لاحظ فاسيلي نظراتي وأدار رأسه لينظر إليّ. عندما التقت أعيننا، بدا وكأن وجهه المُبتسِم بلطفٍ يتألّق. كانت ابتسامةً تجعلني أفهم على الفور لماذا تقفز النّساء كالفراشات نحو النّار رغم معرفتهن بالشّائعات.
“اخرجوني من هذا. على عكس الآخرين، لقد أقمتُ حفل خطوبتي، أليس كذلك؟ سأُنهي الأمر مباشرةً بعد زواج لارا.”
ضحك والدي بخفّةٍ على كلام تاتيانا.
“أتساءل عمّا يُفكّر فيه الاثنان الآخران. خاصّةً أنتَ، يا إيفان.”
“أليس زواج الأخ الأكبر أكثر إلحاحًا مِنّي؟ أنا، بصراحة، يُمكنني الزّواج حتّى عندما أصبح عجوزًا.”
“إذا كنتَ لا تمانع أن تنتشر شائعاتٌ عن عجزكَ.”
“أنا موافقٌ تمامًا… آه، يبدو أنّني يجب أن أهرب بعيدًا قبل أن أسمع المزيد من التّوبيخ. ماذا عن مباراة، يا أخي؟”
“حسنًا.”
غادر الأخوان المُشاغِبان إلى الملعب، تاركيننا وراءهما.
نظرتُ إلى والدي بحذرٍ وتحرّكتُ نحو تاتيانا. قِصّة الزّواج هذه، دائمًا بدون إجاباتٍ واضحة، مُملّة للغاية، لذا رُبّما مباراة…
“تانيا.”
نظرَت تاتيانا، التي كانت تبتسم بلطفٍ وهي تُراقب تصرّفاتي، إلى والدي.
“ناديتني؟”
“هل تتذكّرين وصول وفدٍ من مملكة أوبلونسكي منذ بضعة أيّام؟”
“نعم.”
“لقد تحدّثوا بصراحةٍ عن خطوبة ولي العهد ولارا.”
ولي عهد أوبلونسكي؟ همم. مَن كان؟ لا أتذكّر شكله.
أجابت تاتيانا بنبرةٍ ساخرة.
“ألم يتزوّج ذلك الرجل بعد؟ أتذكّر أنني سمعتُ شيئًا مشابهًا عنّي قبل عامين.”
“من النّادر جدًا أن يكون هناك أفرادٌ من العائلات الملكيّة في جيلكم لم يخطبوا. إذا وُجِدُوا، فغالبًا ما يكون لديهم مشاكلٌ كبيرةٌ في السّمعة أو ليسوا في زواجهم الأول.”
“ليس أوبلونسكي فقط. يا تاتيانا، منذ خطوبتكِ، تضاعف عدد العائلات الملكيّة التي تريد لارا كالكرة الثّلجيّة. رُبّما بعد إتمام احتفال بلوغ سنّ الرّشد، ستبدأ محادثات الزّواج السّياسي بجديّة. هل تعلمين أن عدد العائلات الملكيّة التي طلبت صورة لارا الشّخصيّة تجاوز سبعةً بالفعل؟”
شعورٌ غريب. نعم، بالطّبع، أعلم أنه يجب عليّ الزّواج من شريكٍ مناسبٍ لدعم العائلة الإمبراطوريّة، ولم أكن أنوي رفض الزّواج بشدّة… لكن رُبّما لأنني لم أحتفل ببلوغ سنّ الرّشد بعد؟ لم أشعر بالواقعيّة، وبدا الأمر وكأنه قصّة شخصٍ آخر.
“أوه، يا للأسف. لو تخطّيتُ الخطوبة وتزوّجتُ مباشرة، لكان ذلك كافيًا. كان خطأ مني أن أقيم خطوبةً خوفًا من نظرات والدي. لم أتوقّع الأمر إلى هذا الحد. مع وجود أميرة عزباء واحدة فقط، ستتدفّق العروض على لارا. كل ما تبقّى هو أن أرفضهم بقسوة.”
“يبدو أنكِ تقولين إنه لا يوجد أميرٌ يرضيكِ.”
“أبي، هل نسيتَ ما قالته لاريسا المرّة الماضية؟ قالت إنها لا تريد العيش خارج أوهالا. الزّواج من أميرٍ سيجبرها حتمًا على العيش في الخارج. لذا لم تبحث عن الأمر بجديّة.”
كانت تاتيانا قد خُطبت منذ عامين لأميرٍ من مملكة كوركان، التي تقع على الحدود الشّرقيّة لأوهالا. ليس ولي العهد، بل أمير. كانت أسباب اختيارها لأمير كوركان خمسة.
[أوّلاً، إنه لطيفٌ ويُطيع الكلام. ثانيًا، ثروته وسلطته ترضيني. ثالثًا، مظهره ليس سيئًا. رابعًا، إنه قريبٌ من أوهالا. وخامسًا، إنه ليس معاديًا لأخي فاسيلي أو لعائلتنا الإمبراطوريّة.]
كان بمثابة الشّخص المثالي الذي تمنّته تاتيانا دائمًا كشريك زواج. قبّلت تاتيانا جبهتي بلطفٍ وتحدّثت إلى والدي ووالدتي بنبرةٍ آمرة.
“آمل ألا تُغيّر لارا رأيها. الزّواج في أوهالا سيجعل من السّهل زيارتها، ولن تُجبر على تقبّل ثقافة وآداب عائلةٍ ملكيّةٍ جديدة.”
“بما أنّها أختكِ الصّغرى، فهي فتاةٌ ستصبح ملكة. هل تريدين خفض مكانتها إلى سيّدةٍ نبيلةٍ فقط لهذا السبب؟”
“فقط؟ أنا سأجعل لارا تعيش كملكة، وليس كسيّدةٍ نبيلةٍ أو أميرة. أعتذر للإمبراطورة القادمة، لكن إذا كنتُ ألطف مع أخي، ألن يكفي ذلك؟”
تنهّد والدي بعمقٍ على هذا الإعلان الجريء. أمّا أنا، فلم يكن لديّ ما أرفضه إذا كانت ستمنحني سلطةً أكبر من ملكةٍ أو إمبراطورة، فبقيتُ أتلقّى المداعبة بهدوء.
‘لكن سمعتُ أن تاتيانا، بعد 17 عامًا، لن تصبح أميرة، بل مستشارة فاسيلي ودوقة كبرى…’
يبدو أنني أفهم السّبب. لا تعتزم تاتيانا الاستقرار في مملكة كوركان. يبدو أنها تُخطّط لتلقّي لقب الدوق مباشرةً من فاسيلي وجلب أمير كوركان إلى أوهالا.
‘همم. لكن إذا حدث هذا، فلن تكون هناك فائدةٌ من الزّواج من أمير كوركان…’
هل تعتزم جعل الأمير أيضًا دوقًا؟ خطّةٌ تليق بتاتيانا.
تنهّد والدي قليلاً وأَمَرَ رئيس الخدم بجديّة.
“الكونت ميخائيل، احضر ما أعددتُه.”
“حاضر.”
بتوجيهٍ من رئيس الخدم، خرج عدّة خدمٍ بالغين يحملون لوحات بورتريه كبيرة على التّوالي. وقفوا في صفٍّ أمام والدي ووالدتي، رافعين اللوحات لتناسب مستوى الرؤية، وكانت جميعها تصوّر رجالًا شبابًا.
“ما هذا؟”
“هؤلاء هم الأمراء الذين طلبوا صورتكِ الشّخصيّة. لقد رتّبتُهم حسب مظهرهم، لذا انظري إليهم.”
“أبي، ألم نقل إن لارا ستتزوّج في أوهالا؟”
“إذا كنتِ تهتمين حقًا بلارا، فلا تستبعدي الاحتمالات. ألا تريدين سعادتها، يا تاتيانا؟”
بينما كانت تاتيانا تهزّ رأسها، توقّف فاسيلي وإيفان عن اللعب ووقفا بجانبنا. كان الأخوان الفضوليّان يفحصان اللوحات بحماسٍ أكبر منّي. كان العدد ثمانية، وكما قالت أُمّي، كان رقمًا كبيرًا.
‘إذن، هؤلاء الرجال يُخطّطون لطلب يدي.’
لا يُثيرون اهتمامي كثيرًا. لماذا؟ (بلوفي: لأنك تحبين فالنتين)
‘قالت إيما بوضوحٍ إن الفترة قبل وبعد بلوغ سنّ الرّشد مُباشرةً هي أكثر الأوقات إثارةً في الحياة.’
قالت إن عملية الموازنة بين الانجذاب العقلاني وشروط الزّواج، واختيار الأفضل، هي أمرٌ مثير. وأن لحظة تلقّي الاهتمام الكامل من سادةٍ رائعين تجعل القلب يكاد ينفجر.
لكنّني لم أشعر بأي إثارة، كما لو كنتُ أُشاهد قائمة عرائس شخصٍ آخر. تذكّرتُ بعض القصص التي شاركتني إيّاها إيما الشّتاء الماضي، تحسّبًا لبلوغي سنّ الرّشد.
[إذا رأيتِ رجلًا يجذب عينيكِ، ارقصي معه بالتّأكيد. الإمساك باليد والتّحدّث وجهًا لوجهٍ هو أفضل طريقةٍ لتقييم شخصٍ ما في وقتٍ قصير. قد ينشأ اهتمامٌ لم يكن موجودًا أثناء مشاركة الدفء.]
[لا ترقصي مرّةً واحدةً فقط، بل على الأقل مرّتين في حفلاتٍ مختلفة. ركّزي على الرّجال الذين يرافقونكِ بصدق، حتّى لو كانوا أقل مهارة، بدلاً من أولئك الذين يُجيدون كلّ شيء. الرّجال الذين يتعاملون مع النّساء جيّدًا جدًّا قد يصبحون مرهقين لاحقًا.]
عندما جمعتُ نصائحها المُختلفة، بدت المشكلة واضحةً إلى حدٍّ ما. لقد رأيتُ وجوههم فقط من خلال لوحات بورتريه قد تكون حقيقيّةً أو مُزيّفة، دون أيّ محادثةٍ جذّابةٍ أو تلامسٍ جسدي. يبدو أنّني بحاجةٍ إلى دخول حفل الظّهور الأوّل والرّقص مع الرّجال.
“همم، هذا الأمير وجهه مقبول، لكن طوله يبدو قصيرًا جدًّا.”
“حسنًا، ليس إلى هذا الحدّ.”
“انظر إلى الخلفية. إذا قارنتَ نسبيًا ارتفاع المدفأة ووضعيّة الأمير المُستَنِد إلى الكرسي… لا يتجاوز 170 سم. مهما كان، لا يُمكننا اختيار رجلٍ أقصر من لارا.”
التعليقات لهذا الفصل " 53"