كانت المنطقة الشمالية أرضًا فتحتها الإمبراطورية قبل مئات السنين. الآن، يتعايش فيها السكان الأصليون مع الوافدين الجدد، لكن الهجرة إلى الشمال كانت مسموحة، بينما كانت الهجرة إلى أماكن أخرى محظورة بشدّة بأوامر الإمبراطور، مما جعل العلاقة معه متوتّرة باستمرار.
كان سكّان الشمال يزعمون أن الإمبراطور، الذي أمرهم بصـدّ التنين الشرير غاسالانتي، هو مَنٔ يستمر في استفزازه. كانوا يتمتّعون بفخر كبير، وكرهوا الإمبراطور الذي أرسل الطفل بيون إلى هنا دونَ تقديم دعم حقيقي.
و كانوا منغلقين للغاية، و بالتالي كانت العدائية تجاه الغرباء شديدة، مصحوبة بشعور قوي بأن المركز سيحتقرهم.
و الهدف الأساسي لهذا الشعور بالاضطهاد هي الدّوقة الكبرى الشابة التي جُرّدت من لقبها و طُردت في السّابق.
كان لبيون على الأقل فخر بأنه نشأ بينهم. وصل إلى هنا عندما كان طفلاً صغيرًا، و ترعرع و هو يتدرب مع جنود الشمال و يتعلّم تقاليدهم، مما جعله ابن الشمال الفخور ، القادر على التّوجه إلى المركز.
لكن الدّوقة الكبرى التي وصلت إلى لوسنفورد بعد سن العشرين لم تكن كذلك. بالنّسبة لهم، كانت مجرّد نبيلة متأنقة من العاصمة تحتقرهم.
“لا داعي لتلقّي التحيات. لا تهتمي.”
قال بيون ذلكَ للدّوقة الكبرى الجديدة بوجهٍ متصلب و نبرةٍ واضحة و حاسمة.
‘هؤلاء الناس المنغلقون اللعينون.’
ابتلع الشتائم التي دارت على طرف لسانه، و جعل خطواته أبطأ خوفًا من أن تتعب الدّوقة الكبرى وهي تتبعه بمعطفها الثقيل.
كان هناك حشد من سكان قلعة لوسنفورد يصطّفون خلفهما، فتعمّـد استخدام لغة محترمة مع كايلا.
بعد عودته إلى الحياة، أصبح يرى أشياء كثيرة بوضوح.
كما توقع، كان بيون يعتقد أنه كان أحمقًـا لا يستحقّ العيش حتّى مات مرّة واحدة على الأقل ليتعلم الدرس. لكن سكان لوسنفورد كانوا أسوأ.
هل هم يريدون بدأ التنافس مع الدوقة الكبرى بتركها تقـف في البرد؟
حتى لو كانت في الحياة السابقة دوقةً كبرى بلا خلفية بعد أن فقدت عائلتها، أليست الآن الابنة الوحيدة لدوق أوستين الغني و الوريثة القادمة لدوقية أوستين؟
‘سواء كانت خلفيتها مشرقة أو متواضعة، إنهم ببساطة لا يحبون الدّوقة الكبرى. فهمـت.’
فهـمَ الأمر جيّدًا.
كان قد سئـمَ من هؤلاء الناس المنغلقين إلى درجة الاشمئزاز. لم يكن من السّهل تحويل هؤلاء الأشخاص المغرورين إلى جيش من النّخبة بالترغيب و الترهيب.
كان يعلم أنهم أحيانًا يعتبرونه ابن الشمال الذي قاموا بتربيته، و ليس ابن الإمبراطورة. لكنه صبر و تحمّل.
ما الذي كان بإمكانه فعله غير التّحمل؟
لكن الدّوقة الكبرى كانت تتحمّل أيضًا.
هل كان لا يعلم بذلك؟
لا ، كان يعلم جيدًا. لكنه تجاهلَ ذلك و صمت و لم يهتمّ، مما يجعله مذنبًا لا يستحق أن يُعذَر.
“لا، إنه أمر طبيعي، يجب أن أفعله.”
لكن عندما رأى كايلا تـردّ بهدوء، تذكّـر بيون كيف كانت في البداية.
قبل عودته إلى الحياة، عندما وصلت إلى هنا لأوّل مرة، كيف كانت؟
تذكّـر عينيها المتألقتين بحماس لفعل أي شيء.
لكنه لم يـرَ من قبل هذا التمتمة الباردة و الخالية من الحياة.
“يجب أن أتلقى التحيات، سموّك. إذا تسبّبتُ في خرق التقاليد و الآداب، سوف يتمّ لومكَ.”
“هل لأنّني أعمـى بامرأة؟”
ضحكَ بيون بسخرية، فارتجفت كايلا.
“وماذا لو تـمّ لومي؟ لا يهمّني.”
كان يبدو كمَنْ اعتاد على سماع اللوم بسببِ بياتريس، فأخفضت كايلا عينيها للحظة.
داخل قلعة لوسنفورد المظلمة و الباردة، كانت الطرق الحجرية تصدر صوت خطواتها، و النوافذ المصممة خصيصًا مغطاة بالصقيع الأبيض، والشمس تغرب بسرعة، كل شيء كان مألوفًا و مملًا بشكلٍ يثير التنهد.
لكن يجب أن تفعل ذلك.
كانت كايلا، التي تبحث عن طريقة للموت دونَ إلحاق الضّرر بوالدها، هي تعلم جيدًا أن عليها القيام بواجباتها.
هكذا فقط يمكنها أن تموت بضمير مرتاح.
كان من المرهق التفكير في ما بعد الموت، لكن لا يمكنها الموت ببساطة، فأوستين تقـع على كتفيها.
“ومع ذلك، يجبُ أن أتلقّى التحيات.”
عندما أصرت الدّوقة الكبرى، لم يمنعها الدوق الأكبر.
لكن إذا كان لا بد من فعل ذلك، كان عليها أن تجلس في مقعد الدوقة الكبرى في قاعة الاستقبال داخل قلعة لوسنفورد لتلقّـي تحيات من الأشخاص الذين سوف تديرهم، و هي ملفوفة بمعطفه الذي أصـرّ على أن تبقى مرتدية إياه لأن الجو بارد، بينما كان الدّوق الأكبر المتعب من الرحلة ينظر إلى الناس بنظرات حارقة.
“نهنّئكما بصدق على زواجكما. مرحبًا بكِ في الشمال.”
أُضيئت النيران في قاعة الاستقبال، و أشرقت الأضواء. تلقت ابنة دوق أوستين الغنية، التي ترتدي خاتم الإمبراطورة الكبير، تحيات النبلاء الشماليين المنحنين بلا اهتمام، مبتسمة ابتسامة رسمية فقط. كانت بعيدة عن تألّق بياتريس.
نعم، كانت لدى كايلا منافسة قوية: بياتريس، التي زارت لوسنفورد لفترةٍ وجيزة عندما اضطرت لبيع مواد بناء قلعة موندي.
“إنها أقل أناقة من السيدة رافالي.”
سمعت همسات تقول إن كايلا ليست جميلة مثل بياتريس. كان جمال النساء دائمًا موضوع تقييم.
“هي لا تبتسم كثيرًا.”
كان هذا تعليقًا لاذعًا يشير إلى أنها تبدو غير راضية عن قدومها إلى لوسنفورد.
“أليست ابنة دوق أوستين؟ يقال إنها كانت تغرق في الذهب، فما الذي سيرضيها؟”
في النهاية، كانت ثروتها و مكانتها بصفتها ابنة أخ الإمبراطور شوكة في عيونهم، فانتشرت الهمسات المزعجة كضباب سامّ يزحف نحو كايلا.
“يبدو أن صاحب السمو يهتم بالدوقة الكبرى منذُ الآن”
“لو قدمت أوستين تمويلًا عسكريًا، لفعلتُ ذلكَ أيضًا.”
تفقّـد بيون وجوه الذين جاءوا “لرؤية” الدّوقة الكبرى وهم يتهامسون من بعيد.
متى ستُقطع رقاب هؤلاء الأشخاص؟ متى سوف ينقلعون من هنا؟
كانوا يشتمون الإمبراطور أكثر من أي أحد، لكنهم كانوا إمّـا يأخذون أموال كراين خفية، و يبيعون لوسنفورد من أجل إدخال أبنائهم إلى المجتمع الراقي في العاصمة، أو أنهم جواسيس زرعهم الإمبراطور، أو يصرخون مطالبين بالحرب ثم يهربون عند اندلاعها.
كان يجب التّخلص منهم جميعًا.
سيرفع بيون سيفه الحادّ تجاه هؤلاء الأوغاد الصاخبين غير المسؤولين.
إذا قطعَ رقابهم و قدّمها إلى كايلا ، هل سيُخفف ذلك من ذنبه؟
لا، مستحيل.
كل ما عليه هو حماية المرأة التي بجانبه بأمان و إعادتها إلى أوستين قبل أن تهـبّ العاصفة، بعد أن يودّعها الوداع الأبدي.
مجرّد التفكير في ذلكَ كان مؤلمًا.
* * *
ربّما يشعر الأصحاء و المليئون بالطاقة بالغضب أو الرغبة في الانتقام عند رؤية وجوه مكروهة.
لكن عندما عادت كايلا إلى قلعة لوسنفورد، التي بذلت فيها جهودًا كبيرة، و رأت تلكَ الوجوه القديمة مجددًا، شعرت فقط بالإرهاق الشديد.
كانت تعلم جيدًا أن الجهود، و الغضب ، و الصدق أحيانًا، لن يغيّروا شيئًا.
الإهانات، و التعليقات اللاذعة، و النظرات المتعالية، و الإذلال المستمر، كلها كفيلة بإرغام حتّى ملكٍ شامخ على الركوع. فما بالك بدوقة كبرى شابة بلا خلفية؟
“سموّ الدّوقة الكبرى، هذه قائمة الأطعمة التي ستقدَّم في مأدبة الاحتفال الليلة. هل يمكنكِ التحقق منها؟”
حتى في تلكَ اللحظة، لحقت بها رئيسة الخادمات.
التحقق . لم يكن للدّوقة الكبرى أي سلطة على قائمة الطعام، كل ما يمكنها فعله هو النظر إليها.
يبدو أن المأدبة ستمتلئ بأطباق الشمال التقليدية المميزة. ابتسمت كايلا بمرارة وهي تتصفح القائمة، ثم قالت:
“قلتُ إنني لا أستطيع أكل توت تور بسبب حساسيتي، لذا لن أتمكن من تناول هذا الطبق المسمى فيرينكو.”
عند تلكَ الكلمات، رفعت رئيسة الخادمات، التي كانت تنحني بأدب، عينيها بسرعة.
“لكن سمو الدوقة الكبرى، هذا طبق تقليدي لاستقبال الضيوف في لوسنفورد وهو الطبق الرئيسي. يجب أن تتناوليه.”
كانت في الخمسينات من عمرها، أليس كذلك؟
حاولت كايلا تخمين عمر رئيسة الخادمات، الذي لم تعـد تتذكره جيدًا، و ابتسمت بهدوء.
“أعلم، لكنني قلت إنه يضرّ بصحتي.”
“ربّما لأنكِ لم تجربيه بشكلٍ جيّد من قبل؟ إذا تناولتِ المزيد، ستصبحين محصّنة. يجب أن تجربي كل شيء.”
نظرت كايلا بصمت إلى رئيسة الخادمات، دوريس ويندغوت، التي كانت دائمًا تحاول تعليم الدّوقة الكبرى الشابة.
كانت من نبلاء الشمال، و واحدة من العديد الذين زعموا أنهم قاموا بتربية بيون.
كانت تفتخر بلوسنفورد و تؤمن أن من واجبها غرس تقاليد لوسنفورد في الدّوقة الكبرى.
“…سأخبر الطاهي.”
لا يمكن أن تكون هناك رئيسة خادمات تتحدى الدّوقة الكبرى.
لم تـرَ كايلا قيمة في الرد و لم تكن تمتلك القوة لفعل ذلك حتّى ، فنظرت إلى رئيسة الخادمات فقط، التي تراجعت مفزوعة.
لكنها قالت فقط إنها “ستخبر” الطاهي، و لن تغير القائمة.
كانت امرأة عنيدة جدًا.
“ليس سيئًا.”
لن يكون سيئًا إذا تجمّـع نبلاء الشمال الليلة للاحتفال بزواج الدّوق الأكبر.
أرسلت كايلا رئيسة الخادمات بعيدًا و نظرت إلى الغرفة الجديدة. كانت مزيّنة وفقًا لذوق رئيسة الخادمات: صلبة، باهتة ، قبيحة، و بشكل فظيع.
كل شيء في الغرفة كان يصرخ بكايلا: “يجب أن تكوني هادئة و مطيعة!”، مشيرًا إلى فضائل قديمة.
ابتسمت بضعف، ثم جلست على كرسي صلب و بدأت تكتب أول و آخر رسالة إلى والدها.
* * *
ماري، فتاة وُلدت في أوستين، وصلت إلى منصب خادمة ابنة الدوق بفضل ذكائها و اجتهادها، ذات اسم شائع جدًا.
بطريقةٍ ما، أصبحت واحدة من الخادمات الثلاث المخصصات اللواتي تبعن ابنة الدوق إلى لوسنفورد الباردة، و كانت الأصغر سنًا و الأدنى مرتبة.
وقفت مع الخادمات الأخريات، و هي تنظر بقلق إلى ابنة الدوق خلال المأدبة المسائية.
بالنّسبة لماري، كان لقب “الآنسة” أو “الأميرة” لا يزال أكثر ألفـة من “سمو الدّوقة الكبرى”.
لمجرّد أن تكون ابنة دوق أوستين، فهي تظل كذلك إلى الأبـد، إلا إذا أصبحت دوقة أوستين لاحقًا بدل والدها.
“ماري، إذا عـدتِ إلى أوستين، أرجوكِ سلمي هذه الرسالة إلى والدي.”
ما الذي كانت تفكر فيه ابنة الدوق عندما أعطت الرسالة لماري، و ليس للخادمات الأخريات؟
تمنّـت ماري فقط أن يعود الدّوق الأكبر، الذي اعتنى بابنة الدّوق جيدًا خلال الرحلة الطويلة إلى لوسنفورد، بسرعة.
لكن الدّوق الأكبر كان خارجًا مع الفرسان لإجراء طقس إشعال النار. لذا، كانت الأميرة وحيدة، و هي تستمع بصمتٍ إلى نبلاء الشمال بينما يتحدثون بحماس عن “مدى عمق تاريخ و روعة طعم” طبق يُدعى فيرينكو أو فيكو أو شيء من هذا القبيل.
بدأ الأمر هكذا.
توقفت الأميرة، أو بالأحرى سمو الدّوقة الكبرى الآن، عند رؤية طبق اللحم الجاف الذي يبدو بلا طعم، و استدعت رئيسة الخادمات.
“ألـم أقـل إنني لا أستطيع أكل توت تور؟”
سألت سمو الدّوقة الكبرى بهدوء و أناقة.
بالطبع، كانت ماري و بقية الخادمات من أوستين يرون توت تور لأول مرة، و لم يعرفن أن الآنسة التي خدموها طويلًا لا تستطيع تناوله، ففتحن أعينهن بدهشة.
“همم، سمو الدوقة الكبرى!”
لكن رئيسة الخادمات رفعت صوتها فجأة مستغلة غياب الدّوق الأكبر.
“فيرينكو هو طبق تقليدي نفخر به في لوسنفورد! نعم، يحتوي على توت تور، لكن يمكنكِ إزالته و تناوله، أليس كذلك؟ بما أنكِ في لوسنفورد، يجب أن تتذوقي الطبق الذي أعددناه بكل جهد!”
فجأة، اتجهت الأنظار نحوها، ففزعت ماري.
غادر الفرسان مؤقتًا، و اتّجهت أنظار النبلاء و السيدات الكبار في السن المتبقون إليها ، فسأل أحد نبلاء الشمال القريبين:
“ما الخطب؟ هل تعتقدين أن فيرينكو ليس طبقًا مثيرًا؟”
كان ذلك، في نظر ماري، فخًّـا واضحًا جعل الخادمات من أوستين ينظرن بدهشة.
لكن ابنة دوق أوستين، المعروفة بذكائها و حكمتها، أجابت بصراحة بشكلٍ غريب:
“ليس كذلك، لكن توت تور يسبّب لي الحساسية.”
“لماذا؟ إنه ثمرة تنمو في الأماكن الباردة!”
“هو يسبّب لي الحكة و صعوبة في التنفس…”
قبل أن تنتهي من كلامها، بدأ النبلاء الصاخبون في قاعة المأدبة يشرحون مدى فائدة توت تور، وهو أمر صدم ماري.
كيف يجرؤون على معارضة قريبة الإمبراطور و وريثة دوقية أوستين بهذه الصراحة؟
أليست هذه إمبراطورية كرانيا؟
كيف يمكن أن يكونوا وقحين مع شخصية بهذه الأهمية؟
“إنه طعام مفيد للجسم!”
“بالطبع! تناول فيرينكو يجلب السلام لمدة عام. إنه طبق مهم نصلي من أجل سلام لوسنفورد!”
“غير مريح؟ أين الإزعاج في هذا الطّبق؟ هذا فقط لأنكِ غير معتادة عليه! تناولي المزيد! التغلب عليه يأتي من التجربة!”
“نعم، بهذه الطّريقة! التّغلب على المشكلة بالأكل. يجب أن تتعلمي الشجاعة أولاً بما أنّـكِ وصلتِ إلى لوسنفورد!”
“كلي! هيا كلي! تناولي لقمة بعد لقمة، و ستنتهين من الطبق، و عندها سوف تصبحين قادرة على أكل سلة كاملة من توت تور!”
“بالطبع! القول بأنكِ لا تستطيعين أكله هو مجرّد حيلة من الأطباء لبيع الأدوية!”
تدفّقت التعليقات المقنعة كتشجيع حول فيرينكو و توت تور، و كأن عدم تناوله سيؤدي إلى كارثة.
كانت خادمات أوستين مذهولات، و فتحن أفواههن.
هـذه إهانة فظيعة لابنة الدوق!
كان الناس في الشمال ضخام الحجم و صوتهم عالٍ، مما جعلَ كايلا الصغيرة الهشّة تبدو و كأنها ستُسحق. بل في نظر ماري، بدت ابنة الدوق و كأنها قد سُحقت بالفعل.
كان وجهها شاحبًا خاليًا من التعابير.
الأكثر رعبًا هو أن النبلاء، الذين كانوا يهاجمونها، أغلقوا أفواههم فجأة، وفي تلكَ الهدوء، أعلنت رئيسة الخادمات كما لو كانت قاضية:
“لا تتجاهلي جهودنا، سمو الدّوقة الكبرى. هذا سيؤلمنا كثيرًا. ألستِ الآن واحدة من سكان لوسنفورد؟”
ما كلّ هـذا؟
حاولت سيسيل، أقدم خادمات أوستين، التدخل، لكن ابنة الدوق أشارت تحت الطاولة لتمنعها. تمنّت ماري فقط أن يعود الدّوق الأكبر بسرعة.
“أنا أيضًا من لوسنفورد. لكنني أتمنى ألا أعاني من أي ضرر بسببِ الأكل. سيكون ذلكَ محرجًا.”
رفعت ابنة الدوق زاوية فمها بابتسامة على وجهها الشاحب. لم تبد كمزحة للخادمات الثلاث اللواتي لا يمكنهن التحرك بسبب الأوامر، لكن ضحكة صاخبة انفجرت.
“و كم سيكون الضّرر؟ إذا كنـتِ من لوسنفورد، ستتغلبين عليه بشجاعة!”
“بالطبع! هل الضرر أقوى من برد لوسنفورد؟”
“حتى لو شعرتِ بالإحراج، سنتظاهر بعدم الملاحظة!”
كل جملة تنتهي بـ”لوسنفورد، لوسنفورد”، جعلت طبلة أذنها ترن.
كانت كايلا، التي تعلم جيّدًا أن الأشخاص المتبقين هنا صاخبون بشكلٍ خاص، تحـرّك الشوكة. وضعت قطعة من اللحم الجاف المملوء بمخلل توت تور و عصيره و مضغته.
“القدوم إلى لوسنفورد يمنحكِ الشجاعة! يبدو أن الجنوب كان صعبًا بعض الشيء!”
فقدت خادمات أوستين القدرة على الكلام أمام هذا المشهد المذهل.
كانت كايلا تضع اللحم الباهت في فمها و تمضغه ببطء بلا تعبير.
عندما تزوّجت لأوّل مرة، تناولت قليلاً منه، لاحظت أنه غريب، فبصقته على الفور ولم تلمسه مجدّدًا.
تـمّ وسم الدوقة الكبرى هنا بسببِ طبق يُطهى مرّةً واحدة في العام بكميات هائلة و يُترك معظمه دون أكل. حتى لو تسبّب في حكة في الحلق و صعوبة في التنفس، كان الجميع يصرخون أن “الجنوبية الضعيفة الخائفة تجرؤ على احتقار لوسنفورد”.
عند التّفكير في الأمر، كان يجب أن تأكل كل شيء و تموت هنا.
ما الذي كانت تحلم به؟
فكرة أنّه قد تمّـت الشّفقة عليها و تـمّ إعادتها إلى الحياة كانت سخيفة.
لا يزال المكان كما هو، و هي مجرّد دوقة كبرى شابة. بذلت جهودًا مضنية، لكن نظرات رئيسة الخادمات و الطاهي كانت دائمًا مخيفة.
كانت الدّوقة الكبرى الشابة، التي وجدت صعوبة في التكيّـف، بلا أي شخص بالغ تطلب منه المساعدة، قد كافحت مع التجارب الجديدة.
تحمّلت و صمـدت، لكنها رأت خادمات أوستين التّابعات لها يمرضن واحدة تلو الأخرى بسببِ البرد، و ماتت إحداهن بالحمى، لذلك شعرت بالنّدم سابقًا.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات