‘هل تشبه هذه القائمة تلك التي كانت تملكها تانيا عن الرّجال العازبين من أوهالا التّابعة للدوقة إيلين؟’
لم أكن أتوقّع أن تكون المعلومات التي تتداولها السّيدات النّبيلات بهذا القدر من الدقّة والتفصيل.
لكن حديثنا لم يطل كثيرًا. بعد تبادل بضع كلمات، احتضن فاسيلي كتفَي بلطفٍ وقادني نحو الشرفة.
“وجهكِ مُحمَرٌّ، يا لارا. يبدو أنكِ بحاجةٍ إلى تهدئة الحرارة. سنغيب قليلًا.”
أنا لا يُحمرّ وجهي من كأسَي شامبانيا فقط! أليس هذا قلقًا مبالغًا فيه لأنه أوّل حفلٍ لي؟ شعرتُ بالحيرة وأنا أقف أمام الشرفة، عندها أدخل فاسيلي قطعة شكولاتة بحجم إبهامٍ إلى فمي، كان قد التقطها من مكانٍ قريب، وسأل.
“كيف وجدتِ إيين وشيركوف؟”
آه، إذن لقد اختلق عذرًا لـيُبعدني عنهما.
نظرتُ إلى الرجلين اللذين كانا يقفان على بُعد ليس بعيدًا، مُحدّقين بي.
“حسنًا، لا أدري. أعتقد أن الوقت كان قصيرًا جدًّا لأحكم على شعوري تجاههما.”
أومأ فاسيلي برأسه باختصار، ثم طلب منّي الانتظار قليلًا واختفى فجأة. في تلك الأثناء، سحبتني دوقة نيكيتين فجأةً إلى خارج الشرفة، وأغلقت النّافذة، ثم انحنت بأدب.
“أعتذر، سموّ الأميرة. الجو باردٌ بعض الشيء، لكن تحمّلي قليلًا. إن لم أُغلق النّافذة، قد تجذبين حشراتٍ غير مرغوبٍ فيها.”
حشرات؟ يا له من تعبيرٍ صريح. تردّدتُ للحظةٍ ثم قلتُ لها.
“لن تكون هذه المرّة الأولى أو الأخيرة. هل هناك داعٍ لكلّ هذا الحذر؟”
ابتسمَت بلطف، وهي تنظر عبر النّافذة، وأجابت.
“بالطبع، يجب أن نكون حذرين. لا يُمكننا السّماح لأشخاصٍ غير مناسبين بالاقتراب من سموّكِ. التجربة الأولى هي الأكثر أهميّة.”
كدتُ أسألها ‘هل هذا لربطي بسيرجي؟’ لكنّني أغلقتُ فمي. لا داعي لفقدان حُسن نيتها بسؤالٍ قد يُزعجها.
“آه! كما توقّعتُ. لم يغب سمو ولي العهد فاسيلي دون سبب. هذه المرّة ليست خيبة أمل.”
قبل أن أفهم معنى كلامها، انفتح باب الشرفة فجأة.
أمسكت الدوقة بخادمٍ عابرٍ وأخذت كأس شامبانيا ثالثة، ثم أشارت بعينيها إلى فاسيلي، الذي اقترب، والشّخص الواقف بجانبه. كان رجلًا بنفس طول إيفان تقريبًا، ولم يبدُ غريبًا تمامًا.
“إيغور يفغينييفيتش تولستوي… شابٌّ جيّد. نعم، جيّدٌ جدًا. ابن عائلة الكونت تولستوي العريقة، سلوكه مثالي، ملامحه متناسقة، وعائلته تشتهر بشعرٍ كثيفٍ عبر الأجيال. بالنّسبة للرّجل، هذه نعمةٌ عظيمة.”
بالمقارنة مع تقييمها الحادّ للرجلين السابقين، كان هذا تقييمًا سخيًّا للغاية.
“شابٌّ شهير، لكنّه انتقائيٌّ للغاية، لذا تُسمع عنه بعض الانتقادات أحيانًا. آه… سموّ الأميرة مُقرّبةٌ من الآنسة إيما، أليس كذلك؟ إذن، رُبّما تعرفينه بالفعل؟”
“نعم، أعرفه.”
لكنني لم ألتقِ به سوى مرّاتٍ معدودة. في الفترة التي كنتُ فيها مُقرّبة من إيما (بالتحديد قبل حملها)، كان إيغور في الخارج للدراسة، ممّا جعل لقاءه صعبًا. وبعد عودته، كانت إيما دائمًا تزور القصر الإمبراطوري، لذا لم تسنح الفرصة لرؤيته.
لم أتخيّل أبدًا أن ألتقيه كمرشّح زواجٍ اختاره فاسيلي.
ابتسمتُ ابتسامةً رسميّةً وانتظرت وصول إيغور. بدا الرّجل، بتعبيره الجامد الذي يُنافس فاسيلي، وكأنه جُرّ إلى هنا رغمًا عنه. لكنّه، بصفته أخ إيما، رحّبتُ به بأكبر قدرٍ من الحماس.
ظهرت شقوقٌ طفيفةٌ على وجه إيغور الخالي من التعبيرات.
“لم يكن حديثًا مهمًا. بما أنكِ بلغتِ سنّ الرّشد، تذكّرنا يوم لقائنا الأول.”
على عكس مظهره البارد، بدا مُرتبكًا للحظة، مما أثار قليلًا من المرح الذي كنتُ أكبحه طوال الحفل.
“لمَ قضيتما وقتًا طويلًا في الحديث عن بلوغي سنّ الرّشد؟”
“لم يكن وقتًا طويلًا جدًا.”
“هل تجاوز الخمس دقائق؟”
“لا، لم يصل إلى خمس دقائق…”
“ثلاث دقائقٍ إذن؟ تعلم أن ثلاث دقائقٍ طويلةٌ أيضًا، أليس كذلك؟”
“بف!”
بينما كُنّا نتبادل التّحيات الجافّة، انفجرت ضحكةٌ خافتةٌ من الجانب.
“آه! هذا ممتعٌ حقًا. إنها المرّة الأولى التي أرى فيها الكونت تولستوي الصّغير يتلعثم!”
ابتلعت دوقة نيكيتين الشامبانيا المتماوجة في كأسها دفعةً واحدة، ثم أمسكت بذراع إيغور فجأة.
“إن لم يكن لديكَ مانع، هل تود مرافقتي إلى تلك الطّاولة؟ أريد أن أعرض على سموّ الأميرة جيلي سمك الثعبان الأفضل، تحفة طهاتنا الذين حوّلوا طبقًا رديئًا إلى متعةٍ حقيقيّة… آه! يجب أن تجرّبه لتعرف. هيا، اتبعني.”
“حسنًا، سأتبعكِ، لكن أرجوكِ، تحرّكي ببطء.”
رافق إيغور دوقة نيكيتين، التي بدت متأثّرةٌ قليلًا بالشّراب، بأدب. عندما ابتعدا بما فيه الكفاية، التفت فاسيلي إليّ كما لو كان ينتظر هذه اللحظة.
“لارا، ما رأيكِ به؟”
بالتأكيد، يسألني عن رأيي فيه كمرشّح زواج، أليس كذلك؟ بما أنني أعلم أن فاسيلي يأخذ موضوع زواجي على محمل الجد، أجبتُ بجدّية.
“إنه شخصٌ جيّد. حتّى في طفولتي، لم يتجاهلني أبدًا.”
“هل هناك أيّ شيءٍ يزعجكِ؟”
“لا، ليس بالضّرورة.”
رُبّما بسبب راحتي مع إيما، شعرتُ أن أخاها مريحٌ نسبيًّا أيضًا.
“لكنّه لا يبدو مهتمًا بي.”
ابتسم فاسيلي ابتسامةً غامضة.
“أود أن أعرف مِن أين استنتجتِ ذلك.”
“مِن أين؟ مِن تعبيراته. لا يبدو أنّه يستمتع بالحديث معي.”
“إذا كنتِ أنتِ مَن تقولين ذلك، فلا بد أن إيغور متوتّرٌ جدًا. إنّه رجلٌ واثقٌ حتّى أمامي وأمام جلالة الإمبراطور. هذا مثيرٌ للاهتمام.”
متوتّر؟ الآن وأنا أُفكّر في الأمر، رُبّما كان كذلك.
“إنّه رجلٌ نادر الصّدق والاستقامة. ماذا لو قضيتِ بعض الوقت معه؟”
“حسنًا… نعم، مُوافِقة.”
لم يكن اقتراحًا لأتراجع عنه بحجّة الإحراج. ففي قاعة الحفل، استكشاف الشركاء المحتملين والتّعرّف عليهم هو المهمة الأكثر أهميّة بالنّسبة لي، وقد بلغتُ لتوّي سنّ الرّشد.
علاوةً على ذلك، رُبّما لأن فاسيلي انضمّ إلى تانيا في هذا الأمر الذي كانت تهتم به بمفردها، شعرتُ بواجبٍ جديدٍ وتصميمٍ على البحث عن زوجٍ مناسب.
تناول فاسيلي طبقًا من إيغور، الذي عاد حاملًا جيلي سمك الثعبان، وسأل.
“أنا مشغولٌ جدًّا لمرافقة لارا. هل يُمكنني أن أعهد إليكَ بأختي الصّغيرة لبعض الوقت، يا إيغور؟”
التعليقات لهذا الفصل " 64"