1
في غُرفة مظلِمة ، كانت إمرأة تجلسُ وحيّدة .
برؤية الفضاء الواسع ، والمصباح الخافت بجانبها لم يكُن كافيًا لصد ظلام الليل الذي غمر العالم بأسرهِ .
في ذلِك الظلام ، كانت تنتظر فريستها .
رودريك آلان فايسهافن ، هذا هو أسم الرجل الذي سيكون ضحيتُها .
“ أستطيع فعلها … لا ، يجب أن أفعلها من أجل والدي .”
بشعرها الفضي الناعم وعينيها الزرقاوين ، أخرجت خنجرًا من صدرها بتعبير متصلب .
لم يكن الخنجر يتناسب مع فستانها الفاخر الأنيق ، لكنها نظرت إليه بعينين لا تُفصحان عن أسرارها .
خنجر مزخرف بغمد من البلاتين مرصع بألماس بنفسجي ، كان كنزًا عزيزًا على قلب والدها ، لم يسمح لأحد بلمسه .
لكنه أعارها إياه هذه المرة .
لقتل عدو والدها ، الدوق رودريك فايسهافن .
“ يجب أن أنجح … لا يمكنني أن أخيب أمل والدي .”
عزمت أمرها وأخفت الخنجر مجددًا .
من أجل والدها ، عائلتها الوحيدة ، وكل شيء بالنسبة لها ، قررت أن تقتل رودريك فايسهافن .
كأنها عاشت حياتها لهذا اليوم وحده .
لتتمكن من قتله ، تدربت على فنون الاغتيال منذ صغرها ، وتسللت إلى هذا القصر قبل عامين متنكرة بابنته المفقودة .
لحسن حظها ، كانت تشبه كثيرًا إيلا هيلاينغ فايسهافن ، الأميرة المفقودة .
والدها عاش طوال حياته بلا يد يمنى ، قال إن سيف رودريك هو من قطعها .
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد ، بل زعم أن رودريك سلب منه كل ما كان يستحقه .
لهذا السبب ، عاش والدها حياته كلها كمجرم هارب .
وكذلك هي ، تجولت مع والدها من مكان إلى آخر في طفولتها ، حتى تسللت إلى هذا القصر قبل عامين متنكرة بابنة رودريك المفقودة .
كان من المفترض أن يكون قتل هذا العدو مبهجًا ، لكنها شعرت بشيء من الضيق .
لماذا ؟ لم تستطع تفسير هذا الشعور بوضوح .
هل أحست بشيء من العاطفة تجاه رودريك وزوجته أوفيليا ؟
أم أنها خائفة لأنها ستقدم على قتل إنسان لأول مرة ؟
على الرغم من تدربها الطويل على فنون القتل ، إلا أن الفعل بحد ذاته كان أمرًا مختلفًا .
“ لا تفكري بأشياء لا داعي لها .”
وبخت نفسها وهزت رأسها .
هذا العمل ضروري ، للانتقام لوالدها ، ولاستعادة اسمها .
طوال حياتها ، لم تعرف اسمها الحقيقي ولا اسم والدها .
كان والدها يناديها دائمًا “ ابنتي ”، وأتباعه يسمونها “ الآنسة ” فقط .
الجميع يملكون اسمًا ، حتى كلب والدها كان له اسم ، لكنها ، التي يبجلها الجميع ، لم يكن لها اسم .
كانت دائمًا تسأل والدها عن اسمها ، وكان يجيبها دائمًا :
“ معرفة اسمك الحقيقي خطر جدًا . في اليوم الذي أكمل فيه انتقامي ، سأخبرك باسمك .”
عاشت هي ووالدها حياتهما مطاردين ، فصدقت كلامه بأن معرفة اسمها خطر ، وانتظرت .
بعد أن تنتهي هذه المهمة ، بعد أن تقتل عدو والدها ، ستعرف اسمها واسم والدها ، هكذا قد آمنت .
بينما كانت تكافح تلك المشاعر المجهولة التي بدأت تتسلل إلى قلبها ، سمِعت طرقًا على الباب .
“ لقد جاء .”
شعرت بقلبها يهوي .
هل هي غير مستعدة بعد ؟ لا ، لقد أعدت نفسها منذ زمن بعيد ، لكن التوتر الذي اجتاحها لحظة الحقيقة كان لا مفر منه .
“ الآنسة ، الدوق قد حضر .”
“ أخبريه أن يدخل .”
حاولت تهدئة يديها المرتجفتين وفتحت فمها .
فتح الباب ، ودخل رودريك فايسهافن .
رجل ذو شعر أسود وعينين زرقاوين ، في الأربعين من عمره ، لكنه يمتلك جسدًا قويًا لا يعكس سنه .
أعظم سياف في الإمبراطورية ، ورب عائلة فايسهافن ، حامي الإمبراطورية .
كان دائمًا يقظًا بعينيه الحادتين ، لكنه مع ابنته كان أبًا حنونًا .
“ جئت يا إيلا ، ماذا كنتِ تفعلين دون وجود إضاءة ؟”
دخل الغرفة مبتسمًا ببشاشة ، لكن شيئًا في قلبها كان يطعنها بإبرٍ حادة .
يا للغباء !
لا يعلم أنه دخل إلى فخ يستهدف حياته ، ومع ذلك جاء مسرعًا حين نادته ابنته .
كان بإمكانها أن تسخر من غبائه ، لكنها لم تستطع .
“ لسيت أول مرة أتي إلى غرفتك ، لكن هذا يشعرني بالتوتر .”
خدش رودريك مؤخرة رأسه بإحراج وهو يتقدم إلى الغرفة المظلمة .
عندما أغلق الباب وصارا وحدهما ، تغيرت نظرته فجأة إلى حدة .
“ هل يوجد أحد آخر في الغرفة غيرنا ؟”
“ ماذا ؟ لا ، كنت وحدي .”
لم تستطع إخفاء اضطرابها . هل سينكشف الأمر قبل أن تسحب الخنجر ؟
في الحقيقة ، كان هناك شخص آخر مختبئ في الغرفة المظلمة .
شخص أخفته هي .
رودريك ، السيد السياف الذي يتجاوز حدود البشر ، لابد أن شعر بوجوده بحدسه الحاد .
“ ابقي خلفي .”
لكن ، على عكس مخاوفها ، لم يشك رودريك بابنته .
كان يعتقد أنها إيلا فايسهافن الحقيقية ، فكان ذلك متوقعًا .
اقترب رودريك من الخزانة حيث كان الشخص مختبئًا ، وهو يحميها .
كانت هذه فرصة لا تتكرر . أن يعرض ظهره لقاتلة !
إن ترددت الآن ، فلن تسنح لها فرصة أخرى .
أخرجت الخنجر المخفي ، وقمعت أنفاسها ، واقتربت من رودريك بهدوء .
يجب أن تطعنه دفعة واحدة .
كتمت حتى أنفاسها وهي تهم بطعن عدو والدها .
لكن في تلك اللحظة القصيرة ، استدار رودريك وأمسك بالنصل بيده .
“ إيلا ، ما هذا …؟”
نظر إليها بعينين لا تصدقان أن ابنته رفعت سلاحًا ضده .
تمسكت إيلا بالخنجر بكل قوتها لئلا يُنتزع منها .
لم يكن بإمكانها قتله إلا بالمباغتة .
مهما كانت مهاراتها كقاتلة ، كان من الصعب التغلب على رودريك في مواجهة مباشرة .
هل هذه النهاية ؟ هل ستفشل هكذا ؟
بينما كانت على وشك اليأس ، رأت قطرات الدم تتساقط من يد رودريك التي أمسكت النصل .
“ لقد نجحتِ .”
كان النصل مغطى بسم قاتل . حتى لو كان رودريك متجاوزًا للبشر ، لن يستطيع مقاومة هذا السم .
“ لماذا أنتِ …؟”
لم يدرك أن السم يسري في عروقه ، ينهش حياته لحظة بلحظة .
كان وجهه مليئًا بالحيرة .
“ إيلا …”
ظل يردد اسم ابنته ، إيلا ، حتى بدأ السم يؤثر ، فتعثر واستند إلى الحائط .
“ لا تناديني بهذا الاسم ، أنا لستُ إبنتك .”
شعرت بالغثيان ، بالاشمئزاز ، لكنها لم تفهم مصدر هذا الشعور .
هل هو الرعب من رؤية إنسان يموت أمامها ؟ أم الكراهية لمن دمر حياة والدها ؟
“ إيلا … أبنتي …”
حتى وهو ينهار ، لم تظهر في عينيه أي لوم ، بل شوق ، ندم ، ومحبة لا نهائية .
لماذا ؟
“ أنا آسف ، إيلا … أنا آسف …”
حتى مع أنفاسه المتقطعة ، لم يتوقف عن الكلام ، ينظر إليها بعينين مليئتين بالحب .
يا للغباء !
“ لا ، أنا …”
أرادت أن تنكر ، أن تقول إنها ليست إيلا ، لكن الغثيان منعها من فتح فمها .
وفي تلك اللحظة :
“ رودريك آلان فايسهافن .”
فتح باب الخزانة ، وخرج الشخص المختبئ .
شعر أحمر وعينان كهرمانيتان زاهيتان ، حركات أنيقة ، ويد صناعية بدائية في مكان يده اليمنى .
كان والدها العزيز .
“ أخيرًا ، سأتخلص منك . ألم أقل لك ؟ سأدمرك ، وسأفي بوعدي .”
تألقت عيناه الذهبيتان في الظلام ، ووجهه يفيض بالنشوة .
“ لقد أخذت أوفيليا مني ، وأعطيت مكاني لأخي ، وقطعت يدي اليمنى … فكرت طويلًا كيف أقتلك بأكثر الطرق إيلامًا .”
“ أنت … بايرون …”
تعرف رودريك عليه ، فاتسعت عيناه .
نطق باسمه بصوت ضعيف ، لكن الكلمات الأخرى لم تكن واضحة .
“ نعم ، أنا بايرون . تذكرتني جيدًا . لا ينبغي أن تنسى اسم من خانته بسهولة .”
بايرون ، هذا هو اسم والدها الذي طالما تساءلت عنه .
بدت في عيني رودريك رغبة في قول شيء آخر ، لكن أنفاسه لم تتح له ذلك .
تنفس بصعوبة ، ثم ما لبث أن فارق الحياة .
لم يغمض عينيه حتى .
“ وداعًا ، يا صديقي القديم . لن نلتقي بعيدًا .”
أغمض بايرون عينيه له بابتسامة مفعمة بالبهجة .
كانت عيناه تلمعان بالفرح .
نظرت إليه بهدوء ، وأطلقت أنفاسها المكبوتة .
كان المشهد فظيعًا .
“ يا لكِ من ابنة بارة ، لقد أنجزتِ مهمتك بامتياز .”
اقترب بايرون منها ، التي كانت مشلولة الحركة ، وأخذ الخنجر من يدها .
“ سأستعيد خنجري الآن . أحسنتِ .”
مسح الدم عن الخنجر بملابس رودريك الممدد على الأرض ، ثم أعاده إلى غمده .
ثم ، كعادته دائمًا ، قبل شعرها بعاطفة بالغة .
“ الآن ، كما وعدت ، سأخبرك بإسمكِ . لكن دعينا أولًا نرفع كأسًا للنصر .”
أخرج زجاجة شمبانيا من مكان ما ، وسكب الخمر في كأسين من الكريستال الفاخر .
نظرت إلى الكأس التي وضعها بين يديها .
لم تكن في مزاج للشرب ، شعرت أنها ستتقيأ إن ابتلعت شيئًا .
“ اشربي ، سيشعركِ ذلك بتحسن . ثم نتحدث .”
ابتسم بايرون بعينين متلألئتين وارتشف رشفة أنيقة من كأسه .
رفعت الكأس إلى فمها برد فعل تلقائي ، وسمعَت ضجيجًا من الخارج .
يبدو أن الخطة قد بدأت .
خطة بايرون لمهاجمة القصر بعد أن تقتل الدوق .
أغمضت عينيها بقوة وارتشفت رشفة من الشمبانيا .
شعرت بحرارة السائل تسري في حلقها ، لم يكن شعورًا جيدًا .
يبدو أن الخمر أقوى مما توقعت .
“ هكذا ، جيد جدًا .”
نظر بايرون إليها وهي تشرب الشمبانيا ، مبتسمًا بعينين تلمعان .
في الغرفة المظلمة ، حيث حجبت السحب ضوء القمر ، كانت عيناه الذهبيتان تلمعان وحدهما .
“ الآن ، أخبرني باسمي الحقيقي .”
فتحت فمها ، لكن صوتها بدا وكأنه يأتي من بعيد ، كأن شخصًا آخر يتكلم عبرها .
“ حسنًا ، الوعد وعد .”
ابتسم بايرون وجلس على الأريكة بأناقة ، متقاطع الساقين ، في تناقض صارخ مع جثة الدوق الباردة على الأرض .
“ أسمكِ هو إيلا .”
في اللحظة التي نطق فيها بالاسم ، تدفق الدم من فمها .
“ إيلا هيلاينغ فايسهافن .”
عمــل عــلى الفصــل : 𝒻𝑒𝒻𝑒
التعليقات لهذا الفصل " 1"