“ليبرتان رجلٌ ظَلَّ مُختبئًا لعشر سنواتٍ وهو يحلم بالتّمرّد. ألا تعتقد أن هذه مدّةٌ كافيةٌ لتحوّل طموحه إلى جنون؟ بل إنه الآن محاصرٌ في مأزق. لن يكون مُفاجِئًا إن تسبّب في مذبحةٍ في السّاحة العامّة.”
مذبحةٌ في السّاحة العامّة.
رُبّما لأنني مررتُ بمثل هذه التّجربة مرّة أو اثنتين، لم يعد هذا التّعبير يُصيبني بالصدمة. يبدو أن تاتيانا قلقةٌ من هجومٍ إرهابيٍّ قد يشنه المتمرّدون خلال صلاة الجمع العلنيّة.
“ما يُريده ليبرتان ليس تمرّدًا عسكريًّا أو قلب النّظام بالقوّة، بل كسب تأييد شعب الإمبراطوريّة للإطاحة بالعائلة الإمبراطوريّة الحاليّة.”
آه، إذن الشّخص الذي كان يتحدّث مع تاتيانا هو فاسيلي. وما إن أدركتُ ذلك حتّى سمعتُ صوتًا ثالثًا.
“آه… كلام أخي صحيح. ذلك الرّجل لن يُهدّد الجموع أبدًا أو يشنّ هجومًا إرهابيًّا في مدينةٍ كبيرةٍ مثل ماخاتشكالا. إنها نوعٌ من المبادئ بالنّسبة له. أتباع ليبرتان مفتونون بهذا الإيمان. يشعرون وكأنّه سيستعيد ما سُلب منهم ويُعيده إليهم…”
إيفان هنا أيضًا؟
‘ما هذا؟ هل تجتمعون جميعًا بمودّةٍ وتتركونني خارج المجموعة؟’
فوق ذلك، في ساعةٍ مُتأخّرةٍ بعد منتصف الليل؟ بينما كنتُ أشعر بالاستياء وشفتاي تتقدّمان بازدراء، استمرّ الحديث بين الإخوة.
“كلّ ذلك مجرّد خداع. على أيّ حال، المذابح التي يُبرّرها بالحاجة يتم طمسها دائمًا بذرائعٍ مُزيّفة. هل نُسمّيها هوسًا؟ ذلك الرّجل مهووسٌ بتصوير نفسه كعمود الثّورة أو أصل عصرٍ جديد. مَن يستغلّ حتّى أبناءه لاستعادة السّلطة، ينبعث منه رائحة النصاب وهو يتحدّث عن الحُريّة والمحبّة…”
“أبناء ليبرتان؟”
قاطعت تاتيانا كلام إيفان بسخريةٍ وسألت.
“مَن بالضّبط؟ لا تقصد أخي، أنتَ، أليس كذلك، إيفان؟”
عندها التفتُّ لأنظر إلى الثّلاثة الجالسين متقابلين على الأريكة داخل غرفة النّوم. كانت تاتيانا، بوجهٍ ممتعضٍ بشدّة، تنفث دخان سيجارتها. تحت الضّوء الخافت، انتشر الدّخان كالضّباب ليصل إلى أنف إيفان.
‘تانيا تعرف أيضًا.’
بينما كان إيفان يلوّح بيده برفق ليُبدّد الدّخان، سخر من نفسه قائلًا.
“حسنًا، رُبّما لستُ الوحيد. والدي كان مولعًا بالنّساء. مَن يدري؟ رُبّما لا يعرف حتّى مَن هي أُمّ ابنه الحقيقيّة. مثلي.”
“توقّف عن هذا الكلام البذيء.”
“…”
“تقصد… أن نفاق ليبرتان يضمن أمان صلاة الجمع العلنيّة، أليس كذلك؟ أفهم، لكن هذا هو الحدّ.”
جاء الرّد من الرّجل الجالس وظهره إلى المكان الذي أقف فيه، فاسيلي.
“أنتِ تعرفين، تانيا. قرارات فالنتين لم تُخطئ أبدًا.”
“ألا تفهم حقًّا ما يُقلقني، أخي؟ الاعتماد على قراراته وحدها يُعرّض أرواحًا كثيرةً للخطر! حتّى لو كانت مقامرة ذات احتمالاتٍ عالية، فإن إمكانيّة الفشل موجودة دائمًا. لكن إذا لم نراهن، يُمكننا استبعاد هذا الاحتمال تمامًا، أليس كذلك؟ هذا هو جوابي، الاستبعاد.”
“…”
“في أسوأ الحالات، ماذا لو كان هناك كاردينالٌ من أتباع ليبرتان؟ ماذا لو تسبّب انفجارٌ انتحاريٌّ باحتضان البابا في توجيه غضب أتباع ديانة غافريل نحونا؟”
أمام ردّ فعلها الحاسم، أمال فاسيلي كأس الخمر بهدوء.
“هل تتذكّرين أن مقر المتمرّدين يقع في ماخاتشكالا، تانيا؟”
تنهّدت تاتيانا وأشارت بإبهامها، التي تمسك السيجارة، إلى إيفان على يمينها.
“بالطّبع. هذا الأحمق كشف عن ذلك وهو ينتقد خروجي المُتكرّر. لقد طنَّ في أُذني بادعاءاته الغبيّة، وعندما أخبرتُه أن يتوقّف عن إزعاجي، ثار قائلًا إنه عضوٌ في هورغان، فكيف يُمكن أن يخطئ؟”
“ثار؟ كم مرّةً يجب أن أقول إنني كنتُ أنوي الكشف عن ذلك من البداية حتّى يستوعب دماغكِ النّرجسي هذا؟”
تلاسنا كعادتهما، لكن أصواتهما خفتت تدريجيًا. وعندما استقرّت أنظارهما على فاسيلي، ملأ صوته المنخفض والهادئ الغرفة.
“هورغان على وشك احتلال مقر المتمرّدين والقبض على ليبرتان حيًّا. لكن وفقًا لتحذير فالنتين، فإنّه في اللحظة التي يتم فيها احتلال المقر، سيقوم المتمرّدون بتوزيع منشوراتٍ دعائيّةٍ مُثيرةٍ للقلق.”
“…وماذا ستروّج هذه المنشورات؟”
“ولادة والدنا وإيفان.”
يا إلهي. ارتفع طرف فم تاتيانا بسخريةٍ مريرة. بدت وكأنّها لو كان ليبرتان أمامها لخنقته بيديها. بينما كان إيفان يُمسك جبهته ويغمض عينيه، أطلق شتائم لاذعة، قائلًا إن ‘عمّنا قد تجاوز كلّ الحدود’.
‘لكن ماذا عن ولادة والدي؟’
هل هناك سِرٌّ آخر لا أعرفه، بجانب كون إيفان الابن الشّرعي لليبرتان؟
[رُبّما لا تعرفين، لكن… حتّى الآن، انضمّ بعض النّبلاء إلى تمرّده. لديهم مُبرّراتهم الخاصّة، وهي مُقنِعةٌ إلى حدٍّ ما.]
[مُبرّرات؟]
[في البداية، شكّكوا في أصل والدنا، ثم شكّكوا في كفاءة الورثة. لكن الطّريقة الحقيقيّة التي يستخدمها لإغراء النّاس مختلفة.]
تذكّرتُ أنني سمعتُ شيئًا مُشابِهًا من قبل.
‘ما الذي يعنيه ذلك؟ همم… هل والدي، مثل إيفان، ليس ابنًا شرعيًّا لجدّي، بل ابن أخيه؟’
إذن، لأن والدي، وهو من الفرع الجانبي، ورث العرش بدلاً من ليبرتان، الابن الشّرعي، خطّط للتّمرّد؟
‘آه، هذا منطقيٌّ جدًا. يُفسّر أيضًا لماذا أصرّ على تنصيب إيفان على العرش.’
إنّه يسعى لاستعادة العرش المسلوب وتسليمه لابنه.
يا إلهي، أنا… عبقريّة؟ لا، لستُ كذلك. منذ صغري، كنتُ أذكى بكثيرٍ من أقراني، هذا صحيح. إذن، نعم، رُبّما ما زلتُ عبقريّة؟ أن أفهم عشرة أمورٍ من أمرٍ واحد، لا عجب أن يرى ليبرتان أنني مُزعِجة.
“سنحاول منعه، لكن لن نتمكّن من إيقافه تمامًا. هذا هو السّبب الذي يجعل فالنتين مُصرًّا على إقامة صلاة الجمع العلنيّة.”
“آه، وما الخطّة العظيمة التي يحيكها الكونت ناريان العظيم هذه المرّة؟”
“نبوءة.”
يا إلهي. بعد ولادة والدي، الآن نبوءة فالنتين؟
‘ماذا. التّنصّت على محادثات هؤلاء الثلاثة مُفيدٌ للغاية، أليس كذلك؟’
يجب أن أتسلّل إلى هنا وأتنصّت أكثر. بما أنني سأكون عالقةً في القصر الإمبراطوري يوم صلاة الجمع العلنيّة، شعرتُ أن هذا الموقف مُثيرٌ للغاية.
“ستكون النبوءة الأولى منذ أربع سنوات. وبما أنها ستُعلن في حدثٍ ضخمٍ مثل صلاة الجمع العلنيّة التي يترأسها البابا في ماخاتشكالا، وليس في قاعة مأدبة القصر الإمبراطوري، فإن تأثيرها سيكون أكبر.”
قوّة النبوءة عظيمة.
بالطّبع، النبوءة التي أتحدّث عنها هنا هي نبوءة فالنتين. لقد أنقذت نبوءاته آلاف الأرواح حتّى الآن. بفضل قوّة كلامه، كان تأثير فالنتين يشبه تأثير إلهٍ أكثر منه مرسولًا إلهيًّا. (أستغفر الله العظيم)
ومع ذلك، أصرّ فالنتين على أنه مرسول ديانة غافريل، منحنيًا رأسه للكنيسة البابويّة والعائلة الإمبراطوريّة نوفاروف. لم يستغل قوّة عائلته أو شهرة اسمه لتوسيع نفوذه، ولم يقع في فخ الملذّات، ولم يطمع في السّلطة فينتج عن ذلك أعداء.
رأى النّاس في فالنتين نعمةً إلهيّةً ومرسولًا حقيقيًّا لهذا العصر. وإن كان هذا العالم، بالنّسبة إلى فالنتين، لعنة.
“…حسنًا.”
“…”
“هاه… حسنًا، مُوافِقة. كلّ شيءٍ بخير. لا يُمكنني أن أتجاهل الأمر بعد كل هذا الإعداد المُحكم لإقناعي. لن أعترض بعد الآن، ولن أرفع التماسًا إلى والدي.”
أطفأت تاتيانا سيجارتها وتوجّهت إلى درجٍ بجانب السّرير، مُضيفةً.
التعليقات لهذا الفصل " 87"