شيء لا مفرّ منه ، حتى بعد العودة بالزمن (3)
“عليكما أن تهربا!”
صرخت أميرة أوستين الهزيلة، زوجته السابقة، مستنفدةً كل ما تبقى لديها من قوة في نوبة من الغضب.
بدا الأمر و كأنها مقتنعة بأن عليهما فعل ذلك. كلمات الأميرة الهشة، التي بدت و كأنها قد تنهار في أي لحظة، لم تكن تحمل الكثير من السلطة في إمبراطورية كرانيا.
لكن بالنسبة لبيون، كانت كلماتها مطلقة، حتى و إن لم تكن هي نفسها تصدّق ذلك.
من السخيف و المثير للشفقة أنه أصبح الآن يائسًا جدًا من أجل كايلا، التي لم تعد تربطه بها أي صلة، بعد أن منحها موتًـا بائسًا و مهيـنًا كهذا.
كايلا كانت ستجده مقززًا. و هو يعرف ذلك.
لكن بيون، الذي كان دائمًا مقيدًا بالواجب و المسؤولية، لم يستطع أن يجرؤ على تحدّيها.
سواء كانت ردة فعل كايلا مختلفة تمامًا عما كانت عليه قبل العودة بالزمن أم لا، كان عليه أن يحاول على الأقل تطبيق كلامها.
قد يكون ذلك تكفيرًا عن ذنب أحمق، أو ربما هو عناد بيون المعتاد.
“من الصعب أن نلتقي هذه الأيام.”
ذهب لرؤية بياتريس رافالي فور مغادرته منزل عائلة أوستين.
لقد كانت تتجنبه بمختلف الأعذار بعد أن تقدم لها دون خاتم، و دون إخلاص، و دون حتى أن يذكر كلمة “زواج”.
كان ذلك طبيعيًا . فهي لم تكن تنوي الزواج من بيون كما رغبت والدتها، دوقة موندي.
لكن بيون، الذي كان قد كلّـف بالفعل مراقبًا مخلصًا لها ، استطاع أن يظهر بسهولة و بشكل غير متوقع عندما كانت بياتريس وحدها.
“بيون.”
كانت بياتريس مرتبكة جدًا.
لماذا جاء بيون لرؤيتها مجددًا، و هو الذي نادرًا ما كان يلتقي بها مراعاةً لها، حتى عندما كان يأتي إلى كراين، لم يكن يشارك في الدوائر الاجتماعية.
نظرت بسرعة حولها في حال كان أحد ما يراقبهم. لكن بيون نظر بهدوء إلى بياتريس فقط.
ركضت بياتريس بسرعة و احتضنته.
“كيف جئتَ إلى هنا؟ قد يراكَ الآخرون…”
“لا بأس. لا أحد هنا.”
نظرت بياتريس إلى بيون. بتلك النظرة التي ترفع بها عينيها إلى الرجال، كانت بياتريس قادرة على سرقة القلوب و جذب الأنظار. نظر بيون إلى تلك العينين الزهريتين الساحرتين دون أي مشاعر.
كان هناك وقت وجد فيه الراحة في تلك العينين. كان هناك وقت حلم فيه بالزواج منها يومًا ما. عندما كان في الثانية عشرة، لا، ربما الثالثة عشرة. كان ذلك عندما مـرّ أول حب لصبي بريء مرورًا عابرًا.
بالنسبة لبيون، الذي يعيش الآن عامه الثامن و العشرين للمرة الثانية، كانت تلك النظرة قد بهتت كثيرًا مع مرور الوقت. بعد أن رأى الحقيقة المقززة المختبئة خلف تلك العينين، و بعد أن تحرر من غسيل الدماغ، لم تبقى في ذكرياته سوى حقيقة أنها قد خدعته .
“…سمعت الخبر. جلالة الإمبراطور، أنتَ و كايلا تلك…”
لم تستطع بياتريس إكمال كلماتها و امتلأت عيناها بالدموع.
كان بيون يعلم أن لديها موهبة ذرف الدموع متى أرادت. و في الوقت ذاته، لاحظ الاحتقار المتجذر منذ زمن طويل في كلمات “كايلا تلك”.
بياتريس كانت تكره كايلا.
“ماذا تريدين أن تفعلي؟”
لذا لم تكن هناك قيمة في الرد على تلك الدموع واحدة تلو الأخرى. أو بالأحرى، لم يكن في مزاج يسمح له بذلك. كان بيون يملك شخصية باردة لدرجة اللامبالاة تجاه من يراهم عديمي القيمة، تمامًا كما كان مع كايلا في لوسنفورد.
“ماذا تعني بـ ‘ماذا أريد أن أفعل’؟ كيف يمكنكَ أن تسأل مثل هذا السؤال، بيون؟ بالطبع أريد أن أكون معك، لكن كيف يمكننا تحدّي أمر الإمبراطور؟”
كانت بياتريس، التي تعرف أنها بلا قوة، لا تسكب سوى الدموع.
أمسكت بيده بيأس.
من خلال دموعها و لمستها، تسرب غسيل دماغ مظلم قاتم إليه. كانت كل كلمة كتعويذة. مع كل كلمة إضافية، كانت التعويذة تعزز قوتها بلا نهاية. لقد صُممـت لجعل بيون يأخذ تلك الكلمات بمعناها الظاهري.
“بيون، هل ستنساني؟ لا يمكنك. أنا، أنا وحيدة هنا. أنتَ تعرف ذلك. أنا لا أملك أحدًا غيرك .”
مكبحًا بشدة شفتيه اللتين كادتا أن تلتويا لا إراديًا عند هذه الكلمات التي لم تكن تختلف عن تعويذة لعن، سأل بيون بنفس الكلمات التي صرخت بها كايلا سابقًا:
“ما رأيكِ أن نهرب؟”
نطق بكلمات لم يكن ليقولها أبدًا. فشحب وجه بياتريس.
“ذلك… كيف… هذا… هذا مستحيل، بيون. عد إلى رشدك!”
إذا كانت تنوي التظاهر بأنها عاشقة مهووسة، كان عليها أن تساير اللعبة على الأقل.
حتى بياتريس، التي كانت قادرة على التحكم في عدد الدموع التي تذرفها، لم تستطع أن تتقن التمثيل في لحظة من الدهشة العظيمة.
“إنه أمر من الإمبراطور، أمر من الإمبراطور!”
أمر الإمبراطور. أليست هذه هي الكلمات الأكبر التي زُرعت لجعل بيون في النهاية يخضع؟
لماذا يتصرف بيون فجأة هكذا؟
“إذًا أنتِ لا تمانعين في أن أتزوج امرأة أخرى.”
كان نبرته هادئة. لم يكن متفاجئًا كثيرًا، فكل شيء كان يسير كما يعلم.
لكن صوته كان منخفضًا جدًا بطبيعته، وحتى عندما يتحدث ببساطة، غالبًا ما يُفاجأ المستمعون ويشعرون بالرهبة. نظرت بياتريس، متفاجئة، إلى وجه بيون الذي لا يمكن قراءته.
“كيف يمكن أن يكون ذلك مقبولًا؟ أنا لا أرى أحدًا آخر غيركَ أنت! كيف يمكنكَ قول شيء كهذا، بيون…”
بينما كانت بياتريس تدفن وجهها في صدره وتبكي و كتفاها يرتجفان، لم يستطع أن يتخلص من شعور الإزعاج.
كان يشعر بالانزعاج و الاشمئزاز. بسبب هذا غسيل الدماغ البغيض المتنكر في صورة دموع، كان يدرك فقط مدى غبائه باستمرار.
“الهروب، كيفَ يمكننا الهروب؟ جلالة الإمبراطور لن يتركنا و شأننا. ليس الأمر أنني بخير مع زواجك. أنا أشعر و كأنّ قلبي يتمزق.”
بينما كانت تهذي، ألم تكن تفكر داخلها في أنّ بيون أحمق لا يعرف شيئًا؟
متذكرًا كلمات بياتريس التي هذّت بها بجنون أمام جثة زوجته، انتظر بيون حتى تتوقف من تلقاء نفسها.
على الرغم من أن بياتريس قالت أشياء كثيرة، إلا أن شيئًا لم يدخل أذنه. الآن، كانت التعاويذ التي نسجتها بعناية لا تعدو كونها تمتمات بلا معنى بالنسبة له.
“فهمت.”
اكتفى بيون بالإيماء بلا مبالاة.
“أنتَ تفهم ما أعنيه، أليس كذلك، بيون؟”
“نعم.”
“لا يمكنكَ أن تنساني. عدني بأنكَ ستحبني أنا فقط.”
لم يجب المرأة التي سخرت منه سابقًا قائلة إنه كان عليه أن ينظر إلى كايلا بدلاً منها منذ اللحظة التي تزوج فيها.
بحلول الآن، كان يوم آخر يمر في كراين وكان الظلام يحلّ.
ألقت بياتريس تعاويذ عليه عدة مرات، قائلة إنه لا ينبغي له أن يتخلى عنها، ثم افترقت عنه كما لو لم يكن لديها خيار.
كان كل الرجل و المرأة، اللذان يلتقيان متظاهرين بأنهما عاشقان في السرّ، مشغولاً جدًا في أموره.
*****
“تعال إلى هنا.”
أشار الإمبراطور، الذي استدعى بيون لفترة وجيزة، إليه.
“اقترب أكثر. لا بد أنكَ تشعر بالإرهاق، بعد أن قيل لكَ أن تتزوج بشكل مفاجئ؟”
كان الإمبراطور شديد المودة تجاه بيون منذ أن انهارت الإمبراطورة. بيون، الذي مات بالفعل مرة واحدة على يد الإمبراطور، كان يعرف أن هذه المودة يمكن أن تتحول بسرعة إلى نية قاتلة، لذلك لم يُضفِ عليها أي معنى خاص.
ومع ذلك، تفاجأ النبلاء الآخرون.
لم يكن الإمبراطور قد عامل ابن الإمبراطورة غير الشرعي، الذي كان يرسله دائمًا إلى الجبهات، بلطف بهذه الطريقة من قبل.
كان بيون تجسيدًا للعار بالنسبة للإمبراطور. كان الابن الوحيد للإمبراطورة، و ابنًا قويًا كذلك ، مما زاد الأمر سوءًا.
من بين أبناء الإمبراطور غير الشرعيين، لم يكن هناك من هو بارع و جذّاب مثل بيون. كانت هناك شائعات دائمة عن مدى وسامة الرجل الذي وقعت الإمبراطورة في حبه ، رغم أن لا أحد كان يعرف من هو.
“أنا فقط حذر من الزواج في هذا الوقت لأن جلالتك قلق حاليًا بشأن جلالة الإمبراطورة.”
هل كانت هناك أي طريقة لإلغاء هذا؟
على الرغم من أن إلغاء هذا الزواج قد يؤدي على الأرجح إلى فقدان العديد من الأرواح التي تقع على عاتقه، إلا أن بيون لم يستسلم و استمر في البحث عن طرق أخرى.
“نعم، نعم. لا بد أن قلبكَ غير مرتاح. لكن انهيار الإمبراطورة جعلني أكثر يقظة. يجب عليكَ أنتَ أيضًا أن تستقر وتصبح رب أسرة.”
أومأ الإمبراطور برأسه و أشار إلى كبير الحاشية بجانبه. تقدم الحاجب باحترام و قدّم صندوقًا من المخمل إلى بيون.
أخذه بيون في الوقت الحالي. كان من النوع الذي لا يتفاجأ حتى لو كان هناك خنجر حاد أو سم بداخله.
“افتحه.”
لكن ما كان بداخل الصندوق لم يكن خنجرًا، بل جواهر. كان هناك سوار من السترين المتشابك مع الألماس يشع بريقًا جميلًا، و خاتم ماسيّ كبير إلى حد ما.
“إنها واحدة من جواهر الإمبراطورة. إنه زواج في النهاية، لذا يجب أن تملك خاتم خطوبة عندما تتقدم، أليس كذلك؟”
“…أشكركَ على لطفكَ و تفكيرك”
“يجب على الرجل أن يقدّم الخاتم.”
كان هناك خاتم لكايلا من قبل أيضًا.
حينها كان غير مبالٍ لدرجة أنه لا يستطيع تذكر شكله أو كيف حصل عليه. تذكر أن كايلا كانت ترتديه دائمًا بعناية.
كل ما يتذكره هو رؤيتها تبكي و هي تبحث عنه من بعيد عندما فقدته مرة. انتشرت شائعة في لوسينفورد بأن الدوقة الكبرى قد وضعت تعويذة على خاتم زواجها للتواصل مع جانب الإمبراطور.
‘لابد أن بياتريس هي من فعلت ذلك. لابد أن اختفاء الخاتم المؤقت كان متعمدًا أيضًا.’
لقد تم دفع لوسينفورد إلى أقصى الحدود وسط نبلاء لوسينفورد الذين كانوا معادين للدوقة الكبرى الأجنبية و جواسيس الإمبراطور.
من يمكنه أن يلوم؟
في النهاية، كان ذلك خطأه كدوق أكبر.
“إنه لشرف لي، يا جلالة الإمبراطور.”
لقد أصبح ماهرًا في قول كلمات لا يقصدها، حتى عندما لا يكون هناك شيء مشرف فعلًا. باستخدام الكلمات التي يستخدمها الآخرون غالبًا، كان الإمبراطور يعتني به كما لو كان ابنه. كان ذلك يجعله يرغب في الضحك بشكل أجوف.
*****
ماذا يفعل بشأن هذا الزواج. لقد عاد بالزمن، وبذل قصارى جهده لمنع الموت، وها هي الإمبراطورة، والدته، تنهار بصمت.
على الرغم من أن الكثير قد تغير، إلا أنه من السخافة أن أمر الزواج قد قُرّر حتى هذه المرة أيضًا .
لكن في الواقع، لم يكن بيون يستطيع رفض الزواج الآن وفقًا لخُطته. حتى في مأدبة الغداء اليوم، أمسك دوق أوستين يد بيون بقوة.
[أرجوك اعتنِ بابنتي جيدًا.]
كان أديو يرى أن بيون هو حاليًا أفضل عريس يمكن أن تختاره كايلا.
لكن بيون كان يعلم أنه الأسوأ على الإطلاق.
كانت كايلا غاضبة، أليست كذلك؟ في كل مرة يواجهها، كان بيون يشعر دائمًا بمدى ضعفه و قلّة حيلته أمامها.
بغض النظر عن مدى تفكيره، لم يستطع إلا أن يستنتج أنه عليه أن يتزوجها لحمايتها، مما جعله يشعر بمزيد من الشفقة على نفسه.
“صاحب السمو، دخلت الآنسة رافالي قصر سولاي مجددًا اليوم.”
اقترب السير رينارد بهدوء، و نظر إلى بيون بحذر أثناء إبلاغه بتحركات الآنسة رافالي، و التي أصبحت الآن مريبة للغاية.
منذ التقرير الأول و حتى الآن، كانت بياتريس تدخل و تخرج سرًا من قصر سولاي، حيث يقيم الإمبراطور، كل يوم دون فشل.
إنه خبر صادم أن زهرة المجتمع الراقي، غير المتزوجة بعد، تزور بانتظام القصر الذي يقيم فيه الإمبراطور، متجنبة أعين الناس.
بيون، الذي حدد بالضبط أين يمكن القبض على هذا الأمر الذي لم يعرفه أحد غيره، ضحك بدلًا من ذلك.
“لا بد أنها مشغولة.”
كان السير رينارد يشعر بأن سيده النبيل قد تغير كثيرًا مؤخرًا. كان بيون يعطي تعليمات بأغراض غير واضحة، و في كل مرة ينفذ فيها السير رينارد تلك التعليمات، يكتشف حقائق جديدة و يُصدم.
“ما الذي يجب علينا فعله؟”
“واصل المراقبة.”
“نعم، يا صاحب السمو.”
حلّ الظلام على كراين، و وجد بيون نفسه يتجول بالقرب من منزل عائلة أوستين دون أن يدرك ذلك.
بينما كانت كايلا منهارة ، كان مشغولًا بمحاولة منع هذا الزواج، لكن الوضع الدبلوماسي المتشابك مع كيروزان كان واضحًا للغاية .
لقد كان رأي الإمبراطورية الجماعي أنه لا يمكن تسليم دوقية أوستين إلى كيروزان. لذا فإن الوريث الوحيد لدوقية أوستين يجب أن يُربط بلوسينفورد.
“الإمبراطور يحاول بالفعل التحكم في زواج أميرة أوستين كما يشاء.”
حتى لو ألغى بيون هذا الزواج ، فلن تتمكن كايلا من الحصول على الزواج الذي تريده. و في أسوأ الحالات، قد يموت أديو مجددًا. و لهذا السبب طلب منه أديو أن يعتني بابنته جيدًا.
و لأن كل هذا حدث قبل أن يتمكن من جمع قواه، لم يكن هناك الكثير مما يمكنه فعله.
كانت الساحة السياسية التي لم يفهمها قبل عودته بالزمن، مفهومة الآن بسهولة من نظرة واحدة، مما جعله يقلق بشدة.
حينها، بينما كان بيون يمر عبر الظلام، رأى شخصًا يخرج خلسة من منزل عائلة أوستين.
****
بشكل موضوعي، لم تكن كايلا في حالة تسمح لها بالهرب الآن.
لم تكن قد تعافت تمامًا من مرضها الشديد الأخير، وكانت أسرة الدوق قلقة من أن تزداد حالتها سوءًا. لقد كانت كايلا دائمًا عرضة للأمراض البسيطة منذ طفولتها.
‘لكنني سأموت على أي حال، أليست كذلك؟’
هذا صحيح.
ستموت إن مرضت، و سيضعها الإمبراطور في وضع أسوأ من الموت إن رفضت هذا الزواج، حتى لو أطاعت أمره و ذهبت إلى لوسينفورد ستموت في النهاية
إنها جاسوسة ماكرة للإمبراطور تتظاهر بالخضوع!
كان شعب لوسينفورد يرونها بوضوح على أنها المرأة التي ستجعل الدوق الأكبر تعيسًا، عكس بياتريس التي ستجعله سعيدًا.
هاهاها.
انفجرت ضاحكة.
على الرغم من أن ضحكتها انتهت بسعال مؤلم، إلا أن كايلا كانت قد فقدت صوابها بالفعل.
من الأفضل أن تكون ابنة مزعجة تسبب القلق لوالدها، الذي كان ممتنًا بالفعل لمجرد نجاتها، من أن تثقل كاهله أكثر عندما كان متوترًا أصلًا في كل مرة يذهب فيها إلى القصر الإمبراطوري.
كان كلّ فرد من عائلة أوستين يعاني تحت أعبائه الخاصة.
“لم أظن أنني سأتمكن من فعلها فعلًا.”
نظرت كايلا إلى منزل أوستين الذي كان يبتعد شيئًا فشيئًا.
بصفتها الدوقة الكبرى للوسينفورد، كان كل مكان هادئًا بشكل مريع، و الشتاء فيه طويل.
عندما كانت معزولة تمامًا، طوّرت أحيانًا عادة التأمل في الماضي بندم شديد، و كانت أفكارها تنجرف أحيانًا في اتجاهات لا معنى لها.
على سبيل المثال، كانت فكرة أنها “كان يجب أن تفعل ذلك حينها” تصبح خطة أكثر وضوحًا.
عندما كانت وحيدة في البرد القارس، تخيلت كايلا تحديدًا الهرب قبل الزواج. تخيلت ذلك مرات كثيرة سابقًا لدرجة أنها الآن كانت تستطيع تنفيذه فورًا.
سرقت ملابس خادمة، لطّخت وجهها بالسخام، و لفّت شعرها الأشقر البلاتيني في وشاح رأس. لقد تعلمت الطرق القاسية للعالم بوحشية في لوسينفورد. حتى لو سقطت في القاع، فسيكون ذلك أقل بؤسًا من لوسينفورد.
‘إذا تم الإمساك بي، سأموت.’
أو ستُسحب إلى لوسينفورد.
مهما فعلت، فنهايتها هي الموت.
موت مؤلم، موت أقل ألمًا، لكنه موت مروع على أية حال.
هاهاها. ضحكت كايلا بصمت. لذا، يجب أن تفعل ما تشاء حتى قبل أن تموت، ثم يمكنها الموت بأكثر الطرق الممكنة نظافة و هدوءًا.
في الجنوب الدافئ.
على عكس لوسينفورد ذات الثلوج الصامتة و المخيفة و المميتة، لنذهب إلى الجنوب الدافئ الصاخب.
لطالما تمنّت كايلا، حتى وهي في لوسينفورد، أن تموت في الجنوب الدافئ.
“هل بوابة غوتيلين مغلقة؟”
“سمعت أنهم يغلقونها مبكرًا هذه الأيام.”
لم يكن يزعجها أبدًا أن تشارك عربة مستأجرة ذات رائحة كريهة مع آخرين.
البرج الشمالي الذي نامت فيه آخر مرة كان أكثر اتساخًا بكثير. بعد أن استقلّـت العربة المستأجرة و نزلـت في منطقة سكنية يعيش فيها العامة، قررت كايلا أن تمشي كثيرًا. كانت تعرف جيدًا أن الهرب ليس شيئًا يتم أثناء ركوب حصان فاخر أو بوجود مرافقة.
بعد المشي، كانت تحتاج فقط إلى تجاوز الحرّاس المتواجدين عند بوابة مدينة كراين.
ضِمنَ أيّ مجموعة من الناس يجب أن تختلط لتتمكن من العبور؟
بينما كانت كايلا تخطو خطواتها بحذر، متوقعة زيادة الأمن بسبب الحالة الصحية الأخيرة للإمبراطورة،
“من الخطر التقدم أكثر.”
صوت لم يستطع حتى أن يناديها بـ”أميرة” أمسك بها و جذبها بعيدًا.
التعليقات لهذا الفصل " 13"