[…لحظة، أنتَ تحاول لعب لعبة الأشباح الآن، أليس كذلك؟ هذا صحيح، أليس كذلك؟ أنا لستُ أنطون، أنا شبح، تحاول لعب هذه اللعبة! يا للطفوليّة. لقد تجاوزتُ سن الوقوع في مثل هذه الحيل منذ زمن.]
[…]
[إيفان مؤخرًا يُزعجني بكلامٍ سخيفٍ لا يُصدق، مثل أن يتظاهر بأن روح جدّي تسكنه ويطلب مني القيام بمهامٍ تافهةٍ أو يُحاول إحراجي… في الحقيقة، أنتَ من علَّمه كل ذلك، أليس كذلك؟ مُضحِكٌ جدًا.]
تجهَّم وجه الدوق ليبرتان تدريجيًّا وهو يستمع إلى تذمّري. انتهت نزهتنا ذلك اليوم عند هذا الحد. وكذلك لقاؤنا.
كنتُ أحيانًا أستعيد ذكرياتي مع الدوق ليبرتان، وفي كلّ مرّة، أُدرك مدى الانزعاج الذي كان يشعر به تجاهي.
لكن، لا سابقًا ولا الآن، لم أشعر برغبةٍ في تحسين علاقتي مع الدوق ليبرتان. كنتُ فقط أتساءل عن السبب.
والسبب بسيط. لم أشعر بأي تعلّقٍ تجاه الدوق ليبرتان الذي يكرهني. مشاعرٌ مثل الخجل أو الإهانة…
لكن لماذا الأمر مختلف مع فالنتين؟
‘ما الفرق بين عمّي وفالنتين؟’
ما هو بالضبط؟
لماذا، بحق خالق السّماء، أشعر برغبةٍ في إثبات نفسي أمام فالنتين؟
كيف يجرؤ على التصرّف بوقاحةٍ مع أميرة إمبراطوريّة أوهالا؟ عندما عدتُ إلى غرفة نومي، ألقيتُ الرسالة التي تلقيتُها من فالنتين، والتي كانت أوّل وآخر رسالة، مكتظةً بالتجاعيد من كثرة قراءتها، في الدرج وهزأتُ.
“حسنًا، هل تعتقد أنني لن أستطيع؟”
في تلك الليلة، قضيتُ الوقت مُستغرِقةً في خطّةٍ جديدة، ساهرةً طوال الليل. وبعد ما يقرب من نصف يوم، أشرق صباح اليوم الذي سيغادر فيه فالنتين إلى طريق المُصلِحين.
في ذلك الصباح، استيقظتُ مُبكّرًا عن المعتاد، كما لو كان ذلك قدرًا لا مفر منه.
في الساعات الأولى من الصباح الأزرق الذي بدأ يتسلّل ضوؤه، نهضتُ من السرير، وغسلتُ وجهي بسرعة، وسرَّحتُ شعري، وارتديتُ الملابس المُعدّة، ثم استمتعتُ بفترة راحةٍ هادئةٍ قبل مشاركة إفطاري مع إخوتي. كانت العملية خالية من أيّ تعقيدات.
باستثناء شيءٍ واحد.
“هل وصلني شيء؟”
“لا شيء.”
حتّى اليوم الأخير، لم تصل رسالةٌ من فالنتين.
إذن، قرّر أن يتجاهل مهمتنا السرّية تلك كما لو لم تكن موجودة. لا بأس. توقّعتُ ذلك.
“لارا، يا هرّتي الصغيرة، هل هناك شيء؟”
“لا.”
“أنتِ تفرغين طبقكِ كضبعٍ جائعٍ منذ أسبوع. هل كنتِ تركضين في غرفتكِ عند الفجر؟ امضغي ببطءٍ كي لا تُصابي باضطرابٍ في المعدة.”
“حسنًا.”
كما قالت تاتيانا، كمية الطعام التي كنتُ أحشرها في فمي اليوم كانت تقترب من ضعف المعتاد. كان ذلك استعدادًا لتنفيذ خطتي بنجاح، لكنني اكتفيتُ بهزّ رأسي دون تفسير.
“حسنًا، هذا يكفي لملء معدتي.”
نظرتُ إلى الساعة. الثامنة وأربعون دقيقة صباحًا. كان من المُقرّر أن يزور فالنتين القصر الإمبراطوري للحظاتٍ لمقابلة والدي في التاسعة صباحًا، قبل مغادرته إلى طريق المُصلِحين.
عدتُ إلى غرفتي مُتظاهِرةً بالهدوء، وطلبتُ من الخادمة إخراج حقيبة السفر البنّية التي استخدمتها منذ الطفولة. بعد تقدير حجم الحقيبة الكبيرة تقريبًا وفحص حالة القفل، استدعيتُ الخادم على الفور.
“أترى هذه الحقيبة؟ إنها تحتوي على هديةٍ سأُقدّمها لفالنتين، الذي سيزور والدي في التاسعة. إنها ثقيلةٌ جدًا.”
طرقتُ على الجزء العلوي من الحقيبة الفارغة وقلت.
“عُد بعد عشر دقائق لأخذ هذه الحقيبة. يجب أن تأتي بعد عشر دقائق بالضبط، لأنني لم أنتهِ من تجهيز الأغراض بعد. سأذهب إلى والدتي حالما أُرتّب الهدية، لذا بعد عشر دقائق، ضع الحقيبة مباشرةً في عربة أمتعة فالنتين. لكن! لا تُخبره، يجب أن تُحمل سرًا. إنها هدية مفاجأة. فهمتَ؟”
“نعم.”
“جيّد. الآن اذهب. لا تنسَ، بعد عشر دقائق! بالمناسبة، ستكون ثقيلةً جدًا بحيث لا يمكنك حملها بمفردك، لذا كن حذرًا.”
بعد خروج الخادم من الغرفة، استبدلتُ ملابسي بسرعةٍ بأخرى خفيفة. ثم فتحتُ الحقيبة بجانب الباب وحشرتُ نفسي في المساحة الواسعة. إذا أغلقتُ الحقيبة الآن…
“حسنًا، هذا الحجم كافٍ.”
ربطتُ خيطًا كنتُ قد أعددته مسبقًا بقفلَي الحقيبة، ثم دخلتُ إلى الداخل وأغلقتها. بعد ذلك، سارت الأمور بسلاسة. بعد فترةٍ وجيزةٍ من سماع صوت فتح الباب، أُغلقت أقفال الحقيبة من الخارج.
رغم أن ظلام الحقيبة جعل حواسي تُركّز على السمع فقط، لم أشعر بالخوف. أقفال هذه الحقيبة فضفاضةٌ جدًا ويسهل فتحها. كانت مجرّد واحدةٍ من الحقائب الأجنبيّة التي أهدتني إيّاها والدتي، ولم أتخلَّ عنها لهذا السبب.
“هاه. ثقيلةٌ جدًا. ما الذي بداخلها بحق خالق السماء؟”
تأوه الخادم وهو ينقلني. في البداية، كنتُ أشعر أنني سأموت من الانزعاج بسبب اهتزاز الحقيبة. لكن بعد صبرٍ طويل، حلَّ السلام. شعرتُ أن الحقيبة وُضعت في العربة.
ممتاز!
نجحت خطّتي للتسلّل مع أمتعة فالنتين بسلاسةٍ تامّة.
سمعتُ صوت نفض اليدين وصوتًا غريبًا.
“إذن، هذه الحقيبة هي هديةٌ من سمو الأميرة لاريسا لسيّدي، أليس كذلك؟”
“نعم. لكن، كما قالت، يجب تسليمها سرًّا…”
“نعم، نعم. لا تقلق. لقد أُوكلتَ بمهمةٍ مُزعِجة. سأتولّى الأمر.”
“شكرًا. حسنًا، بالتوفيق.”
يبدو أن إخبار الخادم بالحفاظ على السِّر لم يكن مُجديًا. شعرتُ بحقيقةٍ مزعجةٍ وغير مريحة.
كم من الوقت مَرّ؟ اعتمدتُ على الضوء الخافت المُتسلّل من فجوات الحقيبة، وفكّرتُ في خططٍ مختلفةٍ للتعامل مع حالات الطوارئ. في هذه الأثناء، بدأت العربة، التي كانت متوقّفة، بالتحرّك ببطء.
أخيرًا!
كانت العربة التي أُقلّ فيها عربة أمتعة، لذا كانت تهتزّ بشدّة. اصطدمَت ذراعي ورأسي بالحقيبة، مما تسبّب بألمٍ كبيرٍ وشعورٍ بالغثيان. لكن، بعد أقل من عشر دقائق من الانطلاق، توقفت العربة فجأة.
لم يكن توقّفًا قصيرًا. مرّت أكثر من ثلاث دقائقٍ منذ توقّف العربة.
‘ما هذا؟ لماذا توقّفت؟’
كان الصمت طويلًا بشكلٍ غريب، وبدأت أشعر بقلقٍ لم أختبره من قبل.
‘ما الذي يحدث بحق خالق السماء؟ هل قرّر فالنتين التخلّي عن الأمتعة والرحيل بمفرده؟’
أم أنه يستمتع بوجبة غداءٍ مُبكّرةٍ في مطعم؟ إن كان الأخير، فهذا حسن. لكن إن كان الأول، فهذه كارثة. إذا نُقلتُ في هذه الحقيبة إلى عائلة دميتريف، سأعاني من خجلٍ لن أنساه حتّى بعد موتي!
بما أنني على متن العربة بالفعل، فلا بأس بفتح القفل قليلًا، أليس كذلك؟
سحبتُ الخيط الذي كنتُ أُمسكه بقوّةٍ كخيط الحياة. بدأ القفل، الذي بدا ثابتًا، يهتزّ قليلًا، وبعد تكرار العملية حوالي أربعين مرّة، أصدر صوتًا وأصبح مفككًا، وانفتح القفل.
“هاه.”
يا لها من إثارة! هل هذا شعور أن تكون قاتلًا محترفًا؟ رُبّما… رُبّما لديّ موهبةٌ لأعمال التّجسّس؟
التعليقات لهذا الفصل " 34"