“ماذا عن هذا؟ يبدو أنه نال إعجابك، يا أخي، لأنكَ تستمر في النظر إليه منذ برهة.”
“كنتُ أنظر لأن هناك فرقًا شاسعًا بين الصّورة والواقع. ظننتُه شخصًا آخر.”
“كم هو مختلفٌ حتّى تقول مثل هذا الكلام؟”
“حجم الفك يبدو ضِعف الحجم الحقيقي تقريبًا. كثافة الشّعر ربع الحقيقة. والأنف الفراولي تم تسويته بشكلٍ مبالغٍ فيه.”
“رسموا شعره أكثر بأربع مرات؟ يا لها من خدعة! أبي، يجب أن نطلب صورًا حقيقيّةً لهؤلاء جميعًا، وليس لوحات. في أيّ عصرٍ نحن لنلعب باللوحات؟”
سألَتني أمي، التي كانت تقف بهدوء.
“ما رأيكِ؟ هل هناك أميرٌ يجذب انتباهكِ؟”
قررتُ أن أكون صريحةً.
“مجرّد النّظر إلى اللوحات لا يُساعدني على تقييم شخصيّاتهم. أعتقد أنني بحاجةٍ إلى مقابلتهم والتّحدّث معهم شخصيًا. ما لم تكونا، أنتِ وأبي، تُطالبانني بزواجٍ سياسي.”
كوني ولدتُ عضوةً في العائلة الإمبراطوريّة يعني أن هناك بعض الواجبات التي يصعب تجنّبها. أحدها هو الزّواج السّياسي.
على وجه الخصوص، كانت عائلة نوفاروف الإمبراطوريّة تقليديًّا تدفع بزواج الأميرات السّياسي فقط لمناصب الملكات المحتملات. نظرًا لقلّة الإناث في العائلة، كان من النّادر أن تولد أميرتان في نفس الفترة، وكان من النّادر جدًّا أن تتزوّج كلتا الأميرتين من رجالٍ ليسوا أولياء العهد.
السّبب في تسميتهما بالأميرتين هنا… هو أنّني أعتقد أننّي لن أتزوّج من ولي عهدٍ أيضًا؟
‘كل هذا بفضل إخوتي الرّائعين.’
بفضل إخوتي الأكبر مني، الذين أدّوا أدوارهم بما يتجاوز التّوقعات، أستطيع التمتّع بهذه الحرّية. تعيش الأميرة الصّغرى!
“إذن، الفترة بعد احتفال بلوغ سنّ الرّشد ستكون حاسمة. ابنتي حذرةٌ جدًا، فبالتّأكيد ستختار شريكًا جيدًا. أليس كذلك، يا عزيزي؟”
“همم.”
لحُسن الحظ، يبدو أن والدي ووالدتي ليس لديهما نيّةٌ لفرض زواجٍ سياسي عليّ. هذه هي رفاهيّة كوني الصّغرى. تعيش الصّغرى!
“هذا رائع. لديّ قائمةٌ سرّيةٌ حصلتُ عليها من الدوقة إيلين للرّجال العازبين في أوهالا، وستكون مفيدةً جدًا.”
“تاتيانا، متى أعددتِ مثل هذه القائمة؟”
“أُمّي، ألستِ مهتمّةً أيضًا؟ سأريكِ إيّاها بعد انتهاء التنس اليوم. الدوقة إيلين كانت دقيقةً للغاية.”
“هل اسمي واسم أخي مُدرَجان في تلك القائمة؟ هذا مُرعِب.”
“المرشّحون المرعبون حقًا موجودون بشكلٍ منفصل، فلا تقلق.”
اقترب والدي بهدوءٍ وداعب شعري بلطفٍ.
“لارا، سأسألكِ للمرّة الأخيرة. هل حقًا لا توجد علاقةٌ تتجاوز الصّداقة مع فالنتين دميتريف؟”
“هل أنتَ مفتونٌ بفالنتين؟ إذا كان هذا هو سبب استمراركَ في السّؤال، حتّى لو لم تكن هناك علاقةٌ تتجاوز الصّداقة، يُمكنني الزّواج منه. أعلم أن شريكًا مميّزًا مثل فالنتين نادر.”
بدت عينا والدي متفاجئتين قليلاً من ردّي الجريء.
لكنّه سرعان ما داعب شعري بنظرةٍ جديدة، كما لو لم يحدث شيء، وكأنّه يفكّر ‘متى كبرت هذه الصّغيرة هكذا؟’ فهل هذا يعني أنه لا حاجة لزواجٍ سياسيٍ في النّهاية؟
بعد أن غادر والدي، جاء دور إيفان.
“منذ فترةٍ وأنتِ تبدين مُشتّتة، كأن عقلكِ في مكانٍ آخر. هل هناك شيءٌ سيّءٌ يحدث؟”
أغلقتُ فمي بإحكامٍ ثم تنهّدتُ.
“لا يوجد شيءٌ سيء. والمشكلة هي أنه لا يوجد شيءٌ سيء.”
“تتحدّثين بتعقيد. هل تحاولين تقليد الكبار، أيّتها الصّغيرة؟”
لكن بالنسبة لي، هذه مشكلةٌ حقيقيّة. خلال الأيّام القليلة الماضية، لم يغب وجود فالنتين عن ذهني.
“إذن، لا داعي لإضاعة المزيد من الوقت هنا. الكونت ميخائيل، اعد جميع اللوحات. بعد فترةٍ طويلة، أُريد أن أرى مهارات بناتي في التّلويح بالمضرب.”
“حسنًا.”
تحت قيادة والدي، اضطررنا للعب التنس لما يقرب من ثلاث ساعاتٍ تحت اسم اجتماعٍ عائلي. وكما هو متوقّع، بعد أن هُزمتُ على التّوالي من والدي، ووالدتي، وفاسيلي، وتاتيانا، وإيفان، عدتُ إلى غرفتي وأنا أشعر وكأنّني على وشك الموت. كنتُ منهكةً لدرجة أنني لم أستطع الحركة، مستلقية على السرير.
“سموّكِ، لقد أحضرتُ الكتاب الذي طلبتِه هذا الصباح. هل تريدين التّحقّق منه الآن؟”
ألقيتُ نظرةً خاطفةً على الكتاب الموضوع على المكتب.
حتّى من النّظرة الأولى، كان كتابًا قديمًا ثقيلًا وكبيرًا، مُزيّنًا بسلاسلٍ حديديّةٍ متدلّيةٍ تبدو مزعجة. كان هذا الكتاب أحد كنوز طائفة غافريل التي تمتلكها أوهالا.
كان السّبب الوحيد لجلب هذا الكتاب القديم، الذي لا أعرف بالضّبط ما يحتويه، إلى غرفتي هو ردّ فعل فالنتين قبل ثلاثة أيّامٍ بشأن تمثال رو، والذي ظلّ عالقًا في ذهني. وفقًا للجدول، كان يجب أن أبدأ اليوم في تفتيش الكتاب بحثًا عن معلوماتٍ مفصّلةٍ عن تمثال رو، لكن…
“لا، لا بأس. في وقتٍ لاحق.”
“حسنًا، سأضعه على الرّف. تحقّقي منه عندما تحتاجين.”
لقد ضربتُ الكرة بقوّةٍ كبيرة، فأنا متعبة.
وأردتُ قدر الإمكان التّخلّص من الأفكار المتعلّقة بفالنتين. لستُ سعيدةً بشعوري بأنني أتأثّر بأمورٍ تافهة. خاصّةً ذلك اليوم…
[هذا صحيح.]
[لماذا فعلتِ ذلك؟]
غطّيتُ وجهي وصرختُ.
“أرجوك، اخرج من رأسي! دعني أقوم بعملي!”
“سموّكِ؟ هل أنتِ بخير؟”
لستُ بخير. لستُ بخير، لكنّني لا أريد أن أُزعج فيدورا بهذا. هذا طفوليٌّ جدًّا. أنا الآن بالغة.
وهكذا، مَرَّ الوقت بسرعة، واقترب يوم احتفال بلوغ السّابعة عشرة.
* * *
في ليلة اليوم التّالي المتأخّرة.
كانت النّوافذ الزّجاجيّة تهتزّ بفعل الرّياح الليليّة المشؤومة، مُصدِرةً أنينًا يشبه أصوات الأشباح. كان فاسيلي يجلس بهدوء، يستمع إلى هذا الضجيج، عندما أدار رأسه فجأةً بعد سماع معلومةٍ مفاجئة.
“قاعة أوبرا كوتيشا؟ هل هذه معلومةٌ مؤكّدة؟”
أومأ فالنتين، الضّيف الجالس أمامه، برأسه بهدوء. تأكيدٌ حاسمٌ لا يحتاج إلى مزيدٍ من التّحقّق. تجمّد فاسيلي، الذي كان يُضيف السُكّر إلى الشّاي الأسود الذي برد قليلاً، ممسكًا بالكوب.
“…مُذهِل. لم أكن أتوقّع أن يكونوا مختبئين تحت قلب ماخاتشكالا. قاعة أوبرا كوتيشا، يا له من موقعٍ لم أتخيّله.”
“إنها متّصلةٌ بقبو فندق يورييسكي. على الأرجح، هناك مخبأٌ ضخمٌ وممرٌّ يؤدّي إلى خارج ماخاتشكالا تحت الأرض.”
“لم أكن أعلم أن المَثَلَ القائل ‘الظَّلام تحت المِصباح’ سيُستخدم في مثل هذه الحالة…”
“مُظلِمٌ وواضح. الأشخاص الرّاقون يختارون أماكن اختباءٍ راقية.”
بعد أن ارتشف الشّاي بعد فترة، سأل فاسيلي بهدوء.
“ما الخطّة؟”
كان هناك أربع قواعد للمتمرّدين في ماخاتشكالا.
على مدى السّنوات الماضية، استخدم فالنتين كلّ موارده لتحديد ثلاثٍ من هذه القواعد.
كان يرغب في اقتحامها على الفور وتحويلها إلى أنقاض، لكن وفقًا للشهّادات المُختارة بعنايةٍ من خلال الاستجواب والإغراء، كان ليبرتان يتنقّل بين هذه القواعد الأربع دون نمطٍ ثابت، ولم يكن سوى الحرس الخاص يعرف مواقعها بدقّة.
علاوةً على ذلك، كانت بعض القواعد متّصلةً تحت الأرض مثل أنفاق النّمل، ممّا يعني أن هناك احتماليّةً لفشل الإمساك بليبرتان ما لم يتم مهاجمة القواعد الأربع في وقتٍ واحد. كان هدف فالنتين هو صيد ليبرتان دون أيّ احتمالٍ للهروب، لذلك تقدّم بحذرٍ وبطءٍ دون استعجال.
الآن قريبًا…
‘حقًّا، قريبًا جدًّا.’
نظر فالنتين إلى الشّاي الأسود القرمزي اللّامع.
“أحتاج إلى مزيدٍ من الوقت. موقع المكان الأخير ليس دقيقًا بعد…”
في تلك اللحظة.
نهض فاسيلي عند سماع طرقٍ مفاجئٍ على الباب. على الأرجح كان إيفان أو تاتيانا، لكن اسمًا غير متوقّع وصل إلى أُذنَي فالنتين، الذي لم يكن يُعير الأمر اهتمامًا.
التعليقات لهذا الفصل " 54"