“بالمناسبة، مَن الذي أثار موضوع تاتيانا؟ لا يوجد أيّ تشابهٍ على الإطلاق.”
“إيفان.”
“كنتُ أعلم ذلك. ليس لديه لسانٌ يُميّز بين حساء المحار وحساء الفطر، والآن عينان لا تُميزان بين تاتيانا ولاريسا. لا أجد ما أقوله.”
“ومع ذلك، أليس من المعقول أن يتشابه اثنان إلى هذا الحدّ؟ ليس من قبيل الصُّدفة أن يُقال إن تاتيانا هي التي أنجبتها وليس والدتها، يا فالنتين.”
“في نظرِي، ليس كذلك.”
“الآن بعد أن أصبحَت بالغة، ستصبحان أكثر تشابهًا دون أن يُلاحظ أحد. هكذا هي الأخوات.”
بالِـغة.
الأميرة لاريسا، التي نضجَت لتصبح بالـغةً كاملة الأوصاف. جملةٌ تبدو كالحلم، خالية من الواقعيّة.
ما زلتِ على قيد الحياة. نجوتِ حتّى الآن في ذلك الجحيم، تحمين عالـمِي.
“فاسيلي…”
كاد فالنتين أن يسأل عمّا إذا كان قد تم اختيار شريك زواج لارا، لكنّه أغلق فمه. قرّر أنه لا داعي للتّعجّل، لأن فاسيلي سيطلب نصيحته عندما يحين الوقت.
‘لن تصبح ملكة، أليس كذلك؟’
نظرًا لإصرار تاتيانا الشّديد، وقلق جميع أفراد العائلة الإمبراطوريّة على لارا، كانت فرصة إتمام زواجٍ ملكيٍّ ضئيلة للغاية. حتّى لو تم الدّفع به فجأة، كان بإمكانه منع وقوع كارثة إقامة حفل زفاف لارا خارج أوهالا بأيّ وسيلةٍ كانت.
نظر فالنتين إلى وجه الشّخص الذي ينتظر كلامه، وأضاف متأخّرًا شأنًا آخر.
“بالنّسبة لزواجكَ، الصّيف هذا العام سيكون جيّدًا، حتّى لو كان حارًّا بعض الشّيء. أما لارا، ففي الخريف التّالي.”
“مُبكّرٌ جدًا. هل يمكننا القضاء على جميع المتمرّدين بحلول الرّبيع؟”
أومأ فالنتين برأسه بخفّة، فمرّر فاسيلي يده على ذقنه ببطء.
“إذن… هل ستختار أنتَ أيضًا شريكةً للخطبة هذا الصيف؟”
“في الواقع، بورنيت الثّالث يُحاول دائمًا ترتيب لقاءات، وهذا يُزعجني للغاية. كلّ من يأتي بهن فتياتٌ لا يستطعن حتّى التّواصل بشكلٍ صحيح.”
فتياتٌ في العاشرة أو الثّانية عشرة على الأكثر، يتحدّثن اللغة الإمبراطوريّة بتكلّف. كان البابا بورنيت الثّالث يأمل أن يرتبط هو وفالنتين بصلة قرابة.
لكن عندما كان يرى لوحات الفتيات الصّغيرات ذوات الخدود المُحمرّة التي أرسلها بورنيت الثّالث، كان يتذكّر أميرته الصّغيرة، مما جعل من الصّعب عليه النّظر إليها لفترةٍ طويلة. الزّواج مجرّد وسيلة، لكن الحدّ الأدنى من الضمير لم يسمح بذلك.
“إذا لم يكن لديك مانعٌ، يا فالنتين، هل يُمكنني اقتراح شخصٍ ما؟”
“مَن؟”
“الأميـرة لاريسا.” (بلوفي: يعيش فاسيلي!! حقق أحلامنا!!)
توقّفت يد فالنتين، التي كانت تُدوّر كأس الخمر، فجأة. رَفَعَ رأسه بعبوس، لكن تعبير فاسيلي الهادئ لم يتغيّر. كان ذلك دليلًا على أنّه جادٌّ إلى حدٍّ ما. ولم يكن هناك سببٌ لعدم جدّيته، فمن وجهة نظره، كان فالنتين الوسيلة المُثلى لحماية لارا.
‘نعم، إقامة حفل زفافٍ سيجعل حمايتها أسهل.’
نفس غرفة النّوم، نفس غرفة الاستقبال، الطّعام، العربة، المشي، والخدم المشتركين، كم سيكون ذلك هادئًا. يُمكن أن يُخفّف بشكلٍ كبيرٍ من مصدر القلق الذي استمرّ دون انقطاعٍ منذ لحظة ولادة لارا حتّى الآن.
لكن مِثل هذا اليوم لن يـأتي.
مهما كانت الوسيلة، فإن الزّواج في النّهاية رابطٌ يستمرّ مدى الحياة. الآن، لارا تعيش كما لو كانت محبوسةً في القصر، غير عارفةٍ بالعالم، لكن بعد إتمام مراسم البلوغ وخروجها إلى العالم الواسع، ستحتاج حتمًا إلى مقابلة شريك مصيرها. رابط الزّواج يكفي أن يُعقد مع مثل هذا الشّخص. (بلوفي: إلي هو أنت!)
“لارا لديها جدرانٌ عالية.”
“للفوز بجميلـةٍ، المصاعب ضروريّة. بالطّبع، هناك سيرجي من عائلة نيكيتين، المدعوم بقوّةٍ من تاتيانا، يقف كحصنٍ منيع… لكن إذا كنتَ معي، سيكون لديّ فرصة.”
“فرصة؟ متى راهَنَّا؟”
“هذا ليس مهمًا، يا فالنتين.”
“إذا كنتَ تُفكّر في عاطفة الطفولة وتقدّم نصيحة، فلا تُراهن عليّ أبدًا، ستُفلس. لكنني لستُ سيئًا لتجريد الآخرين.”
“يا لها مِن ثقةٍ بالنّفس. لا أنوي الرهان عليكَ ولو بقدر أظفر، فاطمئن. كوليٍّ عهد، لا يُمكنني أن أُفلس.”
“…على مَن راهنتَ؟”
رَدَّ فاسيلي بهزّ كتفيه بدلاً من الإجابة. على أي حال، لا بُدّ أنّه أحد الأشخاص الذين اختارهم فالنتين ووافق عليهم الإمبراطور.
كان سيرجي من عائلة نيكيتين، المدعوم بقوّةٍ من تاتيانا، أحد المرشّحين. وجهٌ وسيم، شخصيّةٌ مرحةٌ وإيجابيّة، أطرافٌ سليمة، وعلى الرّغم من أن والديه يُعانيان من بعض المشاكل، إلا أن هذه المرّة مختلفة. لقد تمّ تصحيح الأمور قبل أن تتفاقم، لذا لم يكن خيارًا سيئًا كإجراءٍ احترازيٍّ للزّواج الملكي.
الأهمّ من ذلك، أنّه الشخص الذي تشعر لارا بالرّاحة معه أكثر من غيره. شخصٌ يناديها بحميميّةٍ ومودّة… صاحب تلك النّظرات المليئة بالمشاعر غير المريحة.
[ما الذي تفعله الآن؟]
‘سيريوزا، أليس كذلك؟’
حُبٌّ من طرفٍ واحد. لعبةٌ طفوليّةٌ لطيفة.
في الرّسائل، كان يُكتب دائمًا ‘سيرجي’ فقط، لذا لم يتعرّف عليه على الفور.
بغضّ النّظر عن هذه الانطباعات الصّغيرة، بدا ولاؤه للارا عميقًا جدًا، ولم يكن ذلك بغيضًا. إن أمكن، كان يتمنّى أن يشعر هذا الشّاب الجريء بحُبٍّ عميقٍ للارا لدرجة أنه حتّى لو قدّم حياته، لن يكون كافيًا.
مِن أجل سعادتها، شخصٌ يُمكنه التّراجع آلاف الخطوات والمراقبة بصمت.
لكنّه عند الموت، يُمكنه التّخلّي عن لارا.
مِثل هذا الشخص سيكون مثاليًا كشريك زواج. (إنت🫵🏻)
كان يأمل أن يكون سيرجي من عائلة نيكيتين هذا الشّخص. مع هذه الأمنية القصيرة، وضع فالنتين كأسه الفارغة.
ركّزتُ على صوت المطر العنيف الذي يضرِب أُذني، وخطوتُ خطوةً بخطوةٍ ببطء. كانت العباءة والذيل اللذان يتبعاني مع كلّ خطوةٍ مُزعجَين وثقيلَين للغاية. حتّى مع وجود مَن يساعدونني شخصيًّا لمنع جرّها على الأرض، ظلّ الأمر كذلك.
عبرتُ السّجادة الحمراء الطّويلة وتوقّفتُ أمام الدرج. تقدّمت امرأةٌ تساعدني ووضعت وسادةً تحت الدرج. لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً، لكن همسات المتفرّجين الذين شرّفوا بحضور الحدث وصلت إلى أُذنَي من كلّ مكان.
“يا لها من هيبةٍ رائعة. كنتُ أظنّ أنها ستكون صغيرةً وضعيفة، لأن عائلة نوفاروف الإمبراطوريّة كانت تحميها كجوهرةٍ ثمينةٍ ملفوفة بقماشٍ ذهبي. طولها لا يقلّ عن سموّها تاتيانا. إذا وقف الأشقّاء جنبًا إلى جنب، سيكونون كجدار.”
“يبدو أن السّيدة الكونتيسة لا تأتي إلى ماخاتشكالا كثيرًا، لذا لا تعرف؟ على الرّغم من أن سموّها لاريسا نادرًا ما تظهر علنًا، إلا أنّها تُشارِك بانتظامٍ في بعض المناسبات. في حالة مسابقة التّجديف في هوكسبيل، كانت هي من تُنظّمها بنفسها.”
“سمعتُ أن الرّأي العام يُحبّها. لقد كانت تتطوّع في دار الأيتام في ماخاتشكالا لأكثر من ثلاث سنوات، أليس كذلك؟ بين إخوتها القويّين، خرجت هي الاستثناء. إنّها تستحقّ الإعجاب.”
“أن تقولي هذا بعد رؤية تلك النّظرات، يا لجرأة الكونتيسة.”
ما مشكلة نظراتي؟ أنا أقوم بكلّ شيءٍ بشكلٍ مثاليٍّ دون أخطاء. عندما وضعتُ ركبتي على الوسادة وخفضتُ رأسي، سمعتُ صوت والدي من فوقي، كما لو كان ينتظر.
“لاريسا نيكولاييفنا نوفاروف.”
“نعم.”
“هل تشعرين بالسّعادة لأنك أصبحتِ بالغةً كما تمنّيتِ؟”
“…”
لم أستطع الإجابة، فقط أدرتُ عينيّ. هذا السّؤال الودود لم يكن جزءًا من الجدول المُخطّط. مراسم البلوغ، في الأصل، هي مناسبةٌ للقسم على ‘الوصايا العشر للبالغين’ بناءً على جذور شعب أوهالا والكتب المقدّسة لديانة غافريل…
التعليقات لهذا الفصل " 56"