أيّ نوعٍ من الفشل؟ بالطبع، فشلٌ ذريعٌ في جعل شخصيّتي، لاريسا، تُعرف بأنها ‘الأميرة الصّغرى المتدفّقة بالنّبل والوقار’.
عدتُ وحدي ورقصتُ مع إيغور، ثم عدتُ فورًا إلى مقعدي وصببتُ الخمر دون توقّف. وصفتني تاتيانا، وهي ترى حالتي، بأنني ‘امرأةٌ رُفِضت من رجلٍ فحاولت نسيانه برجلٍ آخر، لكنها لم تتمكّن من الهروب من معاناة قلبها فأصبحت سكيرة’. في البداية، ظننتُ أنّها مجرّد مزحةٍ سخيفة.
لكنّها لم تكن مزحة.
<إلى صاحبة السّمو لاريسا،
اليوم أيضًا الجو غائم. يضرب الرّعد والبرق في وضح النّهار، فأنا قلقةٌ إن كانت هذه الرّسالة، التي أكتبها مع شروق الشّمس، ستصلكِ بسلام.
هل أنتِ بخير؟ وجهكِ، الذي كان أحمرًا كالكرز النّاضج ليلة أمس، لا يُفارق ذهني، لذا أكتب للاطمئنان عليكِ…>
“هاا.”
<…يُشاع في الأوساط أن سموّها رُفِضت من الكونت فالنتين. أنا، التي أعلم مدى متانة علاقتكما، أنفي هذه الإشاعات كلما سمعتُها، لكنني أجد صعوبةً في تصحيحها بمفردي.
لكنّني أعتقد أن هذا ليس أمرًا يستحقّ اهتمام سموّها كثيرًا. كما تعلمين، القصص التي تدور في الأوساط الاجتماعيّة غالبًا ما تُنسى في أقلّ من عام.
لكن يا إلهي، يا سموّكِ لاريسا! أن أرى بأم عينيّ مشهد رقصكِ مع إيغور، لقد صُدمتُ حقًا…>
لم أُكمل قراءة صفحتين كاملتين مِن حماس إيما، وانهرتُ على السرير. صداع الكحول، صداع الكحول. هذا الصّداع الحقير. كلّما قرأت حرفًا، شعرتُ وكأن أمعائي تتلوّى.
“…لا، لا يُمكنني الاستسلام. فيدورا! اربطِي شعري الآن. واختاري ملابس خروجٍ مناسبة. لا تهتمّي بالأناقة، المهم أن تكون دافئة.”
“أ… هل أنتِ بخير، سموّكِ؟ وجهكِ شاحبٌ جدًا…”
“غطّيه بالمكياج. بسرعة!”
ما إن بدأتُ ألحّ على فيدورا حتّى جلستُ أمام المرآة.
أمسكتُ رأسي النّابض وبدأتُ أستعيد ذكريات الأمس ببطء. لحُسن الحظّ، لم تكن هناك لحظاتٌ متقطّعةٌ بسبب الإفراط في الشّرب.
حسب ما أتذكّر، لم يظهر إيفان حتّى اللحظة الأخيرة التي غادرتُ فيها قاعة الحفل.
في الحقيقة، لم يكن فالنتين ولا سيرجي ولا إيغور مَن جعلني سكيرة، بل إيفان. كلّ ما فعلتُه هو أنّني ارتشفتُ كأسًا أو اثنتين وأنا أنتظر عودته، لكنه لم يعد، فـلَم أتمكّن من إيقاف الكؤوس!
‘شخصٌ لا يُعتمد عليه حتّى النّهاية. رقصتُ معه الرّقصة الأولى، ثم هرب دون أثر؟’
بفضل عناية فيدورا، تخلّصتُ من مظهر السكيرة المُنهَكة بالصّداع، وهرعتُ لألحق بعربةٍ كانت على وشك مغادرة القصر الإمبراطوري.
عند انضمامي المفاجئ، بدا على وجهَي الأخوين، وبالأخص الابن الأصغر، تعبيرٌ عن عدم الرضا.
“لارا، هل تعرفين إلى أين نحن ذاهبون حتّى تتبعينا؟”
“اخرجي بهدوءٍ قبل أن أطردكِ. هل نسيتِ وضعكِ الحالي؟ هل تريدين هذه المرّة أن يُصاب رأسكِ برصاصةٍ في الشّارع؟”
مَن أنا؟ الأميرة الصّغرى لهذا العائلة، لاريسا.
“سأتقيّأ.”
“…ماذا؟”
الأخوة يُمكن السّيطرة عليهم بالتقيّؤ.
“إذا أبعدتني وذهبتما، سأتقيّأ. وأنا أعرف جيّدًا إلى أين أنتما ذاهبان. أعرف جيّدًا، لذلك خرجتُ خلسةً وتبعتكما. مَن سيظنّ أن امرأةً مثلي ستكون في هذه العربة؟ لذا، انطلِقَا بسرعة. سأكون هادِئة.”
“يبدو أن الخمر لم يزل من رأسها.”
لحُسن الحظّ، انطلقت عربتنا دون مزيدٍ من الاعتراضات.
الوجهة كانت مكانًا يتردّد إليه الرّجال العصريّون المشغولون باللهو. مكانٌ سرّيٌّ يسمح بالهمسات المشبوهة والمؤامرات، بل وحتّى اللمسات غير الضّرورية التي يصعب قبولها في المناسبات الرّسميّة.
ألا وهو منزل أحد الأصدقاء.
“سموّكِ لاريسا؟ كيف تأتين إلى هنا في هذا الصّباح الباكر…؟”
المعروف باسم النّادي الملكي.
هذا النّادي، الذي يضم حوالي عشرة من النّبلاء الشّباب بقيادة فاسيلي وإيفان، يتكوّن من أبناء عائلاتٍ نبيلةٍ بارزةٍ ضمن مجلس النبلاء التسعة عشر أو ما يُعادلها، وبشكلٍ أدق، من السّادة.
في صِغري، لم أكن أفهم سبب وجود هذا التجمّع المتحمّس للعب ألعاب الطاولة، البطاقات، البلياردو، الصيد، والكروكيه.
بالطّبع، كانوا أحيانًا ينخرطون في أنشطةٍ مُنتجةٍ مثل مناقشات الكُتب، إلقاء الشِّعر، جلسات فلسفيّة، دعوة فنّانين، أو الرّعاية، لكن ذلك كان نادرًا. مهاراتي الاستثنائيّة في الألعاب وسِعة صدري للشّرب كانت ثمرة هذا النّادي الملكي، فما الذي يُمكن قوله أكثر؟
كالعادة، كان أحد الرّجال المتراخين في غرفة الاستقبال الواسعة ينهض بوجهٍ محرج.
“مهلًا، ما الذي تُفكّر فيه، فاسيلي؟ سموّها لاريسا أصبحت بالغةً الآن. لا يُمكننا إدخالها إلى النّادي بحريّةٍ كما في السّابق.”
وقفتُ مُتقاطعةً بذراعيّ وطلبتُ بثقة.
“تظاهَر بأنّكَ لا تعرف وادخلني.”
“حسنًا، حسنًا. ما زال الشّهر مارس، أليس كذلك؟ لم يمرّ الرّبيع بعد، فطردها كبالغةٍ قد يكون قاسيًا.”
كان فالنتين وإيغور أيضًا من أعضاء هذا النّادي الملكي، وكان سيرجي حتّى من الأعضاء المؤسّسين.
لكن سيرجي، لسببٍ ما، قطع صِلته بهذا النّادي. حتّى وقتٍ قريب، لم يكن لديه أيّ اهتمامٍ به.
“حسنًا، بصراحة، في جلساتنا الخاصّة، يُمكننا التّخلّي عن القواعد المتزمتة قليلًا. لكن عدم إخبارنا مسبقًا مفاجئ، فاسيلي. لستَ من هذا النّوع.”
“ولِمَ لا؟ ألا ترى تعبير فاسيلي وإيفان؟ لم نكن الوحيدين المُفاجَئين.”
“قلتُ إنّني سأكون هادِئة.”
“حسنًا. إنّها ليست سوى سموّها لاريسا. ما المشكلة؟ هل لديكم ما تخجلون منه؟ تفضّلي، سموّكِ. هل نُعد عصير فواكه حلو كالسّابق؟”
“لا، أنا الآن امرأةٌ ناضجة، لذا عصير الفواكه الحلو لن يناسب. أُريد ويسكي. رأسي لا يزال يؤلمني، لذا اضيفوا قليلًا من الماء.”
قادتني ضحكات السّادة العالية إلى الدّاخل، يتسابقون فيما بينهم.
نصفهم شكّلوا فريق بلياردو، والنّصف الآخر تجمّع حولي يثرثرون عن إشاعات ليلة الأمس.
“هل رفضكِ فالنتين حقًا؟”
“بعد كل تلك المطاردة… لِمَ لا تختارين واحدًا من هنا؟”
حسنًا، سأدعهم يثرثرون بمرح.
“ما يُهمّني الآن ليس أنتم ولا أنوفكم المُتحمّسة كالكلاب.”
يا إلهي! بينما كان الرّجال يُصفقون ويصيحون بحماس، التفت إليّ فاسيلي، الذي أنهى دوره للتو.
“لو سَمِعَت تانيا، لأضاءت عيناها. حسنًا، إذن… ما السّبب الذي جعلكِ تتبعينا حتّى هنا وأنتِ تعانين من الصّداع؟”
“إيفان، بالطّبع.”
وفالنتين.
‘لكن فالنتين ليس هنا، لذا، حسنًا.’
عند ذكر اسمه، تجمّدت حركة إيفان بشكلٍ ملحوظٍ وهو على وشك لعب البلياردو. أشرتُ إليه بذقني.
“انظر إلى تعبيره. مُريبٌ للغاية، أليس كذلك؟ كان لديّ الكثير لأقوله، لكن عندما ضغطتُ عليه الليلة الماضية، لم يُجب بشيء.”
“أوه.”
“بل وهَرَبَ ولم يعد. وغد.”
“…أوه!”
“وغد؟ لا أُصدّق! هل تعرفين مثل هذه الكلمات؟”
“هاهاها، بالطّبع، تعلّمَت الأفضل فقط من سموّها تاتيانا.”
نظرتُ حولي بهدوء. إن لم أكن مخطئة، كان تفاعل هؤلاء الرّجال منذ لحظةٍ متأخّرًا وأخرق بعض الشّيء. لماذا؟
بعد أن أخطأ في تسديدته، وقف إيفان مُمسكًا بمضرب البلياردو دون أن ينبس بكلمة. كان فاسيلي يُحدّق به بهدوء، وكعادته، ينتظر أن يجيب أخوه الأصغر أولًا بدلًا من التّدخّل.
التعليقات لهذا الفصل " 82"