الفصل التاسع عشر 🩷
هل هذا هو شعور المتعة الحقيقية لتبادل الرسائل مع صديق؟ ركّزتُ قليلًا على دقّات قلبي النابضة بحيويّة، ثم فتحتُ الرسالة بحذرٍ شديد. وقبل قراءة المقدمة، أغمضتُ عينَيّ بقوّةٍ ثم فتحتهما مجددًا.
[إلى صاحبة السمو الإمبراطوري لاريسا]
بدايةٌ جافّةٌ للغاية.
[لقد تلاشت آخر برودة الشتاء، وحلّت نسمات الربيع المبكّر بخفّة. تفاجأتُ كثيرًا حين تلقّيتُ رسالتكِ يا صاحبة السمو. ظننتُ أولًا أن اسم المُرسَل قد أُخطئ فيه. وبعد المفاجأة، شعرتُ بالحيرة، متسائلًا إن كنتُ قد ارتكبت خطأً كبيرًا آخر.
ربما لا تعلمين يا صاحبة السمو، لكن صاحب السمو فاسيلي زارني ظهر اليوم وطلب مني كتابة هذا الرّد وإرساله على وجه السرعة. أن يصل الأمر إلى حدّ الإلحاح! هل هذا يعني أن ثقته بي لم تتجاوز هذا الحد؟ أتخيّل تعابير وجهكِ وأنتِ تقرئين هذه الرسالة يا صاحبة السمو.
أما بالنسبة لبعض أسئلتكِ، فليس لديّ فصلٌ مُفضّلٌ بشكل خاص. الربيع مزعجٌ بسبب حبوب اللقاح، والصيف مرهقٌ بسبب الحشرات، والخريف يثير أفكارًا تافهة تجعلني أبتعد عنه، أما الشتاء فبطبيعة الحال باردٌ وغير محبّب. وبالنسبة للألوان المفضّلة، فلا أملك واحدًا أيضًا، وهذا أمرٌ مؤسف حقًا.]
الرسائل وسيلة تواصلٍ مذهلة حقًا. شعرتُ وكأن فالنتين يقف أمامي يسخر مني مباشرة.
رفعتُ عينيّ عن الرسالة للحظةٍ ونظرتُ إلى مرآة الزينة. كان وجهي يبتسم ببلاهة، متناسيًا هيبة الأميرة، فأعدتُ تعابيري إلى الجدّية. أمام فالنتين لم أشعر برغبة في الابتسام هكذا، فلماذا الآن؟
ثم جاءت إجاباتٌ عن أسئلتي المتعلّقة بالنبوءات.
[كل ما يتعلّق بالنبوءات يُعد من الأسرار العليا التي تتولّاها الكنيسة البابوية، لذا لا يمكنني اطلاعكِ عليها، على الأقل ليس كتابةً. لكن إجابة تقريبيّة، فالمستقبل الذي أراه قد يكون أكثر تفصيلًا ودقّة مما تتوقعين، أو قد يكون غامضًا كسماءٍ تنعكس على بحيرةٍ ضبابية.]
إجابةٌ مبهمةٌ للغاية. هل هذه طريقة الرّد الموصى بها من الكنيسة؟
يبدو أن أي سؤالٍ عن النبوءات يُرفض إذا كان سيُسجل كتابةً. وهذا قد يعني أن عليّ سؤاله وجهًا لوجه. لكن أسئلتي عن النبوءات كانت مجرد حشوٍ لملء الرسالة، فلا أعلم إن كنتُ سأسأل مجددًا.
[هل انحلّت كل تساؤلاتكِ يا صاحبة السمو؟ كتابة ردٍّ على رسالةٍ مليئة بالأسئلة كانت تجربة مُفيدة لي أيضًا. أتمنّى لكِ الصحّة حتى نلتقي مجددًا.
من فالنتين فلاديميروفيتش دميتريف، كونت ناريان، وبارون ماهيكوب، وفيكونت ساليزار.]
كم هو غني بالألقاب.
… ثم ماذا؟
“كيف أتابع بعد هذا؟”
بل هل يمكنني المتابعة أصلًا؟ لقد أنهى الرسالة بطريقةٍ تقطع كل خيوط التواصل. أليس هذا تلميحًا لعدم متابعة المراسلة؟
بينما أتخبّط بحثًا عن حل، لمستُ شيئًا خشنًا على ظهر الرّسالة المطوية. كانت ورقة صغيرة ملصقة. نزعتها برفقٍ ووجدتُ كتابةً بخطّ يدٍ يبدو أنه لفالنتين.
[مهمّةٌ سرّيّةٌ أطلبها من صاحبة السمو الإمبراطوري لاريسا.
هذه المهمّة هي إجراءٌ استثنائي لتصحيح مستقبل صاحب السمو الإمبراطوري فاسيلي، ويجب أن تظلّ سرًّا بيني وبين صاحبة السمو لاريسا فقط.
أرجو منكِ التخطيط والعمل على مهمّةٍ تكميليّةٍ للمستقبل تفيد مستقبل صاحب السمو فاسيلي. أيّ خطّةٍ كافية. سجّلي تقريرًا مختصرًا كل ثلاثة أيّامٍ وارسليه لي ليكون مرجعًا مفيدًا. أضع ثقتي بكِ.]
مستقبل فاسيلي… يعني ذلك المستقبل المروّع الذي ينتهي به كطاغية، أليس كذلك؟ من دلالات الرّسالة، يبدو أنه يأمل أن أساعد كعضوٍ في العائلة في منع فاسيلي من السير نحو تلك النّهاية الكابوسية، ولو بمساعدةٍ صغيرة.
صدقًا، تفاجأتُ. كان قد تحدّث عن النبوءات عابرًا، وظننتُ أنه استبعدني تمامًا بعدها، لكنه كان يفكّر بعمقٍ كهذا!
“همم… إذن، أرسل رسالة أخرى بعد ثلاثة أيام؟”
مهمّةٌ سرّيّة.
كلمةٌ بسيطةٌ جعلت قلبي يخفق كطفلةٍ صغيرة. وأنا بالفعل طفلة، لكن!
قرأتُ الجمل الصغيرة في الملاحظة مرّاتٍ عدّة، ثم فتحتُ دفترًا جديدًا. حسنًا، لأجل مستقبل فاسيلي المشرق، ما المهام السرّيّة التي يمكنني تنفيذها؟ الرّسالة الأولى بعد ثلاثة أيّام -أو بالأحرى التقرير المموّه كرسالة- يجب أن تحتوي على مهامٍ مختارةٍ بعنايةٍ لتأكيدها.
فكّرتُ لأيّامٍ في [خطط دعم فاسيلي ليصبح إمبراطورًا عادلًا]، وأخيرًا اخترتُ خمس مهامٍ أرسلتها إلى فالنتين بعد ثلاثة أيام.
لكن الرّد تأخّر أكثر مما توقّعتُ.
بعد رسالتين فقط، بدأ موسم المناسبات الاجتماعيّة لهذا العام.
موسم المناسبات.
الفترة التي تلي انتهاء سهرات الشتاء في فبراير، حيث تتألّق ماخاتشكالا بأبهى حللها. يزدحم القصر الإمبراطوري، قلب هذا الموسم، بنبلاءٍ ونبيلاتٍ من أرجاء إمبراطوريّة أوهالا.
في مارس، حين يعبق الربيع، تمتلئ ماخاتشكالا المزدهرة أصلًا بجموعٍ أكبر. لا يوجد في أوهالا سوق زواجٍ أكثر استعدادًا من ماخاتشكالا في مارس.
تتسابق النّبيلات اللواتي يبلغن السابعة عشرة هذا الرّبيع لتحيّة الإمبراطورة بعد بلوغهن، بينما يقف النبلاء في نفس العمر أمام الإمبراطور معلنين طموحاتهم الأولى.
ما إن يبلغوا حتى يُلقوا في بحر المناسبات كصيادين وفرائس في آنٍ واحد، مما يجعل هذا الموسم مفعمًا بالإثارة والضجيج.
بالطبع، للآخرين وليس لي.
“الأزرق الداكن فظيع. يطفئ حيوية وجه لارا الجميل! الوردي أو الأصفر الفاتح أو الأبيض أفضل. استخدمي الألوان الزاهية فقط.”
تحت أوامر تاتيانا الحاسمة، ازدادت حركة الخادمة انشغالًا. وفي لحظة، استُبدلت زهرة البوق الزرقاء في شعري بزهرة تفّاحٍ بيضاء. عندها فقط أومأت تاتيانا برضا.
اليوم هو اليوم الأول المنتظر لبداية موسم المناسبات في إمبراطوريّة أوهالا.
يومٌ يجتمع فيه أبناء النخبة وآباؤهم من أنحاء الإمبراطوريّة لتحية الإمبراطور والإمبراطورة بمناسبة بلوغهم.
كحدثٍ كبير يفتتح الموسم، استيقظتُ أنا وتاتيانا باكرًا للاستعداد لاستقبال الضيوف.
نجلس إلى جانب أمّي، الإمبراطورة، لتلقّي تحيّات النّبيلات، حافظين على هيبة العائلة الإمبراطوريّة.
‘لا أفهم كيف يرتبط الجلوس كالدمية بالهيبة.’
تنهدتُ وأنا أشعر بالإرهاق مسبقًا.
“يمكنني ارتداء أي شيء ببساطة.”
“كما تعلمين يا لارا، أكثر كلمةٍ أكرهها هي ‘ببساطة’. لا مكان لها في قاموسنا. قفي ساكنةً ودعيني أتولّى كل شيء.”
“أليس من الأجدر أن تهتمي بملابسكِ أنتِ يا تانيا؟ كل الرجال الذين راقبوكِ سيختلسون النظر. العام القادم ستصبحين بالغة.”
“هرّتي الصغيرة الجميلة، لقد اخترتُ مرشحي للزواج منذ زمن، فلا داعٍ للقلق. المهم الآن أنتِ يا لارا. حان وقت البدء في اختيار مرشحي زوجكِ. سنبدأ الاستكشاف تدريجيًّا من اليوم.”
الزوج مرّةً أخرى. اختيار زوجٍ لي هو بلا شك أحد أعظم أحلام تاتيانا في الحياة.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 19"