8.كلبنا إذا عضَّ لا يترك!
“إذاً، دعينا نعود إلى ما كنا نتحدث عنه سابقًا.”
كان فنجان الشاي الذي قدمته السيدة آد ذا شكلٍ عادي خالٍ من الزخارف.
بدا وكأنه يعكس شخصيتها البسيطة غير المتكلفة.
رَفع إبريق الشاي في الهواء بمفرده وسكب ماءً ساخنًا في فناجين بيركن وآد الموضوعة أمامهما.
كانت بيركن تعرف هذا المنتج أيضًا: إبريق الشاي “باسبورت” الذي أُطلق في النصف الثاني من العام الماضي.
حقق شعبية هائلة لكنه كان منتجًا به العديد من العيوب، حتى أن العشرات من هذه الأباريق التي تحمل مانا المستخدم قد تم استرجاعها.
احتسَت آد رشفة خفيفة من الشاي الساخن.
نظرت إليها بيركن بذهول ثم شربت بصمت مُقلدةً إياها.
“سأسألك مباشرةً، آنسة بيركن.”
“نعم؟”
“الكلب المجنون هل التقيتِ به من قبل؟”
حدَّقت عينا آد الحاسمتان في بيركن.
كان لديها أسلوب قيادة مختلف عن جيندال.
انطلق الاعتراف من فم بيركن دون أن تدري.
“… نعم، كيف عرفتي؟”
“سمعتُ من رئيس قسم تطوير العناصر أن الكلب المجنون يبحث عن شخصٍ ما.
وكان البحث يجري منذ وصولك أمس، وأنا أعرف أكثر من أي شخصٍ آخر أنك تم تعيينك في قسم تطوير العناصر ثم نُقلتِ إلى قسم خدمات الأعمال لدينا.”
“… فهمت.”
عند هذه النقطة، كان غريبًا أكثر لو أن آد لم تعرف.
لسببٍ ما، شعرت بيركن وكأنها ارتكبت خطأً مع أنها لم تفعل، فخفضت رأسها.
إذا كان الكلب المجنون في قسم تطوير العناصر، فمن المؤكد أنه أعلى منها مرتبةً.
كثيرًا ما يتحمل المرء في الحياة العملية أخطاءً لم يرتكبها.
ويكون ذلك أكثر كلما كان المرء أضعف.
لكن بيركن، بعد معاناة طويلة من المعاملة غير العادلة، أدركت شيئًا:
يجب ألا تبرر نفسه بدون داعٍ بشأن أخطاء لم ترتكبها
إذا ادعى أحدهم كذبًا: “بيركن ريدفيلد هي من فعلت هذا!”، فالأسهل تقبل الأمر.
لم تقدم أعذارًا واهية أو حججًا متكلفة.
وكان يكفي أن تُظهر تلك الأخطاء على أنها إنجازاتها الشخصية.
كانت بيركن يعرف هذا جيدًا، أفضل من أي شخصٍ آخر.
“لماذا تخفضين رأسك، آنسة بيركن؟”
“… ماذا؟”
“أي خطأٍ قد ارتكبتهِ؟ لم يمضِ وقتٌ طويل منذ مجيئكِ إلى هنا.”
قالت السيدة آد ضاحكةً قليلاً وكأنها تضيف تعليقًا.
اختلف هذا كثيرًا عن النظرات التي كانت تتلقاها في مثل هذه المواقف، لدرجة أنها نسيت للحظة ما كانت ستقوله.
هدأت ثقتها الحنونة قلب بيركن.
شعرت أن رئيستها الجديدة، السيدة آد، التي تجلس أمامها، ربما ستستمع إلى قصتها جيدًا.
“هل تعرفين لماذا سُمي الكلب المجنون بهذا الاسم؟”
“… لا، كل ما سمعته كان بعض الإشاعات في وقت الغداء.”
“إنه كلبٌ مجنون لأنه لا يترك ما يعضُّ عليه.”
… لكني سمعت هذه القصة أيضًا؟
كانت هذه كلمات داكسون منذ قليل.
<إذا عضَّ على شيءٍ لا يتركه! غرررر!>
اعتقدتُ أنها نكتة بسبب نبرتها المضحكة، ولكن يبدو أنها لم تكن مجرد نكتة.
في تلك اللحظة، أطلقت آد تنهيدة.
كانت تنهيدتها الثقيلة غريبةً، خاصةً أن آد بدت منذ اللحظة الأولى شجاعةً وقوية كسيدة.
“آنسة بيركن، ماذا حدث بالضبط؟ كيف تمكن ذلك الكلب المجنون من عضك…؟”
“… لقد امتصَّ ماناي.”
“ام- امتصّ ماذا؟”
تأتأت آد شيف المذهولة في الكلام.
حتى أنها وضعت فنجان الشاي الذي كانت تحمله على الطبق وانصتت لحديث بيركن باهتمام.
“قابلته كزبون عندما كنت في المقر الرئيسي طلب مني فجأة أن أعبئ ماناه… كنت في ذلك الوقت مهتمة بمطالبة معينة، فكان رفض طلبه صعبًا بالطبع، خطئي كان الموافقة على طلبه عندما طلب ذلك.”
كانت بيركن مدركة لخطئها أيضًا.
كان عدم رفضها لطلب الرجل من أجل سمعتها.
بينما كانت تنتظر رد السيدة آد ،
سألتها بنبرة متحمسة وهي تقطِّب حاجبيها بشدة:
“طلب؟! الآن، قلتِ طلبًا؟”
“… نعم؟ أجل.”
“ذلك الكلب المجنون طلب؟”
أوه، رائع.
عندما أومأت بيركن أخيرًا برأسهاموافقةً، فركت آد جبينها.
بدا وكأن رأسها يؤلمها بشدة.
“لقد عضك بقوة حقًا… هذه المرة، حتى الطريقة جديدة.”
“سيدة آد، ماذا تعنين بالضبط؟”
“آنسة بيركن، استمعي جيدًا لكلامي هذه نصيحة أقدمها لك بناءً على خبرتي التي تمتد 30 عامًا في برج السحر.”
غطَّت آد فمها بإحدى يدها واقتربت من بيركن الجالسة أمامها على الطاولة.
أصبح الجو مهيبًا لدرجة أن بيركن ابتلعت ريقهت واستعدت لسماع نصيحتها.
ما منعها من ذلك كان الصوت العالي والباب المحطم.
“… أتيتِ بالفعل!”
لم يكن وهمًا بصريًا أو سمعيًا.
الباب الخشبي السميك الذي أغلقتْه آد بإحكام تحطم مع صوت “قووونغ!” حرفيًا تحول إلى أشلاء.
تطايرت شظايا الباب المحطم.
كانت أجزاء ممزقة لا تزال تتأرجح على إطار الباب.
ومن بين ذلك الغبار، وطأت قدمٌ أرضية الغرفة.
سمِع صوت رجلٍ خافت:
“أشمُّ رائحة صابون هنا.”
كان مظهر الرجل مجنونًا كما في المرة الأولى التي رأته فيها.
نظر بعينيه الذهبيتين اللامعتين إلى بيركن وآد اللتان تجلسان مذهولتين.
بتحديد أكبر، كان ينظر نحو بيركن.
بينما كانت بيركن مذهولة لا تستطيع النطق، كانت آد قد استجمعت نفسها وفتحت فمها بالفعل.
سألته بهدوء:
“ما الذي تريده هنا، سيد ليام مور؟”
“قلتها.”
أشمُّ رائحة صابون.
ضحك ليام مظهرًا أسنانه.
من الغريب أن تعابيره بدت كصائدٍ جشع بينما كان يتحدث عن رائحة الصابون.
نظرت آد إليه وردتْ بهدوء.
لا، بل ربما كانت تتظاهر بالهدوء أيضًا.
“… لا يوجد صابون هنا ألا تفضل أن تذهب إلى الحمام مثلًا؟”
“كلا، يوجد.”
“أقول لا يوجد!”
“أقول يوجد!”
مشى ليام خُطًا ثقيلة عبر الباب المحطم.
اقترب حتى وصل أمام بيركن الجالسة في مكانها، ثم جثى على ركبتيه أمامها.
وهكذا، أصبح على مستوى نظرها.
“أنتِ تستخدمينه، الصابون.”
… أجل.
أستخدم صابونًا اشتريته من السوق بخمسين قطعة فضية.
***
أطلقت بيركن تنهيدة خافتة.
ثم التفت إلى الوراء.
كان يكرر هذا الفعل باستمرار.
خلف بيركن كان مكتب آد الذي تحطم بابه.
هي وليام خرجا من هناك لتوِّهما.
“آنسة بيركن، أعتقد أن عليكما التحدث معًا أولًا.”
“حسنًا… لكن ليس لدي شيء لأقوله.”
“حاولي، حاولي أولًا ثم نعود للتحدث أنا وأنتِ فيما بعد.”
بهذه الطريقة، طردت آد ليام وبيركن أولًا.
كانت تتنهد بعمق بينما تنظر إليها حتى خروجها، لذا كان تعبير “طردت” مناسبًا تمامًا.
استمر التفكير في باب مكتب آد يقلقها، رغم أنها لم تحطمه بنفسها.
في المقابل، كان ليام، المتسبب الرئيسي في تحطيم الباب، يمشي بجانبها دون اكتراث.
لو ظل صامتًا يمشي بهدوء، لبدا شخصًا طبيعيًا.
بينما كانت تفكر بهذا داخليًا، سألها ليام بصوتٍ خافت دون أن يلتفت إليها:
“لماذا تلتفتين إلى الوراء دائمًا؟”
“لأن الباب محطم إصلاح ذلك سيكلف…”
الكثير من المال على الأرجح.
بالطبع كان ذلك من مسؤولية الرجل، ولم يكن بحاجة للاهتمام، لكنها استمرت بالشعور بالقلق لأنه حدث بسببها. عندها رفع ليام حاجبًا واحدًا وسأل:
“ألا يعجبك؟”
“ماذا؟”
“سألتُ إذا كان عدم إعجابك بتحطم الباب.”
“هل هناك من قد يعجبه؟”
ردت بيركن بنبرة حادة بعض الشيء، ناسيةً للحظة الفرق في المرتبة بينها وبين الرجل.
في تلك اللحظة،
توقف ليام فجأة في مكانه ومدَّ يده إلى الخلف.
ثم انفجر ضوء من يد الرجل يشبه لون عينيه تمامًا.
وعندما اختفى الضوء…
“… أصلحته؟”
عاد الباب إلى شكله الأصلي تمامًا.
“لم أصلحه، بل أعدته.”
“ماذا؟!”
مجنون.
همست بيركن دون أن تدري.
بل وقال الرجل إنه لم “يصلحه” بل “أعاده”.
كانت بيركن متفوقة تخرجت بامتياز من كلية السحر رغم عدم امتلاكها دائرة مانا، وكانت فخورة بأنها على معرفة بنظرية السحر أكثر من أي شخص رغم عدم قدرتها على ممارسته.
لذلك، كانت تعرف كم هو مذهل سحر “الإعادة” الذي ذكره الرجل بلا اكتراث.
جدار الدائرة التاسعة.
البعض يقول إن هذا هو المعيار الذي يميز “الساحر الأعظم”.
وسحر “الإعادة” الذي قام به الرجل للتو يتوافق مع الدائرة التاسعة.
بل إنه ليس سحرًا يمكن القيام به بسهولة.
حتى لو اجتمع عشرات السحرة ورسموا دوائر سحرية على الأرض بمعادلات معقدة، فإن احتمالية النجاح لا تتجاوز 10%.
أنهى الرجل ذلك “بمد يده مرة واحدة”.
“اسمع، ألا تكون أنت العبقري… لا، أقصد وحش الدائرة التاسعة؟”
“أنا من الدائرة التاسعة، نعم.”
“آه…”
تذكرت حينها.
الساحر الأعظم الوحيد في الإمبراطورية الذي لم تتذكر اسمه من قبل. كان “ليام مور”.
لم تربط بيركن حتى تلك اللحظة بين “وحش الدائرة التاسعة” و”الكلب المجنون” اللذين ذكرتهما آد د، وأنهما الشخص نفسه.
لكن في لحظة تأكيد ذلك، أدركت أيضًا لماذا لا يستطيع أحد لمس ذلك الكلب المجنون.
السبب بسيط وواضح: لأنه من الدائرة التاسعة!
شعرت بالإحباط.
لم تكن بيركن ترحب بالارتباط بالمشاهير.
تعرف أكثر من أي شخص أن شخصًا بمكانتها التي لا تتعدى كونها “تابعًا” لن تنال نهاية سعيدة، بل ستصبح مجرد شخص بريء يجرُّ إلى الأحداث.
“هل أنتِ مندهشة؟”
“… نعم، مذهل هذه أول مرة أرى ساحر الدائرة التاسعة الذي كنت أسمع عنه فقط في الإشاعات.”
بغض النظر عن عدم رغبتها في الارتباط، إلا أنها كانت مذهولة.
أليس ساحر الدائرة التاسعة في العصر الحاضر مشهورًا بأنه كيان لا تستطيع العائلة الإمبراطورية حتى التعامل معه؟
رمش الرجل عينيه.
كانت زوايا عينيه طويلة جدًا وذات جفن مزدوج بارز وكثيف، حتى أن رمش عينيه بدا جميلًا ولا يتناسب مع لقب “الكلب المجنون”.
… أجل، يكره الاعتراف بذلك لكن لقب “الجميل” يناسب الرجل أكثر من أي امرأة.
“لماذا؟”
“أخبرتك، لأنها أول مرة أرى ساحر الدائرة التاسعة.”
“ولِمَ يكون ذلك مذهلًا؟”
كما كان الحال عند فحص الكلب، يبدو أن التحدث مع هذا الرجل ليس سهلًا.
يبدو التحدث مع جرو أسهل.
أضاف الرجل بصوتٍ حائر:
“لقد فعلتِها أنتِ.”
… ماذا؟
ما هذا الكلام؟ لقد رأت بوضوح الرجل يمد يده، ويطلق المانا منها ليستخدم السحر.
علاوة على ذلك، كانت بيركن جاهلة لا يترف حتى سحر الدائرة الأولى لرفع ريشة.
ومع ذلك، كان الرجل يؤكد أن بيركن هي من قامت بسحر إعادة الزمن.
اشتعل غضب بيركن دون أن يدتدري بسبب قول الرجل إنها هي من فعلتها، وليس الرجل نفسه، فصاحت:
“ماذا تعني بهذا؟ أنا لا أعرف أي شيء عن السحر…”
“أنتِ.”
قاطعها الرجل.
وابتسم أيضًا.
عندما ابتسم، اختفت عيناه الذهبيتان اللامعتان للداخل.
كان الرجل يعرف كيف يبتسم ابتسامة مثيرة للغاية.
بينما كانت بيركن مذهولة من تلك الابتسامة حتى توقفت عن التنفس للحظة، قال ليام:
“أنتِ، أنتِ من أعطيتني القوة.”
•نصائح للحياة في البرج السحري!
|لم يوجد سوى خمسة سحرة عظماء في تاريخ إمبراطورية تورفريت التي تمتد 1000 عام.|
[يتبع في الفصل القادم]
ترجمة مَحبّة
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 8"