سألني فالنتين بعيونٍ متوترة، وهو أمرٌ غير معتادٍ بالنّسبة له.
“لماذا كنتِ مهتمّةً بتمثال رو؟”
“مجرّد فضول؟ كنتُ أتساءل كيف يبدو التّمثال الذي تركه المرسول الأوّل. أنتَ أيضًا مرسول، أليس كذلك؟”
لحظة. إذا قلتُ هذا، فهل يعني أنّني ذهبتُ إلى شخارانسك بسبب فالنتين؟ إذا فكّرتُ في الأمر، رُبّما يكون صحيحًا… أضفتُ بسرعة، وأنا أشعر وكأنّني أُبرّر نفسي.
“أمم، مرسول غافريل غيّر حياتي بالكامل، لذا كان من المنطقي أن أرى وجه البداية على الأقل. سيُعرض في شخارانسك فقط قبل أن يتم نقله، أليس كذلك؟ على أيّ حال، أنا لا أعيش حياتي بتهوّر. ذهبتُ أيضًا لأخذ استراحةٍ قصيرة. بالطبع، إذا قلتَ إن هذا كان تساهلاً، فليس لدي ما أقوله!”
(بلوفي: مرسول غافريل هو فالنتين، غافريل هي الديانة أو الطائفة التي ينتمي لها فالنتين)
على الرّغم من دفاعي الواثق، لم تتحرّر جبهة فالنتين المُجعّدة.
“عذرٌ يصعب تصديقه. لا يزال أمامكِ شهرين من فترة العرض. مهما كان موسم الأوساط الاجتماعيّة مزدحمًا، فليس من المستحيل تخصيص يومٍ أو يومين لشخارانسك. ولو أخبرتِني بتلميح، لكنتُ قد اتّفقتُ مع الكاتدرائية لإضافة موعد عرضٍ في ماخاتشكالا.”
كم هو دقيق. أجبتُ بتنهيدة.
“أنتَ مُحق. لكنني أردتُ أن أرتاح في مكانٍ غير ماخاتشكالا…”
“هل كنتِ ترغبين في قضاء وقتٍ خاصٍّ مع سيرجي نيكيتين؟”
شعرتُ وكأنّني تلقّيتُ ضربةً في مؤخرة رأسي.
“ماذا؟”
“لا داعي لإخفاء ذلك عنّي. ليس لديّ نيّةٌ لتوبيخكِ، سموّكِ. هذا أمرٌ طبيعيٌّ في مثل عمركِ. وبعد التّحرّي، يبدو أنه شخصٌ لا عيوب كبيرة فيه.”
تحدّث فالنتين بلطفٍ طفيف، على عكس لحظاتٍ مضت. لم تكن هذه اللطافة ممتعةً على الإطلاق. بل على العكس، شعرتُ بمزاجي يهبط إلى الحضيض. أجبتُ وشفتاي متجهّمتان.
“لا تقل أشياءً غريبة! أنا وسيريوزا لسنا بهذا النّوع من العلاقة على الإطلاق. أنتَ تعلم أن إيفان كان معي في شخارانسك، أليس كذلك؟ كنتُ فقط… أُفكّر أن تصرّفاتي بـحُسن نيّةٍ رُبّما تجعل فاسيلي غير مرتاح.”
“غير مرتاح؟ هل نزلتِ إلى شخارانسك دون خوفٍ لهذا السّبب فقط؟”
“لكنني علمتُ في ذلك اليوم فقط أن هناك أشخاصًا مشبوهين يتعقّبونني!”
هل كان بسبب الاستجواب اللا نهائي؟ ارتفع صوتي دون أن أُدرك. كنتُ مُنزعِجةً من هذا الموقف بعدّة طرق.
“نلتقي بعد وقتٍ طويل، وكل ما تفعله هو التّذمّر منذ البداية… لقد استنفدتُ طاقتي بالفعل بسبب توبيخ تاتيانا طوال الليل، ألا يمكنكَ التّوقّف؟ مرّت أربع سنوات. هل تعتقد أنّني لم أكن أنتظر هذا اليوم؟”
بمجرّد أن انهار السّد، تدفّقت مشاعر الإحباط المُتراكِمة كالفيضان. تفاجأ فالنتين من صراخي بصوتٍ عالٍ، مُتجاهِلةً مكانتي كأميرة، وظهرت حيرةٌ عميقةٌ في عينيه الزرقاء المخضرّة التي كانت صلبة.
نتيجةً لذلك، شعرتُ بإحساسٍ غير مألوفٍ يتصاعد في صدري، لكنني تمكّنتُ من كبحه بصعوبة.
“أنا…”
كم سأبدو قبيحةً إذا أصبحت عيناي حمراء الآن؟ فتحتُ عينيّ بقوّةٍ ونظرتُ إلى الأرض.
“كنتُ أعتقد أنّكَ ستعود بعد ثلاث سنوات…”
ساد الهدوء للحظة. كان هادئًا لدرجة أنّني شعرتُ أن العالم بأسره سيعرف إذا سعلتُ قليلاً.
ألن يواسِيني الآن على الأقل؟
حتّى لو كان فالنتين ذو الدّم البارِد، ألن يُقدّم اعتذارًا واحدًا؟
حتّى لو كان فالنتين بلا دمٍ أو دموع…!
“هل يُمكنني أن أسأل عمّا كنتِ تنتظرينه؟”
ابتلعتُ تنهيدة ارتياحٍ داخليًّا وحدّقتُ في فالنتين بنظرةٍ شريرة.
“ماذا؟ …التّرحيب الحار وتبادل الأخبار.”
بينما كنتُ أُظهر بوضوحٍ أنّني غير راضية، مَدَّ فالنتين يده بهدوء، وهو يُخفض رأسه بشكلٍ غير متوقّع.
“إذن، سموّكِ، يدكِ للحظة.”
هل يُفترض بي أن أُمسكها؟ مددتُ يدي اليمنى بحذر. لكن سرعان ما شعرتُ بلمسةٍ ناعمةٍ على ظهر يدي، وتجمّد جسدي كما لو كان ينتظر ذلك.
قَبَّلَ فالنتين يدي.
“لقد اشتقتُ إليكِ بصدقٍ، سموّ الأميرة.”
شعرتُ بشفاههِ تهمس على بشرة يدي الرّقيقة بشكلٍ واضح.
بيده الأخرى خلف ظهره، وانحنائه بزاويةٍ مثاليّة، ونظراته الموقّرة مُثبّتةً بين أنفي وشفتيّ، كانت وضعيّة فالنتين خاليةً مِن أيّ عيب. رفع شفتيه ببطءٍ من يدي وقال بوجهٍ مليءٍ بالمرح.
“للتّوضيح، هذا ليس شيئًا أقوله لأنّني أشعر بالضّغط. سموّكِ مُحقّة. لقد أخطأتُ في ترتيب الأمور. كان يجب أن أسأل عن أحوالكِ على الأقل عندما تقابلت أعيننا.”
شعرتُ أنه يفحصني بعنايةٍ وهو يقترب خطوةً مع يدي في يده.
“تبدين بصحّةٍ جيّدة، والآن فقط شعرتُ بالرّاحة. شخصٌ مثلكِ، لا يبدو عليه المرض، يمرض دائمًا في كلّ تغيير موسم… كنتُ قلقًا من أنكِ قد تمرضين هذا الرّبيع أيضًا.”
لا يُمكن أن يكون هذا صحيحًا.
حتّى لو كان يُحاوِل تهدئتي، لا يُمكن أن يقول فالنتين، من بين كلّ الناس، إنّه اشتاق إليّ.
“ليس هذا فقط. كنتُ أتساءل عمّا إذا كنتِ ستحاولين الهروب لثلاثة أو أربعة أيّامٍ دون حراسةٍ لمعرفة حياة الفقراء. أو إذا كنتِ ستشتاقين إليّ فجأةً فتتسلّقين جدران القصر، أو تدخلين دولةً مجاورةً بشكلٍ غير قانوني…”
كنتُ مذهولةً من نبرته المليئة بالقَلَقِ الصّادق.
“إلى أيّ مدى تعتقد أنّني طفلةٌ ناقصة؟”
ابتسم فالنتين بلطفٍ عندما احتججتُ بغضب.
“الآن تعلمين، أليس كذلك؟ كلّ هذا نابعٌ من اهتمامي بكِ. هذا أيضًا جزءٌ من صِدقي. طوال الأربع سنواتٍ التي قضيناها بعيدًا… خاصّةً هذا العام الماضي، لم يَغِب وجهكِ عن ذهني.”
مـ- ماذا؟ وجهي لم يَغِب؟ لماذا؟
“لماذا بالضّبط؟”
“هل تسألين لأنّكِ حقًّا لا تعلمين؟”
“أسأل لأنني لا أعلم، هل تعتقد أنّني أعرف؟”
هَزَّ فالنتين رأسه مع تنهيدة، لكن ابتسامته لم تتلاشَ.
“لأنّني أعتبر سموّ الأميرة عزيزة كـعائلتي.”
“…”
“إذا لَم تنشأ مثل هذه المشاعر بعد سنواتٍ من تبادل الرّسائل، فسيكون ذلك كذبًا واضحًا. لأنّني أعتبركِ عزيزة، أنا قَلِق، ولأنّني قَلِق، كلّ ما أفعله هو التّذمّر دون مراعاة مشاعركِ وأنتِ تستمعين. أعتذر مرّةً أخرى.”
هَزَّ فالنتين يدي بلطف، كما لو كان يطلب منّي أن أهدأ الآن. كان وجهًا لطيفًا لم أره حتّى في أحلامي.
‘أم أنّني مُخطئة؟ هل كان فالنتين دائمًا بهذا الوِدّ؟ هل نسيتُه لأنّني لم أره منذ زمن؟’
يعتبرني حقًّا عائلة؟ نعم، صحيح. نحن عائلة. لكن فالنتين هو المرسول الذي أصرّ على أنّني لم يكن يجب أن أُولد. كيف يُمكنني أن أبدو كعائلةٍ في عيون مثل هذا المرسول؟
‘لا يُمكن أن يكون هذا صحيحًا…’
…بغضّ النّظر عن الحقيقة، النقطة المهمة واحدة.
أنا، الآن، لا أستطيع مواجهة فالنتين مُباشرة. قلبِي ينبض بقوّةٍ لدرجة أن رأسي يدور، ولستُ واثقةً من قدرتي على إجراء محادثةٍ طبيعيّة!
تردّدتُ عدّة مرّاتٍ خوفًا من أن تتسرّب مشاعري الحقيقيّة، ثم أخرجتُ صوتًا أخيرًا.
“أنا… يجب أن أذهب الآن.”
لحُسن الحظ، لم أتلعثم بشكلٍ سخيف.
رَفَعَ فالنتين حاجبًا وهو لا يزال مُمسِكًا بيدي. بدا وكأن شيئًا ما لا يُعجبه.
التعليقات لهذا الفصل " 51"