الفصل السابع 🩷
“لقد تجاوزتُ الحد بالفعل بمجرد الكشف عن النبوءة لجلالتيكما فقط. هل ترغب في حماية الأميرة لاريسا؟”
كنتُ أرغب في خياطة شفتيّ فالنتين الوقح هذا، الذي تجرّأ على الحديث بهذه الطريقة.
لا أعلم مدى لطف فاسيلي معه، بل في الواقع، لا يهم كم كان لطيفًا، فكل ذلك لم يكن سوى قناعٍ أعدّه بعناية. ولكن إن سقط القناع، فلا أحد يعلم ما قد يفعله فاسيلي. لا سيّما في مكانٍ كهذا، نادر الوجود البشري…
“لا داعٍ لأن تكوني متوتّرةً إلى هذا الحد.”
قال فالنتين ذلك بينما كان ينظر إليّ مباشرة، بنبرةٍ خفيفةٍ جعلت العرق البارد المتجمّع في راحتي يبدو وكأنه لم يكن موجودًا أبدًا.
“المستقبل ليس قدَرًا، إنه ليس كارما ثابتة يجب تقبّلها كما هي. لو كانت نبوءتي تحمل أمرًا لا يمكن رفضه، لكان أكثر من خمسة آلاف من سكان مملكة تشيرينسكو قد غرقوا جميعًا في الفيضان العظيم. لكنهم أحياء، أليس كذلك؟ باستثناء القلّة الذين تجاهلوا تحذيري.”
لم تتغيّر نظرة الحذر في عيني فاسيلي، ما دفع فالنتين إلى التنهّد بخفة، وهو يهزّ كتفيه متظاهرًا بالعجز.
“أم كان يجدر بي أن أتحدّث بوجهٍ أكثر جديّةٍ ورسميّة؟ كما يفعل الكهنة أثناء القدّاس عند إعلان النبوءات السماويّة؟ أو ربما كان سيكون من الأفضل أن أتصرّف وكأني أُقدّم أطروحة التخرّج أمام اللجنة؟ لقد بذلتُ جهدًا لا بأس به وقتها لأبدو متوتّرًا.”
عندها فقط، أدرك فاسيلي أنه بحاجةٍ إلى تغيير الأجواء، أو ربما كان يهدف إلى استخلاص المزيد من المعلومات، فتظاهر بالتجاوب مع مزاح فالنتين.
“لم أتوقع منكَ هذه الدرجة من الدّقة.”
“ما قصدتُه هو ألا تأخذ الأمر على نحو جادٍّ للغاية.”
“أن يتم اغتيالي بعد سبعة عشر عامًا على يد أحد المتمرّدين؟ هذا لطفٌ بالغٌ منك حقًا.”
شعرتُ بالارتياح عندما عاد تعبير فاسيلي إلى طبيعته، لكنني نظرت إلى فالنتين هذه المرّة بنظرةٍ مختلفةٍ بعض الشيء.
من خلال ما رأيتُه حتى الآن، رغم أنني لم ألتقه سوى ثلاث مرّاتٍ فقط، كنتُ أظنه شخصًا لا يهتم كثيرًا بما حوله، شخصًا ينساب مع مجرى الأمور دون تدخّل.
ولكن إذا فكّرتُ قليلًا، فهذا استنتاجٌ سخيف. كيف لشخصٍ غير مبالٍ أن يسعى لإنقاذ الناس من كوارث كبيرة وصغيرة؟ ربما يكون فالنتين في الواقع شخصًا يحمل مسؤوليةً هائلةً تفوق الخيال.
“إذًا، أخبرتني أنا وحدي بهذه النبوءة بدافع اللطف أيضًا؟”
“يمكنك اعتبار الأمر كذلك، لكنني في الواقع اخترتُ الطريقة الأمثل لتجنّب أسوأ مستقبلٍ ممكن.”
“أن لا يصبح فاسيلي نيكولايفيتش نوفاروف طاغية؟ لا أدري… لا يبدو لي أنني حصلتُ على استنارةٍ عظيمةٍ بفضل لطفك. هل تتوقّع أن تكون هذه اللحظة بمثابة القيود التي تمنعني من اتخاذ قراراتٍ خاطئةٍ مستقبلاً؟”
“لا، في الواقع، ليست لدي أيّ توقعاتٍ تجاهك يا صاحب السمو.”
ثم حوّل نظره إليّ وسألني بهدوء.
“ما رأي جلالتكِ في نبوءتي؟”
…
أنا؟
“نعم، سؤالي موجّهٌ إليكِ، يا صاحبة السمو الأميرة لاريسا.”
“لي؟ لماذا؟”
“من يدري؟ لماذا برأيكِ؟”
كان رده المتملّص مصحوبًا بابتسامةٍ مستفزّة، مما جعل حاجبي فاسيلي ينقبضان قليلًا.
لكنّه لم يقاطعه، بل ظلّ يراقبني بصمت، وكأنه ينتظر إجابتي، مما جعلني أشعر ببعض الحيرة أثناء تفكيري.
“أنا…”
إنه أمرٌ مثيرٌ للسخرية.
رغم أنني سخرتُ سابقًا من نبوءة فالنتين وقلتُ إنها لا تختلف عن التنبؤ بحالة الطقس، إلا أنه عندما سمعتها بالفعل، لم يكن بإمكاني الضحك عليها.
والسبب بسيط… لأنه إذا كان هناك شخصٌ يمكن أن يلقى مثل هذا المصير، فهو فاسيلي.
نبأ وفاة شقيقي المأساوية، الذي سمعتُه دون سابق إنذار، لم يسبب اضطرابًا في قلب فاسيلي فحسب، بل زرع داخلي خوفًا عميقًا أيضًا.
هل كان عليّ الإجابة على سؤال فالنتين؟ هل كانت إجابتي المفتاح لتجنّب أسوأ مستقبل؟ إن كان الأمر كذلك، فسأجيب عليه مئة مرّة، بل ألف مرّة!
“أنا… كنتُ أعلم.”
رفع فالنتين حاجبًا باهتمام.
“ماذا تعنين بـ’كنتُ أعلم’؟”
“أعني أنني كنتُ أعتقد بالفعل أن فاسيلي قد يصبح طاغية، أو أنه يمكن أن يصبح كذلك. في الواقع، فاسيلي شخصٌ يستحقّ أن يكون طاغية.”
“أوه؟ ولماذا تعتقدين ذلك، يا صاحبة السمو؟”
ألقيتُ نظرةً خاطفةً على فاسيلي قبل أن أُجيب.
“أنتَ ترى المستقبل، لكنكَ لا تعرف الماضي. فاسيلي كان فظيعًا في طفولته، وإذا بدأتُ بسرد قصصه القديمة، فسيركض الجميع هلعًا. لقد أصبح شخصًا رائعًا الآن، لكن ذلك كله بفضل والدتنا.”
“هاه، لارا…”
تنهّد فاسيلي، واضعًا يده على جبينه، لكنني واصلتُ حديثي دون أن أتوقّف.
“فاسيلي لا يخاف شيئًا، الشيء الوحيد الذي يخشاه هو نفسه. لأنه…”
نظرتُ إليه. إلى شقيقي وحاميي. نظرتُ إلى عينيه البنفسجيتين الدافئتين، فتدفّقت إلى ذاكرتي صورٌ من طفولتنا، رغم أنها باتت ضبابيّةً بعض الشيء الآن.
لم أنسَ أبدًا اللحظات التي قضيتُها معه. وجهه الخالي من المشاعر فوق بركة دماء، صرخات والدتنا، ووجه تاتيانا المُرتعِش وهي تغلق عينيها خوفًا.
إن تخلّينا عن فاسيلي…
أو بالأحرى، إن تخلّى هو عنّا…
فقد يعود كل ذلك ليحدث مجددًا.
“شقيقي لا يمتلك حسًّا قويًّا بالمشاعر. إنه يبذل جهدًا فقط، ليبدو مثل الآخرين. يضحك، يشعر بالإحباط، يُبدي أسفه، ويستمتع… لكنه مجرّد قناعٍ مُكتسَب.”
إنه قناعٌ يمكنه التخلّص منه في أي لحظةٍ إن أراد ذلك، لكنه اختار أن يرتديه من أجلنا.
“لذلك، طالما استمرّ في المحاولة، فلن يصبح طاغية. أنا واثقةٌ من ذلك، لأن فاسيلي أكثر ذكاءً مني بكثير. لذا، لم تفاجئني نبوءة فالنتين بقدر ما جعلتني أتساءل عن السبب… السبب الذي دفع فاسيلي إلى التوقّف عن المحاولة. إذا عرفنا ذلك، فسنتمكّن من الحفاظ على هذا المستقبل كما هو.”
رغم أنني تحدثتُ بثقة، إلا أن صوتي بدأ يخفت تدريجيًّا، خاصّةً مع وجود فاسيلي إلى جانبي.
لقد أفشيتُ لتوّي أعمق أسراره أمام شخصٍ غريب. حتى وإن كنتُ أملك سببًا وجيهًا لذلك، فإنه يظلّ أمرًا قد يستوجب العقاب.
“لقد قلتِ كل ما لديكِ، والآن تتراجعين، أليس كذلك، لارا؟”
رغم نبرته التي بدت صارمة، إلا أن يده التي امتدّت لتمسح رأسي كانت لطيفة. شعرتُ بالراحة، وهززتُ يده برفق.
“بما أن فالنتين سيساعد، فكلّ شيءٍ سيكون على ما يرام، صحيح؟ لن يحدث المستقبل السيء بعد الآن.”
“رُبّما، إن لم يكن فالنتين مجرد ثرثار.”
اتّجهت ابتسامة فاسيلي الساخرة نحو فالنتين هذه المرّة.
“إذن، هل تجنّبتُ مصيري البائس؟”
للحظة، بدا أن فالنتين يفكّر في الأمر بجديّة، لكنه لم يستغرق وقتًا طويلًا للإجابة.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 7"