“مرشّح؟ آه، سمعتُ. لكن، مهما كان، أليس من المبالغة وضع طفلٍ في السّابعة وشيخٌ في التّاسعة والخمسين كمرشّحين لخطوبتي؟ ما الذي كان يفكّر فيه أبي عندما أرسل لي صورتيهما؟”
كان سؤالي، لكن الجواب كان واضحًا.
“…بسبب ما حدث بالأمس، أليس كذلك؟”
“على الأرجح.”
يبدو أن لاريسا السكيرة تسبّبت في ضجةٍ أكبر مما توقّعتُ. على أيّ حال، أبي، مهما تظاهر بالعكس، مُهتمٌّ جدًا بالنميمة.
“هل قرّرتِ أن تختاري إيغور؟”
“لا أعرف. لكن بالتّأكيد ليس سيرجي. بالأمس، رفضتُه… أو شيءٌ من هذا القبيل.”
“يبدو أنّكِ تلقّيتِ عرض زواج. إذن، ليس غبيًّا تمامًا.”
“ليس عرض زواجٍ بالضّرورة. فقط، كان الجو يتطلّب أن أؤكّد أنه مجرّد صديق. لم أجد جوابًا آخر.”
في صمت فاسيلي، سألتُ ببعض الدّهشة.
“لماذا؟ هل أبي لا يُحبّ إيغور؟ هل لذلك أرسل تلك الصّور السّخيفة فجأة؟”
“اعتبر كونه أكبر منكِ عيبًا. مع أن الفارق ليس كبيرًا. في هذا العمر، والرّجال المناسبون بهذا المستوى هم إيغور، سيرجي، وفالنتين، وهذا كلّ شيء.”
حسنًا. لا أعرف معايير فاسيلي، لكنني أومأتُ مُوافِقة.
“إذا كنتِ راضيةً عن إيغور، فـمِن الأفضل إنهاء الأمر بسرعة. لقد رفضتِ سيرجي، وفالنتين قد قرّر بالفعل… إذا تأخّرتِ، قد تضطرّين حقًا للذهاب إلى خارج أوهالا.”
فالنتين. عند ذكر اسمه فجأة، نسيتُ أنني كنتُ أُحقّق سِرُّا ورفعتُ صوتي.
“قرّر؟ ماذا قرّر فالنتين؟ لا تُخبرني… هل سيسافر للدّراسة مُجددًا؟”
“في هذا العمر، لن يسافر مُجددًا بل سيستقرّ.”
تأكّد فاسيلي من إغلاق ستائر النّافذة، ثم أجاب بهدوء.
“سيتقدّم لخطبة أوكسانا ألكساندروفنا إيلين قبل نهاية الرّبيع. …ظننتُ أنكِ قد تعرفين، لكنّه لم يخبركِ بعد، على ما يبدو.”
* * *
<إلى فالنتين العزيز،
مرحبًا، فالنتين. لقد مَرَّ أسبوعٌ منذ انتهاء الحفل الإمبراطوري. لحُسن الحظّ، الجو صافٍ الآن، أليس كذلك؟ السّماء زرقاءٌ لدرجة أنني أشعر بأسى لحياتي المحصورة في القصر الإمبراطوري.
فكّرتُ في انتظار رسالتكَ أكثر، لكن سمعتُ أنّكَ مشغولٌ جدًا، فقرّرتُ الكتابة أولًا. لديّ الكثير من الأسئلة التي تمنعني من النّوم ليلًا، فلا أستطيع الانتظار أكثر. أرجو أن تُرسل ردًّا قصيرًا عندما تجد وقتًا.
كيف حال عائلة نيكيتين؟ هل يُمكنني الوثوق بهم؟
بالطبع، لا أعتقد أن دوق نيكيتين يُمثّل مشكلة. لقد غيّرتَ حاضرنا من خلال الماضي، وكذلك دوق نيكيتين، أليس كذلك؟
على عكس سيرجي، الذي يُعاديكَ، أنتَ تبدو متعاطفًا معه قليلًا. أمم، آسفة، سأعتذر مُجددًا عن هذا. لكنّه ليس سيئًا. على أيّ حال، سيرجي صديقٌ عزيزٌ جدًّا بالنّسبة لي. إذا كان بإمكاني مساعدته بأي شكل…>
<إلى سموّها لاريسا،
وجدتُ وقتًا قصيرًا للرّد على رسالتكِ.
أودّ أن أسأل إن كنتِ بخير، لكن خطّ يدكِ المملوء بالاستياء والقلق يوحي بغير ذلك.
أتفهّم إحباطكِ، لكن هذا الوقت لن يطول. نُخطّط لاقتلاع جذور المتمرّدين قبل نهاية الرّبيع، لذا ابقِي هادئةً ولا تتسبّبي بالمشاكل. أتوسّل إليكِ بهذا.
لا داعي للقلق بشأن دوق نيكيتين.
بل إنّه أصبح طُعمًا مُمتازًا لنا، ولن يؤثّر أيّ ضررٍ على مستقبل صديقكِ العزيز سيرجي إيفانوفيتش نيكيتين. لكنّني أتساءل إن كان هذا الرّد سيُعتبر تعاطفًا معه أيضًا…>
* * *
مرّت عشرة أيّامٍ منذ اختتام الحفل الإمبراطوري.
بعد أن راجعتُ الرّد الذي سأُرسله لفالنتين للمرّة الأخيرة، دفنتُ وجهي في الوسادة وانهرتُ.
“هاا.”
مرّةً أخرى، لم أستطع سؤاله عن أوكسانا.
أوكسانا. اسمها أوكسانا… ابنة دوقة إيلين، الصيّادة التي تبحث عن ثلاثة رجال، الابنة الثّانية لعائلة إيلين العريقة، في عمري، مرّت بفسخ خطوبةٍ قبل سنّ الرّشد، ولم أتحدّث معها ولو مرّةً واحدة.
لقد كتبتُ جملًا مثل، ‘فالنتين، سمعتُ أنّك ستخطب أوكسانا إيلين. لماذا لم تُخبرني؟’، أو ‘ما الذي أعجبكَ في أوكسانا؟’، أو ‘هل تُخطّط لاقتلاع المتمرّدين قبل نهاية الرّبيع بسبب زواجكَ من أوكسانا؟’ ثم مزّقتُ الورق أكثر من خمس مرّات.
‘لماذا بالضّبط؟ لماذا لا أستطيع أن أسأل بصراحةٍ عن الحقيقة؟’
ألم أكن أتبادل النميمة بحريّةٍ مع إيما عن الزّواج والحُبّ؟ كنتُ أستمتع كثيرًا بسماع قصصٍ لم أختبرها، سبب اختيارها لزوجها، عرض زواجه، ردّ فعل والديها.
‘بل حتّى عندما كانت إيما مخطوبةً لفالنتين، كنتُ أكثر جرأة.’
هل هذا بسبب بلوغي سنّ الرّشد؟ هل أصبحتُ حسّاسة تجاه الزّواج لأنني في سنّ الزّواج؟
“سموّكِ.”
…لا.
في الحقيقة، ليس هذا هو السّبب. نعم، دعيني أكون صادقةً مع نفسي على الأقل.
“سموّكِ؟”
أنا الآن أخشى ردّ فعل فالنتين.
[المُشكِلة هي أن قلبِي ينبض بقوّة. يستمرّ في الخفقان، ممّا يجعل من الصّعب النّظر في عينيكَ.]
أيتها الغبيّة لاريسا.
‘في ذلك اليوم، لماذا! لماذا كنتِ صادقةً هكذا!’
لماذا قلتِ ذلك؟ لماذا جعلتِ…
‘ردّ فعل فالنتين الغريب يعلق في ذهني ولا يُفارِقه؟’
سئمتُ المعاناة من أخطاء الماضي. حتّى بعد أن أصبحتُ بالغة، النّدم لا يزال موجودًا.
“سموّكِ، توقّفي عن ضرب الوسادة. الضّيف الذي كنتِ تنتظرينه وصل. هل أُدخله؟”
“…نعم، ادخليه.”
نهضتُ بتثاقلٍ وتوجّهتُ إلى غرفة الاستقبال، وجلستُ على الكرسي كأنني أنهار.
إذا كان هناك شيءٌ يُحافظ على هدوء قلبِي المُضطرِب، فهو أن فالنتين يتفاعل بنشاطٍ مع رسائلي.
مثالٌ على ذلك الرّجل أمامي الآن.
“آه، ظننتُ أنني سأُرفض في زيارتي الثّانية! كنتُ قلقًا من العودة خالي الوفاض، هاهاها. شكرًا لاستقبالكِ، سموّكِ. هاهاهاها.”
كل يومين أو ثلاثة، يأتي في الموعد المحدّد بدقة ليسلّم رسائل فالِنتِين أو يأخذها.
“لكن، كنتُ أتساءل عن شيءٍ منذ فترة.”
“…”
“لماذا لا يأتي أيّ عطرٍ من مظروف الرّسالة؟”
شعورٌ غريبٌ لا يتناغم إطلاقًا مع القصر الإمبراطوري، وهالةٌ مهيبةٌ تجعل حتّى الحرّاس وفيدورا يهرعون لحمايتي.
هذه الوقاحة المألوفة والنّبرة العفوية تخبرني شيئًا. هذا الرّجل عضوٌ في هورغان. بل، رجلٌ سبق أن التقيتُـه.
“لا أعرف عن أيّ عطرٍ تتحدّث. لكنّني لا أُضيف عطرًا خاصًّا إلى الرّسائل.”
“ماذا؟ هذا غير مُمكِن؟ كان هناك بالتّأكيد عطرٌ لطيفٌ يُثير الحكة.”
“يُثير الحكة؟ ما هذا الهراء الذي تقوله؟ رُبّما خلطتَ بينه وبين رسالةٍ أخرى.”
التعليقات لهذا الفصل " 84"