“سموّكِ، هل تعلمين أن تمثال رو، أحد الأقداس السّبعة لديانة غافريل، كان مُزيّنًا بجوهرة النبوءة؟”
نظرتُ إليه باستغرابٍ لكنني أومأتُ برأسي بخفّة.
“أوه؟ آه… بالطّبع.”
رو هو المرسول الأوّل، ويمتلك قوّة الوحي التي ترى المستقبل. يُقال إن من يمتلك قوة الوحي يُمكنه معرفة المستقبل من خلال جوهرة النبوءة، لكن للأسف، فُقدت تلك الجوهرة منذ زمنٍ بعيد.
“في عصر مجلس العرّافين… كانت جوهرة النبوءة تُستخدم لتمييز المرسول الحقيقي من الكاذب. إذا هطل المطر على الكاتدرائيّة في اليوم التالي للمس الجوهرة، كان يُعترف بصاحبها كحاملٍ لقوّة الوحي.”
“طريقةٌ بسيطةٌ جدًا، أليس كذلك؟”
“لكن كما تعلمين، سموّكِ، مع تزايد طمع مجلس العرّافين نحو السّلطة، انقطع نسل جميع المرسولين. جفافٌ استمرّ لعقودٍ سرّع من سقوط المجلس.”
“…”
“لهذا، أُطلق على جوهرة النبوءة اسم ‘بركة ولعنة مجلس العرّافين’. كنتُ قد نسيتُ الأمر تمامًا… لكن عندما رأيتُ إيما، تذكّرتُ القصّة فجأة. يبدو أن الجوهرة كانت مُشابِهةً للون تلك التي على وشاحها.”
رُبّما كان يشير إلى حجر الأكوامارين على وشاح إيما.
جوهرة النبوءة، إذن.
“من حُسن الحظّ أنكَ تذكّرتَ قبل أن نغادر. لقد كان ذلك مفيدًا جدًا. شكرًا لأنكَ أخبرتني.”
ابتسم إيغور بلطفٍ وأفلت يدي.
تمثال رو، الذي يزور إمبراطوريّة أوهالا كل 17 عامًا.
عُرض التّمثال في شخارانسك في أوائل الرّبيع هذا العام، وقبل 17 عامًا، كان في ماخاتشكالا. وقبل 17 عامًا…
‘كان العام الذي وُلدتُ فيه، أنا التي كان مُقدّرًا لها الموت.’
يا لها من مصادفةٍ مثيرةٍ للاهتمام، أليس كذلك؟
* * *
كان القلق دافعًا قويًّا لا مثيل له.
لهذا السّبب، امتلأت الطّرقات الممتدّة من أمام القاعة المقدّسة، حيث تُعقد صلاة ماخاتشكالا برئاسة البابا، إلى الميدان المركّزي بآلاف المؤمنين من جميع أنحاء القارة.
معظم المؤمنين كانوا قد حجزوا أماكنهم على الأرض منذ الليلة السابقة أو اليوم التّالي، ينتظرون بجدّ. القلقون لا يتباطؤون، بل يُسرعون. مثلي، أنا التي قرّرتُ مسألة زواجي التي فكّرتُ فيها لأسابيعٍ في صباحٍ واحد.
نعم، أنا قَلِقَة.
بدأ هذا القلق منذ لحظة وصولي إلى القاعة المقدّسة ومواجهتي لفاسيلي.
[قال إن فالنتين سيُعطي كِلاً منّا نبوءةً علنيّة.]
[مرّةً أخرى؟ ما نوع النبوءة؟]
[لم ينبس ببنت شفةٍ عن المحتوى. كالعادة، لن تكون تهديدًا للعائلة الإمبراطوريّة. لا تُعيريه اهتمامًا كبيرًا.]
لا تُعيريه اهتمامًا؟ كيف يمكن ذلك؟
‘ما الذي يُفكّر فيه فالنتين؟’
أعرف الآن مصدر المستقبل الذي يراه. لقد كرّر فالنتين الموت مرّاتٍ عديدة، ومن خلال الموت، رأى احتمالاتٍ لا حصر لها للمستقبل.
لهذا السّبب، رُبّما؟
شعرتُ بالاستياء قليلاً من فالنتين، الذي لم يذكر شيئًا عن النبوءات. كنتُ أعتقد أن علاقتنا وثيقة كالأخوة. الخطوبة، وحتّى اليوم…
‘…أكانت مجرّد وهمٍ منّي؟’
لا، لا. لا داعي للإحباط بمفردي. لا بُدّ من وجود سببٍ لعدم إخباره. نعم، بالتّأكيد!
“سموّكِ، من الأفضل أن تبقي بجانبي تحسّبًا لأيّ شيء. سكّين الحماية التي أحضرتُها اليوم حادّةٌ بما يكفي لتقطيع الجلد بمجرد لمسها. سأحميكِ بالتّأكيد، فلا تقلقِي.”
في عينَي، بدت إيما، التي قالت ذلك، هي الأكثر قلقًا.
لكن على عكس مخاوف إيما، كانت أجواء الميدان المركّزي، رغم الحراسة المشدّدة، تُشبه المهرجان. خصوصًا عندما نزل فاسيلي وتاتيانا من العربة وظهروا، كانت هتافات المؤمنين صاخبةً كما لو كانت موكب انتصار.
“ظننتُ أن أُذني ستسقط.”
ضحكت إيما بهدوءٍ وهمست لي.
“كلاهما نَشِطٌ في الأنشطة العامّة، لذا هما محبوبان جدًا. علاوةً على ذلك، كان دخول المؤمنين للصّلاة العامّة تقليديًّا يبدأ بالعائلة الإمبراطوريّة، ثم النّبلاء، لكن هذا العام، لا توجد أولويّة، والدخول حُرّ، مما زاد من شعور المؤمنين بالقرب.”
ومضت الكاميرات من كلّ مكان.
لم يكن هناك يومٌ شعرتُ فيه أن المسافة بين نبلاء إمبراطوريّة أوهالا والشّعب كانت قريبةً كما اليوم. نعم، كان هناك سببٌ وجيهٌ لتحوّل ملابس اليوم إلى معركة كبرياءٍ بين السيّدات النّبيلات.
عندما مررتُ أنا وإيما، كانت هناك ضجةٌ مماثلة… أم أنني أتخيّل؟ لا أعرف.
في تلك الأثناء، كان ذهني مشوّشًا من مقارنة مئات المؤمنين المحيطين بي مع مئة صورةٍ شخصيّة. لم تكن رياضةً أو لعبة، بل مسألة تتعلّق بحياة النّاس (وحُرّيتي أيضًا)، لذا كان التركيز وحده يكفي لإغراق أصوات ونظرات من حولي.
“هل تبحثين عن شخصٍ ما؟”
“آه، هذه أوّل مرّةٍ أرى فيها هذا العدد من النّاس.”
أتمنّى أن تكون الصّور المئة عديمة الفائدة.
لكن الواقع دائمًا يُخالف الأمنيات، فقد قضيتُ وقتًا في التفكير ما إذا كان يجب الإبلاغ عن الأشخاص الذين اشتبهتُ بهم كمتمرّدين، بقدر الوقت الذي قضيتُه في تمييزهم.
عندما رأيتُ القلق الواضح في عينَي إيما، توقّفتُ عن التفكير وأبلغتُ الحرّاس عن الجميع، دون استثناء. هل هذا الحكم صحيح؟ ألن يتم التّحقيق مع أبرياء؟ شعرتُ بالقلق فجأة، لكنني أقنعتُ نفسي أن ذلك أفضل من وقوع كارثة، وواصلتُ فحص المؤمنين حتّى كادت عيناي تخرجان.
“ها.”
…لقد أحرقتُ نفسي تمامًا…
“سموّكِ… هل أنتِ بخيرٍ حقًا؟ قد يبدو هذا وقحًا، لكنكِ تبدين قلقةً بشكلٍ خاصٍّ اليوم.”
إيما الحسّاسة واللطيفة. نعم، أنا قَلِقَة.
“معدتي ليست على ما يرام. لكنني بخيرٍ الآن، سأتحسّن إذا جلستُ وأرتحتُ.”
هدّأتُ إيما وأخذتُ نفسًا عميقًا. يجب أن أُركّز. الجلوس في المقعد المُخصَّص لا يعني أن الأمر انتهى.
ستُعقد الصّلاة اليوم أمام مبنى القاعة المقدّسة، لنقل تعاليم البابا إلى جميع المؤمنين في الميدان.
عندما جلستُ في الكرسي المُخصَّص، رأيتُ المنصة أمامي.
كانت المنصة مكوّنة من طبقتين.
في المقعد العلوي، جلس والداي، وفي الطّبقة السفلى، في المنتصف، جلس بابا غافريل، وإلى جانبيه ثمانية كرادلة. على يمين البابا، كانت <يوميات رو>، وبجانب المنصة، عُرض تمثال رو للجميع.
من بينهم، كان فالنتين، الجالس إلى يسار البابا، الوحيد الذي يمكن وصفه بالشّاب. رُبّما لهذا، بدا مظهره الأنيق يتألّق أكثر وسط كبار السّنّ المنحنين. كان كافيًا لجذب أنظار السّيدات النّبيلات.
“رؤيته هكذا تجعل الكونت فالنتين يبدو غريبًا. أن أكون على وشك الارتباط بشخصٍ مخلصٍ ومهيبٍ مثله… لا يُصدّق.”
كان صوت إيما، وهي تهمس، حالمًا كأنّها في حلم.
لكنني، على عكسها، لم أستطع الانغماس في ذكريات الماضي. كانت نظرات فالنتين المُثبّتة عليّ مؤلمةً جدًا.
“همم. منذ قليل، يستمرّ الكونت في النّظر إلى هنا. لا يُمكن أن يكون ينظر إليّ… رُبّما هو قلقٌ بشأن سموّكِ؟”
“…”
“يا إلهي. بما أنكما مُقرّبين كالأخوة، فمن الطّبيعي أن يقلق عليكِ لإعلانكِ المفاجئ عن الحضور… لكنّه يُحدّق بصراحةٍ شديدة…”
إيما، أعرف ما تريدين قوله. حتّى أنا أرى أن هذا يبدو مثاليًّا لإثارة الشّائعات.
التعليقات لهذا الفصل " 95"