ظروفهم (5)
على مائدة الطعام غير المريحة، حاولت كايلا جاهدة أن تقوم بما يُفترض بها القيام به بشكل صحيح. وبفضل بيون، أصبح ذهنها صافياً، مما سمح لها بالتركيز على مناقشة جدول زيارة وفد كيروزان بدلاً من الجنون بسبب الجوع.
ومع ذلك، بعد عدة مناقشات، جعل تعليق عابر من بيون كايلا تشعر بالارتباك مرة أخرى.
“إذا ظهرت دوقة موندي مرة أخرى بنفس الطريقة كما حدث اليوم، عندها أخبريها انني أرسلت تحياتي.”
كانت عينا بيون موجهتين نحو كايلا.
كانت كايلا تستخدم أسلوب النبلاء الفريد القادم من العاصمة كراين. كان أسلوباً راقياً و مراوغاً في الحديث، مزعجاً جداً لشخص مثل بيون.
لطالما فضّل التحدث مباشرة. و كانت كايلا تعرف ذلك جيداً، لكن هذه المرة، كان بيون يستخدم نفس أسلوب النبلاء ذي المعاني المبطنة الذي تستعمله هي.
إذا قابلت دوقة موندي مرة أخرى لاحقاً، فلن تكون هناك ردة فعل جيدة بالتأكيد.
إخبار الدوقة بتحيات بيون كان يعني ألا تطرح الأسئلة، بل أن تذهب إلى بيون بدلاً من ذلك. و كان ذلك يعني أيضاً أنه سيتولى حل أي مشكلات تتعلق بتلك العائلة إذا كانت تزعج كايلا.
أديو دي شاسير، دوق أوستين، أبدى أيضاً اهتماماً ملحوظاً.
“لماذا، هل حدث شيء؟”
قبل أن تتمكن كايلا من الرد، أخبر بيون دوق أوستين بصراحة بما قالته دوقة موندي، ثم قاطعه بجفاء.
“هذا ليس شيئاً ينبغي أن تهتمي بشأنه.”
“آه، آسفة.”
الاعتذار الفوري و نظرتها المبتعدة بسرعة جعلا بيون يشعر بالندم على الفور.
كان يعلم أن نبرته و تصرفه كانا صعبين جداً على الأميرة كايلا المهذبة. قبل عودته بالزمن، لطالما حاولت زوجته أن تتحدث معه مهما حصل.
كان ذلك دائماً ينتهي بشكل محرج إما بإجابات مقتضبة منه أو بإهماله لها بقول “هذا ليس شيئاً ينبغي عليكِ أن تهتمي به.” و كان الأمر كذلك منذ الطفولة.
والآن، بعد أن لاحظت كايلا استبعاده الحاد، ربما ستراه وجوداً غير مريح تماماً. كان يظن في السابق أن علاقتهما لا بد أن تكون على هذا النحو، لكن لم يعد الأمر كذلك. لم يكن لدى بيون أي نية لتكرار أخطائه الغبية.
“ما أقصده ، أنه ليس شيئاً يستحق قلقكِ.”
توجهت تلك العينان الزرقاوان البراقتان نحوه مرة أخرى. لمجرد أن كايلا نظرت إليه مجدداً، شعر بيون برضا عميق.
لقد استثمر بالفعل الكثير من قلبه فيها، لذا لم يكن بإمكانه أن يكون على ما يرام إذا انتهى بهما الأمر بعلاقة سيئة. على الأقل، كان يريد أن يكونا على علاقة جيدة.
“بصراحة يا كايلا، كان يجب عليكِ أن تغضبي.”
بالطبع، مع طبيعة كايلا الطيبة، لم تكن لتفعل ذلك على الأرجح. كانت شخصاً يتحمل بصبر لفترة طويلة بينما يغير الوضع تدريجياً خطوة بخطوة.
لو أُعطي لهما مزيد من الوقت، أو لو كانت كايلا تملك صبراً و تحملًا لا نهائيين، لكانت قد تولّت في النهاية السيطرة على قصر لوسينفورد بصفتها الدوقة الكبرى.
لكن لم يكن لديهما الوقت. أربع سنوات كانت فترة قصيرة جداً، و انتهى بهما الأمر بخسارة كل شيء.
“تصرف دوقة موندي بهذا الشكل تجاوز العديد من الحدود”، تمتم أديو بأدب.
“الدوقة و الأميرة مختلفتان”، قالت كايلا بابتسامة طفيفة، مكررة ما قاله بيون لدوقة موندي.
كانت أقرب إلى رفع رسمي لزوايا فمها، لكن بيون أدرك كم مرّ من الوقت منذ أن رأى تلك الابتسامة آخر مرة. كانت شخصاً يعرف كيف يبتسم. حتى الابتسامة الطفيفة كانت تجعل ضوءاً لطيفاً يدور حولها، كما لو أن أشعة الشمس تتبعها وحدها.
“دوقية أوستين المعتمدة من الإمبراطور السابق و دوقية موندي العادية مختلفتان حتى في ظل القانون الإمبراطوري. إنها حالة عبثية”،
قال بيون بجفاء. في الوقت نفسه، لم يكن هناك سبب يجعل الأميرة الثمينة من أوستين تتورط أكثر مع طفل غير شرعي للإمبراطورة.
“يجب ألا يحدث مثل هذا الأمر مرة أخرى، لكن إن حدث، فلا تتجاهليه. عليكِ إخباري، كايلا.”
“شكراً لك.”
كايلا التي كانت تبتسم رسمياً الآن لم تعد مرتبطة به. و كان بيون يعلم أيضاً أن جوابها كان رسمياً تماماً.
****
كان الثلاثة مشغولين للغاية لعدة أيام. بينما كان أديو و بيون يتشاوران مع مسؤولي وزارة الخارجية بشأن كيروزان، كانت كايلا تجري في أرجاء القصر الملكي و ذيل فستانها يتطاير خلفها.
“لو كانت هناك دوقة كبرى للوسينفورد، لكانت الدوقة الكبرى تولّت ذلك.”
ضمّت دوقة موندي شفتيها، لكن مع عدم قدرة الإمبراطورة الحالية على التحرك، كانت الأميرة أوستين هي السيدة الأعلى مقاماً مقارنة بأبناء الإمبراطور غير المعترف بهم.
لم تكن دوقة موندي تشك في أن ابنتها ستصبح الدوقة الكبرى. و كان هذا أيضاً هو الرأي السائد في الأوساط الاجتماعية حتى الآن.
“آه، أمي، لماذا تقولين ذلك؟ بيون لم يتزوج بعد، أليس كذلك؟”
بالطبع، بياتريس رافالي التي كانت تثني والدتها ربما كانت لديها أفكار مختلفة أيضاً.
لأكون صريحة، كانت كايلا فضولية قليلاً بشأن متى أصبحت مقربة بما يكفي لتتحدث عن الإمبراطور بهذه الطريقة غير الرسمية، لكن الآن لم يكن الوقت مناسباً لاكتشاف ذلك.
“هناك الكثير للقيام به!”
حتى الأميرة الرفيعة كانت تصرخ. لم يكن بإمكان الإمبراطورية العظمى، أن تعامل وفد مملكة كيروزان بطريقة رديئة.
تم إعداد جدول يظهر ثروة كرانيا البراقة، ونفوذها، وثقافتها الغذائية المتنوعة، وحفلاتها الفاخرة، من خلال جهود الثلاثة.
آه، كم مرّ من الوقت منذ أن عملت بهذا الشكل الجاد آخر مرة؟ فكرت كايلا وهي تنهار من شدة الإرهاق.
لقد اختارت أطباق الوليمة و موسيقى الرقص، و اختارت ألوان المناديل، و الستائر، و أغطية الطاولات، و الزهور. و راجعت قائمة الضيوف مرات لا تحصى و فهمت كل قضية سياسية دقيقة سيتم مناقشتها.
كل هذا كان من نوع العمل الذي تتقنه كايلا. لقد أدّت دور الدوقة الكبرى ببراعة، و لكن في لوسينفورد، لم يقدّر أحد جهودها.
لا، في الواقع، كان من الصعب تحقيق أي شيء بالشكل الصحيح لأن أحداً لم يتعاون، و غالباً ما كانت تتعرض للسخرية عندما تكون النتائج فوضوية بسبب نقص التعاون. أن تكون دوقة كبرى بلا أي دعم كان أمراً صعباً إلى هذا الحد.
بعد أن أنجزت بسلاسة عملاً تحبه مع محترفين، بدت ملامح كايلا مشرقة.
“واو، لقد كان ذلك ممتعاً……”
فكرة أن لديها جبلاً من العمل غداً أيضاً لم تستطع أن تضعف من فرحتها. شعورها بكونها وجوداً نافعاً جعلها تخلع حذاءها جزئياً و هي تجلس على الأريكة في قاعة الاجتماعات التي جرى إعدادها جزئياً.
“آه…..”
كل شيء كان جيداً، ما عدا أن قدميها كانتا تؤلمانها بشدة. أحد الحذائين طار بعيداً. صحيح، كل ما عليها فعله هو أن تضع الآخر بجانبه، فكرت كايلا و هي ترمي الحذاء المتبقي.
طارت فردة الحذاء إلى أبعد مما توقعت، و ضربت ساق شخص كان يدخل و سقطت على الأرض بصوت مكتوم. انتفضت كايلا من الصدمة ونهضت واقفة. وما إن التفتت تلك العينان البنفسجيتان نحوها، حتى خرج الاعتذار منها عفوياً.
“آه، أنا آسفة!”
أسرعت لاستعادة الحذاء القريب أولاً، بعد أن وطأت الأرض التي تم تنظيفها وكنسها حديثاً.
“أنا آسفة، لم أكن أعلم أن أحداً سيدخل… أنا آسفة جداً.”
لقد ارتكبت خطأً. خفق قلبها و تصبب العرق البارد منها. ماذا يجب أن تفعل؟ من المؤكد أنها ستتلقى نظرة أبرد من برودة لوسينفورد مجدداً.
نظرة باردة للأشخاص فرداً فرداً، مليئة بالاحتقار البغيض و الكراهية اللامبالية. كانت الاعتذارات تتدفق بلا نهاية من فمها بينما كانت يداها الصغيرتان المرتجفتان تتحسسان السجادة بجنون.
كان هذا لا يليق بـ”دوقة كبرى”. كرامة الدوق الأكبر ستتضرر بشدة، و سيراها مخزية تماماً. اجتاحها شعور بالخزي أيضاً.
و قبل أن تتمكن كايلا من استعادة الحذاء الذي ضرب أعلى كاحل الرجل و تدحرج مبتعداً، التقطه الرجل أولاً. كايلا، الجالسة على الأرض و وجهها شاحب، تابع نظرها يده صعوداً.
“كايلا، لا بأس.”
بدلاً من النظر إليها من الأعلى بجسده المنتصب، ابتسم بيون و هو ينحني معها. حدّقت كايلا فيه بعينين متسعتين و كتفيها منكمشين مثل سنجاب يواجه مفترسه الطبيعي أو قطة.
“لماذا ارتعبتِ هكذا؟ هل أخفتكِ؟”
لم تستفق كايلا إلا بعد أن رأت ابتسامته الهادئة و وجهه الجميل، فخرج نفسُها من بين شفتيها الورديتين المفتوحتين قليلاً.
“أنا آسف لأنني أخفتكِ. هل يمكنكِ الوقوف؟”
وعلى عكس الناس ذوي الأصوات العالية في لوسينفورد، تحدث بيون بصوت ناعم و هادئ جداً.
لو لم يخفض صوته من أجل كايلا المذعورة ذات الصدر الصغير المضطرب و العينين المتسعتين، لربما أغمي عليها من شدة الصدمة.
جالسة على أرض قاعة الاجتماعات الضخمة التي ستظل غير مستخدمة حتى وصول وفد كيروزان، كان شعر كايلا الأشقر الباهت يتلألأ في ضوء الشمس، و بشرتها صافية تماماً، و جسدها صغير للغاية.
بدا و كأنها قد تُصاب بسهولة إذا تم التعامل معها بلا حرص، أو ربما تختفي في الضوء المنهمر من النوافذ الممتدة من الأرض إلى السقف.
لطالما كانت كايلا كذلك. مجرد النظر إليها يثير القلق، كما لو أن شيئاً قد ينكسر إذا اقتربتَ كثيراً.
كان الشعور و كأنها هي، أو شيئاً مرتبطاً به، قد يتحطم. لذا، بيون الأحمق، الذي اختار ألّا ينظر مطلقاً معتقداً أن ذلك سيكون أكثر راحة، مدّ يده قبل أن تستعيد كايلا وعيها.
“دعيني أساعدكِ على النهوض.”
رفع بيون بسرعة كايلا التي لم تستطع حتى أن تقول بأنها بخير بشكل صحيح، و أجلسها على الأريكة الكبيرة حيث كانت تجلس في الأصل. وزن فستانها الثقيل لم يكن شيئاً يُذكر بالنسبة له.
“…شكراً لك.”
لم تدرك كايلا أنها استخدمت لغة رسمية إلا بعد أن تمكنت بالكاد من التعبير عن امتنانها. العادة اللغوية التي فُرضت عليها من قِبل بيون طوال أربع سنوات لم يكن من السهل تغييرها.
“لا بأس.”
لكن بيون لم يُشِر إلى ذلك.
أمسك الحذاء الذي كانت كايلا لا تزال ممسكة به ووضعه بعناية إلى جانب الحذاء الآخر الذي التقطه تحت الأريكة. ثم، بدلاً من الجلوس مع كايلا، جلس بشكل مائل على الأريكة خلفها.
جسده، الخالي من أي شحم والمكوّن من عضلات صلبة، كان ضخماً للغاية و حضوره ثقيلاً بنفس القدر. لذا عندما جلس مائلاً على الأريكة الخلفية، شعرت كايلا أن جسدها ينجذب نحوه بطبيعة الحال.
“هذه الغرفة الوحيدة الفارغة حالياً.”
و كأنه قرأ فكرة كايلا بشأن عدم وجود مكان تهرب إليه، قال بيون ذلك بهدوء. وأمال رأسه للخلف ناظراً إلى ملامح وجه كايلا النظيفة والمرتبة.
“عدا قاعة الرقص الكبرى في الطابق الثاني والردهة في الطابق الأول، هناك أشخاص يضجون في كل غرفة صغيرة. كلانا أتى إلى هنا لتجنب الناس، أليس كذلك؟”
بمعنى آخر، لم يكن هناك مكان يمكن الهرب إليه و الراحة فيه بمفردها. كتمت كايلا أنيناً .
مع انحسار البرد وبدء الربيع في إرسال إشاراته، وصلت أشعة الشمس التي أصبحت أكثر دفئاً قليلاً إلى الستائر والسجاد وأغطية الطاولات التي سيتم تغييرها قريبًا ، و أغدقت على فستان كايلا أيضاً.
نظرت كايلا حول قاعة الاجتماعات ذات الأسقف العالية، حيث كانت سلطة الإمبراطور المهيبة ظاهرة بوضوح في كل لمسة و زخرفة عتيقة.
كان ذهنها معقداً، و مع ذلك لم تكن تريد التفكير في أي شيء على الإطلاق. كانت كل أعصابها مشدودة تجاه بيون.
أخفضت كايلا رأسها و قبضت يديها بإحكام وهما مستريحتان على ركبتيها.
كان خدها الأيسر يشعر بالوخز كما لو أنها تواجهه، لكن حتى لو أدارت رأسها، فإن بيون لا يمكن أن يكون ينظر إليها. لذا، كانت هذه مجرد عادة غريبة وُلدت من حب أحمق مهووس من طرف واحد امتلكته منذ الطفولة.
‘كيف لي أن أستمر بهذه العادة حتى أثناء تلقي مثل تلك المعاملة طوال أربع سنوات كاملة؟’
لقد بدا و كأنه ينظر إليها، و كأنه يستمع إلى كلماتها باهتمام، و كأنه بدأ يلبي طلباتها في النهاية.
لذلك، واصلت كايلا التمسك بالأمل. أمل كانت قد نسيته تماماً في سنتها الثالثة كدوقة كبرى.
‘أنا أبدو مغفلة.’
أوقفت كايلا أفكارها الحمقاء ، لا ينبغي لها أن تفكر على الإطلاق.
****
كان الضوء لا يزال هناك. لا، بدا أن الشمس قد تحركت قليلاً باتجاه الغرب.
فتحت العينان الزرقاوان تحت عدد لا يُحصى من الرموش الطويلة لتقدّر اتجاه الظلال الممتدة. بعد أن كانت محبوسة في ذلك البرج، أصبحت أكثر حساسية لاتجاهات الظلال لأنها كانت التغيير الوحيد.
هل غفت قليلاً؟ و بينما تفكر أنه من حسن الحظ أن الناس لم يكتشفوا مكانها بعد، أدركت كايلا أثناء تحركها أنها كانت مستلقية الآن على الأريكة.
وفوق ذلك، كما في السابق، كانت مغطاة بذلك الرداء الأسود الثقيل.
نظرت غريزياً نحو الأريكة التي كانت مستلقية عليها والأريكة التي خلفها و المواجهة لظهرها.
كان بيون، الذي كان ينبغي أن يكون جالساً هناك، قد اختفى. و بدلاً من ذلك، رأت ساقين طويلتين متدلّيتين فوق مسند الذراع. بدا أن بيون أيضاً قد استلقى ببساطة و أغمض عينيه. قبضت كايلا على الرداء بقوة و هي تغلي من الانزعاج. هذا الرجل كان دائماً هكذا.
‘إنه لا يتغير حتى لو ماتت و ولدت من جديد.’
بسبب هذه الأفعال الصغيرة من المودة و الاهتمام التي كان يُظهرها هذا الرجل الفظ أحياناً أن كايلا لم تستطع التخلي عنه. كان الأمر كذلك سابقاً. حقيقة أنها شعرت بالانزعاج من هذه اللفتة المُراعية فقط كانت بالفعل تقدماً هائلاً، بالنظر إلى مدى حبها له من قبل.
كانت تشعر حقاً بالفرح و السعادة إلى درجة أنها لا تعرف ما تفعل. حتى عندما كانت تُعامَل كعديمة الوجود في لوسينفورد دون ذرة من الذكريات الحنينية المتبقية.
حدّقت كايلا بوجه بيون الوسيم بعينين ناعمتين و رموش طويلة تذكر بالإمبراطورة.
‘…هو لا يفعل هذا إلا من أجل بياتريس.’
الآن بعدما تخلت عنه، انزلقت هذه الكلمات بشكل طبيعي.
إذا كان بيون يتصرف بهذه الطريقة تجاه كايلا، فربما كانت بياتريس تملك مثل هذه العلاقة، ليس مع بيون، بل مع الإمبراطور نفسه. تذكّرت كايلا كيف كانت بياتريس تنادي الإمبراطور بـ “فينسنت خاصتنا” مما جعلها تشعر بالغثيان بطريقة ما.
ومع ذلك، فإن أكبر أحمق بين جميع الأشخاص كانت كايلا نفسها. رمت الرداء على بيون كما لو كانت تقذفه.
و بوجهه المغطى و خروجه عن نطاق بصرها، شعرت كايلا بشيء من الانتعاش قبل أن تعيد ارتداء حذائها بسرعة و بدون أي تعبير. كان عليها المغادرة قبل أن يستيقظ بيون.
كانت خطواتها على السجاد الناعم خفيفة للغاية. و بعد أن تعثرت قليلاً بسبب استعجالها، خرجت في النهاية من الباب و أغلقته خلفها بقوة. ثم مشت في الردهة بمشيتها الأصلية المفعمة بالوقار.
بمجرد أن مشت لمسافة كافية لتختفي حول الزاوية، ابتسم بيون تحت الرداء الذي غطاه.
“كلمات صادقة.”
الرداء الذي كانت كايلا قد رمت به تقريباً، أطلق عطراً ناعماً حلواً. برتقال؟ لا، ربما ليمون. عبير فاكهة غامرة، حلوة، و معطرة امتزج مع انتعاش الزهور الصيفية.
و رغم أنك قد تمنى أن يدوم إلى الأبد، إلا أنه كان مجرد عبير عابر يتشبث لفترة ثم يتلاشى، تماماً كصاحبته.
مختفية خلف زهور الدوائر الاجتماعية المتألقة، لكنها تترك أثراً يبقى في الذهن لفترة أطول عند الابتعاد – كان ذلك جوهرها .
وبما أنها غنية جداً بالإضافة إلى نسبها المعتمد من الإمبراطور السابق، فإن رجال المجتمع الراقي لم يستطيعوا سوى الإعجاب بكايلا من بعيد.
أما كايلا نفسها، فلم تكن تهتم بأي رجل آخر، بل كانت تلاحق بيون منذ صغرها، لكن بيون كان على دراية بنظرات أولئك الرجال.
الرجال الذين أعجبوا بها لأنها كانت تجلب الآلات حتى إلى الأماكن الباردة والمظلمة والهادئة، وتبتسم بفرح عند سماع الموسيقى – كانوا جميعهم يتمتعون بمستوى معين من الذوق و الرقي.
كان لديهم الفراغ الذهني للاستمتاع بالموسيقى معها. مثل الأمير إلكانان القادم من كيروزان الآن، على سبيل المثال.
“آه، سموك. كنت هنا؟ دوق أوستين قد وصل من وزارة الخارجية. يقول إن هناك بعض التغييرات الجديدة.”
لف بيون الرداء حوله بشكل خشن وتوجه إلى حيث كان دوق أوستين و كايلا جالسين.
نظرت كايلا، الجالسة بهدوء، إليه بعينيها الزرقاوين قبل أن تبعد نظرها بشكل طبيعي. كانت قد رمت الرداء عليه في وقت سابق، لذا استرقت نظرة نحوه. ابتسم و جلس متعمداً مباشرة أمام كايلا.
كان عليه أن يحفظ مظهرها في ذاكرته مدى الحياة.
التعليقات لهذا الفصل " 7"