أعرف أنك ستتعرضين للتوبيخ ” ثم عادت إلى القلعة لتحضير الطعام .
” ستتناولين الإفطار مع السيد لذا سنكتفي اليوم بتدريب اللياقة البدنية . تدريب الأسلحة سيكون بعد الإفطار “
تحدث كلاود بهدوء لكن كلماته كانت دليلاً مهما لإيلا .
” تدريب الأسلحة ؟”
نظرت إلى يدها مجددا .
لاحظت جروحا جديدة لم تنتبه لها من قبل .
تذكرت أنها بدأت تدريب الأسلحة كالخنجر والقوس في صيف عامِها الثاني عشر .
كانت تلك الجروح من خيوط القوس والخنجر الحاد .
رؤية هذه الجروح التي كانت قد شفيت منذ زمن جعلتها تشعر بشيء غريب .
” إذن أنا الآن في الثانية عشرة .”
كان ذلك يعني أن أمامها أربع سنوات قبل العودة إلى بيت الدوق .
كانت تشتاق للعودة إلى أحضان والديها والاعتذار عما اقترفته لكن أربع سنوات بدت طويلة جدا .
لكن من جهة أخرى ربما كان هذا لصالحها .
خلال هذه السنوات يمكنها كشف خطة بايرون الحقيقية .
ضغطت إيلا على يدها المجروحة بقوة وهي تفكر في الخطوة التالية .
عمــل عــلى الفصــل : 𝒻𝑒𝒻𝑒
التعليقات لهذا الفصل " 3"