6
6.التالي!
“مرحباً بكم أنا بيركن ريدفيلد، نائبة الرئيس المُنضمة حديثاً اعتباراً من اليوم لقسم خدمات الأعمال، الفريق الثالث.”
نطقت بيركن بمرونة تحيةً لا تعرف كم مرة كررتها اليوم.
رسمت على محياها ابتسامةً رأسمالية.
تمايلت ضفائرها الطويلة الحمراء الداكنة بغزارة.
من الطبيعي، فشعرها الذي ضحَّت من أجله بغفوة الصباح لتسرحه أمام فريقها الجديد، لم يكن ليُهدر سدى.
بالطبع، قررت أن تضفره بإحكام بدءاً من الغد.
على وجهها الخالي من المكياج، بذلت بيركن جهداً للابتسال بأدب دون أن تبدو ساذجة.
فإذا كانت هي عضوة في هذا الفريق، لأبغضت للغاية ذلك النائب الذي جاء فجأة من المقر الرئيسي.
لكن رد الفعل كان مفاجئاً.
“نائبة؟! أخيراً! وصل نائب رئيس إلى فريقنا الثالث!”
“أهلاً وسهلاً! بيركن ريدفيلد، نحن سعداء حقاً بقدومكِ!”
تقدمت شابة وشابٌ يبدوان صغيران في السن، وأحاطا ببيركن.
أمسك أحدهما يد بيركن بشدة.
“سعداء بلقائك! أنا دايكسون كوبر! يُمكنك مناداتي بـدايكسون!”
“وأنا صوفيا فيوليت! لا تترددي في مناداتي كما تشائين!”
الشابة هي من أمسكت بيدها.
نظرت بيركن إلى يدها الممسوكة في حيرة، مفكرةً: “يدي تُمسك كثيراً هذه الأيام، بشكل غريب.”
استرجعت بيركن يدها برفق.
ثم قالت بشكل محرج لأعضاء الفريق الذين كانوا ينظرون إليها بتوتر زائد، وكأنهم كلاب صغيرة:
“نعم، أنا أيضاً سعيدة بلقائكم لكن، أين نائب مدير هذا الفريق؟”
“نائب المدير؟ ليس لدينا شيء كهذا!”
“…ماذا؟”
أجاب الرجل الذي قدم نفسه باسم دايكسون بابتسامة مشرقة:
“فريق الثالث فريق جديد تم تشكيله للتو، لذا ليس لديه نائب مدير مُعيَّن جميعنا هنا، باستثناء هاريان، موظفون جدد انضمّوا هذا العام!”
آه… موظفون جدد.
كادت بيركن أن تهمس بوجه كالح، لكنها تماسكت في اللحظة الأخيرة.
حسناً، هذا ليس بعيداً عما توقعته.
أليست هي من تعرف؟ الرقم ثلاثة في “الفريق الثالث” يُشير إلى عدد الموظفين الجدد.
ومع ذلك، نظرت إلى الرجل الذي يُدعى هاريان، والوحيد الذي ليس جديداً.
عندما التقت نظراته بنظرتها، انحنى برأسه تحيةً باختصار ووضوح.
“هاريان لوت.”
“سعداء بلقائك، سيد لوت إذا لم أكن أتطفّل، هل لي أن أسألك عن عدد سنوات خبرتك؟”
“…ستة أشهر.”
آه… ستة أشهر.
حسناً، ستة أشهر هنا لا تُعتبر جديدة.
كانت بيركن تعتقد أن الشخص يجب أن يكون لديه عام على الأقل ليصبح قابلاً للاستخدام.
قررت أن تتخلى عن أفكارها المتراخية السابقة من المقر الرئيسي.
فها هو ديبديل يعاني من نقص حاد في القوى العاملة.
“حسناً، منذ متى تم إنشاء الفريق الثالث إذاً؟”
“أسبوع!”
“دايكسون وأنا انضممنا منذ ثلاثة أشهر فقط!”
بدأت بيركن تتساءل بصدق كيف يُمكن لهذا الفريق أن يعمل دون مشرفين.
ثم أدركت.
لقد أصبحت هي المشرفة الوحيدة لهذا الفريق الذي لا يملك مشرفين.
لهذا السبب، لم تواجه مشاكل رغم انتقالها السريع بين الأقسام.
أدركت بيركن أن ترحيب رئيس الإعلانات الذي قابلته في الصباح لم يكن مُزاحاً.
“حسناً، أنا قضيت ثماني سنوات في المقر الرئيسي…”
“ثماني سنوات؟! أوه، رائع! أنتِ قائدة مُخضرمة! لم ألاحظ لأنك تبدين صغيرة جداً!”
“…بما أن هذه أول مرة لي في فرع ديبديل، سأتصرف بروح المبتدئ لا تترددوا في سؤالي إذا كان لديكم أي استفسارات سأجيبكم قدر معرفتي.”
بقدر معرفتي، أي أنني سأجيب وفقاً لمعاييري الخاصة؟
أضافت في سرها وابتسمت بيركن بلطف.
والآن، بات لديها أمنية واحدة فقط: الترقية إلى نائب مدير.
لعل كون الفريق جديداً قد يكون نعمة في ثوب نقمة.
ربما يتعرض للمزيد من الفرص.
شعرت بيركن بحماس متصاعد لأول مرة منذ زمن، وبدأت بالبحث عن مقعدها.
“هل هذا مكاني؟”
“كلا، مقعد نائبة الرئيس ريدفيلد هو هذا!”
“… لكن هذا مقعد نائب المدير.”
“لكن مقعدنا شاغر كما قال رئيس الإعلانات: عندما يأتي نائب الرئيس الجديد، قدموه إلى هذا المقعد.”
نظرت بيركن إلى المكتب الفارغ بصمت، ثم مدت يدها ومسحته.
شعرت بإحساس غريب.
في المقر الرئيسي، ستجلس هيلين على هذا المقعد في هذه اللحظة، بينما تجلس هي عليه الآن.
رغم أنها لم تصبح نائبة مدير رسمياً، شعرت بيركن بثقل غامض في صدرها.
خشيت أن تذرف دموعها إذا استمرت في التحديق في المكتب، فالتفتت بيركن فجأة نحو الفراخ الصغيرة التي لا تزال تدور حولها.
“… هوه.”
لسبب ما، سمعت شهقات من بين الثلاثة.
ظنت بيركن أن ذلك بسبب التفاتتها المفاجئة، فابتسمت وقالت.
كانت محاجر عينيها رطبة ومتلألئة.
“…حقاً، أتمنى لنا تعاوناً مثمراً أيها المتدربون الجدج سأبذل قصارى جهدي لقيادتكم، رغم قصوري.”
“أنا، أنا، أنا أيضاً! وأنا أيضاً!”
“نعم، نعم، نعم! أتمنى لنا تعاوناً مثمراً أيضاً!”
هل كان تخيلاً أن خدي دايكسون وصوفيا احمرّا؟
لكن بيركن لم تكره ذلك، فأومأت برأسها وجلست في مقعدها.
كفى من المشاعر.
حان الوقت لترتيب مقعدها والبدء بالعمل.
***
“سيدة نائبة الرئيس! أحضرت الأوراق التي طلبتها!”
“سيدة نائبة الرئيس! هل قمت بتصنيف قائمة العملاء غير المباشرين بهذه الطريقة؟!”
كلما زقزقت إحدى الفراخ الجالسة قطرياً على يسار بيركن، رفعت الفرخة المجاورة يديها وزقزقت أيضاً.
في الواقع، سألت بيركن دايكسون وصوفيا قبل ساعة إذا كانا أخوين.
كانا متشابهين حقاً.
الابتسامات المُشرقة، الأصوات العالية التي تناسب تعبير “الزقزقة”، و… حتى عدم القدرة على العمل.
أو ربما عدم القدرة على العمل هو رأي بيركن الذاتي.
فهما لا يزالان موظفين مبتدئين لم يمضِ على انضمامهما سوى ثلاثة أشهر.
“سيد دايكسون، هذه الأوراق هي التي طلبت منك ترتيبها قبل قليل كنت أطلب منك إحضار سجلات النصف الثاني من العام الماضي آنسة صوفيا؟ لقد تعلمت تصنيف القوائم خلال فترة التدريب، لا يمكنني تعليمك هذا أحضري لي فقط الأوراق التي تحتاج إلى موافقة، فأنا لست مُعلمة صف.”
“نعم…”
“نعم…”
نعم، حتى مظهرهما المُتذمر متشابه.
ألقت بيركن نظرة خاطفة على الفراخ المُتحسرة وهي توافق على الأوراق المتراكمة التي لم تستطع إرسالها للأعلى.
ثم خفضت رأسها نحو الأوراق مرة أخرى وقالت بلا مبالاة:
“سيد دايكسون، يبدو أنك انتهيت بالفعل من ترتيب الأوراق التي طلبتها منك قبل قليل يبدو أنك سريع في العمل”
“… نعم! أكره حقاً وجود واجبات، منذ أيام الأكاديمية كنت أنهيها دائماً أولاً!”
“سيدة صوفيا تبدين دقيقة أنتِ تعملين جيداً.”
“أحقاً؟! أكره الفوضى في الجداول، لذا أفعل كل شيء بدقة…!”
نعم، نعم أحسنتما العمل.
تابعت بيركن معالجة عملها بشكل آلي دون الاستماع لمزيد من إجاباتهما.
ربما أثار عدم تلقي رد حماسهما، فأطبقت صوفيا ودايكسون أفواههما وبدآ بالبحث عن عملهما.
من يقال له “أنت فاشل” لن يتحسن.
كان هذا أول مبدأ لبيركن عندما أصبحت في موقع المُعلم.
على أي حال، لن يصبح الفاشلون أفضل إذا سببتهم.
بل من الأفضل مدحهم لرفع حماسهم.
حل الصمت أخيراً على مكتب الفريق الثالث.
كان الجميع مشغولين بإنجاز مهامهم.
بالطبع، ساهم في ذلك “جو العمل الهادئ” الذي صنعته بيركن.
لأنها كانت تلمح بلطف: “أين غرفة الاستراحة؟ يبدو أن العمل هناك سيكون أفضل”، كلما حاول أحدهم الثرثرة بلا فائدة بدلاً من الحديث عن العمل.
لم يكن صوفيا ودايكسون ليتوقفا عن الكلام لولا ذلك.
لكن لو كانت بيركن هي الهادئة الوحيدة في هذا الفريق، لما كان من السهل تحقيق مثل هذا الجو.
أساس القدرة على خلق مثل هذا الجو كان…
“… آه، سيد لوت.”
“نعم، أعددت قائمة المراجعة العامة التي طلبتها هل تريدينها على ورق الرق؟”
“كلا، أرسلها إلى ساعتي، ليس على ورق الرق الكتابة اليدوية بطيئة.”
“نعم، حسناً.”
بسبب هذا الشخص بالذات.
الشخص ذو الشعر الأزرق الداكن الذي أعلن منذ البداية: “أنا شخص صامت.” شعره القصير المرتب وبدلته الأنيقة النظيفة تركت انطباعاً أولياً جيداً.
—محبة : معلش بس وقعت 🦋😭
كان الأكثر هدوءاً بين الصيصان، ينفذ عمله بصمت.
شعرت بيركن بامتنان لا حدود له لوجود موهبة كهذه في الفريق الثالث الذي لا مستقبل له.
“…عفواً، سيدتي نائب الرئيس آسف، لكن خطأ ما يظهر باستمرار أثناء محاولة الاتصال بساعتك.”
“خطأ؟ … آه، نعم. لم أتسلم بعد ساعة العمل أنا لم أعمل هنا سوى يوم واحد.”
“لهذا السبب! لأنك تعملين ببراعة شديدة، ظننت أنك تعملين هنا منذ ثلاث سنوات على الأقل!”
لا تترك الفرصة تفلت منها الصوصة الأولى.
وعندها، لا يدع الديك الصغير الفرصة تفلت منه هو الآخر ويضيف كلمته:
“واو، لقد أصابتني القشعريرة الآن أنتِ رائعة حقاً، سيدتي نائب الرئيس!”
“…لا، هذا شيء يفعله الجميع تقريباً.”
أجابت بيركن بمرونة وحاولت التركيز على عملها مرة أخرى. ما أوقفها كان زقزقة الصوصة.
“لكن، ألسنا في وقت الغداء الآن…؟”
“أوه! لهذا أشعر بالجوع! هذه أول مرة أنسى فيها وقت الغداء وأواصل العمل! أول مرة!”
لاحظت بيركن أخيراً الساعة على الحائط.
الساعة 12:01.
مضت دقيقة واحدة بالضبط على بدء وقت الغداء.
لوحت بيركن بيدها دون أن ترفع عينيها عن الأوراق:
“حسناً، تناولوا غداءً شهياً.”
“وأنتِ، نائبة الرئيس؟”
“يجب أن أنهي ما بيدي أولاً أكره ترك العمل في منتصفه، فهو يسبب لي التوتر.”
ربما شعر الصيصان بالذنب لترك رئيستهم وحدها والذهاب أولاً، فاستمروا في التردد ومراقبة رد فعل بيركن.
في تلك اللحظة، سمع صوت كشط الكرسي، ثم نهض شخص فجأة:
“أراك بعد الغداء.”
غادر هاريان المكتب أولاً بعد أن أنهى كلامه باختصار.
نظرت بيركن إليه نظرة خاطفة، ثم عادت للتركيز على أوراقها.
غادر الصيصان أخيراً المكتب بعد هاريان، وهم يتمتمون بصوت خافت: “تأكدي من تناول الغداء أيضاً، نائبة الرئيس…”
بعد مرور حوالي عشر دقائق، أنهت بيركن عملها أخيراً وأسندت جسدها بثقل إلى ظهر كرسيها.
رأت النقش الغائر المميز للبرج على السقف.
“…إنه مرهق.”
هل نائب المدير يكون هكذا؟
آه، لست نائبة مدير.
كادت بيركن أن تتنهد قصيراً بعد أن ظنت للحظة، بسبب توليها قيادة الفريق تلقائياً، أنها نائبة المدير.
أدركت الواقع المر: زيادة عبء العمل دون زيادة الراتب.
… ماذا سأقول لأمي؟ وعدتها بإرسال مصروف أكثر لها بدءاً من هذا الشهر.
نهضت بيركن من مكانها بسبب صداعها النابض.
لم يتبقَ سوى 30 دقيقة من وقت الغداء لأنها أمضت الوقت في محاولة إنهاء العمل.
قررت في النهاية الذهاب إلى مطعم البرج الذي أصبح هادئاً، وإنهاء وجبتها بسرعة.
لكن حالما خرجت إلى الممر، سمعت بيركن حديثاً غريباً.
“ما هذا بحق الجحيم؟”
“من يدري… يبدو أنه يبحث عن أحدهم.”
“من، من؟”
سمعت بيركن حديث ثلاثة موظفين من فرق أخرى، لكنها تجاوزتهم متظاهرة بعدم السماع.
ففي العمل، التظاهر بعدم السمع هو الأكثر حكمة.
استمر سماع الحديث الغريب حتى أثناء استخدامها للسلالم للوصول إلى مطعم البرج في الطابق السفلي.
“هذه أول مرة أراه في مطعم البرج.”
“أنت أيضاً؟ وأنا كذلك يقال إنه يبحث عن شخص، من هو؟”
أه، هل يبحث عن شخص ما؟
تجاوزت بيركن الأمر مرة أخرى بلا اكتراث ونزلت السلالم بسرعة.
كان عليها إنهاء وجبتها قبل انتهاء وقت الغداء.
فرع ديبديل كان أصغر مقارنة بالمقر الرئيسي، لكن كونه برجاً، فإن حجمه ليس صغيراً.
مرافقه جيدة أيضاً، لدرجة أن بعض سكان المناطق النائية يحلمون بالانضمام إلى هذا الفرع.
أشهر ميزة في فرع ديبديل هي مطعم البرج.
سئمت بيركن من الأطباق الإمبراطورية التي يقدمها المقر الرئيسي، فتحسنت حالتها المزاجية عند فكرة تذوق قائمة طعام مميزة لمدينة ميناء.
هل توجد أطباق مُعدة من الكراكن؟
دخلت المطعم بهذه النية.
لكنها توقفت حالما دخلت، أمام الباب مباشرة.
“قسم خدمات الأعمال؟ لا، لست أنا…”
“صابون؟ أنا، لست جيداً في…”
بين الأشخاص المصطفين في طابور لاستلام وجباتهم، كان هناك شخص ما يتفحصهم واحداً تلو الآخر.
بنية جسدية تبدو نحيفة لكنها مهددة، شعر رمادي جذاب غير أشعث، ووجه…
“… مزعج حقاً”
[يتبع في الفصل القادم]
•نصيحة للحياة في البرج!
أشهر طبق في فرع ديب ديل هو “ماصات الكراكن”! لكنه طبق خاص يُقدم فقط عند ظهور الكراكن في البحر.
التعليقات لهذا الفصل " 6"